الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بعد أن فقد بريقه داخليا وخارجيا «الذهب الأبيض».. ينتظر قبلة الحياة

بعد أن فقد بريقه داخليا وخارجيا «الذهب الأبيض».. ينتظر قبلة الحياة
بعد أن فقد بريقه داخليا وخارجيا «الذهب الأبيض».. ينتظر قبلة الحياة


ظلت مصر دهرا طويلا تعتلى عرش القطن العالمى، لما يتميز به القطن المصرى، خاصة طويل التيلة وفائق الطول من صفات جودة طبيعية وغزلية متفوقة، الذى يستخدم فى إنتاج منسوجات عالية الجودة وخفيفة الوزن وأطول عمرًا، وفى عصور مختلفة كانت صادراته مصدر الرخاء أو التراجع للاقتصاد المصرى..
كانت قناة السويس.. وصادرات القطن.. والسينما هى أهم مصادر مصر من العملات الأجنبية وبقيت قناة السويس.. وسادت سينما المقاولات.. وانهارت زراعة القطن وصناعات الغزل والنسيج، فى الوقت الذى زاد فيه الإنتاج الأمريكى أكثر من خمسة أضعاف وكذلك إسرائيل إلى أربعة أضعاف!!
 وقد كان محصول القطن يكفى حاجة المصانع المصرية بالكامل ويتم تصدير الفائض للخارج، ولكن توقفت زراعته عند 131 ألف فدان، بإنتاجية 800 إلى 900 ألف قنطار، بعد مليون و600 ألف فدان عام 1980 بحجم إنتاجية وصل لـ 8 ملايين و900 ألف قنطار.. ونسيته الأسواق الخارجية، بعد أن كانت المنسوجات التى تحمل اسمه من أغلى وأجمل المنسوجات فى العالم، خاصة بعد أن زاد التوجه نحو أهم بدائل القطن وهو البوليستر. وبقيت بعض الأسواق له فى آسيا مثل الصين والهند وباكستان، التى تشترى القطن الخام وتعيد تصديره لنا فى صورة منسوجات رخيصة، رغم أن مصانعنا كانت الأولى بذلك، خاصة أن مئات الآلاف من العمال كانوا يعملون فى هذه المصانع، وألقت بهم الدولة فى الشوارع بإغراءات المعاش المبكر.
فى هذه السطور نستعرض أهم التحديات والمشاكل التى تواجه القطن المصرى وحلولها، وتطور زراعة القطن فى بعض الدول.
•  عدوان وحشى
بدأ مسلسل الانهيارات منذ سنوات بعيدة، بالعدوان الوحشى للعقارات على الأراضى الزراعية، فقدر كثيرون أن مصر خسرت فى السنوات الثلاثين الماضية، أكثر من مليون فدان بسبب ذلك.. وتراجع مساحات القطن والتوسع فى زراعة الأرز. وخلال عشرين عاما أصبح القطن فى آخر قوائم الإنتاج الزراعى فى مصر، ولم تعد صادراته تتجاوز 150 مليون دولار، وساعد فى انهيار المحصول تلاعب الدولة فى أسعار توريده، ففى عام 2003 بلغ سعر القنطار 1300 جنيه وانخفض إلى 600 جنيه فى العام التالى مباشرة، ووصلت خسائره فى هذا الوقت 2.3 مليار جنيه فى عام واحد. كما ساعد فى ذلك ارتفاع إيجارات الأراضى التى تجاوزت 3000 جنيه للفدان.. فارتفعت تكاليف زراعة القطن مع ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات وخلافه.
• القطن الإسرائيلى
وأمام هذه الانهيارات المتتالية بدأت مصر تستورد القطن من الهند وإسرائيل وبعض دول أفريقيا.. فى حين بقيت مصادره الأصلية تحافظ على إنتاجه، ولم يكن غريبا أن تدعم أمريكا منتجى القطن بمبلغ 12 مليار دولار سنويا حتى تحافظ على أسواقها الخارجية وصناعتها المحلية.
• أسباب بالجملة
وأرجعت الوزارة تراجع جودة القطن المصرى، إلى خلط زراعة أصناف فائقة الطول مثل جيزة 86 وجيزة 88 بأصناف متوسطة الطول مثل جيزة 90. وتمثل الأصناف الطويلة وفائقة الطول 90% من الإنتاج المصرى، التى انخفض الطلب عليها عالميًا بقوة خلال العقود الأخيرة وأصبحت تمثل 2.5% فقط من الاستهلاك العالمى للأقطان.. كما أكدت الوزارة أن تراجع إنتاج القطن المصرى على مدار العقد الأخير بسبب فشل المزارعين فى التكيف مع التغيرات التى طرأت على طلب المستهلكين على المنتجات المصنوعة من القطن قصير التيلة ومتوسط التيلة.
وقال صالح عبدالله، مهندس زراعى: هناك أسباب أخرى عديدة لتقلص المساحة المنزرعة بالقطن المصرى، أهمها ما يلى:
1- عدم وجود آلية واضحة لتسويق المحصول، وعدم التنسيق مسبقًا مع الوزارات المعنية بالاتفاق على سعر استرشادى للمحصول قبل زراعته لتشجيع الفلاح طبقًا لاحتياجات المصانع المحلية، وتوجه الفلاحين إلى زراعة محاصيل أخرى خاصة «الأرز» بعد زيادة أسعاره. وسيطرة تجار السوق السوداء على محصول القطن، وبيعه بأقل الأسعار. ولجوء الشركات إلى الاستيراد بدلاً من شراء المنتج المحلى.
2- إهمال وزارة الزراعة للقطن، وعدم وجود دراسات اقتصادية تقدر المساحات التى ينبغى زراعتها به أو بأى محصول، وفقًا لإمكانيات المصانع العاملة. والتأخر فى إعداد خريطة صنفية، وتحديد مناطق زراعته والأصناف المناسبة لكل منطقة بمختلف المحافظات، وتأخر استنباط أصناف جديدة تزيد من إنتاجية الفدان خلال الأعوام السابقة.
3- عدم تطوير صناعات الغزل والنسيج المحلية. وتوقف تصنيع الغزل من القطن طويل التيلة، واستخدام القطن المصرى فى نحو 50% من صناعة الغزل، والاعتماد على الاستيراد من الأقطان متوسطة التيلة.
4- عدم وجود رقابة على حركة نقل تقاوى الإكثار بين المحافظات لمنع خلط الأصناف المصرية الأعوام السابقة. واقتصار إنتاج تقاوى الإكثار على المزارعين الذين يتم التعاقد معهم. وشكاوى المزارعين بالمحافظات التى تزرع قطنًا طويل التيلة من نقص التقاوى. والإنتاجية الضعيفة بسبب تأخر زراعاته فى عدد من المحافظات.
5- عدم تطبيق قانون الزراعة التعاقدية لإعطاء أمل للمزارعين بتحقيق هامش ربح، حيث تتعاقد الدولة معهم بداية الموسم فى كل عام ومنحهم حصة محددة من التقاوى مقابل إلزامهم بالبيع للدولة بسعر معين يحدده الخبراء المتخصصون.
وقال الدكتور جمال عبدربه، أستاذ البساتين بجامعة الأزهر: فوائد زراعة القطن لا تعد ولا تحصى، فثمرته تستخدم فى الغزل والنسيج، وكل 100 كيلو بذرة قطن تعطينا 20 كيلو جراماً من الزيت، وفدان القطن يعطينا من 75 إلى 80 كيلو علف حيوانى «كسب» وكل 6 كيلو كسب تعطينا 1 كيلو لحمة حمراء، كما أنه يستوعب عددا كبيرا من العمالة فى مرحلة الزرع والعناية والجنى بما يساهم فى حل مشكلة البطالة.
ومن التحديات التى تواجه القطن حاليا التزايد عالميا فى نسب استخدام الألياف الصناعية وخيوط البولى استر فى صناعة الأقمشة لما تكسبه تلك الخيوط للمنتجات النسجية من ثبات الألوان والمتانة والاستخدام لمدد أطول وعدم الكرمشة.. علاوة على انخفاض أسعارها مقارنة بالأقطان العادية.
وقد ذكرت دراسة للغرفة التجارية بالشرقية بعنوان: «إنجاح منظومة المنسوجات والملابس الجاهزة»، أن أهم الحلول لمواجهة مشاكل القطن المصرى، ما يلى:
1-العمل على خفض تكاليف زراعته وزيادة عائده للفلاح من خلال قيام الدولة بدعمه، لبيعه بسعر مناسب وتقليل أسعار مستلزمات الإنتاج، فعلى سبيل المثال أمريكا تعطى دعما للقطن يصل إلى 12 مليار دولار فى العام، وتؤكد الدراسات الحديثة أن 55% من دخل المزارع الأمريكى يحصل عليه فى صورة دعم حكومى، كذلك أن 45% من دخل المزارع الأوروبى يحصل عليه من حكومات بلاده .. والدعم يمكن أن يأخذ شكلين محددين حتى لا يذهب لجيوب بعض السماسرة وتجار السوق السوداء، الأول هو الدعم النقدى المباشر للمزارع لكل قنطار يورده دون أى وسطاء، والثانى هو دعم مستلزمات العملية الإنتاجية من بذور وتقاوى وأسمدة وكيماويات بشرط أن يحصل عليها المزارع من الجمعيات التعاونية الزراعية مباشرة وبالسعر المناسب ويتم توزيعها وفقا لبطاقة الحيازة الزراعية واحتياجات الأرض منها. مع دراسة أنواع الآفات والحشرات الجديدة التى أصابت القطن المصرى.
2- الأقطان قصيرة التيلة هى المطلوبة وما تحتاجه مصانعنا، ولابد من الاهتمام بزراعتها والتوسع فيها خصوصا فى مناطق الاستصلاح الجديد، وقد أفادت تقارير وزارة الزراعة أن هناك إمكانية لزراعتها، والحصول على إنتاجية 17 قنطارا للفدان مقابل 7 قناطير حاليا، كذلك يمكن جمعه خلال 120 يوما بدلا من 210 أيام حاليا، ويمكن رى المحصول 5 مرات بدلا من 9، وذلك يؤدى إلى إنتاج الغزول اللازمة للإنتاج المحلى والتصدير وتحقيق عائد اقتصادى كبير للدولة بدلا من الاعتماد على تصدير المنتج الخام فقط، وأمريكا نفسها لديها نوعيات مختلفة وتزرع على مساحات متباعدة.
3- التوسع فى استخدام الأصناف المحورة وراثيا، التى أعطت محصولا مضاعفا فى بلدان مثل أمريكا والصين .
4- رسم سياسة استراتيجية للقطن المصرى تحقق الاستقرار فى إنتاجه وتجارته وتسويقه وتصديره وتصنيعه وحمايته من التقلبات السعرية مثل إنشاء صندوق تعويضات.
5- إعلان الأسعار الاسترشادية قبل زراعة القطن بوقت كاف، بحيث تعكس الأسعار العالمية وتضمن أسعارا عادلة. بحيث يتأكد الفلاح أن الدولة مسئولة عن المحصول بالسعر المناسب.. فلقد رفعت الدولة يدها عن شراء المحصول من الفلاحين، فتناثرت أكياس القطن فى البيوت أشهرا طويلة تحت الشمس والأمطار ولم تجد من يشتريها.. والأسوأ تلك الأنواع من البذور التى استوردتها الحكومة وأنتجت أقطانا ملونة، لم تجد لها مكانا فى الأسواق الخارجية أو الداخلية.
6- إيجاد حلول لمشكلة نقص التمويل، حيث أصبح إنتاج القطن مكلفا جدا وأكثر مخاطرة، إلى جانب عدم التأكد أثناء مواسم الإنتاج وعدم الاستقرار فى الأسعار.
7- إقامة نظام تسويق مستقبلى للقطن مرتبط بالأسواق المحلية والعالمية، ويعتمد على دراسة الأسواق المستهدفة، وأن تقوم مكاتب التمثيل التجارى ونقاط التجارة بدورها بهذا الصدد.
8- يمكن تشجيع المستثمرين الأجانب المستخدمين للقطن المصرى طويل التيلة على إنشاء وحدات إنتاجية داخل مصر، بإنشاء بعض المناطق الحرة للصناعات الغزلية والنسيجية المعتمدة فقط على الأقطان المصرية، بميزات خاصة وتسهيلات وخدمات من كهرباء وغاز.
9- القطن مستهلك شره للمياه، وهناك اختراع لأحد العلماء بالخارج، خفض استهلاك المياه إلى النصف تقريبا بالمناطق الصحراوية شديدة الحرارة، مثل الكثير من المناطق المصرية وهى خراطيم مياه تمتد تحت الأرض وتصل إلى جذور النباتات مباشرة وتمنع حدوث بخر، وهذه الخراطيم مزودة بصمام أمان لكل فتحة مياه، تسمح بخروج الماء ولا تسمح بانسداد هذه الخراطيم بالرمال أو ما يعيق تدفق المياه.
• ينعش اقتصاد إندونيسيا
وقال ياسر الشاذلى رئيس القسم الاقتصادى بالغرفة التجارية بالشرقية، إن علماء الهندسة الوراثية الإندونيسيين توصلوا إلى سلالات جديدة معدلة وراثيا كان من أهم فوائدها ما يلى:
1-نتج عن زراعة القطن المعدل وراثيا محصول يزيد عن القطن التقليدى بحدود30%. وساعدت فى الحفاظ على الأعداء الطبيعية لحشرات القطن كوسيلة للمكافحة الحيوية. وانعكس التوسع فى زراعته بالإيجاب على صحة المزارعين، بسبب خفض الاستخدام المفرط لمبيدات الآفات .
2- يقاوم كلا من دودة اللوز ودودة البراعم وهما من أهم الآفات الرئيسية للقطن فى إندونيسيا، لذلك انخفض عدد مرات الرش بمبيدات الآفات إلى ثلاث مرات أو انعدم الرش تماما .
3- زاد دخل المزارعين أكثر من 5 أضعاف، مقارنة بالأصناف المحلية وذلك بسبب زيادة الإنتاج وانخفاض تكاليف الزراعة، فقد كان الفلاحون ينفقون حوالى 61% من إجمالى تكاليف الإنتاج على مكافحة الآفات، كما أنه يوفر الجهد والوقت.. وقال وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، عصام فايد، إن الوزارة وضعت سياسة جديدة وخطّة تسويقية لمحصول القطن، ستسهم فى تحقيق زيادة المساحة المزروعة به إلى 350 ألف فدّان الموسم القادم، بزيادة قدرها 167%، عن العام الجارى، مؤكدا أن معهد بحوث القطن، نجح فى استنباط 3 أصناف جديدة هى: جيزة 94، وجيزة 95، وجيزة 96، التى تمتاز جميعها بأن إنتاجيتها عالية، ومبكرة فى النضج وذات تصافى حليج عالية.
 ولفت وزير الزراعة إلى أن منظومة تطوير إنتاج القطن، تستهدف أيضاً القضاء على مشكلة خلط أصناف القطن المصرى وإنتاج أصناف جديدة من القطن لتشجيع زراعته، وصدر القانون رقم 4 لسنة 2015 باستثناء أقطان الإكثار من قانون التجارة الحرة رقم (210) لسنة 1994، فضلاً عن قرار وزارى بمنع نقل الأقطان بين المحافظات إلا بتصريح من وزارة الزراعة للمحافظة على الأقطان من الخلط.•