الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ضحايا الأحلام «الغارقة»   ليس كل من يهاجر يصبح «نمرا أسود»

ضحايا الأحلام «الغارقة»   ليس كل من يهاجر يصبح «نمرا أسود»
ضحايا الأحلام «الغارقة»   ليس كل من يهاجر يصبح «نمرا أسود»


لم يكن يعلم ضحايا «موكب الرسول» الغارق، أن حلم الهجرة لا ينتهى دائما بلون وردى، إنما أحيانا ما يصبح هذا اللون الوردى أكثر قتامة ليصبح بلون دمائهم التى خضبت مياه البحر ليعلن عن انتهاء الرحلة قبل أن تبدأ.

شباب فى عمر الزهور دفعت بهم أحلامهم فى البحث عن لقمة عيش التى ربما ضاقت بهم داخل حدود الوطن إلى السفر خارج حدوده، ولكن ضيق ذات اليد وفقرهم لم يدع لهم فرصة الاختيار فى طريقة  الهجرة، فكان اللجوء إلى المنافذ غير الشرعية عبر قوارب قديمة متهالكة ليصطادهم تجار البشر ليتاجروا بأحلامهم التى تبخرت قبل أن تصل إلى الشاطئ الآخر.
وفى ليلة اتشحت بالسواد تحولت مدينة «رشيد» للوحة مأساوية وقد زين وجهها الحزين مشاعر الصراخ والعويل، لأهالى مركب الموت الذى يحمل اسم «موكب الرسول رقم واحد»، الذى راح ضحيته حتى الآن 168 شاباً من أصل 300 راكب بعد تعرضه للغرق فقد جلس الأهالى يقتلهم الانتظار على أمل ضعيف بأن يكون ذووهم قد حالفهم الحظ لينجوا من الموت، ولعل أشهر القرى التى تكثر بها الهجرة غير الشرعية (قرية البرج برشيد، والجزيرة الخضراء، وبرج مغيزل بكفر الشيخ).
هذا وقد رفعت المحافظات الثلاث الموجودة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، درجة الاستعداد القصوى؛ لاستقبال الأهالى المكلومة القادمة للتعرف على جثث ذويهم، داخل الثلاجات بمحافظات (كفر الشيخ، والبحيرة، والإسكندرية).
• روايات الناجين
فى كتل بشرية جلس أهالى الضحايا ينتظرون، لا يعرفون ما هو المصير الذى لحق بذويهم ورغم ذلك لا تنقطع عن ألسنتهم كلمات الشكر والصبر والحمد لله».
وفى مشهد مأساوى لأب يحتضن ابنه الذى كان أحد الناجين من المركب الغارق وهو يبكى لا يتوقف عن قول الحمد لله بينما كانت الصدمة هى لسان حاله الأول والأخير وبعد ساعات من التجول بين باقى الأهالى ومتابعة الجثث التى يتم انتشالها كان محمد «الذى رفض مفارقة حضن والده» بعد أن اطمأن عليه فريق من الأطباء والمسعفين يروى وهو لايزال محتضنا والده القروى تفاصيل ما حدث «كنا بنسابق الموت، كلنا غلابة ومبنعرفش نعوم ولا نعرف اى حاجة عن النجاة. بس أنا كنت بضبش، الكل بيصرخ ويأخد نفسه ومش عارف مكتوب له ياخد نفس تانى ولا هيكون تحت الميه فى اللحظة دى، الخوف كان بيقتلنا فى كل لحظة. اكتر من إحساس الموت نفسه. الكل بيصرخ واللى بينادى على أمه واللى بيقول الشهادة، بجد كنا شايفين الموت» وعن سبب سفره يقول محمد «عشان اتجوز» أنا بشتغل فى الخراطة وأصحابى نصحونى إن مهنتى دى هناك هتكسب دهب، وجمعت قرشين من هنا كنت محوشهم ووالدى باع الأرض اللى عنده عشان أسافر، وكنت فاكر أنى هسافر واشتغل وأعوض أبويا وأجيب شقة وأتجوز لكن الحمد لله انى نفدت بعمرى» .
• تراب بلدى ولا جنة الغربة
شاب آخر يبدو فى التاسعة عشرة من عمره جلس وحيدا لم يكن بجانبه أحد لا أهل ولا صديق، ويدعى حسن من محافظة كفر الشيخ قال وهو يحاول تمالك نفسه بعد ليلة سوداء كما وصفها فى بداية حديثه وتركته يتحدث دون سؤال «أنا مش لوحدى.. أنا مستنى أهلى هما كلموهم وجايين فى الطريق، لأنهم ميعرفوش أصلا إنى سافرت، أنا هربت من وراهم.. وأخدت فلوس من صاحبى ورهنت بيها «المكنة» بتاعتى عشان أسافر وأجيب بدل القرش عشرة.. بس ماكنتش أعرف أن تراب بلدى أحسن من فطير البلد الغريبة، ويمكن دعوات أمى ليا بالستر هى اللى أنقذتنى. الحمد لله، أنا بس كان نفسى أنقذ واحد اتصاحبت عليه على المركب، كان غلبان أوى، حتى وهو بيموت كان بيقولى: «محدش بياخد أكتر من نصيبه، المهم العيال، ابقى قولهم إنى سافرت عشانهم ومش زعلان أنى هموت عشانهم»  ويدخل حسن فى موجة من البكاء الذى لم يتوقف، ولكنها لم تكن أبدا دموع فرحة النجاة بقدر ما كانت دموعا على من فارقهم دون أن تربطه بهم حتى صلة قرابة أو معرفة».
• الشباب بيغريهم وهم «الفلوس»
وفى حزن شديد، قال عم سالم  - أحد صيادى رشيد - الذى كان من أول المتقدمين لانتشال جثث الغارقين «أنا بشتغل صياد من 30 سنة والبحر ياما بيحدف، وللأسف فى شباب صغير بينضحك عليه بحلم السفر والفلوس الكتيرة، لكن بيتصدموا بالواقع إما بالغرق أو إنهم يتمسكوا هناك أول ما يوصلوا، والسماسرة دول بيكونوا معروفين ولهم فروع بكل المحافظات وهما اللى بيسهلوا عمليات السفر للشباب ويوهموا أهاليهم بمجرد سفر أولادهم هتنفتح لهم طاقة القدر، حتى إنه أحيانا ما يظل هذا السمسار وسيطا بين الشاب وأهله ويكون إرسال المال إلى السمسار ثم يحوله إلى أهل المسافر مع الحصول على نسبة بالتأكيد.
وما يتم من نشره والكلام عنه بين الشباب من نماذج لشباب نجحوا فى الوصول إلى إيطاليا وغيرها من صور على صفحات الفيسبوك هى صور كاذبة وتغرى الشباب من القرى، والنجوع بالهجرة وتجعل السفر حلم حياتهم، ولو عبر طريق الموت لأنهم لا يملكون مصاريف السفر المرتاح».
 وقد علمت صباح الخير وفق أحد التقارير عن الهجرة غير الشرعية أن تلك الظاهرة تفشت بقوة مع بدء عودة المصريين العاملين بليبيا، حيث خطط أباطرة الهجرة غير الشرعية من العصابات الدولية لنقل سوق الهجرة إلى مصر، وذلك بعد فقدان النفوذ على سواحل ليبيا فى ظل الحرب الدائرة هناك، وتخوّف راغبى الهجرة من الذهاب إليها خشية الموت على يد تلك القوات.
وأن مصر باتت البوابة الأكثر رواجاً لخروج السفن المهاجرة وأن ما يتم ضبطه من السفن المهاجرة بطرق غير شرعية لا يمثل أكثر من 50% على الحد الأقصى للرحلات التى يتم تنظيمها من محيط بوغاز رشيد الذى يعد النقطة الأسهل فى السفر».•

تقرير هيئة إنقاذ الطفولة عن الهجرة غير الشرعية

1- الوسيط عادة هو مدير مدرسة القرية أو العمدة أو أحد المدرسين.
2- يقوم الوسيط بتجميع عدد لا يقل عن 300 شخص حتى يتم الاتفاق مع السمسار.
3- علم أهالى القرى المستهدفه بالخبرة أن الأطفال بموجب قوانين الاتحاد الاوروبى يتم استقبالهم ومنحهم إقامات وإدخالهم المدارس بالإضافة إلى مصروف يومى فبدءوا بالتركيز على الأطفال.
4- يتم نقل الأشخاص فى قوارب بلاستيكية إلى عرض البحر حيث تقف مركب صيد مرخصة ويتم عادة رشوة خفر السواحل.
5- الرحلة أسبوع ويعطى لكل مجموعة رغيفا واحد وزجاجة مياه يوميا.
6- عند الوصول للموانئ - عادة إيطاليا - يتم إنزالهم فى قوارب مع مسدس استغاثة لكل قارب ليقوم حرس الحدود بإنقاذهم. •