رمضان «جانا» فى الغربة!!
حسن عبدربه المصري وريشة محسن رفعت
فى الوطن.. نستقدم شهر رمضان قبل أن يهل علينا هلاله بالاستعداد له.
كل منا وفق رؤيته وتقديره للشهر الكريم.. تعبدية تُلزم نفسها بآداب الصيام والصلاة وتلاوة القرآن وأداء ركعات التهدج والقيام والدعاء والاستغفار والحرص على صلاة الجماعة بالمساجد، أو بطنية - من البطن - تتفنن فى توضيب مائدتى الإفطار والسحور وما بينهما وتصنيفها وتشكيلها وفق المتاح من الألوان والأجناس وتتبارى فى صنع المشروبات وأطباق الحلوى التى لا تُبقى ولا تَذر! أو منقادة لدورى المسلسلات التى تدفعها لأن تصنع لنفسها مقعداً متقدما أمام الشاشة وفى يدها الريموت كونترول لا تتركه مهما كان الحادث جللا.. فى المهجر نستقدمه، بغض النظر عن أصول المسلمين الأفريقية والهندية والباكستانية والعربية والإيرانية وغيرها، بمحاولة مخلصة للتوفيق بين ثلاثة أمور يبدو التنسيق بينها صعباً فى كثير من الأحيان.. ظروف الطقس الصيفى والشتوى.. وتوقيتات العمل وبالذات لمن يعمل لدى مؤسسات بريطانية أو أوروبية.. ومتطلبات العبادة التى يُعلى من شأنها الكثيرون بهذه المناسبة السنوية!
• الطقس يا سادة هو الحاكم..
فى الصيف - مِثل أيامنا هذه - تصل ساعات الصيام إلى 18 ساعة! حيث يؤذن لصلاة المغرب حوالى التاسعة والربع مساء.. وننوى الصيام قبل دقائق من موعد أذان الفجر الذى يَحل وقته حوالى الثالثة والربع.
الست ساعات الفاصلة بين الإفطار والسحور.. مُزدحمة ودقائقها متسارعة بلا نظرة عطف وشفقة لحال الصائمين.. الإفطار وما يليه من أكواب متتابعة من الشاى والقهوة والمشروبات الرمضانية.. وما قد تسمح به المعدة الممتلئة من أصناف الحلوى المُصنعة منزلياً أو الجاهزة.. وصلاة التراويح التى تقام بالمنزل خمسة أيام، وفى الجامع إذا تيسر الحال مساء الجمعة والسبت.. ومتابعة محدودة لبعض المسلسلات الدرامية والإسلامية الناطقة بالعربية أو المدبلجة.. وعندما تحين ساعة النوم المعتادة طوال العام، تُضبط الساعات الرنانة لضمان الاستيقاظ بعد ساعتين أو أكثر قليلاً، وهو أمر لو تعرفون مضنٍ ومرهق، يعقبه إعداد سريع لوجبة سحور تلتهم بلا مذاق أو مزاج! سيان..
ومين له نفس ياكل، أنا ما صدقت عينى غفلت.
والله النوم عندى أحسن!..
ومين سمعك..
هذا الحوار بين شخصين يهون، أما إذا كان من بين أفراد الأسرة شباب فوق سن الخامسة عشرة! فالأمر جد مختلف.. لأن صدر الأب والأم - فى هذه اللحظات الحاسمة - لا يتسع كثيرا لما يتلفظ به الأبناء نصف النيام من حجج يأتى فى مقدمتها الوعد بمواصلة الصيام إلى إفطار اليوم الثاني، والقسم بأغلظ الأيمان بعدم الاستجابة لإغواءات الجوع ومشهيات الوجبات الجاهزة «بس سيبونا ننام.. علشان نعرف نصحى بدرى نروح مدارسنا».
الدقائق الذهبية تمر تباعاً والأنجال يواصلون المناهدة وادعاء النوم.
فى لحظة فاصلة يُضطر الوالدان إلى الاستسلام لرجوات أولادهما ويقرران أن يتركاهم وشأنهم لكى يلحقا هما بموعد السحور وما يليه من تناول كوب الشاى لزوم «الحبس» وتدخين آخر سيجارة أو سيجارتين لزوم عدل مزاج اليوم التالى «اللى عمره ما بينعدل».
يتواصل الحوار بين الزوجين أثناء تعاونهما لإعداد وجبة السحور بينما يتنقلان بتكاسل بين المطبخ ومائدة الطعام.. بحثا عن إجابة للسؤال الذى يطرح نفسه «ح نسيب العيال كده من غير سحور؟».
كل يوم يتكرر المشهد.. ويعاد السؤال دون إجابة محددة حتى يأتى يوما الجمعة والسبت، آنذاك تتوافر فرصة أوسع لممارسة نوع من الغتاتة والغلاسة من جانب الأب والأم، تساعدهما على إيقاظ الغافلين بسطوة الدين والتخويف من عقاب الله، دون أن تنجح فى محو تكشيرة الاستسلام المضطر من فوق جبينهم المقطب فى كل الأحوال.
محاولة استجلاب النوم الفورى بعد وجبة السحور وأداء صلاة الفجر، ليست ناجحة فى كل الأوقات مهما كانت الوسائل.. ومن ثم يكون الاستيقاظ المبكر للذهاب للعمل واستنهاض همم الأبناء للتوجه إلى معاهدهم «علقة يومية» أقل ما توصف به أنها بداية مبكرة لمراحل النرفزة والزهق! تنبئ بيوم عصيب «من أوله».. على كل المستويات.. لأن الخروج للعمل وللدراسة فى مواعيدها المعتادة يعد فرضاً لا يمكن الحيدة عنه «لأن العالم ده ما يعرفش يعنى إيه رمضان، زى ما احنا تعودنا عليه فى بلادنا».
• رحلة الذهاب إلى العمل والعودة منه..
قاسية بكل المقاييس.. إذا كان الصائم يستخدم فى تنقلاته سيارته الخاصة أو هناك من يتحمل عنه عبء القيادة، وهم قلة قليلة، فقد أراح واستراح لأنه يبتعد بنفسه عن كل ما يمكن أن يعكنن عليه مزاجه..
أما إذا كان ممن يستخدمون وسائل النقل العام، المترو والأوتوبيس والقطارات، المزدحمة دوماً فى ساعات الذروة الصباحية والمسائية، وهى ساعات ازدحام لا يصح مقارنتها بمثيلاتها فى البلدان الأخري، فعليه أن يتجنب البرفانات النسوية التى قد تكون سبباً فى إفساد صيامه عند بعض المذاهب، وألا يُمعن النظر فى المساحات المكشوفة من أجسام المُتعطرات بها والمنتشرات حوله فى كل اتجاه.. وأن يَغض النظر عن لحظات اللقاء والوداع التى تجرى بين الأحبة سواء كانوا أزواجًا أو مشاريع ارتباط مستقبلية، أو بين بين .. وأن ينأى بنفسه عن التلامس بحسن نية غير محمود العواقب.
• بوصول الصائم إلى مكان عمله..
عليه أن يضبط تصرفاته الوظيفية كما ينص عليها تعاقده مع الجهة العمل، وفق الأحوال العامة المستقرة التى تضبط وتيرته التى تضمه مع آخرين لا يعرفون عن الصوم الكثير أو لا شيء.. وأن يلزم نفسه السكينة وهدوء الأعصاب منتصف النهار حين تحل ساعة الغذاء.. وياريت يستطيع أن يبتعد عن زملائه خلال تلك الدقائق التى يزداد فيها الصخب والتنكيت وتبادل آخر أخبار النميمة المجتمعية المرذولة فى هذا الشهر.. لكى لا يزكم أنفه روائح تسخين الأطعمة التى تتصاعد فيما حوله غصباً عنه وعنهم.
وإن كان مدخناً فالمصيبة أكبر!! .. صحيح.. الأماكن المخصصة للتدخين بعيدة عن حجرات المكاتب وصالات الإنتاج، لكن رائحة النيكوتين التى تغازل منخاره قادرة على الوصول إلى طاقتى أنفه من أبعد المسافات بلا مقدمات أو استئذان.
طب ليه الآخرين ما يراعوش حالة الصائم هذه؟..
سؤال وجيه أسمعه على شفاه بعض القراء المُكرمين.. إجابته بسيطة.. هؤلاء الآخرون لا يعرفون من الصيام إلا اسمه.. ولا يستطيعون الربط بين الامتناع عن الطعام والشراب من ناحية والحرمان من التدخين من ناحية أخرى.. وليس فى استطاعهم تقدير حجم المعاناة التى يتعرض لها زميلهم/ زميلتهم أو القلة من المسلمين الصائمين بسبب هذا الامتناع المضاعف.
• معلومة إضافية
أقول لكم على معلومة إضافية! بعضهم لا يرى علاقة بين الامتناع عن الطعام والشراب والتدخين، والحرمان من المبادلات الغرامية بكل أشكالها.
العودة من العمل مساءً بعد انقضاء ساعات العمل، أشق كثيراً جداً من رحلة الذهاب الصباحية.. طاقة التحمل تكاد تقترب من مؤشر الصفر.. الأعصاب مشدودة خاصة بين المدخنين.. الحاجة للطعام بلغت منتهاها ولايزال باقياً على موعد أذان المغرب وقت طويل يحسب بالدقائق.. النوم فى وسيلة التنقل العامة سمة جامعة، سواء للصائمين أو لغيرهم.
فى السكن، المسارعة للنوم خاصة للأعزب أو العزباء تمثل خلاصا من كل المتاعب.. ولما يقترب موعد الإفطار.. يحلها ربنا.. أما مسئولية إعداد وجبة دسمة فيها طبيخ ولحمة أو فراخ أو سمك، فمهمة مؤجلة على الأقل ساعة ولاَّ ساعتين.. نسبة الزوجات اللاتى لديهن الطاقة لدخول المطبخ فور العودة من العمل، تكاد تكون معدومة.. أما القادرات على خطف ساعة «للإغفاء» فور وصولهن لغرفة النوم، وبعدها يفرجها ربنا.. فهن الأكثرية.. أما الأغلبية فالاعتماد كله على الوجبات نصف المصنعة.
وتتوالى الأيام والليالى.. وبينما يتابع البعض الاحتفال بليلة القدر وقد يشارك فيها، تترقب الأغلبية ليلة رؤية هلال شهر شوال الذى يتمنى الجميع أن يظهر فى السماء بلا غمة ليلة الثلاثين من رمضان المعظم.•