الجنيه يعوم .. والسوق تغرق !!

محمد عبد العاطي وريشة احمد جعيصة
ضربات موجهة تلقاها المواطنون ومحدودو الدخل بعد قرارات البنك المركزى بتعويم الجنيه المصرى كاملا دون أن يفرض سعرا محددا له، وفى اليوم نفسه قررت وزارة البترول رفع أسعار الطاقة مثل البنزين والسولار والغاز الطبيعى فيما يسمى بقرارات 3 نوفمبر لتسود حالة من الارتباك داخل الأسواق.
انعكاسات كثيرة سيتسبب فيها قرار تعويم الجنيه بداية من السلع الأساسية التى كان يجرى تمويلها من البنك المركزى بسعر 8.88 جنيه الآن ارتفع سعرها إلى ما يقرب من الضعف تقريبا بعد تحرير سعر الصرف وإتاحة الفرصة للبنوك للتحرك بعيدا عن السعر الاسترشادى الذى جرى وضعه والبالغ 13 جنيها للدولار.. وجاءت القرارات الأخيرة لتتواكب مع متطلبات صندوق النقد الدولى الذى طالب بوجود سعر واحد للعملة عبر تحرير سعر الصرف، إضافة إلى رفع الدعم عن الوقود، وهو ما زاد من أوجاع المواطنين وتسبب فى موجة كبيرة من ارتفاع الأسعار.
• تداعيات خطيرة
قفز سعر الدولار فى المتوسط بعد قرار التعويم فى المتوسط إلى 15.5 جنيه فى بعض البنوك ليكشف عن توقعات بارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات كبيرة قد لا يتحملها المواطن فى ظل اضطرار وزارة البترول إلى تحريك أسعار المحروقات بعد قرار التعويم لأنه كان يجرى استيراد المواد البترولية والدولار سعره 8.88 والآن قفز إلى الضعف تقريبا.
ومن أهم النقاط التى جرت ملاحظتها عقب صدور قرار تحرير سعر الصرف هو الفارق الكبير بين سعر الشراء والبيع للعملات الأجنبية الذى يصل إلى جنيه دفعة واحدة فى حين كان الفارق بضعة قروش فى السابق.
ومن جهتها، اتخذت وزارة التموين قرارا برفع الدعم ثلاثة جنيهات ليصل إلى 21 جنيها بدلا من 18 جنيها لمواجهة ارتفاع الأسعار، وقبلها قامت بتحريك أثمان السلع على البطاقات التموينية حيث بلغ سعر السكر سبعة جنيهات بدلا من خمسة.
ووصل سعر بنزين 80 إلى 2.35 جنيه بدلا من 1.6 جنيه، بينما قفز سعر بنزين 92 إلى 3.5 جنيه بدلا من 2.6 جنيه للتر، فى حين بلغ سعر السولار 2.35 بدلا من 1.8 جنيه للتر الواحد، فى حين بلغ المتر المكعب من غاز السيارات إلى 1.6 جنيه بدلا من 1.1 جنيه، فى حين لم تقرر الحكومة رفع أسعار بنزين 95 نظرا لأن سعره 6.25 وهو غير مدعوم.
ومن المنتظر أن تشهد الأسواق ارتفاعا بسبب تحريك أسعار المحروقات نظرا لارتفاع تكلفة نقل السلع والمنتجات المختلفة، فضلا عن تكلفة ارتفاع المواصلات لدى المواطنين، مما يزيد من الضغوطات على المواطنين.
وأمام قرار التعويم قرر البنك المركزى رفع أسعار الفائدة بنسبة 3% على الإيداع والإقراض، وهو ما له تداعيات سلبية على معدلات الاستثمار، حيث سيرفع من تكلفة الاقتراض من البنوك لنسبة قد تصل إلى 20%، مما يساهم فى زيادة غير مباشرة للأسعار بسبب حساب التكلفة الكبيرة للقرض.. ولجأت بعض البنوك الحكومة إلى طرح شهادات استثمار لمدة ثلاث سنوات تبلغ قيمة الفائدة عليها 16% يجرى صرفها كل شهر فيما أصدرت أيضا شهادات أخرى بعائد يصل إلى 20% مدتها عام ونصف العام لتشجيع المصريين على الادخار والاستفادة من العائد، وقبل كل ذلك مكافحة المعدلات الكبيرة فى التضخم التى من المنتظر أن تقفز بسبب الارتفاع الكبير فى الأسعار وقرارات التعويم ورفع أسعار البنزين.
وسيمثل قرار تعويم الجنيه وترك سعره لمقتضيات العرض والطلب داخل السوق علامة فارقة فى زيادة الديون على الدولة بداية من الدين الخارجى البالغ 55.7 مليار دولار، حيث كان يجرى حسابه وفقا للسعر القديم للدولار عند 8.88 والآن قفز إلى 15.5 جنيها تقريبا أى أن هذا الدين تضاعف تلقائيا.
أما الدين الداخلى والبالغ 2.6 تريليون جنيه فسيترفع هو الآخر نظرا لأن الاستدانة من البنوك عبر أذون الخزانة سترتفع الفائدة عليها إلى 20% تقريبا كى يمكن تغطية التكاليف وهى أزمة جديدة تحاول الحكومة البحث لها عن حلول لإيقاف نزيف خدمة الدين الذى يزداد كل عام والذى بلغ فى الموازنة الحالية 292 مليار جنيه تقريبا وقد تتخطى هذا الرقم.
وتستورد مصر أكثر من 60% من غذائها من الخارج، وهو ما يؤكد صعوبة العيش بدون استيراد إلا إذا تغيرت سياسات الحكومة بالتحول السريع نحو الإنتاج وزيادة الرقعة الزراعية وتوفير فرص عمل عبر تهيئة مناخ جاذب للاستثمار وحل مشاكل المصانع المتعثرة والمغلقة.
وعلى صعيد أسعار الدواء فإن الوضع يبدو خطيرًا للغاية لأن الحكومة لجأت إلى تحريك ثمن الدواء بسبب ارتفاع الدولار إلى 8.88، ولكن مع التعويم فإن الشركات ستطلب رفعًا جديدًا للأسعار بسبب صعوبة تحمل الفارق الكبير بين السعر الذى تشترى به المواد الخام فى الماضى وبعد قرار تحرير سعر الصرف.
ولم تتضح الصورة بشأن مدى استجابة الحكومة لشركات الدواء بشأن ارتفاع الأسعار فى ظل اختفاء الكثير من الأصناف داخل الصيدليات نظرا لعدم تصنيعها بالأساس لعدم جدواها الاقتصادية وفقا لرؤية بعض الشركات.
• السلع الأساسية
شدد «أحمد شيحة» رئيس شعبة المستوردين على أن أسعار السلع الأساسية سترتفع تلقائيا وذلك لأن البنك المركزى كان يمولها بسعر 8.88، ولكن الآن بعد تحريك الأسعار داخل البنوك فإن الرقم قد يرتفع بنسبة كبيرة.
وأضاف شيحة إن السلع الأخرى التى لا يمولها البنك المركزى فإن سعرها ارتفع بسبب حصول من يرغب فى استيرادها على النقد الأجنبى من السوق الموازية بأسعار كبيرة للغاية تصل إلى 17 جنيهًا وربما أكثر.
وأوضح شيحة أنه لا يمكن الجزم بأن السوق السوداء لتجارة العملة ستنتهى إلا إذا نجحت البنوك فى توفير النقد الأجنبى لجميع المستوردين، وبالتالى فإنه لن يكون هناك أى أهمية للسوق الموازية وستختفى.
ومن جهته، أكد محمد دسوقى المحلل المالى أن الحكومة ستلجأ إلى أذون الخزانة لمواجهة الأسعار المرتفعة على الفائدة من وراء الاستدانة، وهو ما يعنى مزيدًا من الارتفاع للديون الداخلية.
وأكد دسوقى أنه يجب على الحكومة أن تضع خطة بحيث توضح البديل إذا لم تستطع الحصول على قرض صندوق النقد الدولى والبالغ 12 مليار دولار مقسمة على ثلاث سنوات حتى لا تتعرض لأزمات جديدة خاصة أنها اتخذت الكثير من القرارات الاقتصادية المهمة التى ستساهم فى رفع الأسعار بشكل كبير.
• ترقب الدواء
يرى محمد فؤاد مدير مركز الحق فى الدواء أن قرار تحرير سعر الصرف سيؤثر سلبيا على قطاع الأدوية داخل مصر بسبب رفع السعر الذى تشترى به الشركات المواد الخام ومستلزمات الإنتاج من 8.88 إلى 15 جنيها وفقا للسعر المعلن من بعض البنوك، وهو ما يزيد من الضغوطات عليها. •