خناقة بين الجينز والنقاب

نهي العليمي
مافيش مسلسلات فى رمضان.. مافيش سهر فى الكافيهات للفجر.. مافيش محلات مفتوحة الصبح.. جماعات دينية هتطلع على المصايف والبلاجات تخوف الناس.. هذه بعض التوقعات من قائمة طويلة من التخوفات التى تبنتها شريحة كبيرة من الناس فى استقبال أول شهر رمضان بعد وصول الإخوان للحكم صدق بعضها أو خاب إلا أنها تنم عن شعور الناس بالمرحلة الضبابية التى يعيشها المجتمع المصرى الوسطى بعد سماعه تصريحات عن مدنية الدولة المصرية الجديدة ثم رؤيته لتصرفات جماعات دينية متطرفة تطبق شرع الله «بالدراع» وكأننا أصبحنا مستباحين لكل من «هب ودب» باسم الدين وهو ما لم يعرفه الشعب المصرى يوما.. خلال السطور القادمة استمعنا لأصوات الناس ورصدنا بعض هذه التخوفات.
أن رحلتى من محطة البحوث إلى محطة سعد زغلول الطبيعى لا تتجاوز العشر دقائق، ولكن ما حدث هذه المرة أنها طالت لما يقارب نصف الساعة لأن هناك ما شدنى، بل استفزنى فقد ركبت سيدة منقبة لا يظهر منها سوى عينيها المحدقتين فى كل بنت فى عربة السيدات «من فوق لتحت» بطريقة مبالغ فيها ثم وقفت بجانبى وظلت تقول: «أستغفر الله العظيم يارب اهدِ الجميع» وظلت تنظر لى وعينها تطق شرار ومع الدنيا الحر ونحن مزنوقين على باب النزول فاجأتنى بقولها «يا أختى ربنا يهديكِ مالوش لازمة البنطلون الجينز أنت محجبة ما تضيعيش أجرك».
وقبل أن أنفجر فى وجهها وأقول لها : «من أنت حتى تنصبى نفسك حكما على لبس الناس؟ أمسكت بأعصابى واخترت أن أسايرها لمعرفة كيف تفكر ولماذا تتدخل فيما لا يعنيها فهذه الشريحة من الواعظين طالما أثارت فى الفضول للتقرب من دماغها فقد يكونون غير دارسين ولا فاهمين ولكن لمجرد سماعهم كلمتين فى زاوية أو على قناة متطرفة خولوا لأنفسهم الحق فى تعليم الناس دينهم والمستفز أنهم يكلمون الناس باستعلاء واستقواء لا يرقى لمكانة عالم الدين فأسلوبهم فى معظم الأحيان فج وغير ودود.. وبدأ بيننا حوار كالآتى:
أنا: هل البنطلون الجينز حرام؟
هى: طبعا.. كمان مش فاهمين الدين
أنا: معلش فهمينى أنت.. بالمناسبة درست الدين فين؟
هى: الدروس مالية الدنيا بس الناس تتهدى وتروح
أنا: يعنى أنت شايفة لو لبست جيب أفضل؟
هى: لو تتنقبى أفضل .. أنا مش عارفة الدين مضايقكم فى إيه؟
أنا: بس أنا فاكرة إن المفتى قال عن النقاب....
فقاطعتنى وقد علت نبرة صوتها قائلة: ربنا يهديكِ يا أختى مفتى إيه؟ المفتى دا مع النظام السابق والحمد لله أراد ربنا بنا خيرا وولى علينا من سيلم البنات ويرجع بنا لله».
وهنا جاءت محطتى فلم أنزل وقررت الاستمرار فى الحوار مع تلك السيدة فسألتها:
أنا: وهل فى رأيك نحن كفرة لأننا غير منقبات؟
هى: طبعا النقاب أساسى.. بصى يا أختى حواليكِ شايفة منظر البنات أستغفر الله كاسيات عاريات لبسهن ضيق كاشفات وجوههن ملطخين وشهم بألوان المكياج والله يستاهلوا اللى بيجرى فيهم ويرجعوا يقولوا .. الرجالة بتعاكسنا.. ربنا يهديهم.
ومع أنى نفسى أقول لها وأنت مالك خليكِ فى حالك إلا أننى سايرتها وسألتها: هو مش ربنا قال: «لا إكراه فى الدين»؟ وكل واحد حر وربنا يحاسبه؟
تعصبت ونظرت لى كأننى جاهلة لا أرقى للحديث معها وقالت: فسروا الدين على مزاجكم ربنا عمره ما هيرفع البلد دى إلا لما تطبق الدين صح اسمعوا الكلام وامشوا عدل.
أنا: نسمع كلام مين؟
فردت بوقاحة: «كلامنا احنا الناس اللى فاهمة الدين وبتتكلم بما يرضى الله مش كل واحدة فيكم عاملة نفسها فاهمة ومغطية راسها كده وخلاص!
أنا: وأنت تبع مجموعة بتنصحوا الناس؟
هى: ولا مجموعة ولا بتاع إنتِ فاكرنا تنظيم ومخطط خارجى والكلام الفاضى بتاعكم دا .. كل واحد بينصح حد دا بيكون مسلم يبتغى وجه الله وعايز الناس تبقى ماشية صح يارب ينصر كل واحد بيغير المنكر بإيده ولسانه.
أنا: ومش خايفة حد يضايقك أو يرد عليكِ رد ما يعجبكيش أو حتى يعملك محضر؟
ردت بعصبية واستقواء: مين دا اللى يقدر يفتح «بوءه» خلاص أيام الانفلات والناس اللى بتتجر على السجون عشان بتاعة ربنا انتهت وبعدين هيشتكينى يقول إيه؟ إنى بنصحه عشان يمشى صح عشان آخرته مش عشان نفسى.. وعلى الله يتعظوا احنا ما بنقولشى حاجة غلط إحنا الصح وكلامنا هو الكلام الفصل وإحنا بننصح لا نبغى سوى وجه الله تعالى وبعدين تعالى قوليلى إنت تكشفى وشك ليه؟ دا حتى صوتك المفروض عورة هو مش ربنا قال كده؟ أنا عارفة إن ربنا هيقوى شوكة الاسلام واللى مش عاجبه يمشى من البلد.
أنا: بس دى بلد كل المصريين وكل واحد حر
هى: هو مين دا اللى حرالبلد بلد إسلامية.. شكلك كده من بتوع «شفيق».
أنا: إنت بتتكلمى فى السياسة كمان؟
هى: سياسة واقتصاد وكله لازم يكون إسلامى واتقوا الله وبطلوا تخافوا من الدين وتطبيقه.
وعندما سألتها : «أنت خريجة إيه»؟
ثارت فى وجهى وقالت:إنت فاكرانى جاهلة.. أنا خريجة كلية بس انتوا اللى فاكرين إن الجهلة بس هى اللى بتدافع عن الدين.
وهنا وجدت أكثر من امرأة تدخلت لتصدق على كلامها وتقول : «هما خايفين ليه من الدين»؟.. «امشوا على الدين وأنتم تفلحوا»..«مبارك هو اللى خوف الناس من الدين».. «كل اللى مش عاجبه كلام ربنا جه اللى هيلمه ويعرفه إن الله حق».
وهنا وجدت نفسى فى معركة مع ناس أغلقت دماغها على مفاهيم معينة ونصبت نفسها المبعوثة الإلهية لهداية البشر، وعندما فتح الباب عند أول محطة خرجت من المترو وسمعتها تقول خلفى لفتاة جالسة: «قومى قومى يام بنطلون خلينا نقعد».