التصوير المصرى والبحث عن الهوية

زين إبراهيم
احتفل المركز الثقافى الروسى بقيادة المثقف شريف جاد بإصدار كتاب «الفنون الجميلة فى مصر الحديثة.. النحت - التصوير - العمارة»، وهو أول كتاب عن الفن المصرى الحديث باللغة الروسية، للدكتور أسامة السروى المستشار الثقافى السابق لمصر بروسيا وأستاذ النحت بكلية التربية الفنية جامعة حلوان، الذى صدر ضمن مطبوعات جامعة بيلجورود الروسية، التى قررت اعتماد الكتاب وتدريسه على طلاب الجامعة، تكريما للفن المصرى العريق.. ونظرا لأهمية الكتاب وقيمته العلمية، فإننا نستعرضه فى عدة حلقات لعلنا نعطى السروى حقه العلمى والأدبى بعد أن تجاهلت الجهات المسئولة الدور المهم الذى يلعبه بجهد فردى صرف.
تماما، كما حدث فى مجالات الإبداع الأخرى كان أن اهتم التصوير المصرى وهو لايزال فى المهد بالموضوعات المحلية كتصوير الفلاحين والمناظر التقليدية للقرية المصرية والحياة الشعبية، كمدخل لتحقيق الأصالة يتوازى مع التوجه إلى التراث الفرعونى كتعبير عن الهوية المصرية، وكانت فى ذلك محاولات عديدة لتأصيل فن مصرى معاصر.
• محمود سعيد (1897 - 1964)
فى الوقت الذى تناول فيه محمود مختار بنت الريف والفلاحة، نجد بنات بحرى وفتيات الإسكندرية يظهرن فى أوضاع الموديل، حيث جلسن خصيصاً ليرسمهن الفنان وهنا يقدم محمود سعيد نفسه كفنان بورتريه من الدرجة الأولى، ولم تكن مهمة محمود سعيد بالبسيطة إذن، فهو يبدأ من نقطة الصفر وفى نفس الوقت لا يريد أن ينقل أساليب عظماء الفن الذين شاهدهم وتعرف إلى بعضهم فى أوروبا، وتتنوع أعمال محمود سعيد بين، أجواء ريفية مشبعة بالسحر فى عزلة تامة دون ضجيج الحياة التى نعيشها، مما يجعلها تتمتع بمثالية لها خصوصيتها التى يراها الفنان وحده، حيث توجد فى مخيلته هو.. وبين مشاهد كورنيش الإسكندرية الهادئ الأسطورى.. حيث باعة العرقسوس وتجوالات بنات بحرى ولم يقف محمود سعيد عند ملامح وجوه موديلاته اللاتى يصورهن بشكل تسجيلى، وإنما يحاول أن يقدم أولاً رؤية فلسفية وأسطورية، وثانياً رؤية نفسية من خلال تأمله لأعماق الشخصية الجالسة أمامه وكذلك المناخ البيئى المحيط.
• جيل محمود سعيد
• محمد ناجى ( 1888 - 1956 )
أتم دراسته للقانون بفرنسا فى 1910 ثم التحق بأكاديمية فلورنسا للفنون الجميلة حتى عام 1914 ليدرس الفن على أسس أكاديمية ثم يعود وبعد سنوات من الممارسة استطاع خلالها أن يؤسس أسلوبه ويبلور شخصيته الفنية ليكون أول مدير مصرى لمدرسة الفنون الجميلة العليا سنة 1937 وكان يفكر بأن النهضة المصرية ينبغى أن تقوم على روح جديدة - توفيقية فى الأساس.. وذلك فى اطار رؤيته للإجابة على سؤال الهوية الذى كان مطروحاً بقوة فى عصرة فى محاولة للتوفيق بين الثقافة الوافدة من الناحية الغرب وأوروبا وبين الثقافة الوطنية الموروثة.
• يوسف كامل (1891 - 1971)
كان مرتبطاً بالحركة الانطباعية منذ بداية عهده بالفن وكان ميله إلى التحرر من المراسم والأساليب الكلاسيكية وحبه للطبيعة فى رحابتها وانطلاقها من الأسباب التى جذبته إلى فن الانطباعيين.. وكان يوسف كامل يكرر دائما: «لقد ولدت بنزعة انطباعية وسأظل كذلك».. وظل وفيا ملتزما بتعاليمها.
• راغب عياد ( 1892 - 1982 )
انتهج راغب عياد أسلوباً مغايراً على الرغم من كونه ينتمى إلى الدفعة الأولى بمدرسة الفنون الجميلة، وعلى الرغم من أنه استكمل دراسته للفن بإيطاليا، فإن فنه اتجه إلى التعبير عن كل ما يلمس واقعه المحلى وحياة الفلاحين البسطاء، متأثرا بخصائص التصوير المصرى القديم والقبطى الشعبى.. ويقدم الفنان عبر رؤاه وصياغاته الجديدة المستقاة من تراث مصر العريق والحياة الشعبية بخشونتها وفجاجتها، تلك المليئة بالعمل والكفاح والجد والاجتهاد.
• أحمد صبرى (1889 - 1955)
يأتى أحمد صبرى كأول مصور مصرى قادر على التقاط الملامح وتسجيلها بالألوان الزيتية بنفس المستوى الذى قدمه أساتذته النفسيون والإيطاليون، وغيرهم من الأجانب، محافظاً فى ذلك على التقاليد الأوروبية الأكاديمية.. التى كان يكن لها احتراماً كبيراً، لا سيما فى فن البورتريه.. ويذكر أن معظم إنتاج الفنان ينحصر فى مجال الصورة الشخصية، حيث لم يهتم كثيراً بمجالات التصوير التقليدية الأخرى.
• الجيل الثاني
وقد تتلمذ على يد هؤلاء الفنانين الذين أشرنا إليهم الآن العديد من الأجيال التى تأثرت بهم تأثراً واضحاً.. وضم الجيل الثانى العديد من الأسماء البارزة التى تسلمت راية الإبداع.. ليواصلوا النهوض بالحياة الثقافية والفنية بمصر.. ومن بين الجيل الثانى نذكر:
• حسنى البنانى (1913 - 1988):
كان ممن تتلمذوا على يد يوسف كامل.. وتميزت أعماله بقوة اللون وغنائيته التى تنم عن صدقه وإخلاصه للمدرسة التأثيرية.
• حسين بيكار (1913- 2002):
هو صاحب مدرسة للفن الصحفى وصحافة الأطفال بصفة خاصة، بل هو رائدها الأول فى مصر. له أسلوب بسيط واضح ارتفع بمستوى الرسم الصحفى ليقترب من العمل الفنى، أما لوحاته الزيتية فتتميز بمستواها الرفيع فى التكوين والتلوين وقوة التعبير، فهو فنان مرهف حساس، وناقد فنى شاعرى الأسلوب.
• صلاح طاهر (1911 - 2007):
مثّل فى بدايته تجسيدا للمدرسة الواقعية فى الفن ثم ما لبث أن انتقل إلى المدرسة التجريدية، وحاول الخلط ما بين المدرستين، الذى كان نتاجه مرحلة فى حياته تسمى بمرحلة التجريدية الوسطية، كذلك رسم صلاح طاهر العديد من البورتريهات، وقد رسم العديد من الشخصيات أمثال جمال عبدالناصر وأنور السادات.
• كامل مصطفى (1917 - 1982):
ولد بالإسكندرية، وساعده الرائد محمود سعيد للالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة، وقد التزم فى أسلوبه ملامح أكاديمية تميل إلى التأثيرية، وبرع فى تصوير البورتريه والمناظر الطبيعية.
• عبد الهادى الجزار (1925 - 1966):
يمثل عبد الهادى الجزار مرحلة انتقالية مهمة فى تاريخ التصوير المصرى الحديث، التحق الجزار بمدرسة الفنون الجميلة بعد أن ترك دراسة الطب عام 1944، وقد بدأ إنتاجه الفنى بمرحلة اهتم فيها بتصوير تخيلاته عن عالم الإنسان الأول عند بدء الخليقة مستخدما القواقع كرمز للحماية ثم انتقل إلى المرحلة الوسطى فى فترة انشغل بالتعبير عن الحياة الشعبية فى مدن مصر، وكان من أهدافه وأهداف الفن المصرى المعاصر فى تلك المرحلة الابتعاد عن الشكل الأكاديمى الغربى.
• حامد ندا (1924 - 1990):
أبدع على مر تاريخه الفنى ما يشبه بسيريالية مصرية خاصة به. فاتخذ من شخص المرأة رمزا متكررا فى كل أعماله تقريباً بعد أن أدخل عليها تحويراته وصياغاته الجديدة ليجعلها بطلة أسطورية من صنعه هو فيثرى بها إبداعاته على مر حياته الفنية كلها.
• حامد عويس ( 1919-2011 )
يعد من أكثر الفنانين ارتباطاً بواقع الطبقة العاملة ومعاناتها، وإيماناً بمستقبلها وقدرها فى قيادة حركة التقدم الاجتماعى.. ومن ثم كانت لوحاته مرادفة للأحداث والتحولات الثورية والاجتماعية فى مسيرة ثورة 1952 ، بل مبشرة بمستقبل للشعب الذى تتضافر طبقاته المنتجة لتحقيقه وتقف متماسكة ضد القوى المعادية لها، واتخذ لتحقيق هذه المضامين أسلوباً فنياً قادراً على المثالية الملحمية والتبسيط الفطرى والعناصر الشعبية، ومع تطور مراحله أصبح أكثر ميلاً إلى الرمزية والاختزال والبنائية الراسخة.
• الحسين فوزى (1905 - 1998)
عاد من باريس عام 1934 بعد قضاء أربع سنوات من الدراسة على يد الفنان فوجيرا فى فن التصوير وفى دراسة فن الجرافيك بمدرسة «إستين»، وقام بالتدريس بقسم الجرافيك، وكانت نقطة التحول الكبرى فى حياته الفنية عندما ذهب إلى مرسم الأقصر ليتولى الإشراف على جيل الشباب هناك. وهناك وجد نفسه وجهاً لوجه أمام الفن المصرى القديم بشموخه المعمارى، وانعكس ذلك على أعمال الفنان فعمد إلى التبسيط والتحليل مع اهتمام خاص بالخط المحيط الذى يحدد ويؤكد كتلة الشكل.
• وإلى الجيل الثانى أيضاً ينضم كل من :
• فؤاد كامل ( 1919 - 1973 )
الذى كان من اوئل الفنانين المتمردين فى الفن وشارك مشاركة إيجابية فى جميع حركات التجديد التى ثارت على القوالب المدرسية والاتجاهات المألوفة فى الفن الحديث.
• صبرى راغب ( 1920 - 2000 )
وهو من رواد فن البورتريه فى مصر والعالم العربى، وقد تفوق فى رسم الوجوه الشخصية وهو يتميز بقدرته على تحويل الصورة الشخصية إلى موضوع فنى إذ يحقق فى لوحاته نوعاً من التعبير، كالإشارة أو التأمل أو الاستهتار أو الكبرياء أو التدلل أو الرقة.
• زينب السجينى (1930)
التى حرصت على أن تكون المرأة هى محور أعمالها، حيث إنها تناولت فى لوحاتها موضوعات خاصة بالأمومة والطفولة، فليس هناك لوحة إلا وكانت المرأة جزءًا منها. أرادت زينب أن تعطى المرأة مساحة كبيرة من أعمالها.
• شادى عبد السلام (1930 - 1986):
التحق بكلية الفنون الجميلة عام 1950 وتخرج عام 1955 فى قسم العمارة وأتاحت له تلك الفترة أن يكون تلميذاً للمعمارى الشهير حسن فتحى.. بدأ حياته الفنية مصمماً للديكور وعمل مساعداً للمهندس الفنى رمسيس ويصا واصف 1957، ثم عمل مساعداً للإخراج فى عدة أفلام كان أغلبها لمخرجين أجانب كذلك أدرك شادى أن الفنون التشكيلية هى قيمة مهمة فى السينما، فقد يبدع الفنان لوحة تشكيلية رائعة ولكن التكوين يكون فيها ثابتاً.
• حسن سليمان (1928 - 2008):
رسم حسن سليمان لوحته الرائعة «العمل فى الحقل» عام 1962 وهى من أجمل ما أنتج فى حياته الفنية الثرية وأصبحت من أيقونات الفن المصرى المعاصر .
• جاذبية سرى ( 1925 ) :
كانت بدايات جاذبية سرى فى نهاية الأربعينيات لا تتضمن أكثر من مشاهد من الحياة اليومية وموضوعات ريفية وشعبية بأسلوبها الخاص، غير أن جاذبية تطورت بفنها مع نهاية الخمسينيات لتتضمن أعمالها، إلى جانب مشاهد الحياة الشعبية واليومية، واستطاعت أن تخط اسمها لتكون واحدة من أبرز فنانى جيلها مع بداية خمسينيات القرن المنصرم.. وتبدو لوحات فترة الستينيات عامرة بالمناظر الطبيعية ذات البعد الإنسانى المشحون تعبيرياً.. وتأتى مجموعة أعمالها بعنوان «الناس والبيوت» فى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات ممزوجة بالحس الإنسانى البليغ.
• إنجى أفلاطون (1924 - 1989):
تتلمذت على يد كامل التلمسانى السيريالى وأحد أعمدة جماعة الفن والحرية فى سنوات الأربعينيات، واتجهت إلى الكتابة حينما هجرت الفن التشكيلى وتمردت عليه فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتعود إنجى أفلاطون إلى الفن بعد أن استعادت ثقتها به وبدوره فى المجتمع وأقامت الفنانة معرضها الخاص فى 1952 وكان واضحاً فيه انحيازها الواضح لقضية المرأة المقهورة.. واتبعت الفنانة أسلوباً فنياً يهدف إلى تركيز الجوانب التعبيرية والانفعالية ويأتى ذلك أيضاً متزامناً مع زميلة كفاحها تحية حليم (1919 -2003).. وهناك فنانون متميزون منهم سيف وأدهم وانلى وأخريات مثل عفت ناجى وإمى نمر ونازك حمدى ومرجريت نخلة وزينب عبدالحميد وآخرون.. ولا تزال رحلة التصوير فى مصر مستمرة ومتألقة بأعمال الأجيال التالية. •