النهار راجع

مها عمران
أسعدنى زمانى بلقاء الأستاذ سيد حجاب مرتين.
المرة الأولى كانت منذ 25 عاما حيث أجريت معه حوارا عن المبدع «بيرم التونسي» ومدى تأثره به وتأثيره فى العامية المصرية رغم جذوره غير المصرية.
والمرة الثانية منذ عامين وكانت «جلسة فضفضة» وحوارا مطولا عن رحلة عمر لشاعر على باب الله والوطن والإنسانية.. المبدع سيد حجاب.
وسعادتى لم يكن مصدرها أننى كنت فقط فى رحاب شاعر كبير سكنت كلماته وجداننا وصاغت الكثير من رؤانا فى الحياة.
ولكن لأننى كنت فى ضيافة مثقف عظيم بمعنى الكلمة حيث غزل من التاريخ والفلسفة والاجتماع وعلم النفس جديلة واحدة متناغمة ببساطة مذهلة وبلا أى فذلكة أو ادعاء.
فأنت فى حضرة المبدع سيد حجاب تكتشف أنك فى رحاب ثقافة موسوعية متكاملة وليست ثقافة استعراضية لا تزيد على كونها قشرة خارجية لا عمق فيها، وستجد نفسك على جناح كلمات تبهرك طزاجتها وعمقها بقدر ما تدهشك بساطتها تحلق فى سماوات مفتوحة تمنحك الكثير من الوعى الذى يمكنك أن تفك به شفرة الواقع بأحداثه المتداخلة والمتسارعة وتستشرف آفاق غد لم تتضح معالمه بصورة كافية، فيتبدد ضباب كان يحجب الرؤية.. وتصيب كبد الحقيقة بكل يسر.
• الأزهار الأخيرة
توقفت طويلا عند توصيفه لنفسه ورفاق رحلته قائلا: بعد 1967 تفرقت بنا السبل وظل البعض يبكى على الأطلال والبعض وأنا منهم استشعرنا إحساس (الأزهار الأخيرة فى بستان هجرة الربيع أو أتسحب عنه)، ولعبنا دورا مقاوما للتردى الفكرى والسياسى السائد وكان لنا ما يشبه الفصائل المقاتلة فى التليفزيون المصرى كنا، بنلاقى بعضنا البعض وكانت الأعمال الفنية لهؤلاء المبدعين جزءا من فعل المقاومة الذى مارسه أبناء جيلى والأجيال التالية له.
كما أكد الأستاذ سيد على دور المثقف تجاه الشعب وأشار إلى أهم الأخطاء التى يقع فيها قائلا: التعالى على الحس الشعبى أو اليأس غالبا ما يقع فيه كثير من المثقفين والحالة دى سببها المعرفة الناقصة لما بتكمل لازم نثق إن الإنسانية ستنتصر فى النهاية، فالمستقبل للشعوب مش لأى حد والحركة هى أساس الكون مش السكون.
• عصر الحكمة
رؤيته لثورتى 25 يناير و30 يونيو هى رؤية طائر محلق لامس أرض الواقع لكن لم تستغرقه التفاصيل.
25 يناير و30 يونيو كلاهما حتى الآن ليستا ثورة مكتملة لكنهما موجتان فى مد ثورى على امتداد تاريخنا كله وهى الموجة التى ظلت تتصاعد وتؤسس لدولة حديثة منذ «محمد على».
صحيح أنه كان فيه نخبة دعت لهذه الثورة والطليعة طالبت بـ«شوية حريات» لكن الشعب تجاوز الطليعة وهذه أول ثورة تتجاوز أيديولوجيات الأحزاب بأفق وطنى وإنسانى ولكل المعانى دى فهذه الثورة هى افتتاحية ثورات الشعوب فى عصر المعلوماتية وهى افتتاحية الخروج من «عصر الرشد» إلى «عصر الحكمة» التى ستبنى على «الحقيقة والعدل وحقوق الإنسان».
• الطوفان اللى جاى
ديوان «قبل الطوفان اللى جاى» الذى صدر عام 2009 هو استشراف لدخولنا على مرحلة إنسانية جديدة ستبدأ من الشرق الأوسط وتنتشر فى بقية العالم وسيكون وقودها هم الشباب، فأى متابع له عينان كان سيدرك أن هناك مزاجا شعبيا جديدا «بيتولد» بدل المزاج الشعبى السائد، كثير من قصار النظر يرون أن العركة اللى بنعيشها تهدف إلى تدمير الدولة فقط.. لكن الحقيقة أن المقصود بها هزيمة الثورة وهزيمة الأحلام الشعبية وتهديد وتشكيك المواطن فى قدرته على الفعل.. فمعركتنا الاستراتيجية الكبرى هى استعادة هذا الوطن قويا حرا قادرا على الوفاء باحتياجاته وإقرار العدالة الاجتماعية وأنصار الثورة المضادة هدفهم تركيع الشعب المصرى والشعوب العربية فالمهم لديهم هو هزيمة الشعب وليس هزيمة الدولة.
• اختمار الحلم
يقول الشاعر الكبير سيد حجاب: بالفعل من اختمار الحلم بيجى النهار.. ومفيش حركة ثورية من غير فكرة أولا.. وبعدها تجد طريقها للتنفيذ والفكرة دلوقتى موجودة لكن ربما نحتاج بعض الوقت «لإنضاج وسائلنا» ليتناسب أداؤها مع المزاج الفكرى والنفسى والوطنى الذى جد علينا.. وأنا واثق إن شاء الله إن الشعب المصرى حيقدر يستكمل حلمه رغم محاولات سرقة حلم الثورة.. أو محاولات إجهاض حلم هذا الشعب العظيم.
يا عم سيد.. يا شاعرنا العظيم.. نثق مثلك بأنه من عتمة الليل النهار راجع
ومهما طال الليل بيجى نهار
مهما تكون فيه عتمة ومواجع
العتمة سور بيجى النهار تنهار
وضهرنا ينجام.•