الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

منها «التصوير والخط والنحت والحلى والزجاج والحفر والخزف» فنون تشكيلية معاصرة شاهدة على عظمة الفنون الإسلامية

منها «التصوير والخط والنحت والحلى والزجاج والحفر والخزف» فنون تشكيلية معاصرة شاهدة على عظمة الفنون الإسلامية
منها «التصوير والخط والنحت والحلى والزجاج والحفر والخزف» فنون تشكيلية معاصرة شاهدة على عظمة الفنون الإسلامية


الإسلام دين يحب الجمال ويدعو إليه، والفن- بشكل عام- هو فى حقيقته إبداع جمالى لا يعاديه الإسلام، وهناك معيار إسلامى معروف للحكم على أى فن من الفنون يتمثل فى قاعدة تقول «حسنه حسن وقبحه قبيح»، وقد نجح الإسلام بعد أن استقر فى أن يقدم لنا فنونا إسلامية تتسم بالإبداع فى مختلف مجالات الفنون من عمارة إلى خزف إلى كتابات ولوحات بالحروف العربية إلى آخره، وقد تأثر الفنانون الأوائل بسابقيهم من الفنانين من أصحاب الحضارات السابقة ولكن إبداعهم الأكبر يتمثل فى التجديد الذى أضافوه لتلك الفنون وبخاصة فى مجال التجريد باعتراف نقاد الغرب أنفسهم..
وقد استمرت مسيرة إسهامات الفنانين الذى يستلهمون هذا التراث الفنى الضخم إلى الآن، ونشاهد كل يوم إبداعات جديدة تعتمد على هذا الاستلهام سواء فى مجال التصوير أو الخط أو النحت والخزف وخلافه.
ونجد حرصا من أصحاب الجاليريهات وقاعات العرض فى رمضان من كل عام على استضافة معارض ذات صبغة عربية وإسلامية تقدم من خلالها أعمالاً فنية يستلهم أصحابها قيم ورموز التراث الإسلامى الضخم، فنجد قاعة دروب تواصل تقديم سلسلة معارضها السنوية عن فنون الخط العربى لمجموعة من فنانى الخط العربى المتميزين وكذلك تقدم قاعة لمسات معرضا عن روحانيات بالخط العربى لأكثر من 17 فنانا يجسدون فى أعمالهم جماليات هذا الخط الذى مازال يحتفظ بأسراره حتى اليوم، وقد خرج جاليرى بيكاسو هذا العام من معرض خضير البورسعيدى الذى كان يحرص على إقامته فى رمضان ليقدم معرض تراث معاصر ليتزامن مع شهر رمضان الكريم، وجعل موضوعه يرتبط بالاستلهام من التراث الإسلامى فى مجالاته المختلفة، وكذلك الخط العربى باعتباره عنصرًا رئيسًا فى الحضارة الإسلامية، ويأتى المعرض الذى يضم إبداعات أكثر من 20 فناناً تشكيلياً، ليشمل كل مجالات الفن التشكيلى من: تصوير ونحت وخزف وزجاج وحلى وباتيك وسجاد، ولعل ذلك ما يؤكد تعدد فنون الإسلام، وكونها خامة طبيعية لتقديم أعمال فنية معاصرة تحمل أصالة الماضى، وتستفيد كذلك من أدوات الفنون الحديثة والمعاصرة.
ويرى الفنان محمد حجى أنه إذا كان الفن الإسلامى يتعامل مع الحرفة فإن كل الفنون بها تلك الحرفة، وهو أمر لا يقلل من فنيتها أو قيمها الجمالية، فالفنون الأوروبية كلها فيها فكرة المنافسة التى أوجدتها إجادة الحرفة الفنية إضافة إلى الابتكار، وفى النهاية يستطيع الفنان السيطرة على العمل جملة، وأن تعاطفه مع الرسوم الموجودة فى الكتب وارتباطه بهذا النوع من الثقافة الفنية كان بحكم عمله فى المجال الصحفى، حيث إن المطبوعة أو المخطوطة التى ترسم وتخط على الورق منذ القدم يسهل تداولها، ولذلك كان اهتمامه برسوم الكتب فى العصور الإسلامية مثل مقامات الحريرى للواسطى وكليلة ودمنة، وكذلك ألف ليلة وليلة التى بحث عنها حتى فى رسوم الأوروبيين، وتلك الرسوم جميعا، وتحديدا الجزء العربى الإسلامى منها الذى يخلط الزمان بالمكان، والزمان بالزمان، والمكان بالمكان.
ويقول الفنان عمر النجدى، إنه يؤمن بارتباط الأزل والأبد، البداية والنهاية، وتتجلى تلك العلاقة فى رسمه اللوحات ذات الخط الواحد، فيضع القلم على مسطح التصوير ويبدأ تكوين الموضوع كله والقلم لم يبتعد عن السطح المرسوم إلى أن ينتهى بتوقيعه على اللوحة، فتمثل البداية- الأزل- إلى نهاية العمل- الأبد- فى خط مستمر، وأن ذلك مرتبط بفكر فلسفى له أبعاد روحية استمدها من خلال قراءاته فى التصوف والقرآن الكريم، بالإضافة إلى استنباط الزخارف الخيامية من البيئة الشعبية.
ويُشير الفنان سامى رافع إلى أن هناك فترة فى حياة الفنان يجتر فيها نوعًا معينًا من الأشكال سبق أن تم تخزينه فى ذاكرته البصرية، وأن ذلك وضح فى تناوله للوحات اسماء الله الحسنى فى لوحات لا تزيد مساحتها عن 80*80 سم، التى اشتغل عليها ما يقرب من 7 أشهر، وترك نفسه للخط العربى تبعا ًلانفعالاته التى أوجدت حلولاً تشكيلية بعد عمل الكثير من الرسوم التحضيرية الملونة فكانت بمثابة الولادة الجديدة للخط.
ويوضح الخزاف سمير الجندى أن أساس بحثه وأعماله هو إيحاء الشكل بما يتناسب مع تغطيته بالزخرف، وربما يُتهم- خطأ- الفن الإسلامى بكثرة الزخرف، لكنه ثراء جمالى لاهتمام الفنان المسلم بتغطية الشكل بالكامل بالزخارف، ولذلك قيل إن الزخرف الإسلامى يعتبر زائدا، وإنه مع أخذ أبسط الزخارف الإسلامية للإيحاء بالروح الإسلامية التى تدخل ضمن استلهام الفنان الباحث عن التراثية الحديثة، مؤكدا أن الفن الإسلامى لا يمكن أن يموت وسيستمر فى الأشكال الحديثة والمعاصرة.
وقال الحفار عوض الشيمى: إنه حاول منذ بدايات تجاربه الفنية الاستفادة بكل ما هو إسلامى، سواء لوحات لفنانين مثل بهزاد أو الواسطى، أو أشكال المساجد والزخارف المرتبطة بهذه الفترة، وذلك من خلال تنمية المخزون البصرى المتحفى، الذى عن طريقه تحدث عملية الإبداع من دون أن تكون طريقة لنقل أشكال بعينها، حيث إن الفنون الإسلامية لها قواعدها المميزة والخاصة بها، ولا يمكن تكرارها لأنها حالة خاصة بمرحلة معينة.
الفن الإسلامى وعدم التحريم المطلق
وتوضح الفنانة نعيمة الشيشينى أنها نتيجة لبحثها فى الفن الإسلامى توصلت إلى عدم وجود التحريم مطلقاً فى الدين الإسلامى، وبدأت البحث فى المدارس الفنية الإسلامية، فالمدرسة العربية حتى القرن الـ13 كانت تحمل كل التأثيرات التى قبلها من بيزنطية وغيرها، وأنها درست مقومات كل مدرسة واختارت فناناً واحداً أو مخطوطة، رغم أنها كانت محدودة العدد كونها يدوية، وتناولت من المدرسة العربية يحيى محمود الواسطى، ومع القرن الـ14 ظهرت المدرسة الفارسية، التى كان لها 3 مدارس أو أساليب فنية، على فترات زمنية مختلفة، ابتدءا من جنكيز خان، وتأثيراتهم حينما دخلوا الإسلام، وتعرضت لنماذج من أعمال الفنانين فى تلك المدرسة أمثال بهزاد، ثم بحثت فى أعمال المدرسة التركية خلال القرن الـ15 أما القرن الـ16 فقد شهد المدرسة الهندية، ثم المدرسة الفارسية فى القرن الـ 17 حيث الصفويين الشيعة، بعد أن كانت المدارس السابقة عليهم للفنانين المسلمين السنيين... فيما رأى الفنان محمد زينهم أن الفنان المسلم راعى حقوق البيئة، فحينما بنى القبة فى مصر، نفذها بطريقة صناعية تتفق مع الفن المصرى بتدعيمها بالخشب والبناء فوقه بقوالب الطين وعمل فيها فتحات من أسفل فى فتحة الزور لتجديد الهواء فى الجو المصرى الحار، ولكنه عند البناء فى أوزباكستان أو أذربيجان الباردة المناخ، بنى القبة على النظام الأوروبى الذى شيد عليه دير آيا صوفيا، وقلد تلك القباب، مع تغيير عناصر الزخرفة، وعدم وجود الفتحات، وكذلك الخامات المستخدمة، حيث تجد أنه في  المغرب استخدموا الطينات المحروقة المزججة أكثر من مصر، وفى مصر اشتغلوا بالخشب ونقره أكثر منهم، وفى إيران اشتغلوا بالفسيفساء، مما يدل على أن العامل البيئى أثر على طريقة البناء والتصميم المعمارى، بما يتناسب مع الفن الإسلامى لتدخل ضمن المنظومة الفنية العامة للمكان.
ويوضح الفنان محمد يوسف أن الحروف العربية مبهرة لما بها من قابلية وطواعية لإيجاد تكوينات جديدة تُثرى العمل الفنى، حتى إنه رغب فى تعلم قواعد الخط العربى، حيث كان يضع حروفا مغايرة عن شكلها الأصلى، بدون قاعدة، وأن الخط العربى يستخدم كمفردة جمالية ذات دلالة لإثراء العمل الفنى، حيث يشكل الخط العربى أحياناً عنصراً أساسياً فى العمل، بينما يكون فى أعمال أخرى عنصراً إضافياً مكملاً كما فى المنمنمات الفارسية والعربية لـ«بهزاد» و«الواسطى».. وأشار الفنان على دسوقى إلى أنه على غير عادة الفنانين الذين استمدوا الأشكال والقواعد المتوارثة من فنون الخط العربى فى الكتابات القديمة، استفادوا فى تلك الأعمال من مثير مختلف تماماً، ومرتبط أيضاً بطفولته ونشأته فى حى الأزهر، حيث كانت تنتشر الطرق الصوفية التى تكون دائماً مصاحبة بعلامات وأعلام خاصة بها ومكتوبا عليها اسم كل طريقة، فأخذ تلك النوعية من الخطوط الحرة وشكلها فى آيات كاملة أو البسملة وبعض أسماء الله الحسنى، موضحاً أنها تجربة تستمر معه ثم تنقطع إلى أن يأتى مثير ما، ويبعثها مرة أخرى مثل لوحته «يارحمن» حيث كان قد شاهد تلك الكلمة معلقة خلف فنان أمريكى، أقام فى المغرب بعد إسلامه، فأعجبته وأعطته رغبة على تنفيذها على قطعة نسيج بشكل تلقائى، وكذلك لوحاته عن رمضان مثل «أهلاً رمضان ورمضان جانا».
ويؤكد الفنان مصطفى الفقى أن فنانى الغرب استفادوا من تلك العلاقات الهندسية فى إنتاج مدارس فنية جديدة، فقد بدأ الفن التكعيبى على أساس مستمد من المثلث والمربع فى الفن الإسلامى، كما أن الفن الإسلامى من أروع وأشمل الفنون ترجمة للتجريد، مع احتفاظه بشكل جديد للواقع، فهو فن قائم بذاته خاص بالظروف والتقاليد والعادات الإسلامية التى نبعت من الفكر الدينى، وكان لذلك تأثير كبير فى جعل الفنان المسلم يبذل الجهد والوقت لتكوين كوكبة من العلاقات الزخرفية فى عمل متكامل له أصوله وجذوره، وله قواعده التى فرضت على هذا الفن أن يبقى بشكل معين وخاص يخالف أى فن من الفنون التى ظهرت فى العالم كله، حيث لم يكن للفن الإسلامى روافد من الفن المصرى القديم أو القبطى ليحتفظ لنفسه بقيمة خاصة.
ويريد الفنان مجدى عبدالعزيز أن يؤكد من خلال لوحاته أن يقول إن الفن الإسلامى ليس مجرد زخارف قديمة، بل هو فن بذاته، ويعتبره فن التجريد الأول، حيث إن أول من جرد أشكال الطبيعة ببلاغة شديدة كان الفنان المسلم، وأن ذلك يعود إلى العقيدة الإسلامية، وما فيها من جوانب روحية، وإنه دائماً ما يبحث فى الشوارع والأزقة والمساجد والعمارة القديمة، ليجد المادة الخصبة للوحاته، والتى يتمنى أن يؤكد فيها العلاقة بين الأصالة والمعاصرة.
أما الفنان محمد الطحان فيرى أن الفن الإسلامى يحتوى على ثراء لا منتهى، وأن ذلك الموروث المختزن منذ سنوات بعيدة يتداعى على ذاكرته، فيدفعه ليعيشه مرة أخرى فى قالب ومزاج متعدد الأهداف والاتجاهات، فترة ينبهر بالأهلة والقباب، وأخرى بالإنسان فى أحزانه فى السرادقات أو أفراحه وأعياده.
أما النحات صلاح عبدالرحمن فيوضح أن هناك عناصر تؤكد الصبغة الإسلامية التى امتازت بها فنون الحضارة الإسلامية دون غيرها، مثل التكوينات التى أفادت فنانى الغرب فى إنتاج المدرسة السوريالية كأن يرسم الفنان المسلم طائراً أو أسداً أو فهداً ذا رأس آدمى، ويقوم بالربط بينهم فى أسلوب تشكيلى مختلف بالنقش على الأحجار من الأعمدة والجداريات أو فى تكوينات الجص المركبة على المبنى داخلياً أو خارجياً، غير تلك التى أنتجها مستخدماً الألوان المستمدة من الطبيعة.
المربع أساس الكون!!
ويُرجع الفنان عبدالمنعم معوض أساس الأشكال الهندسية التى يخرج منها المثلث والمستطيل والنجمة والدائرة والمكعب إلى المربع، وفلسفياً، هو أساس الكون ومركز الكرة الأرضية، مدللاً بأن الكعبة المشرفة قائمة على شكل مربع، وأن التعامل مع المربع يفرز أشكالاً متنوعة ورائعة فى الوقت ذاته، ومهما ظل الفنانون يرسمونه سيبقى هذا الشكل الروحانى غير متناه، ولن يكف عن تقديم الجديد دائماً، مما جعله يقوم بتحليل المربع فى لوحاته بأوضاع وأشكال مختلفة، لإكسابها عنصر الحركة اللانهائية.
ويعلق الفنان مجدى عثمان على تلك الأعمال المعاصرة التى تستلهم التراث الإسلامى قائلا «إن لنا تراثًا لم يعط لأمة غيرنا» هكذا نقول دائماً فى جلساتنا وإعلامنا حينما نتفاعل مع حضاراتنا المختلفة، على مستوى الكبر والشيفونية، ولم نتوقف مع أنفسنا لرجع الصورة، ودراسة ما وصلنا إليه فى علاقتنا بميراثنا الفنى، ونتراجع تحت وطأة وسطوة فكرة العالمية، دون أن نرتبط بمحليتنا، ولم تنفعنا بين الفينة والأخرى اجتهاد المحاولات منذ الثلاثينيات وتشكل جماعة الخيال، لمحاولة البحث عن صيغة قومية فى أعمالنا فى التصوير والنحت، أو دعوة سبعينية لإيجاد فن قومى عروبي؛ فى استلهام من الحرف العربى، إستمرت لدى البعض، وفاجأها الموت لدى آخرين.
ويضيف «كان لزاماً ونحن نجد كل هذه الأعمال المعاصرة أن نطرق على ذاكرة أحد مُتبقيات تراثنا الإسلامى، ونرى فنانين مجيدين، حاولوا منذ فترات متقطعة، متصلة، البحث والتلقى من عناصره المختلفة، أكثرهم بدأ علاقته بالتراث من خلال الدراسة البحثية الأكاديمية فى رسائلهم العلمية، واستمر معهم شكلاً وفى المضمون، وباقين لهم تجارب فنية جاءت إما إعجاباً بالمنتج الأصلى المتروك لنا من السلف، أو الإعجاب بما توصل إليه فنانون آخرون من خلال الاستلهام الفاهم لمعطيات التراث الإسلامى دون النقل المباشر أو التقليد، فكان هذا الزَحمْ الفنى على اختلاف مجالاته «تصوير، نحت، حلى، زجاج، حفر، باتيك، خزف» للإشارة إلى كيفية التعاطى مع التراث الإسلامى ودراسته أو تبجيل تلك التجارب وإبراز دور أصحابها فى التمسك بقيمة ما بين أيدينا من إرث فخيم، ينبهر به العالم ويطأطئ رأسه أمامه، وليبقى تراثنا فينا ما حيينا. •