الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

خبراء المياه والزراعة: السيول يجب أن تكون نعمة لا نقمة

خبراء المياه والزراعة:  السيول يجب أن تكون نعمة لا نقمة
خبراء المياه والزراعة: السيول يجب أن تكون نعمة لا نقمة


مرة أخرى حذرت هيئة الأرصاد الجوية من موجة سيول ستجتاح مصر هذه الأيام.. ومرة أخرى أصبحت السيول المائية تسبب كوارث. وكانت محافظات مصر شهدت فى الفترة الماضية سيولا تسببت فى العديد من الأزمات وعشرات الضحايا، رغم أنها ثروة مائية مهدرة يمكن استخدامها لاستزراع الأراضى الزراعية وإحداث طفرة فى الزراعة المصرية، حيث تشكل ندرة الموارد المائية هاجسا كبيرا يحد من تنفيذ الخطط والبرامج المائية، ولكن ما نعانيه الآن بسبب تقاعس المسئولين فى اتخاذ الحماية والتخزين التى تنفذها وزارة الموارد المائية والرى، ولم تنجح فى استغلال تلك السيول وعدم تنفيذها وفق المواصفات اللازمة لبناء السدود والخزانات الجوفية.
وأكد عدد من الخبراء فى مجال الموارد المائية والرى أن أزمة السيول تتطلب وضع خطط مستمرة طويلة المدى لتفادى تلك الأزمة، مشيرين إلى أنه لابد من اتخاذ الإجراءات اللازمة فى الوقت الحالى من تطوير مخرات السيول، حتى يتم تحويل المياه إلى مسار آخر لتجنب وقوع أى ضحايا، كما يمكن الاستفادة منها فى مجالات أخرى.. وأشاروا إلى أن تخزين مياه السيول لا تعوض نقص مياه النيل الناتجة عن بناء سد النهضة الإثيوبى، مؤكدين أنه يمكن الاستفادة من المياه من خلال تخزينها كمياه جوفية صالحة للزراعة وغيرها.
وقال د.سرحان سليمان، الخبير الاقتصادى بمركز البحوث الزراعية: الدولة تتحمل خسائر باهظة لإصلاح الأضرار الناتجة عن السيول، التى تدمر شبكات الطرق والمنازل والأراضى الزراعية والمنتجعات السياحية بشرم الشيخ وسفاجا وطابا وجميع الأماكن السياحية الساحلية والجبلية، ولبنان تعتمد فى الشرب على مياه الأمطار وعلى الطرق العامة تجد تقسيمات الكهرباء فى جهة ومصبات المياه فى جهة أخرى، أو تصب فى الصرف الصحى الذى يتم استخدامه بعد تنقيته مرتين أو ثلاثا ويستخدم فى الزراعة، والله أرسل إلينا مياها بدون ثمن ولم يتم الاستفادة منها، فتم إهلاك 43 مليار متر من المياه، فإذا كانت الحكومة الحالية والحكومات السابقة استفادت بتجربة الرومان الذين بنوا لها سدودا فى سيناء استمرت آلاف السنين، ولكن للأسف نظروا إلى المشكلة من زاوية سطحية وبناء أنفاق جانبية لمرور المياه، ولم يتم الاستفادة من السدود التى أقامها الرومان وعمل سدود شبيهة لها.
أضاف «سليمان»: يمكن الاستفادة من مياه السيول بعمل خزانات جاهزة لاستقبال السيول وتخزينها، وأصبح الآن من السهل معرفة أماكن هذه السيول وحجمها ومقدارها للاستفادة منها كمخزون مياه فى الزراعة، ومن المتوقع هذا العام فى ظل تغير المناخ أن تشهد مصر العديد من السيول، ولا توجد تقديرات محددة لحجمها لكنها قد تصل إلى 3 مليارات متر مكعب «تقديرات شخصية»، وتعتبر موردا للمياه يمكن الاستفادة منه فى ظل تناقص حصة الفرد من المياه فى مصر، والذى أصبح تحت خط الفقر والذى يتراوح حول 600 متر مكعب سنويا، فى حين خط الفقر المائى نحو 1000 متر مكعب سنوياً، وهناك خرائط بأماكن السيول ويمكن بناء خطة مستقبلية بل استثمارية للاستفادة منها خاصة أن هذه المياه من أفضل أنواع مياه الرى.
ورغم أن ظاهرة السيول والأمطار الغزيرة تتركز فى المحافظات الشمالية والمحافظات الصحراوية، إلا أنها ظهرت فى القاهرة الكبرى، فمناطق مثل المقطم والدويقة ذات صخور غير مستقرة، ومع زيادة الأمطار تكون أكثر خطورة على الأرواح البشرية وستحدث خسائر كبيرة لا حصر لها، ولذلك يجب على الجهات المسئولة أن يكونوا مستعدين لتطوير شبكات صرف الأمطار ومشروعات الحماية، لأن هيئة الأرصاد الجوية ترسل إنذارات متتالية لجميع المحافظات التى تتعرض لهذه الظواهر، ولكن للأسف لم تأخذ الجهات التنفيذية احتياطاتها فتنتج خسائر مادية وخسائر بشرية.
وقال د.نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة: الأزمة الحقيقية أننا لا نستفيد من مياه الأمطار مثل الدول الغنية لأن البنية الأساسية لم تكن مصممة على أساس علمى لمواجهة مثل هذه الكوارث، وأن المشروعات التى تنفذها وزارة الرى لا تتم بالمواصفات القياسية والأساليب العلمية، خاصة فيما يتعلق بإنشاء السدود التى يفترض أن يتم تصميمها بطريقة زجزاجية متقاطعة وعلى أبعاد متفاوتة، بحيث تحد من سرعة المياه الجارفة عندما ترتطم بهذه الموانع، إلا أن عدم إتمام هذه العمليات بحرفية تسبب فى انهيار عدد من السدود، كما أن مناسيب المياه ترتفع أحيانا عن بعض السدود وتؤدى إلى انهيارها.. وبالتالى لعدم استعدادنا للسيول تحولت هذه النعمة إلى نقمة بسبب تآكل البنية التحتية لنتخلص من السيول والاستفادة بها، وغير ذلك من إهمال الحكومة وتركها للأبنية التى تقام بشكل عشوائى وغياب الرقابة، من خطورة البناء على مخرات السيول وهى المجارى التى يتخذها السيل أثناء حركته، فهذه الخطورة تزيد فى المخرات التى تخترق الكتل السكانية داخل المدن، كما أن المخرات الواقعة فى القاهرة والجيزة وباقى محافظات الوجه القبلى تعرضت للتعديات والبناء عليها، كما حدث فى سيناء من بناء الحكومة نفسها القرية الأوليمبية على مخر السيل، وتحدث الكارثة التى تُعرض حياة آلاف المواطنين المقيمين فى هذه الأماكن للخطر وقت سقوط الأمطار عليهم.
أضاف «نور الدين» أن حجم الأمطار التى تهطل على مصر طبقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة عام 2012، يبلغ 51 مليار متر مكعب سنويا، وينبغى الاستفادة منها بالتوسع فى إنشاء مصائد الأمطار، خاصة فى المنطقة بين غرب الإسكندرية ومطروح والسلوم ثم محافظات سيناء والبحر الأحمر وحلايب وشلاتين، مع حماية محافظات الصعيد من هذه السيول خاصة المجاورة للجبال، ولابد من اتخاذ الإجراءات اللازمة منها المحافظة على مخرات السيول التى يتساقط عليها السيل، والقيام بصيانة تلك المخرات التى لم تتم صيانتها منذ عشرات السنين، فضلا عن تصميم قواعد وقاية من الفيضان تقوم بتحويل السيل إلى مسار آخر بدلا من تدمير المناطق ووقوع ضحايا.
وأوضح أن السيول نوعان منها نيلية ولها مخرات تأخذها إلى نهر النيل، والثانية صحراوية فى المناطق التى تحيطها الجبال مثل محافظات سيناء والبحر الأحمر، والخطورة أن الأمطار تهبط من أعلى الجبال بما يكسبها سرعة وقدرة تدميرية هائلة تقضى على الأخضر واليابس، وهذا هو الفرق بين السيول والأمطار الغزيرة، حيث إن السيول مياه متحركة ولها قدرة تدميرية عالية وضررها أعلى من فائدتها، أما الأمطار الغزيرة فتهبط على المحافظات غير المحاطة بالجبال والمنحدرات، فهى مياه غير متحركة ويرتفع منسوبها فقط ربما إلى متر دون قدرات تدميرية، مثل سيول العام الماضى على الإسكندرية والدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة، فهى ليست سيولا وإنما أمطار غزيرة.•