الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مليارات المصريين تتبخر على أيدى «المستريحين»

مليارات المصريين تتبخر على  أيدى «المستريحين»
مليارات المصريين تتبخر على أيدى «المستريحين»


رغم التحذيرات المستمرة منذ العام الماضى من خطورة الاعتماد على أفراد لا يملكون أى دراية فى إدارة الاستثمارات فإن المواطنين عادة ما يسقطون فى فخ «المستريحين» الذين يوهمونهم بأن لديهم القدرة على تحقيق عائد كبير لهم من وراء استثماراتهم ثم يفاجأون بهروب من ينصب عليهم سواء خطط لذلك أو اضطر له بعدما فشلت حساباته التى بناها فى تحقيق مراده.

مؤخرا جرى كشف العشرات من قضايا توظيف الأموال عن طريق اكتشاف هروب المتهمين أو اضطرار الأهالى لملاحقتهم من أجل الحصول على حقوقهم، وكثيرا ما أصيب الضحايا بالمرض أو الموت أو دفعت السيدات ثمن السقوط فى فخ المستريح بتطليقهن.
وبين الرغبة فى الحصول على عائد أو الطمع أو الحياة الاقتصادية الصعبة التى يشعر بها الكثير من المواطنين فى الفترة الأخيرة ظهر من لديه القدرة على إقناع الغير بقدرته على توظيف الأموال وتحقيق العائد السريع من ورائها.
الطمع والنصب
ولا يجد أى نصاب الفرصة للوصول إلى مراده إلا إذا كان الطماع ظاهرا، ولكن ليس كل من سقط ضحية لهؤلاء الطماعين، بل هناك من كان يبحث عن فرصة للحصول على قوت يومه بعدما وجد أن الفوائد داخل البنوك لا تحقق له ما يريد.. يعود لقب المستريح إلى أحد أشهر من عملوا فى مجال توظيف الأموال فى العام الماضى وهو «أحمد مصطفى المستريح» الذى صدر ضده حكم قضائى بالسجن 15 عاما ورد 266 مليون جنيه للمدعين بالحق المدنى وتغريمه 150 مليون جنيه ليسقط بعدها سلسلة من المتهمين يعملون بنفس طريقته من خلال جمع الأموال من المودعين مع وعدهم بحصولهم على مبالغ شهرية مجزية تتراوح ما بين 10 و12% تعينهم على مصاعب الحياة والغلاء الكبير فى الأسعار.
وتمثل سلسلة القضايا المثارة على الساحة حاليا إعادة إنتاج لما يسمى بشركات توظيف الأموال التى ظهرت فى السبعينيات من القرن الماضى التى وقع الكثير من المواطنين ضحية لها مع إلقاء القبض على أصحابها لتظهر بطريقة أخرى فى الوقت الحالى مع تردى الأحوال الاقتصادية وحلم الكثير من المصريين بالهروب من شبح الفقر والالتحاق بالطبقة المتوسطة على أقل تقدير..  والغريب أنه لا توجد فوارق كبيرة بين الضحايا فتجد منهم أصحاب المؤهلات العليا ومن لا يجيد القراءة والكتابة، ومع ذلك فالجميع أمام المستريح مجنى عليهم وكلهم خدعهم كلامه المعسول بالوصول سريعا إلى الثراء من أقصر الطرق.
منذ أسابيع سقط مستريح طنطا الذى جمع ما يقرب من 40 مليون جنيه من 30 مواطنا ثم فر هاربا بعدما أوهم الضحايا أنه يعمل فى مجال الأتيليهات وعلاقته ببعض الفنانين حتى ألقت مباحث الأموال العامة القبض عليه ليواجه مصيره.
ومنذ أكثر من عامين نشط مستريح كفر الشيخ واستولى على 600 مليون جنيه من أهالى عدة قرى بحجة توظيفها وسقط الضحايا فى فخ الديون ثم اكتشفوا أنهم تعرضوا لأكبر عملية نصب فى تاريخهم بعدما حصل المتهم من آلاف الضحايا على أموال من أجل استثمارها، وللأسف بعضهم لم يحتمل الصدمة وفارق الحياة.
ومؤخرا ألقت مباحث شبين الكوم القبض على مستريح فى المنوفية بعدما استولى على 170 مليون جنيه بحجة توظيفها فى قطاع الدواجن والأعلاف وصدر ضده أكثر من 100 حكم قضائى.. وفى الصاغة ظهر مستريح جديد استولى على 11 كيلو من المشغولات الذهبية إضافة إلى 19 مليون جنيه من أجل توظيفها ولاتزال الواقعة مثار حديث كبير من تجار الذهب فى منطقة الجمالية لاسيما أنه عادة ما يتعامل هؤلاء التجار بسمعتهم واسمهم فى السوق.
وظهر مستريح جديد فى القاهرة يعمل مع زوجته فى جمع الأموال حيث حصل على 100 مليون جنيه، وبعدها هرب الزوج فيما جرى القبض على الزوجة من خلال البلاغات المقدمة إلى قسم شرطة الزيتون بعد توقفها عن دفع الفوائد للضحايا ولايزال الزوج هاربا وتبذل الشرطة جهودها لإلقاء القبض عليه.. وهذا بخلاف مستريح الموسكى الذى جمع 15 مليون جنيه وفر هاربا بعدما أوهم ضحاياه عقب تعثره أنه سيقوم بتسديد أموالهم بعد فترة فى حين اكتشف المجنى عليهم أن المحال التجارية التى كان يعمل فيها ليست ملكه.
ونجح مستريح بالشرقية فى الهروب إلى تركيا أواخر الشهر الماضى بعدما جمع 15 مليون جنيه من المواطنين وباع أملاكه فى مصر وفر هاربا، حيث كان يعمل مدرسا تاركا ضحاياه يواجهون مصيرهم.
وفى إمبابة هرب مستريح جديد باع الوهم لجيرانه بعدما استغل سمعة والده الطيبة فى النصب على المواطنين من خلال إيهامهم بأنه يعمل فى مجال الإلكترونيات ولديه وظيفة بالجامعة الأمريكية وبعدما جمع 40 مليون جنيه فر هاربا.
وأصبح غير مستغرب انتشار «جروبات» عبر مواقع التواصل الاجتماعى تطالب بملاحقة شخص ما مع وضع صورته وجميع البيانات اللازمة للتعرف عليه فى محاولة من الضحايا للمساعدة فى إلقاء القبض على من نصب عليهم.
• أزمة متوطنة
اعتبر هانى توفيق خبير الاستثمار أن وجود ظاهرة المستريح فى الحياة الاقتصادية ما هو إلا أثر جانبى للركود وارتفاع نسبة البطالة إضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم وارتفاع الأسعار، وهو ما يزيد من نشاط هولاء ويمنحهم مساحة للتحرك بين المواطنين لخداعهم والعمل على جمع أكبر قدر من أموالهم لتشغيلها ثم الفرار بعيدا عن الأعين.
وأضاف توفيق أنه كل 30 عاما يبدأ ما يسمى بالمستريح فى النشاط حين ينسى الناس جرائمهم، وأبرز دليل على ذلك شركات توظيف الأموال فى القرن الماضى التى كانت تعمل بقوة حتى سقطت فور تعثرها.
وأشار توفيق إلى أن الجهل هو أحد أهم الأسباب التى يعمل عليها من يرغبون فى العمل بمجال توظيف الأموال لجمع حصيلتهم ثم الفرار بها فضلا عن ضعف الأداء الرقابى، مما يمنح هؤلاء مساحة كبيرة للتحرك فى مختلف القطاعات.. واختتم توفيق حديثه بأن ارتفاع نسبة التضخم، وبالتالى زيادة أسعار السلع والخدمات ساهم فى الضغط على مدخرات المصريين، مما قلل من القوة الشرائية لنقودهم، وبالتالى فإن ظهور المستريح ووعده للمواطنين بتحقيق عوائد مرتفعة للاستثمار يساهم فى إغرائهم، وبالتالى منحه الكثير من الأموال.
أكد الدكتور صلاح هاشم أستاذ التخطيط والتنمية بجامعة الفيوم ورئيس الاتحاد المصرى لسياسات التنمية الاجتماعية أن الظروف الاقتصادية التى تمر بها مصر تمثل البيئة الحاضنة لما يسمى بالمستريحين أو الأشخاص الذين ينشطون فى مجال جمع الأموال بغرض توظيفها من أجل حصول أصحابها على عائد.. وأضاف هاشم أنه من الملاحظ تضرر الكثير من المصانع فى الفترة الأخيرة وعدم قدرتها على العمل بقوة مثلما كان فى السابق، وهو ما تسبب فى ارتفاع نسبة البطالة وحاجة المواطنين للبحث عن مصدر دخل لهم يساعدهم فى الوفاء بالتزاماتهم وتلبية متطلبات حياتهم، مما دفعهم للجوء إلى من يقومون بتوظيف الأموال.. واستكمل هاشم حديثه بأن الصعوبات التى تواجه الاستثمار فى مصر بكل ما فيه من معوقات وبيروقراطية فإن الكثير من رجال الأعمال لجأ إلى وضع أمواله فى البنوك وانتظار العائد أو الاتجاه إلى الاستثمار فى المجال العقارى عبر شراء وبيع الأراضى دون السير باتجاه إنشاء المصانع وزيادة الإنتاج قلل من حجم المعروض من السلع، وبالتالى ارتفعت معدلات التضخم بشكل ملحوظ وهذا عامل كبير ساهم فى ظهور ما يسمى بالمستريح الذى يمكن أن يجمع الأموال ويوظفها ويمنح أصحابها العائد اللازم.
وأوضح هاشم أن أهم العوامل لمكافحة الظاهرة والقضاء عليها هو تحسين الأوضاع الاقتصادية وإتاحة الفرصة للمصانع للعمل من جديد وتشجيع رجال الأعمال على العمل فى المجال الصناعى والاستثمار الذى يساهم فى رفع معدلات النمو والمساهم برقم فاعل فى التنمية.•