12 ملياراً لسد عجز الموازنة.. ومن أين نسدد؟!

محمد عبد العاطي
12 مليار دولار جملة ما تطلبه مصر من صندوق النقد الدولى كى تسد العجز فى الفجوة التمويلية داخل الموازنة العامة للدولة فى الوقت الذى ستحاول فيه إضافة تسعة مليارات أخرى عبر قروض من مؤسسات دولية لتصل جملة ما تحتاجه مصر إلى 21 مليار دولار.
صندوق النقد الدولى هو مؤسسة دولية تابعة للأمم المتحدة الهدف منها هو العمل على إصلاح السياسات الاقتصادية للدول التى تلجأ إليه عبر وضع برامج تمس عادة أصحاب الدخل المحدود الذين يحصلون على دعم من بلادهم، وذلك حتى تتقارب الإيرادات من المصروفات ويقل العجز فى الميزانيات وهو ما يثير المخاوف بشأن الشروط التى سيضعها للموافقة على القرض.
وتأمل الحكومة الحصول على 12 مليار دولار من صندوق النقد على مدار ثلاث سنوات من أجل تقليص عجز الموازنة الذى وصل إلى 319 مليار جنيه فى ميزانية العام المالى الجارى 2015/2016 فى الوقت الذى يبلغ فيه الدين الخارجى نحو 53.4 مليار دولار.
• تجارب متباينة
ما يثير المخاوف هو التجارب السيئة التى تعرضت لها بعض الدول حين لجأت إلى صندوق النقد الدولى للحصول على قروض بغرض تنفيذ السياسات الإصلاحية لاقتصادها وكانت اليونان أبرز مثال على ذلك، حيث جرى إقراضها من البنك المركزى الأوروبى وصندوق النقد الدولى ما يتجاوز 100 مليار دولار وتعرض اقتصادها إلى تعثر كبير بعدما تخطت الديون جميع الخطوط الحمراء، حيث طلب الدائنون ضرورة تقليص النفقات ووضع خطة قاسية للتقشف كان مصيرها غضباً شعبياً عارماً.
ولم تكن اليونان وحدها صاحبة التجربة السيئة بل أيضا هناك دول فى أفريقيا مثل زامبيا وغانا والأخيرة تضرر اقتصادها بسبب سياسات إلغاء التعريفة الجمركية مما جعل أسواقها متكدسة بالبضائع المستوردة التى ساهمت فى إلحاق الضرر بالصناعات المحلية ونفس الأمر بالنسبة إلى بيرو.
وفى المقابل كان هناك الكثير من التجارب الناجحة للصندوق مثل إندونيسيا وتركيا حيث استطاعت كل منهما التقدم بخطوات واسعة فى علاج اقتصادها من الأضرار البالغة التى لحقت بهما إضافة إلى ماليزيا.
ولم تتضح الصورة بشأن شروط صندوق النقد ولكن التجارب السابقة تؤكد أنه سيطلب إما تخفيض النفقات الحكومية من خلال عدة بنود قد تتعلق بالدعم أو الأجور أو يمكن أن يطالب بزيادة الإيرادات سواء عن طريق فرض ضرائب وهو ما جرى اللجوء إليه من خلال ضريبة القيمة المضافة التى سيجرى إحلالها بدلا من ضريبة المبيعات.
وبلغ الدين العام حوالى 100% من الناتج المحلى وهو ما يقحم الاقتصاد المصرى فى مرحلة الخطر لاسيما أن القرض سيسهم فى زيادة الدين الخارجى، ولكن قد يعطى الفرصة لالتقاط الأنفاس.
ومن أهم العوامل الإيجابية التى ساهمت فى منح إشارة إيجابية عن الاقتصاد المصرى هو قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية سواء من خلال سداد القروض التى عليها لنادى باريس أو المنح القطرية.
• وضع سيئ
اعتبرت الدكتورة شيرين الشواربى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن الاقتصادى المصرى يعانى من أزمة كبيرة وبالتالى فإن الإصلاح هنا ضرورى للغاية وللأسف فإن تكلفته الاجتماعية عالية للغاية وأغلب المصريين سيعانون منه لأنه كلما كان المرض مزمنًا أصبح الدواء أكثر مرارة.
وأشارت الشواربى إلى أن الاقتصاد المصرى يعانى من مشكلتين.. الأولى تكمن فى عدم الاستقرار فى الاقتصاد الكلى وتتمثل فى ارتفاع معدلات التضخم وعجز ميزان المدفوعات ووجود سعرين لصرف العملة الصعبة وكلها علامات تدل على أن هناك أزمة متفاقمة بحاجة إلى حل.. أما المشكلة الثانية فتتلخص فى وجود خلل هيكلى وتعبر عنها حالة التشوه فى منظومة الأسعار واتجاه المستثمرين لضخ أموالهم فى استثمارات خاطئة دون دراسة للسوق إضافة إلى الفساد وترهل فى المؤسسات الحكومية.
وأوضحت الشواربى أن اتخاذ طرق خاطئة لحل أزمة الاقتصادى المصرى بالاعتماد على قرض صندوق النقد لتحسين الشكل العام للاقتصاد قد يسفر عن أزمات جديدة فقد تلجأ الحكومة إلى خفض معدلات التضخم، ولكن قد يكون الأثر الجانبى لذلك هو انخفاض معدلات النمو وارتفاع معدلات البطالة وبالتالى فإنه لا يصلح أن تتجه الحكومة إلى الخصخصة دون أن تصلح المناخ الاستثمارى كى يكون البيئة الحاضنة لاستيعاب معدلات البطالة المرتفعة.
وتطرقت الشواربى إلى أن أهم ما يميز استقرار المناخ الاستثمارى هو وجود قانون جاذب للاستثمار يمكن من خلاله للقطاع الخاص أن يشعر بوجود جدوى اقتصادية من ضخ أموال إلى السوق المصرية كى يحصد الأرباح بعد ذلك لاسيما أن بعض المستثمرين يتخوفون من طول فترة حل الخلافات أو النزاعات.
واستكملت الشواربى حديثها بأن القروض التى يجرى طلبها من صندوق النقد الدولى لا تجرى عادة تحديد خطة لتوضيح أوجه صرف قيمة القرض فيها وسيكون الغرض الرئيسى منها هو سد عجز الموازنة بشكل مباشر ولكن يجب أن يصاحب ذلك وضع برنامج إصلاحى محدد يهدف لزيادة الإيرادات أو تقليص النفقات أو الاثنين معا.. مع العلم أن المبلغ المطلوب الذى يبلغ 12 مليار دولار ليس هو كل ما تطلبه مصر بشأن علاج مشاكل الموازنة وهناك تسعة مليارات أخرى تحاول الحكومة الحصول عليها من مؤسسات مالية دولية عبر الاقتراض أو عن طريق بعض المنح والمساعدات.
وأضافت الشواربى أن سياسات صندوق النقد تعتمد على مراقبة الأداء فإذا ما وافق على منح القرض لمصر سيكون على شكل أقساط، بحيث يقوم بتقييم خط سير خطة الإصلاح قبل منح القسط الثانى ونفس الأمر بالنسبة للقسط الثالث بحيث يضمن تحقيق السياسات اللازمة للنهوض باقتصاد الدولة التى تتعامل معه.
وشددت الشواربى على أن أى انحراف عن مسار الخطة التى سيجرى وضعها للنهوض بالاقتصاد المصرى ستكون نتائجه سلبية، حيث سيعلن أننا دولة اقتصادها فى حالة تعثر وبالتالى ستعزف الكثير من المؤسسات المالية عن التعامل معنا لحين استكمال خطط الإصلاح اللازمة.
وقالت الشواربى إن مصر لا تملك رفاهية عدم السير على خطة الإصلاح أو التقاعس فيها، ولكن من المؤسف ألا يكون الإصلاح نابعًا من الذات بدلا من اللجوء إلى إحدى المؤسسات كى تجبرنا على وضع خطط معينة على تحسين بنود الموازنة.
واختتمت الشواربى حديثها بأن أفضل طرق التعامل مع بنود الدعم هو رفعه عن القادرين والاتجاه إلى توجيهه إلى غير القادرين، بحيث لا يشعر محدودو الدخل والفقراء بأثر الإصلاح بكل ما يحمله من دواء مر المذاق للتخلص من الأمراض المالية المتفاقمة فى الموازنة العامة للدولة.
• إصلاح لازم
يرى الدكتور عبدالرحمن عليان أستاذ التكاليف فى كلية التجارة بجامعة عين شمس أن صندوق النقد شأنه شأن أى مؤسسة تقوم بالحصول على دراسة تتعلق بكيفية السداد وأيضا خطط الإصلاح وبالتالى فإنه يجب أن يستفسر ويعد الدراسات اللازمة قبل الموافقة على إقراض الحكومة المصرية.
وأشار عليان إلى أن صندوق النقد الدولى يمنح القروض بمعدلات فائدة منخفضة وأيضا يمنح فترة سماح لفترات طويلة وذلك كى يعطى الدول فرصة للإصلاح وبالتالى فإنه يفكر أيضا فى مناقشة الخطوات التى سيجرى من خلالها علاج الخلل فى موازنات الدول وكيفية التخلص منها.
وتطرق عليان إلى أن صندوق النقد يناقش بنود الموازنة وقد يرى تقليص عدد الوظائف الحكومية الجديدة خاصة أن عدد الموظفين فى مصر بلغ ستة ملايين موظف تقريبا وتتحمل الحكومة رواتبهم بالكامل لذا فقد يهمه ألا تزداد أعداد الموظفين وترتفع مخصصات الأجور.
وأكد عليان أن أهم الخطوات التى يجب على الحكومة تنفيذها هى الالتزام بخطوات الإصلاح اللازمة لأن الغرض من وراء صندوق النقد هو إعانة الدول على اتباع أساليب رشيدة لرفع معدلات أداء نفقاتها وليس الغرض هو منحها الأموال فقط، حيث يمثل القرض أحد أدوات المساعدة فى تحسين معدلات الإنفاق داخل الموازنة العامة للدولة. •