السبت 15 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إحنا وهما نسكافيه باللبن عندنا وكوب ماء فقط عندهم!!

إحنا وهما نسكافيه باللبن عندنا  وكوب ماء فقط عندهم!!
إحنا وهما نسكافيه باللبن عندنا وكوب ماء فقط عندهم!!


دى ست تفقع المرارة.. هكذا كان تعليقى المختصر الذى وصفت به مدرسة اللغة الفرنسية عندما سألنى زوجى عنها فور اجتيازه باب شقتنا، بعد أول درس خصوصى أعطته لابنتى.. ابتسم منتظراً المزيد وهو يضع تليفونه المحمول وعلبة سجائره فوق المنضدة المجاورة للكرسى الذى سارع بالجلوس عليه.. فهو قد اعتاد منى الشرح الطويل المفصل الذى لا يترك همسة إلا وأسهب فى وصفها وتكرارها.
خيبت أمله.. تركته فى مكانه وتوجهت إلى المطبخ وأنا أقول: عارفاك ح تموت وتعرف إيه اللى حصل.. قال منكرا شوقه للمزيد.. ولا حأموت ولا حاجة.. قطعت عليه طريق ملاحقتى.. روح غير هدومك.. ثم أضفت وأنا أدخل مطبخى.. ح اكمل لك واحنا بناكل.
تعمدت أن أتظاهر بالانشغال فى تقديم الطعام.. وانا أنظر ناحيته.. غاظنى أنه يبدو غير مبالى.. بعد فترة صمت متبادل.. نفد صبره.. ما قلتليش؟؟.. عملت إيه الست دى معاكى.. فقعت مرارتك إزاى؟؟.. كأنما فك طلسم فمى الذى أغلقته لعشر دقائق غصباً عنى.. تركته يغرف الطعام لنفسه.. ركنت طبقى على جنب.. وشرحت له بتعابير وجهى ويدى.. الحق يتقال.. الست جت فى موعدها بالدقيقة.. فتحت لها هالة الباب وقادتها إلى ترابيزة السفرة.. لحقت بهما مرحبة.. أهلاً وسهلاً.. تشرفنا.. تفضلى .. جلست حيث أشرت لها.. بادرتها.. متشكرين أنك لاقيتى وقت علشان هالة.. ربتت على كتف تلميذتها وهى تقول.. ما تحمليش هم.. قمت واقفة لأتركهما.. استدارت هى ناحية هالة.. وبدأت تسألها.
لم أبتعد غير خطوات.. سمعتها تقول.. من طراطيف مناخيرها.. على فكرة.. أنا باحب النسكافيه سخن جداً.. من غير سكر.. نصه لبن ونصه ماية.. أصدرت أوامرها.. وعادت تتبادل الحديث مع البنت.
كدت أن أتوقف وأستدير ناحيتها.. لكن معرفتى بما ارتسم على وجهى من تعابير ساخطة.. جعلنى أتريث لبضع ثوانى.. ثم أتجه إلى المطبخ مباشرة.. وأنا أكاد أصطدم ببابه.. إيه قلة الذوق دى.. مفيش لو سمحتى.. طب نفرض إن إحنا ما لناش فى النسكافيه؟؟ أعمل إيه؟؟ .. أبعدت نفسى بصعوبة عن بخار سخطى الداخلى الصاعد إلى نفوخى.. ما أنا لازم أشوف حل للنسكافيه اللى هى طلبته.. علشان خاطر بنتنا.
وعملتى إيه؟؟ سألنى بفزع مصطنع!
هززت رأسى.. ح أعمل إيه يعنى.. بدأت بتسخين المياه.. أخرجت علبة النسكافيه.. فجأة تذكرت أنه لا يوجد حليب فى الثلاجة.. ولادك خلصوا على الفطار نص العلبة إللى كان باقى من بالليل.. إحتست.. أعمل إيه؟؟.. أرجع أقول لها متأسفين.. ما عنديش لبن، ممكن تتنازلى وتشربيها المرة دى سادة؟؟ قلت فى نفسى ما ينفعش.. دى أول مرة تخشى بيتى.. لو طلبت السوبر ماركت دلوقتى ممكن يلطعنى ساعة على بال ما يلاقى موصلاتى من اللى شغالين عنده جاى لعمارتنا، ويبعت معاه علبة اللبن الحليب.. أعمل إيه فى حوستى دى.. أستلف شوية من جارتى؟؟ لقيتها عيب قوى.
جلست وأنا منعدمة الحيلة.. إيه يا ربى المطب اللى الست دى حطتنى فيه؟؟ مش كفاية المبلغ اللى ح تلهفه بعد كل درس!! كمان ناوية تقرفنى من أول مرة تيجى فيها بيتى!!
انتبهت على جرس المحمول وهو بيرن.. نظرت إلى الرقم.. قلت فى نفسى مش وقته أبدا.. لكن رديت.. صباح الخير يا أم هنية.. دخلت فى الموضوع مباشرة.. قالت إنها نضفت الخضار بتاع الأسبوع وعايزة تجيبه النهارده .. فى أى وقت علشان لازم تسافر البلد عند بنتها اللى بتولد قبل ميعادها.. وما تقدرش تسيبها لوحدها.. لأنها بكرية.. اتجهت بنظرى إلى السماء شاكرة.. قلت لها يالا هاتيه وتعالى.. من نفسها سألتنى: مش عايزة حاجة أجيبها معايا وأنا جاية.. رددت من فورى.. علب لبن.. بس ما تعوقيش عليا.. ردت فى سعادة بادية.. فريرة.
لما جاءتنى علبة اللبن الحليب كان الماء يغلى.. نصصت الكوب باللبن وأضفت له النسكافيه.. ثم صببت الماء شديد السخونة.. وحملته والبخار يتصاعد منه إلى المُدرسة.. سارعت برفع الكوب من فوق الصينية قبل أن أضعها أمامها.. نظرت إليها مبتسمة وأنا أقول: بالهنا والشفا.. شكرتنى عيناها.. وهى تتناول أول رشفة من الكوب.
تركتها وهى متلذذة بطعم ما تشربه.. سمعت صوتها خلفى وهى تقول فى حبور أسعدنى.. تسلم إديكى.. ثم تضيف: على فكرة.. أنا ممكن آجى أزورك بس علشان أشرب القهوة من إيديكى الحلوة دى.. تسمرت مكانى.. كاد السخط أن يعصبنى مرة أخرى .. تحاملت على نفسى ورددت .. تشرفى  وتأنسى فى أى وقت.. وقلت فى نفسى.. حتى وهى بتحاول تبقى لطيفة.. بترد من مناخيرها..
كوب ماء وبس، شكراً ..
سخانات المياه فى دول أوروبا ضرورة حياة.. لأنها لا تسخن المياه فقط، وإنما تبعث الدفء فى أرجاء المكان طوال خمسة أشهر من شهور السنة، على الأقل.. لذلك فرض قانون هذه البلدان أن تقوم المجالس المحلية بالكشف عليها بشكل دورى، وتمنح شهادة صلاحية للسكان لمدة اثنى عشر شهرا، وإذا تعمد الساكن أو المالك التهرب من هذه المسألة بأى حجة من الحجج، غُرم بغرامة مالية كبيرة.. وإذا ما رأى المهندس/ الكشاف أن السخان انتهت صلاحيته!! فلابد من الانصياع لقراره دون مناقشة، وطبعاً لا مجال لمحاولة إقناعه بتغيير ما توصل إليه أو تأجيل قراره إلى حين ميسرة، لأنه إذا وقع ضرر ما، فلن تنحصر آثاره على المقيمين فى المكان فقط بل تمتد إلى من حولهم.
فى آخر زيارة لمهندس المجلس المحلى لمسكنى منذ أيام، أخطرنى بضرورة تكهين السخان الذى به.. خلال شهر من تاريخه.. ليه يا سيدنا؟؟.. لأن عمره الافتراضى انتهى.. إزاى؟؟ سألته.. أطلعنى على ما فى حوزته من أوراق.. وقال.. أنتم ركبتوه من عشر سنوات.. وهو الآن غير صالح لمواصلة الخدمة.
سألت وإيه العمل؟؟.. قدم لى عروضا من ثلاث شركات تتعامل معها هيئة الغاز الوطنية كضامن لما تنتجه ولما تتعهد به من إصلاح للعيوب والأعطاب ولما تقوم به من صيانة دورية لمدة ثلاث سنوات.
سألت ابنى فرشح لى واحدة.. بعد أن فتش عنها فى النت.. هى الأكبر من حيث القدرة على تطوير المنتجات وتحديثها.. والأفضل على مستوى تقنيات الأمان المطلوبة.. والأقل من حيث الشكاوى التى يتقدم بها المتعاملون معها إلى الجهات المختصة.. والوحيدة التى تقبل السداد بالتقسيط.. قلت له.. هيا دى اللى تناسبنى.
سارع إلى فتح صفحتها.. ملأ البيانات الخاصة بى كمستهلك.. رد على كل الأسئلة.. وعدوه كتابة أن يصلنا السخان الجديد بعد 48 ساعة.. وفور استلامنا له.. سيتصل بنا مهندس الشركة المسئول عن التركيب ليتفق معنا على الموعد المناسب لإنجاز مهمة تركيبه واختبار كفاءته.. وقد كان.
فى التاسعة من صباح اليوم المتفق عليه.. رن جرس باب الشقة.. لما فتحت.. قدم لى المهندس نفسه مبرزا بطاقة انتسابه للشركة.. رحبت به .
ترك باب البيت مفتوحا.. فرش قطعة كبيرة من القماش غطت ما بين الباب الخارجى والمطبخ.. تركنى.. عاد بعد قليل يدفع أمامه شيالة حديدية بعجلتين.. حَمل عليها السخان داخل كرتونته.. مزق الأغطية الكرتونية عن الجهاز.. حمله بعناية إلى داخل المطبخ.. لملم كل ورقة وقصاصة وقطع حماية بلاستيكية.. ولفها فى أسطوانة واحدة ووضعها بعناية على الشيالة التى أسندها إلى حائط الممر الفاصل بين الشقق حتى لا تعوق سير باقى السكان.
وقفت بالقرب من المطبخ أتفرج عليه.
غطى أسطح البوتاجاز والغسالة بقطع قماش.. فرش على الجانب الآخر خرائط الفك والتركيب.. أخرج الأدوات التى سيحتاجها.. بدأ بنزع السخان القديم من مكانه.. سألته إن كان يحتاج لأى مساعدة.. شكرنى دون أن ينظر ناحيتى .
حمل السخان القديم إلى خارج الشقة.. رفعه فوق الشيالة.. دفعها أمامه وذهب بها إلى حيث ترك سيارته. 
بهمة ونشاط نزع المواسير القديمة.. ركب الجديدة مكانها.. حدد أماكن الثقب الجديدة.. ثبت فيها الحمالات المناسبة.. ضبط بوصلات ونشط عدادات.. ونظر فى خلايا ضوئية.. رفع السخان الجديد إلى مكانه.. قام بتوصيل المواسير الجديدة به.. أزال ما علق به من بصمات يديه.. رجع خطوة إلى الوراء يعاين ما قام به من عمل.. غسل يديه.. قال لى وهو يمر من جانبى: ح أجيب الغذاء بتاعى.. وأقعد فى الممر أتناوله.. لم أجد ما أرد به.
لحظات ورأيته من مكانى عائداً يحمل فى يد العلبة التى بها طعامه.. وفى الأخرى كرسيا بلاستيكيا.. وضعه على الأرض وجلس عليه.. فتح العلبة أمسك بيده واحدا من الساندوتشات.. وبدأ فى المضغ وهو ينظر فى المجلة التى حملها بيده الأخرى.. سارعت بسؤاله: ممكن أقدم لك إيه تشربه؟؟ سخن ولا بارد.. وقبل أن أعد ما لدينا.. قاطعنى بإشارة من يده.. ولا حاجة.. كوب ماء وبس لو تسمح.. كررت العرض مع ابتسامة توحى بصدق ما أعزم به عليه.. نطق بكلمات الشكر مؤكدا أنه يحتاج فقط إلى قليل من الماء.
وضعت إلى جانبه زجاجة ماء مثلجة.. وكوبا فارغا.. وذهبت أتابع نشرة اخبار الظهيرة .. حوالى ربع ساعة قضاها الرجل فى تناول طعامه ومطالعة مجلته.. عاد بعدها إلى استكمال عمله.. اختبر جميع التوصيلات.. عاين الدوائر الكهربائية ومعايير التدفق.. ضبط كل المؤشرات.
نادانى.. معتذراً.. شرح لى كيفية التشغيل اليدوى والأوتوماتيكى.. اتصل بشركته أبلغهم عن تمام المهمة.. اتصل بالمجلس المحلى.. طلب منهم الترتيب لحضور مهندس الكشف لمعاينة ما أنجزه من عمل ولإصدار شهادة الصلاحية.
جمع أدواته.. طبق الأغطية وقطعة القماش.. حيانى مودعاً.. أغلقت الباب خلفه.. عدت إلى مكانى أتابع التعليقات الإخبارية. •