الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المبلغ عن الطفلة ضحية الختان.. صدقى سيدهم: لا أجامل فى الدم

المبلغ عن الطفلة ضحية الختان.. صدقى سيدهم: لا أجامل فى الدم
المبلغ عن الطفلة ضحية الختان.. صدقى سيدهم: لا أجامل فى الدم


دق جرس هاتف مفتش الصحة بالسويس د.صدقى سيدهم، ليتلقى خبرا بوفاة طفلة بعد عملية جراحية، وطلبا باستخراج تصريح الدفن.. مكالمة نمطية بالنسبة لمهنة مفتش الصحة الذى يقوم عادة بالكشف على المتوفين، وعمل إجراءات تصريح الدفن.

لكن المكالمة جاءت من طبيب زميل فى مستشفى القنال الخاص يعرفه د.صدقى، وذكر أن المتوفاة فتاة فى السابعة عشرة، وتوفيت بعد عملية جراحية لاستئصال كيس دهنى فى الجهاز التناسلى.. كان يمكن للدكتور صدقى أن يعتمد تقرير طبيب المستشفى ويصرح بالدفن، كما هى العادة مع الكثير من حالات الوفاة التى يعتمدها أطباء فى المستشفيات الحكومية أو مستشفيات التأمين الصحى، لكن د. صدقى صمت قليلا، ثم طلب معاينة الجثة.. «سن الفتاة الصغيرة ولأن المستشفى خاص، جعلانى أطلب الكشف على الفتاة، فقد تكون الواقعة جريمة، لكن كان الأمر الذى أكد شكى هو حضور أطباء المستشفى لى لاصطحابى لمكان المتوفاة، وفى العادة من يفعل هذا هم أهل المتوفاة».
يصف د.صدقى اللحظات التى مرت به قبل أن يرى الفتاة ميار المتوفاة، وكيف كان ينظر فى عيون طبيب النساء وطبيب التخدير، اللذين اصطحباه إلى بيت جدة الفتاة بمنطقة مدينة الصباح، وكان يعتقد أن المعاينة ستكون فى المستشفى.. انتبه د.صدقى إلى استئذان طبيب التخدير بالنزول من السيارة قبل أن يصلوا لمنزل الفتاة، «ده كمان كان ليه معنى عندى».
• فى بيت الجدة
كانت الأم تجلس بجوار الفتاة المتوفاة وحولها سيدات من الأقارب، عندما دخل د.صدقى وطبيب المستشفى الخاص، فكشف عن وجه الفتاة فوجده مصفرا بشكل لافت، فقال طبيب المستشفى دى عندها أنيميا حادة، وبدا أنه لم ير الفتاة من قبل.
أكمل مفتش صحة السويس الكشف على الفتاة، وساعدته إحدى السيدات اللواتى كن بالغرفة، حتى وصل إلى مكان العملية وهنا تأكد له أن العملية كانت ختانا كاملا، وليست استئصال كيس دهنى أو غدة.. كان قد مضى على الوفاة من 4 إلى 5 ساعات، و«لم أعرف هل حدثت الأنيميا بسبب نزيف شديد إثر العملية، تم إزالة أثره، أم أن الفتاة كانت تعانى من الأنيميا أصلا».
غطى د.صبحى الفتاة ونظر إلى الأم وطلب منها الذهاب معه إلى قسم الشرطة، لأنه سيحرر بلاغا بأن الواقعة وفاة نتيجة جريمة ختان.
توسل أهل الفتاة إلى الدكتور صدقى، بأن يصرح بدفن الفتاة، وبكت الأم متوسلة له أن يرحمها من أجل أن تعود إلى ابنتها الثانية التى أجرت عملية أيضا ولا تعرف بوفاة أختها التوءم.
• سألت د.صدقى: ألم تشعر بالخوف من أن يحدث لك مكروه؟
- لو كنت بخاف ما كنتش أشتغل الشغلانة دى اللى بمارسها من سنين طويلة، وكمان ما اتعودتش أجامل فى الدم سواء الناس أو لزملائى من الأطباء، واتصلت بوكيل وزارة الصحة بالسويس د.لطفى عبدالحميد، لأخبره بالموقف، ولأؤكد له إصرارى على الإبلاغ عن الواقعة، فشجعه د. لطفى: «خذ كل الإجراءات اللازمة».
• أول إغلاق لمستشفى
أمام رئيس المباحث بالقسم، ومع طبيب المستشفى وأم الفتاة وبعض أقاربها، أبلغ مفتش الصحة عن أن الفتاة المتوفاة أجريت لها عملية ختان، أزالت عضو البظر كاملا، وأن هذه العملية مجرمة قانونا.. وقتها لم يكن يعرف د.صدقى، أن الطبيبة نادية الدقاق التى أجرت الختان للفتاة ميار، يوم 28 مايو، كانت أجرت عملية لأختها التوءم فى نفس اليوم، إلا بعد أن اعترف عم الفتاة بذلك فيما بعد، خلال التحقيقات، وتبين أن أم الفتاة ممرضة بالمستشفى، ووالدها كان طبيبا وتوفى منذ نحو عشر سنوات.
نجت نهال أخت ميار من العملية، لكن ميار حدث لها نزيف شديد وتوفيت، وهربت الطبيبة، وقبضت النيابة على طبيب التخدير وأخلى سبيله بكفالة 10 آلاف جنيه، بينما أصدر محافظ السويس قرارا بإغلاق مستشفى القنال بسبب هذه الواقعة، وهو ما يعتبر أول قرار من نوعه يتخذه محافظ، منذ تجريم ختان الإناث فى 2008.
وفى أول أيام رمضان 6 يونيو الحالى، حضرت أم ميار إلى النيابة واعترفت بكل تفاصيل الواقعة، وقررت النيابة حبسها احتياطيا على ذمة التحقيق.
مازال ما يحير د.صدقى والكثير من أهل السويس: ما الذى دفع أم ميار لأن تصحب ابنتيها بعد وصولهما 17 عاما لإجراء الختان، والمعروف أن سن الختان للفتاة فى مصر من 10 -14 سنة.
• ضغط المجتمع والقانون
مفتش صحة القطاع الحضرى فى السويس، الدكتور صدقى سيدهم، ابن الصعيد، الذى عاش حياته فى السويس، تخرج فى طب أسيوط عام 1983 يعترف بأنه مارس ختان الإناث عندما كان طبيبا شابا مكلفًا بالعمل فى إحدى قرى محافظة قنا.. «كنت أرفض إجراء ختان لبنات، لأنه أصلا لم ندرسه فى الكلية، وكنت أدرك أنه جريمة فى حق المرأة، وعادة رديئة تمارس منذ قديم الزمان خاصة فى الريف، لكنى كنت أمارسه تحت ضغط المجتمع فى قنا، وكنت لاأزال طبيبا شابا، وكنت أشيل حاجة هايفة إرضاء للأهل، عشان ماأجرش على البنت، لكن لما شفت ميار لقيت العضو كله متشال».
يتذكر د. صدقى حملات التوعية التى شارك فيها لتوعية الأطباء ضد ختان البنات وعدم ممارسته، «لكن التوعية لوحدها لم توقف الكثير من الأطباء والممرضات عن ممارسة ختان البنات، لكن فى 2007 بعد وفاة الطفلة بدور أصدرت دار الافتاء بيانا بأن ختان الإناث حرام، وأصدرت نقابة الأطباء ووزارة الصحة قرارات بحظر ممارسة ختان الإناث على الأطباء والتمريض وفى كل المستشفيات والعيادات، وتوقف الكثير من الأطباء عن ممارسته».
يرى د.صدقى أن التوعية لها نتائج إيجابية، لكن عندما صدر قانون تجريم ختان الإناث فى 2008 رضخ الأطباء للمنع، وإن كان القليلون يمارسونه فى الخفاء.
وبعد وفاة ميار «واثق إن تطبيق القانون هيجيب نتائج كويسة لمنع الممارسة دى، بدليل إن الناس فى السويس فرحانة بإغلاق المستشفى، وبالكشف عن الجريمة وبالإجراءات اللى بتاخدها النيابة».
يقيس د.صدقى نبض المجتمع السويسى تجاه ما فعله «الناس بتهنينى، وبيقولولى شد حيلك، حتى فى الأحياء الشعبية».. وأضاف «أصل مشهد البنت اللى بيسحبوها عشان يعملوا لها ختان لا تنساه طول عمرها، لأنها بتسلب منها شىء عزيز خلقه الله جواها، ودايما أقول للآباء بتقبلوا كده ليه، العفة مش فى العضو التناسلى، العفة فى الفكر، أنا ما قدرتش أستحمل إنى أجرح بنتى، وبقولها بكل فخر وهى دلوقت صيدلانية كبيرة».
• ضحايا لا يعرفهن أحد
14 يونيو هو اليوم الوطنى لمناهضة ختان الإناث، وهو اليوم الذى توفيت فيه الطفلة بدور 13 سنة، ابنة المنيا إثر إجراء ختان لها على يد طبيب، وأصدرت دار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية، بيانا بأن ختان الإناث حرام شرعا، وأنه عادة وليس عبادة، وجرم ختان الإناث فى قانون العقوبات فى 2008.
تنص المادة 242 من قانون العقوبات: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن 5000 جنيه كل من أحدث الجرح المعاقب عليه فى المادتين 241، 242 من قانون العقوبات عن طريق إجراء ختان الإناث».
لكن ممارسة ختان الإناث، لم تتوقف وتوفيت الطفلة سهير الباتع 13 سنة ابنة المنصورة فى يونيو 2013 ، حيث إن يونيو يعتبر ذروة موسم إجراء ختان البنات مع قدوم العطلة الصيفية، ووفاة ميار ليست بعيدة عن نفس التوقيت، ويطالب د.صدقى بتغليظ العقوبة حتى تردع الأطباء، كما سيردع إغلاق مستشفى القنال باقى المستشفيات الخاصة.
لكن بين هؤلاء الضحايا فتيات آخريات يتوفين بسبب الختان، لكن لا يعرف أحد عنهن شيئا، كما يؤكد د.صدقى، بحكم مهنته، «فى الريف ممكن يغطوا على جرايم زى جريمة ميار، وبيكون مفتش الصحة طبيب حديث التخرج، وخبرته قليلة، ويحرج من الكشف على البنت، والأهل لايخبرنه بالحقيقة، وتدفن الفتاة ولايعرف سبب الوفاة الحقيقى».
يوصى د. صدقى مفتشى الصحة شباب الأطباء بالانتباه إلى أهمية إجراء الكشف بدقة فى حالات السن الصغيرة فى الفتيات، لأن الوفاة قد تكون بسبب الختان أو عنف منزلى شديد، أو انتحار، أو حوادث سيارات، وألا يتحرجوا فى طلب مفتش خبير إذا شعروا بالحرج، وأن يتحلى مفتش الصحة بالشجاعة والجرأة.
ويؤكد د.صدقى: كان يمكن ألا يكتشف سبب وفاة ميار الحقيقى، لو كان من قام بالكشف عليها مفتش صحة قليل الخبرة، أو يجامل زملاءه، «فيه ناس بتجامل فى الدم بغفلة أو إهمال أو من غير قصد أو عدم تركيز، لكن ربنا هيسألهم».•