الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مشكلتى مع البخارى

مشكلتى مع البخارى
مشكلتى مع البخارى


التجديد فى الخطاب الدينى هو أمل هذه الأمة، ولن ينصلح حالنا إلا إذا أمعنا النظر فى تراثنا ونحاول أن نستنبط منه ما نستطيع أن ننطلق إلى عالم المستقبل الرحب.
وفى هذه الصفحات، تفرد «صباح الخير» خطب واحد من هؤلاء المحاولين لتجديد الخطاب الدينى.. إنه الدكتور عدنان إبراهيم المفكر الإسلامى الفلسطينى.
وخلال أعداد شهر رمضان سنعرض خطبه ونختار منها.. فهى تستحق القراءة إذا لم تكن قد استمعت لها.

بعد الحمد والثناء على المولى عزوجل والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، يقول د. عدنان إبراهيم:


يقول الحق سبحانه وتعالى بعد أن أعوذ بالله من الشيطن الرجيم، «بسم الله الرحمن الرحيم... أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللَّـهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّـهِ فَمَالِ هَـؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا • مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا وَكَفَى بِاللَّـهِ شَهِيدًا  • مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا • وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِى تَقُولُ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَى بِاللَّـهِ وَكِيلا • أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا  • وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا» 78-83 سورة النساء. صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين.. اللهم آمين.
إخوانى وأخواتى:
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، معيار ومسبار ومقياس وقاعدة منهجية فى غاية الأهمية والخطر، هذ المعنى أخذه إمامنا أبو عبد الله الشافعى  رحمه الله تعالى  فقال فيما أُثِر واشتُهر عنه: «أبى الله تبارك وتعالى أن يُتمَ إلا كتابه، فلا كتابَ كله تمامٌ صحيحٌ غير منقوص غير مختلف، إلا ما كان من هذا الكتاب العزيز»، وتُروى  يقصد رواية أبى عبد الله الشافعى «أبى الله إلا أن يُصحَ إلا كتابه»، وهو قريب من قريب، واسمعوا إلى العجب، فقد رُفع قبل مدة إلى المحكمة مدقق إملائى ومراجع نصوص فى صحيفة سيارة بجمهورية مصر العربية ـ حفظها الله، فلما صار فى مواجهة قاضيه، فاجأ القاضى وأذهله بالقول مدافعا عن نفسه باللهجة المصرية «هو إيه.. أنا غلطت..»، ولماذا رفع ـ عفوًا ـ هذا المدقق الإملائى، رُفعَ لإغضائه عن جملة أخطاء كثيرة فى آيات قرآنية فى أحد أعداد تلكم الصحيفة، لم يدقق جيدًا، فجاءت الآيات غالطة أيها الإخوة، وهذا شىء فاحش، لا يجوز، فدافع عن نفسه بقوله «هو إيه.. أنا غلطت فى البخارى»، يعنى يغلط فى كتاب الله.. أمر محتمل، لكن لا يُغْلَط فى البخارى، وأُسقط فى يدى القاضى.
وفى الحقيقة هذا منطق سائد وشائع، ولا عجب من مثقف غير متخصص فى العلوم الشرعية، قضى حياته كلها وهو يسمع ليل نهار إذا سمع البخارى أو كتاب البخارى- رضى الله عن البخارى- سمع إليه ومعه وبسماعه ألفاظ العصمة والقداسة والتمام، وسمع «أجمعت الأمة واتفقت الأمة وأطبقت الأمة وأجمع الفقهاء والعلماء»، كما يرى أشرس الهجوم وأعنفه وأضراه.. يُشن على كل من سوّلت أو من تسوّل له نفسه أن يشكك فى حرفٍ فضلًا عن أن يشكك فى جملةٍ فى البخارى، فالبخارى فى حِمى العصمة، فى حِمى المحفوظية، لا يجوز أن يتطرق إليه أحدٌ بترديد أو ارتياب أو بتشكيك.. لأنه البخارى وكفى، لا نستغرب هذا الدفع أو هذا الدفاع العجيب من هذا الرجل غير المتخصص، مثقف عادى يعنى.. مدقق ومصحح إملائى.. مراجع نصوص ليس عالما فى هذه الفنون الشرعية.
لا نستغرب وقد رأينا شيخا فاضلا فى مناظرة تليفزيونية، يقول بملء الفم وبالضرس القاطع «نعم إن البخارى معصوم»، شيخ فاضل وأستاذ أكاديمى وفى سن كبيرة، خمسين سنة فى التدريس الجامعى، لن أذكر مؤسسته لأنها مؤسسة إسلامية عريقة أيضًا، يقول بالضرس القاطع وبملء الفم «نعم.. إن البخارى...» يقصد صحيح البخارى  طبعا ليس البخارى كشخص.. وطبعا إذا كان صحيحا ومعصوما، فهو من باب أولى فى هذا العمل على الأقل معصوم، لأن عصمة العمل ليست مطلقة. إنما بعصمة عاملِهِ، لعصمة الذى تيسر له تجميع هذا الكتاب، الذى هو بلا شك نبادر ونسارع إلى القول.. أصح الكتب بعد كتاب الله، ونؤمن بهذا، ولكن كلمة أصح الكتب بعد كتاب الله لا تعنى أن كل ما فيه صحيح بأى حال من الأحوال كما نرى، هذا شىء وهذا شىء، أصح الكتب وفيه أغلاط يسيرة، نعم.. مواضع الغلط والانتقاد فيه يسيرة جدا بالنسبة لمواضع الصحة، فجملة ما فيه صحيح، وفيه مواضع يسيرة انتقدت عليه ولا تزال، وهذا شىء طبيعى جداً. 
لا أدرى أيها الإخوة ولا أستطيع أن أفهم، كيف يصر علماء كُثُر عبر العصور والقرون على عكس هذا الفهم، وهو أن كل ما فى البخارى صحيح، وأن الخطأ لا يتطرق إليه، على أنه جهد بشرى وعمل بشرى، يذكر.. فيُقْدر ويُشْكر نعم، لكن أين هذا الفهم من فهم أبى عبد الله الشافعى ومن الميزان القرآنى «ولو كان من عند غير الله.. لوجدوا فيه.. اختلافا كثيرا..»، لا باعتبار أصله فقط، بل باعتبار محفوظيته، وإلا فالتوراة والإنجيل من عند الله ووقع فيهما اختلاف كثير، لأن الله استحفظ الأحبار والرهبان عليهما، كما استحفظنا على السنة، فوقع فيها خلط.. كما وقع فى التوراة والإنجيل، أما الكتاب الأعز.. فالله تبارك وتعالى لم يستحفظه أحدا، لأن بعض الناس لا يفكر بشكل منطقى ولا بشكل متين. 
يقول لك «إيه.. حتى السنة من عند الله»، «وما ينطق عن الهوى..»، ما هذا الخلط فى التفكير عدم الدقة عدم الصرامة فى الفهم والاستنباط والاستثمار.. يجب أن نكون دقيقين، فالتوراة والإنجيل من عند الله، لكن لما استحفظ الله الأحبار والرهبان هذين الكتابين الجليلين ضاعا، وضاع كثير من الحق فيهما واختلط حقهما بباطلهم وباطل أقوامهم، شىء من هذا وإن كان أيسر منه بمراحل بفضل الله تبارك وتعالى، تطرق إلى السنة المجموعة فى الصحاح والمسانيد والسنن إلى آخر هذه الكتب الجليلة.
نعم.. يقول ـ أى الشيخ فى المناظرة ـ البخارى معصوم، وتقدم بالدليل، فقال «وعندى دليل من كتاب الله»، دليل من كتاب الله أن البخارى معصوم، عجيب والله.. إيش الطريقة العجيبة فى التفكير هذه، قال: «قال تبارك وتعالى (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً)، النساء (115) ـــ ما الدليل فى هذه الآية؟ كيف استنبطت حكما بمعصومية صحيح البخارى من هذه الآية الجليلة؟
قال «لأن الأمة أطبقت.. لأن الأمة أجمعت.. الأمة اتفقت على صحة ما فى صحيح البخارى، على صحة كل ما فى البخارى، إذًا من خالف الأمة فى هذا الإجماع، فقد اتبع سبيل غير المؤمنين، وهو داخل تحت طائلة الوعيد، «نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا».
وهذه فى نظرى طريقة مضحكة فى الاستنباط، هذا تلاعب بالدين، هذا تحريف وغلط على كلام الله، ولا أحب أن أقول غلط على رب العالمين، ولكن أحب أن أقول غلط على كلام الله، وتجرئة للجُهّال والأغمار وحشو البشر وسقط الناس على أن يتكلموا فى كتاب الله بنحو من هذا النحو، فيتسع الفتق على الراتق كما يقال، وهكذا، لماذا؟
أولا.. تعليق الحكم بالمشتق مُشْعِر بعلّية ما منه الاشتقاق، هكذا يدرُس كل طالب مبتدئ فى علم الأصول، الله يقول «يتبع غير سبيل المؤمنين» إذًا المسألة لها علاقة بقضية الإيمان، طبعا، من يخالف المؤمنين فى قضية إيمانهم بلا شك هو من أهل النار والعياذ بالله، وهذا هو الذى شاقّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، طبعًا الآية فى الكفار والمنافقين والعياذ بالله، ليست فى اختلاف الرأى فى مسائل فرعية أو غير فرعية أبدًا، هذه واحدة.
وبعدين.. من قال لك يا مولانا إن الأمة أجمعت على صحة ما فى الصحيح، هذا لا يتم ولن يتم.. محالٌ أن يتم إلا إذا كانت الأمة كل الأمة هى فقط أهل السنة والجماعة، وهذا غير صحيح، فى الأمة «زيود.. إخواننا الشيعة الزيدية، إخواننا الشيعة الإمامية، إخواننا أهل الاعتزال، إخواننا الإباضية»، وكل هؤلاء لا يلتزمون القول بصحة كل ما فى البخارى، لا يلتزمون، بل ينتقدون عليه مئات المواضع، ويردّونها،، وكلهم من أهل التوحيد ومن أهل العصمة، فالقول «أجمعت الأمة».. لن أقول كذب، واضح أنه غلط صُراح مفضوح، لا تقل لى أجمعت الأمة، لا تقل لى اتفقت الأمة، سيقولون. لا نريد بالأمة هنا أمة أهل السنة والجماعة، المقصود أجمع أهل السنة والجماعة، واضح جداً أن الذين أجمعوا ليس كل أهل السنة والجماعة، إنما علماء، والعبرة بإجماع العلماء لا بإجماع العامة طبعا، العامة لا يمكن أن تجمع أصلا، وإجماع العلماء مستحيل، فكيف تعرف أن العلماء أجمعوا؟
قال الإمام أحمد بن حنبل رضوان الله عليه «من حكى الإجماع فقد كذب.. ما يدريه.. لعل الناس اختلفوا..»، كيف تقول لى أجمعوا! لا يكاد يصح إجماع أيها الإخوة، وهذه مسألة طويلة ومعروفة، وأما الأمثلة التى يأتون بها على أن الإجماع فيها صحيح، هو إجماع مستنده النص، فليس إجماعا، ما عدا ذلك المسألة خلافية ومعروفة جداً.
على كل حال، إذًا إجماع أهل السنة والجماعة على صحة ما فى الصحيحين، وهذا غالط ولن أقول كاذب، قول خطأ بلا مثنوية، كيف يقال أجمع أهل السنة على صحة كل ما فى الصحيحين، وقد انتُقد الصحيحان من عشرات العلماء الكبار، وأئمة الحفاظ عبر القرون، وسأوضح هذا.
أولا إمامنا البخارى رضوان الله ـ وبلا شك وبلا تعصب من قرأ سير الأئمة والحفّاظ والمحدِّثِين، لا يرتاب أن هذا الرجل هو مقدَّمُهم رضى الله عنه وأرضاه، وأنه كان أسطورة.. آية من آيات الله فى الإمامة والحفظ والتدقيق والصلاح والورع، لكنه بشر ليس معصوما، ليس نبيا، لا تقل لى عصمة صحيح البخارى،  هذا كلام فارغ.. حال عن شبهة دليل وليس عن دليل، بل عن شبهة أدنى دليل وأصغر دليل، هذا هو البخارى نعرف شأنه ونعرف مُقامه رضوان الله عليه، لكن نعرف أيضا قواعد لا يمكن أن تُخترق، لا يمكن أن تُتجاوز، إنه بشر من البشر.. يخطئ ويصيب.
البخارى ذاته رضوان الله عليه جُرح من جماعة من كبار أئمة الحفاظ فى عصره،  وليس بعض الأحاديث، هو نفسه كشخص مجروح، أصبح مجروحا من الإمام الذُهلى فى القصة المعروفة «خلق القرآن الكريم»، وذكرت لكم أن الحق كان مع البخارى، وأنهم ظلموه، هذه هى الحقيقة، والله يحب الحق، الرجل مظلوم رضوان الله عليه، حقيقة ظُلم ظلما صارخا، الرجل كان فحوى كلامه أن لفظى بالقرآن مخلوق، طبيعى أن لفظى بالقرآن مخلوق يا أخى، قطعا مخلوق، لكن.. جُعلت هذه عظيمة من العظائم، ونسبوه إلى أغلظ البدع بسبب هذا القول، وأحرجوه على أن يصرح به، فُخ ـ كما نقول فَخ نصب له أيها الإخوة، وعلم أنه سيقع فيه، ولكن ألحوا عليه وأحرجوه، حتى صرح فأخرجوه من بلده رضوان الله عليه، وطُعن فى دينه وفى عرضه، والرجل مظلوم نشهد بالله أنه مظلوم، للأسف الشديد، لكن هذا ظلم العلماء بعضهم لبعض، وهذا الإمام الذهلى وابنه، عصريّ البخارى، أى يعاصرانه، ويساميه فى المنزلة، وليس عالما عاديا.
والإمامان الجليلان، أبو حاتم الرازى، وهو من رتبة البخارى، وأبوزرعة الرازى، من رتبة البخارى، كلاهما جرح البخارى، وأسقطا اعتباره، ونقلت لكم هذا، بالجزء والصفحة من كتاب «الجرح والتعديل» لعبدالرحمن بن أبى حاتم الرازى، نقل تجريح والده وتجريح أبى زرعة الرازيين للإمام محمد بن أبى إسماعيل بن إبراهيم البخارى  رضوان الله على الجميع، وغفر الله للجميع... إذن كيف يقال أجمعت الأمة وهؤلاء طائفة من علماء الأمة جرّحوا البخارى عينه، من أين يقال صحيح وكل ما فيه صحيح بإجماع علماء أهل السنة، لا أحب أن أقول كذب، هذا غلط واضح، فإلى متى نغالط فى الحقائق؟
وأما الذين انتقدوا أحاديث بين قليل وكثير ومقل ومكثر فى صحيح البخارى وفى صحيح مسلم، فهم كثُرٌ عبر العصور، منهم من وضع وحبّر مصنفات مفردة فى التنقيد على الصحيح أو الصحيحين.
كتب كاملة فقط فى النقد على البخارى ومسلم، من أئمة الحفاظ الكبار، كالإمام أبى الفضل ابن عمار الشهيد ـ رحمة الله عليه، له كتاب أيها الإخوة فى هذا الباب. وهذا أشهرهم الكُل يعرف هذا، طُويلب العلم فى الحديث يعرف هذا جيدا، الإمام أبو الحسن الدارقطنى، حافظ الإسلام فى وقته صاحب السنن.. الإمام الشافعى الجليل، له كتاب مشهور جدا، ومطبوع وحقق أكثر من مرة، «الإلزامات والتتبع»، يلزم الشيخين على طريقة الحاكم النيسابورى من بعده، يلزمهما إخراج أحاديث على شرطهما ولم يخرّجاها.. هذا لا بأس، هذا استدراك، ما يسمى بالاستدراك، ولكن التتبع ويتتبع عليهما أحاديث خرجاها على شرط الصحة كما التزم على أنها لم تف بشرطهما، أحاديث مطعونة إما فى السند ـ وأكثر الطعن فى الأسانيد، وإما فى المتن وهو قليل جداً.
استمعنا إلى شيخ فاضل قبل أسابيع يسيرة يقول «الدارقطنى انتقد على الصحيح أو الصحيحين عشرين حديثًا.. بل مئتى حديث، يبدو أن النقطة سقطت من الذاكرة، عشرين.. قال هذا أمام الناس فى الفضائيات، وهو شيخ معروف بعلو كعبه ورسوخ قدمه فى الحفظ وفى علم  الحديث. عشرون حديثًا.. هل أنت متأكد من هذا؟ إنها أكثر من مئتى حديث بالمكرر، وبدون المكرر بعد نخلها مئة.. انتقد مئة وتسعة وتسعين حديثا بالضبط، يعنى مئتين إلا واحدا، بغير ما يكرر، نصيب البخارى وحده زُهاء التسعين، مسلم أكثر من ذلك، واشتركا فى جملة أحاديث، هذا أبو الحسن الدارقطنى.   
الحافظ بن حجر العسقلانى فى مقدمة شرحه الماتع الجامع المعروف طبعا للخاصة والعامة «فتح البارى»، يشرح فيه صحيح البخارى، له مقدمة.. مجلد ضخم، من أكثر الكتب فائدة «هدى السارى»، أجاب عن مئة وعشرة أحاديث فقط، ولم يجب عن المئتى حديث حتى نكون دقيقين، وترك الأحاديث الأخرى مع اعترافه ـ وهذا هو الأسلوب وهذا هو المنهج العلمى المحترم.
قال الحافظ بن حجر ـ رضوان الله وتعالى عليه ـ معلقا بعد أن فرغ من الجواب عن هذه المئة والعشرة أحاديث ـ قال أجوبة منها كما ترون قوية جدا، أجوبة منها محتملة قال عنها «أعرف»، شوف التواضع والوعى بحقيقة الأمور وأحجامها، قال «أعرف أن الأجوبة التى أتيت بها أو نقلت عن غيرى، بعضها قوى جداً، بعضها محتمل»، قال «واليسير منها فى الجواب عنه.. فيه اعتساف وتكلف».. قال «وبعض الجوابات باردة».. يعنى ليس الجوابات دائما قوية، انتبهوا.. فليس الشأن أنهم أجابوا عن هذه التنقيدات، الشأن بماذا أجابوا، كيف أجابوا.. تقريباً لا يوجد حديث انتُقد على الصحيحين إلا وقد أُجيب عنه، ولكن حجم الجواب وجودة الجواب وصحة الجواب وقوة الجواب هذا هو المهم، ليس فقط أننا أجبنا.
المنهج القرآنى والنبوى إخوانى وأخواتى.. علّمانا ولا يزالان أننا لا ينبغى أن نسلم المقادة دون قناعة حقيقية.. دون اطمئنان القلب.. ولكن ليطمئن قلبى، إذا لم يطمئن قلبى كعالم.. كباحث.. كطالب علم.. كعامى، عليّ أن أراجع.
أخرج البخارى فى صحيحه ـ فى كتاب العلم ـ باب «من سمع شيئا من العلم»، أى فلم يفهمه فلم يعرفه، فراجع فيه حتى يعرفه.
جميل هذا الباب وعنوان موحٍ وملهم. وذكر فى حديث ابن أبى مُليكة عن أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله تعالى عنها وأرضاها ـ أنها كانت إذا سمعت شيئا فلم تعرفه، راجعت فيه حتى تعرفه. أقول لكم عقلانية.. كانت عقلانية.. لا بد أن تفهم.. عجيب، حتى فى كتاب الله، حتى من سنة رسول الله.. لا بد أن أفهم، لا أسلِّم، وهكذا ربّى رسول الله أصحابه ـ صلى الله على رسول الله ورضى عن أصحابه وأرضاهم.
هكذا.. ليس التسليم المطلق لكل شىء، لا بد أن نفهم حتى يتأسس الإيمان على قناعة وعلى طمأنينة، وعائشة ـ رضوان الله عليها ـ كانت تراجع، ولذلك تتمة الحديث ـ هذا فى البخارى  سمعته ـ عليه الصلاة وأفضل السلام ـ يقول: «مَن حُوسب عُذب»، إذا حاسب الله عبده، فقد قضى بعذابه، سيعذبه، فاعترضت مباشرة.. وليس اعتراضا، إنما هو استفسار بالأحرى، تستفسر.. تراجع.. حتى تفهم، قالت: «يا رسول الله!».
فيسألوننا ما هو منهجكم فى تضعيف أحاديث فى الصحيحين؟ إنه منهج عائشة رضوان الله عليها.. منهج رسول الله.. منهج القرآن.. منهج الصحابة.. ما يتعارض بظاهره مع كتاب الله لا بد أن نبحث له عن حل.. إن وجدنا الحل فبها ونعمت.. وإن لا رددناه، لأنه معارض لكتاب الله.. كيف لا أرد نصا أحاديا رواه رجال عن رجال عن رجال عن رجال.
إن أكثر أسانيد البخارى ثلاثياته.. يعنى أقل عدد من الرواة بين البخارى وبين رسول الله ثلاثة، اسمها «الثُلاثيات» وهى قليلة فى الصحيح جداً، ويُسمى السند العالى، أعلى أسانيد البخارى ثلاثياته، وأنزلها السند الطويل، أى أكبر عدد من الرواة، تُساعيات البخارى، احفظوا هذا، أعلاها ثلاثياته، وأنزلها تساعياته، يعنى أحيانا بين رسول الله وبين البخارى كم؟.. تسعة أنفار، وهذا البخارى.. متوفى سنة 256 للهجرة ـ رضوان الله عليه، تسعة رجال، إذن فى المتوسط كم تقريبا نقول.. ستة، ربما ستة ربما خمسة فى المتوسط، خمسة أجيال فى المتوسط ليس قليلا.. الإنسان نفسه بعد حين تختلط عليه الأشياء، يَهِم فيها.. يَوْهَل.. يُغفل أشياء.. ينسى.. فكيف واحد عن واحد عن واحد.. أسانيد أحادية.. ليست متواترة، تخالف كتاب الله، فإذا ما فى جواب أرده مباشرة.. بغض النظر فى البخارى فى مسلم لا يعنينى، أو تأتينى بجواب.. حتى يطمئن قلبى، لماذا.. لأننا لا نريد أن نخاطر بديننا.
ما فى حديث يُرَدّ فى البخارى ومسلم.. يسقط به ركن من أركان الإيمان، انتبهوا.. هذه أيضا فى المنهج.. أى فى الضوابط المنهجية لدينا، ما فى شىء انتُقد على البخارى ومسلم.. أو على كليهما، يسقط به ركن.. يذوب به عمود من عمد الإسلام.. أبدًا أبدًا.. كلها مسائل خلافية، غير مهمة يعنى، ثبتت أم لم تثبت ليست خطيرة، لأن الدين اتفهم، «اليوم أكملت لكم.. دينكم...».. يا إخوانى الدين تام.. نقول يشككون فى ديننا، لماذا هذا التهويل، لماذا هذه المغالطات على عباد الله، كأن من ردّ حديثا أو حديثين أو مئة أو مئتين يشكك فى الدين، التشكيك فى الدين يكون بالتشكيك فى أصول الإيمان والاعتقاد وأركان الإسلام، ليس فى أحاديث تكون أحيانا فى الفضائل.. أحيانا أحاديث تاريخية.. أحيانا أشياء ليس لها علاقة بالأصول. لماذا، ما المشكلة يعنى، ما فى مشكلة.. هذه ضوابط منهجية ويجب أن نكون واعين.
المهم.. فقالت أم المؤمنين ـ رضوان الله عليها (يا رسول الله، أليس يقول الله تعالى «فسوف يحاسب حسابا يسيرًا»).. تريد «وينقلب إلى أهله مسرورا»، تقول.. الله بيقول إذا حوسب العبد المؤمن.. يحاسب.. لكن حساب يسير، سيحاسب حسابا يسيرا، وينقلب إلى أهله مسرورا، ما فى عذاب.. مباشرة.. شوف.. هذه ضابطة منهجية، قابلت ماذا بماذا؟! قابلت الحديث الذى أخذته عن البخارى، تسمع مشافهة من فم رسول الله زوجها ـ صلى الله عليه وآله تسليما كثيرًا ـ مباشرة، مش عن طريق صحابى.. ما فى واسطة، وهى تعلم ـ هكذا علّمها الرد إلى كتاب الله. واحد يقول: كيف أرد إلى كتاب الله، الرد إلى الله ورسوله، لا.. ما لم نفهمه من حديث رسول الله يرد إلى كتاب الله، هذه ضابطة منهجية صرح بها ابن حجر، قال «وفى الحديث جواز المناظرة، المجادلة العلمية حتى مع رسول الله، وفيه.. جواز مقابلة السنة بالكتاب، تعرفون عن المقابلة؟! المعارضة، شىء يقابل شىء أى يعارضه، عارضت السنة، بماذا عارضت! بالكتاب.
هذا قولها. هذا قول يختلف مع كتاب الله، هذا قول ابن حجر.. فيه جواز المناظرة، والمقابلة ـ  أى جواز مقابلة السنة بالكتاب فى «فتح البارى»، شوف الفقه، شوف العلم.
طبعا وقع فى قلبها نوع من عدم الوضوح.. من عدم المعرفة.. من عدم الفهم.. كيف.. يقولون.. يقول لى عائشة لا تفهم.. طبعا، هى لم تفهم جيدا ما المقصود، فأجاب الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقوله «ذاك العَرْض»، فى سورة الانشقاق.. ليس الحساب، لأن المطلق يُحمل على الكامل، قاعدة من قواعد الأصول، يعنى الحساب الحساب، المقصود نقاش الحساب.. شوف.. هذا فهم دقيق.. النبى طبعا لم يكن يرطن رطانتنا هذه أى يتكلم كلامنا هذا بهذه المصطلحات كلمة المطلق والكامل، ولا يعرف هذا الشىء، لكن يعرف جوهره تماما، نحن تعلمناه منه ومن أصحابه ومن أزواجه، ثم وضعنا الاصطلاحات المحدثة الصناعية.. النبى يعلمنا أن المطلق يراد به الكامل.. هذه من القواعد اللغوية فى الأصول، المطلق يراد به الكامل، آه إذا قلنا الحساب، الحساب على أصوله.. يعنى نقاش الحساب، قال لها لا.. الذى فى سورة الانشقاق ليس الحساب المطلق.. إنما العرض.. ذاك العرض.. لكن من نوقش الحساب يهلك، يقول هذا يتحدث عن نقاش الحساب، هذا هو الحساب، فإذا قضى الله أن يحاسب عبده أهلكه، فنسأل الله ألا يحاسبنا، فهمنا طبعا كيف.. لكن أن يعرضنا عرضا.. هو الحساب اليسير.. فسوف يحاسب حسابا يسيرا.. وينقلب إلى أهله..، بيت القصيد أن عائشة راجعت فيما لم يلُح ولم يبدُ ولم يَضَح وجهه لها رضوان الله عليها. قال ابن حجر: «ووقع مثله أو نظيره لحفصة ـ رضى الله عنها ـ بنت الفاروق عمر ـ قدس الله سره، والحديث فى صحيح مسلم لم يخرجه الحافظ.. لكنه معروف ويعرفه الكل.. الكل يعرف هذا.. فى مسلم، لما قال ـ عليه الصلاة وأفضل السلام ـ مرة لحفصة «لا يدخل أو لن يدخل النار أحد من أهل بدر ومن أهل الحديبية».. لن يدخل النار، قالت «يا رسول الله، أليس يقول الله تعالى (وإن منكم إلا واردها.. كان على ربك حتما مقضيا)، إذًا قابلت ماذا.. السنة بالكتاب، فأجابها ـ عليه الصلاة وأفضل السلام ـ بقوله تعالى (ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا)، فهّمَها أن هذا الورود ليس بمعنى السقوط.. إنما بمعنى المرور، وبالمرور للمتقين تحدث منجاتهم أو نجاتهم، النبى أعرف من عرف الله، وأفقه من فقه كلام الله، يشتبه على حفصة.. يشتبه على عائشة.. يشتبه على أمثالنا من باب أولى، لكن من حقنا إذا ارتبنا إذا لم نفهم أن نتساءل، طبعا هذا حق مقرر لا يصادر أيها الإخوة عليه أحد، ما هو؟ أنه إذا وقع شك.. شككنا يا أخى.. شككت أن هذا الحديث من عند رسول الله، لكن.. هم يريدون أن يلزمونا.. وهذه جهالة غليظة، لا بد أن نصفها بهذا الوصف.. أيا كان القائل، من قال بأن من ردّ حديثا فى البخارى أو مسلم فقد رُدّ على رسول الله.. يرد السنة.. أقول لكم هذا جاهل جهالة غليظة، لأنه جهّل معظم من سنذكر.. بل كل من سنذكره من العلماء الرادّين للأحاديث فى الصحيحين وغير الصحيحين مما صح وهم بالعشرات، ولا يزالون فى كل عصر، بل ردّ بعضهم على بعض، البخارى ردّ أحاديث فى مسلم، ومسلم رد أحاديث فى كتاب شيخه.
ولذلك شيخ الأئمة السَرخْسِى.. إمام الأحناف فى وقته.. صاحب «المبسوط»، شمس الأئمة له أصول فقه مشهورة، أصول السرخسى.. قال «وحديث رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يفيد العلم» يعنى نقطع أيها الإخوة على غيبه.. نأخذ منه عقيدة.. نأخذ منه علما جازما، «باعتبار أصله، وإنما منشأ الشبهة النقل»، شوف العلماء.
يرد على رسول الله.. أقول لهم أنتم لستم هناك.. انت لا تفهم، لا تفقه شيئا.. أنت تتكلم بلغة العامة، ليس هذا طريقة ولا منهج العلماء المحققين.. شوف المحقق الكبير، بسطر واحد.. حسم النزاع، قال «حديث رسول الله يفيد العلم.. نقطع على غيبه ـ باعتبار أصله.. وإنما منشأ الشبهة النقل»، بمعنى ماذا.. سأشرح، بمعنى أننا لو فرضنا أو افترضنا، أن أحدنا يشافه رسول الله، ويتشرف بمواجهته، وسمع منه شيئًا، هل يلزمه اعتقاد أيها الإخوة لازم ما سمع أو مدلول ما سمع؟ طبعا.
لو النبى أخبرك عن أى قضية، فأنت لا بد أن تعتقد بهذا، تماما كما تعتقد بمدلول آية قرآنية مباشرة، إذا طبعا.. إذا كانت الدلالة واضحة نصيًا.. إذا فيها اشتباه فهذا شىء آخر.. لماذا، لأن هذا النبى، لا تقل لى هذا نبى يعنى مش قرآن، نفس الشىء، فالقرآن جاءك عن طريق رسول الله.. والنبى لا يتزيّد بحرف واحد على رب العالمين (ولو تَقوّل علينا بعضَ الأقاويل.. لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين)، حاشا لله.. ولكن فرق كبير ـ يقول السرخسى  بين صاحب يشافه الرسول أو يسمع من  الرسول مباشرة.. وبين رجل يأتيه الحديث عبر النقل.. روى البخارى وروى الطبرانى وروى أحمد.. فرق كبير يا أخى.. فلا تقل لى يفيد العلم.. يفيد القطع.. نقطع على غيبه.. النبى قال، لا يقول هذا عالم.
سلوا حافظ الإسلام.. ومجدد هذا الدين.. على الأقل مجدد علم الحديث فى عصره.. الحافظ العراقى  رحمة الله تعالى عليه، شيخ ابن حجر العسقلانى هذا.. له ألفية فى علم الحديث، ذكر فيها أيها الإخوة.. أن مقصود العلماء بأن هذا حديث صحيح وهذا حديث ضعيف.. إنما هو باعتبار الظاهر، باعتبار ظاهر الأمر، بحسب مناقشة الأسانيد والمتون يعنى ترجح لدينا، غلب على الظن أن حديث صحيح أو ضعيف، لكن لا القطع فى واقع الأمر، قد يكون ما ظننته أو رجحته ضعيفا صحيحا فى واقع الأمر، لكن بطريقة النقل تحصل لديك أنه ضعيف، والعكس صحيح، «وبالصحيح والضعيف قصدوا.... فى ظاهر، لا القطع والمعتمد»، فهكذا يقول فى ألفيته رحمة الله وتعالى عليه، يقول «وبالصحيح والضعيف قصدوا..» (ماذا قصدوا العلماء يعنى.. علماء الحديث، العلماء الكبار الحفّاظ والمحدثون الأجلاء، قصدوا أن هذا صحيح وهذا ضعيف».. فى ظاهر.. لا القطع والمعتمد»، لا القطع والمعتمد، شارحه الإمام الحافظ السخاوى فى «فتح المغيث».
وعلى فكرة، شرح الحافظ على ألفيته أيضا اسمه «فتح المغيث»، لكن «فتح المغيث» للسخاوى أوسع بل من أوسع كتب الحديث دراية، شرحه على النحو الذى وضحته لكم باللغة المفهومة، قال هذا هو، المقصود أنه صحيح بحسب الظاهر، لكن هل هو صحيح فى واقع الأمر.. الله وحده يعلم ذلك، فقد لا يكون النبى قال هذا.. ولا خبر له به، لكن بحسب قواعد النقل نحن رجحنا.. غلب علينا أنه صحيح.
هذا هو الفهم.. فلا تقل لى رد على سول الله.. وتشكك فى إيمانه وفى دينه.. هذا جهالة غليظة، افتئات، فأبو الحسن الدارقطنى كان من هؤلاء، الإمام أيها الإخوة.. أبو على الغسّانى الجيّانى   وجيّان بلدة فى الأندلس ـ الإمام العظيم صاحب الكتاب الضخم «تقييد المهمل»، استُل من هذا الكتاب من «تقييد المهمل». كتابان فيهما تنقيدات الإمام الغسانى الجيانى على البخارى وعلى مسلم، كتاب «التنبيه على الأوهام الواقعة فى المسند الصحيح للبخارى»، لأبى على الغسّانى الجيّانى، إمام من أئمة الحفاظ العظام، «التنبيه على الأوهام الواقعة فى المسند الصحيح لمسلم»، للإمام الغسانى الجيانى، إذن ليس فقط ابن عمار الشهيد، وليس فقط الدارقطنى، الإمام الغسانى الجيانى، ألّف هذين الكتابين، وهما جزءان من كتابه الكبير «تقييد المهمل».. ينتقد فيهما البخارى ومسلم فى أحاديث.
«الفوائد المجموعة المرفوعة فى تبيان أو بيان الأحاديث المقطوعة الواقعة فى صحيح مسلم»، كتاب آخر.. أما الأئمة الذين تكلموا فى تضعيف أحاديث فى الصحيحين عبر العصور.. لعله لا يحصيهم إلا الله.. ومنهم البخارى ومنهم مسلم.. ومنهم أحمد.. ومنهم يحيى بن معين.. ومنهم شيخ البخارى «على بن المدينى».. ومنهم ابن خُزيمة وابن عبد البر والبيهقى والحاكم وابن رجب وابن تيمية والذهبى وابن القيم وابن حزم ـ رحمة الله عليه ـ الذى قطع بأن فى الصحيحين أحاديث موضوعة.. كما قال الحافظ العراقى، قال «ابن حزم قطع.. جزم ورد عليه ذلك.. أن فى الصحيحين أحاديث موضوعة».
ممن قطع أيضا بأن فى الصحيحين أحاديث موضوعة لا تصح البتة.. آخر حفاظ هذه الأمة.. الحافظ الكبير.. الإمام العَلَم.. أبو الفيّض أحمد بن صديق الغُمارى  رضوان الله تعالى عليه، هذا آخر حفاظ هذه الأمة.. كان حافظا حقيقيا.. ليس محدثا فقط.. بل حافظا.. مُوعبًا.. كان آية من آيات الله.. متوفى سنة 1380 للهجرة.. قبل زُهاء 50 سنة.. وهو أخو وشقيق الحافظ الكبير أيضا والعلامة والفقيه والرجل الربانى الحافظ عبد الله بن صديق الغُمارى.. ومتوفى سنة 1413 للهجرة.
الحافظ الغُمارى عنده كتاب اسمه «المغير على الأحاديث الموضوعة فى الجامع الصغير»، قال فيه ـ رحمة الله عليه «وإن من أحاديثهما ـ يعنى الصحيحين ـ أحاديث موضوعات بالقطع»، قال «أنا أجزم أنها أحاديث كذب.. موضوعة»، لا تقل البخارى وضعها.. حاشا لله.. شيخ الإسلام لا يفعل هذا.. ولا مسلم، لكن من وَضْعِ من وضعها، وإن البخارى لا يخاطر أبدا.. دينه لا يسمح له بهذا، فضلا عن سمعته ومثابته العلمية شيخ الشيوخ ـ رحمة الله عليه ـ لكن يقع على العمل البشرى، فيجزم أبو الفيض الغُمارى أن فيهما أحاديث موضوعة. 
العجيب أن العلامة الشيخ ناصر الدين الألبانى  رحمة الله تعالى عليه ـ فى مقدمة «آداب الزفاف»، نقل هذه العبارة عن أبى الفيض الغمارى.. والعبارة خطيرة.. تحكم بوقوع أحاديث موضوعة فى الصحيحين، ماذا قال الألبانى.. لم يُثرّب على الحافظ.. يعلم من هو الحافظ الغمارى، وإن خالفه فى أشياء فى الاعتقاد وفى علم الحديث أيضا، لكن يعلم مثابته جيدا، لأن الألبانى علامة فى الحديث، قال ـ رحمة الله عليه رحمة واسعة، قال «وهذا الذى قاله لا يمترى فيه طالب علم متمرس فى هذا الفن»، أى عالم متمرس يعلم أن كلام الغُمارى صحيح، وأن هناك أحاديث موضوعة فى الصحيحين.. عجيب. الألبانى يقول هذا، قال «لا يمترى فيه»، ثم قال «وقد كنت ذكرت نحوه فى مقدمة تحقيقى لشرح الطحاوية». طبعا الألبانى يحصى عليه زهاء ثمانية أحاديث.. انتقدها فى الصحيح، وطبعا الآن بعض الناس يعظّم الأخذ عليه، الرسول يقول لا تغشوا لا تسبوا لا تطعنوا لا تلعنوا. عالم قضى حياته فى خدمة السنة والأحاديث، ليس يُتهم الألبانى  رحمة الله عليه، أليس كذلك، وليس عقلانيا وليس معتزليا، من أهل السنة والجماعة.. على طريقة السلف، ثمانية أحاديث، ابن باز.. تكلم فى بعض الأحاديث فى الصحاح، الشيخ ابن عثيمين.. ذكرت لكم فى حديث عيسى والدجال، تكلم فى حديث الجساسة، طعن فيه من حيث المتن.. ولم يتناوله من حيث الإسناد، واضح أن الحديث ضعيف.
لا يزال العلماء يفعلون هذا، فابن حزم تكلم فى بعض الأحاديث، لذلك طبع قبل عقود يسيرة جزء أيها الإخوة فيه التنبيه على أحاديث منتقدة فى الصحيحين، هذا الجزء ينسب إلى الإمام ابن حزم ـ رحمة الله عليه، وإلى الإمام أبى بكر الخطيب البغدادى، لكن ما فيه عدد يسير.. بضعة أحاديث فقط، وكل ما فيه تقريبا ذكره الحافظ بن حجر فى شرحه «فتح البارى»، هذا معروف عنهما. طبعا الإمام مثلا «أبو بكر الباقلانى»، شيخ أهل السنة والجماعة فى وقته، أبو المعالى الجوينى إمام الحرمين، أبو حامد الغزالى وغير هؤلاء، طعنوا فى بعض الأحاديث فى الصحاح.. نعم، بل قالوا فى بعضها كذب قطعا، أبو بكر الجصاص.. العلامة الحنفى الكبير مجتهد المذهب صاحب كتاب «أحكام القرآن»، تعرفون حكم على حديث «سحر النبى» وهو حديث فى الصحيحين ـ يرويه هشام لا غير، عن عروة لا غير، عن عائشة لا غير، فالحديث فيه تفرد غريب جدا، حديث من الأفراد، وهذا أمر كما قال العلامة الطاهر بن عاشور فى «النظر الفسيح» تتوافر الدواعى على نقله.. النبى يسحر ويمكث شهورا فى بعض الروايات ستة أشهر وفى بعضها طبعا لم يحدد، حتى صار يخيل إليه أنه يفعل الشىء ولا يفعله، وفى بعضها أنه أتى أهله، والحال أنه لم يكن قد أتاهن.
قال الفخر الرازى: «هذا ـ والعياذ بالله ـ أبلغ السحر وأخطره إذا وقع»، لأن خلاص الإنسان يغلب على تقدير الأمور يعنى.. الحديث هذا فى الصحيحين، يرويه هشام بن عروة عن عروة بن الزبير عن عائشة، «أن يهوديا من بنى زريق يدعى لبيد ـ يقال له لبيد بن الأعصم ـ سحر النبى..»، والحديث معروف ولنا فيه خطبة قبل سنين، ماذا قال العلامة أبو بكر الجصاص الرازى الحنفى فى «أحكام القرآن»، قال «وهذا الحديث من وضع الملحدين»، قال «ملاحدة وضعوه»، فى البخارى ومسلم كفار زنادقة وضعوا هذا الحديث، للأسف جازت الحيلة على البخارى ومسلم، صدّق هذا الحديث.. للأسف.. هكذا.. هذا معنى الكلام، من وضع الملحدين،.. ليشككوا به الحشو الطّغام، فيخلطوا ـ أى هؤلاء ـ بين معجزات الأنبياء وبين سحر السحرة..» إلى آخر ما قال، عودوا إليه فى كتابه «أحكام القرآن» تفسير سورة البقرة، قول الله تبارك وتعالى «وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ..» 102 له كلام طويل فى ردّ هذا الحديث، وغيره وغيره من المعاصرين أو المحدثين.
الشيخ محمد عبده.. تكلم كلاما مستجادا فى الحكم على هذا الحديث بالبطلان فى تفسير جزء عم له، الشهير سيد قطب فى تفسيره رد هذا الحديث، كثيرون لا يزالون يردون هذا الحديث، والحديث يكفى بظاهره أنه تكذيب لكتاب الله تبارك وتعالى، الله يحكى عن الكفار أنهم قالوا، «.. إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا» الإسراء ـ 47 وأكذبهم الله، والحديث يقول لا ليسوا كاذبين بل صدقوا.. النبى سُحر.. أعوذ بالله، لذلك الرازى قال ـ  الجصاص ـ «الملاحدة وضعوا هذا»، تشكيكا لنا فى ديننا، فى قرآننا، الله يقول كذبوا لم يكن مسحورا، والحديث يقول لا سُحر، سُحر سحرا حقيقيًا، وذوى وضعف وصار كالفرخ هكذا فى بعض طرقه، صار كالفرخ النبى.. حاشاه أن تسلط عليه هذا الزنديق اليهودى، الساحر الحقير مستحيل أن يسلط على رسول الله، مستحيل.. ورد فى البخارى ومسلم لا يعنينى.. هذا تكذيب لكتاب الله تبارك وتعالى.
الشيخ العلامة الإمام السيوطى  رحمة الله عليه ـ ردّ جملة أحاديث فى الصحيحين.. فى أبحاث مختلفة يرد، وبعض الأحاديث يذكر لها عللًا، ذكر تسع علل لحديث، ربما ذكرناه اليوم إن شاء الله إذا جاء وقته، السيوطى  رحمة الله عليه، العلامة الكبير محمد زاهد الكوثرى، حكم بتزييف ورد أربعة عشر حديثا، وقعت فى الصحيحين أو أحدهما، كلها من أحاديث العقائد، ظاهرها التشبيه والتجسيم ـ والعياذ بالله ـ فى حق البارى لا إله إلا هو، ردها كلها، أُحصى عليه مما رد فى الصحيحين أو أحدهما أربعة عشر حديثا. الإمام عبد الله ابن صديق الغُمارى  رحمة الله تعالى عليه ـ فى كتابه «الفوائد المقصودة بالأحاديث الشاذة المردودة»، زيّف واستوهى وردّ بضعة عشر حديثًا، عشرة فى مسلم، وأربعة فى الصحيحين، وتقريبا كلها من أحاديث العقائد وأتى بكلام جيد جدا للغاية، فى مسلم وفى الصحيحين، قال هذا كله كذب.. أحاديث شاذة مردودة نردها، على أنه الحافظ من حفاظ الإسلام، وفنه الأصيل ـ الإمام الغمارى  هو الحديث، قال إن هذا لا يقبل، هذا فيه تطريق للتشبيه والتجسيم فى حق البارى لا إله إلا هو، مخالف لما يجب فى حقه من التنزيه والتسبيح والتقديس أيها الإخوة عن هذه المشابهات، كثيرون يفعلون هذا أيها الإخوة.. كثيرون.
الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمة الله عليه ـ وله اشتغال طويل بعلم الحديث، ردّ أحاديث كثيرة فى تفسير المنار وفى مجلة المنار، العلماء لا يزالون يفعلون هذا أيها الإخوة، وكما قلت لكم ابن تيمية فعل هذا وابن القيم والذهبى، كثيرون يفعلون هذا باستمرار، وابن حزم وفلان وعلان يفعلون هذا، فلا تقل لى كل ما فيهما صحيح، لا.. معظم.. جملة ما فيهما صح صحيحة.. لكن فيهما أحاديث تطرق إليها العلماء بالتنقيد، وكلامهم قوى، فى بعض هذه الأحاديث كلامهم قوى جدا. الإمام ابن حجر العسقلانى فى كتابه «النكت على ابن الصلاح» ذكر ـ رحمة الله تعالى عليه ـ أن الإمام شيخ الإسلام.. مجتهد الشافعية المطلق يقال فى وقته، أبا الحسن على بن عبد الكافى تقى الدين السبكى .
يسأل أبا الحجاج المزى، وهو شيخ ابن تيمية وهو شيخ الذهبى كلهم تتلمذوا عليه، وكان له أيضا «القدح المعلّى فى الورع والتقى واللهج بذكر الله».. رضوان الله عليه ـ المزى، قال «سألته عن الأحاديث المروية فى الصحيحين من حديث المدلّس إذا عنعن بها ـ واحد مدلّس معروف بالتدليس.. والتدليس أخو الكذب كما قال الشافعى.. وهنا لم يصرح بالسماع إنما عنعن مدلس تدليس واضح ـ هل يُحمل أو هل تحمل روايتهما ـ البخارى ومسلم ـ لهذه الأحاديث ـ أحاديث المدلسين وفيها العنعنة على أنها اتصلت عندهما من طرق أخرى؟»، فقال «يقولون هذا».. المزى قال، العلماء بيقولوا هيك.. قاله آه.. أكيد البخارى عنده هذا الحديث الذى رواه معنعنًا عن مدلس، انتبهوا، إذن المعنعن عن غير مدلس لا يضر، حتى تفهموا، مش واحد ياخد لى كلمة ويقول بل هذا كله معنعن.. لا لا ما لهاش علاقة، العنعنة تضر عن ماذا.. ممن عفوا؟ من المدلّس.. أما إنسان لا يدلس ما فى مشكلة إذا عنعن، لكن المدلس الذى عرف بالتدليس.. لذلك لزم وألجأت الحاجة إلى جعلهم فى طبقات كالطبقات التى ألفا ابن حجر «طبقات المدلسين»..
على كل حال.. فهؤلاء المدلسون روى عنهما الشيخان وعنعنوا ولم يصرحوا بالسماع.. لم يبينوا، «هل نقول إن هذه الأحاديث المروية اتصلت عند الشيخين وصُرح بها بالسماع من وجوه أخرى»، قال «هكذا يقولون، وما فيه إلا تحسين الظن بهما» يعنى من باب تحسين الظن بالبخارى ومسلم، ثم استتلى أبو الحجاج المزّى  شوفوا العلم.. هذه الإمامة الحقيقية ـ ثم قال أبو الحجاج مستتليا، قال «وإلا ففيهما أحاديث من هذا النوع لم تصح ـ وقد صرح فيها بالسماع ـ فى أى موضع آخر»، هى أحاديث مدلسة مدلسة، ولا يمكن أن تأتى بطريق لها صُرح فيه بالسماع، قال «أنا أعرف هذا»، كأن المزّى يقول فى شبهات على بعض الأحاديث فى الصحيحين، شبهات علمية واضحة جدا.
أن تقول لى لا كله ألف ألف، لا مش ألف ألف مش صحيح، شوف هذا العالم المحقق أبو الحجاج المزى، هذا العلم الذى يعرفه أهله، مش كأن البخارى أصبح قرين كتاب الله تبارك وتعالى، الكتاب المعصوم، هذا كلام غير صحيح، على ذكر السبكى، ابنه تاج الدين عبد الوهاب السبكى صاحب «جامع الجوامع»، فى آخر كتابه «طبقات الشافعية الكبرى» ومن أجمل ما تقرأ من كتب الطبقات على الإطلاق، وفوائده لا تُحصى ولا تُحصر تقريبا، ماذا عنْوَنَ لفصلٍ، فصّل فصلا عنونه بقوله «بيان الأوهام الواقعة فى البخارى»، إذن السبكى أيضا، التاج السبكى وهو محدّث، وهو تلميذ الإمام أبيه «الشيخ أبى الحسن» وتلميذ الإمام الذهبى، أعظم الرجال عليه فضلا فى علم الأحاديث، ليس أباه وإنما الذهبى، هو تلميذه.. تلميذ الحافظ الذهبى يفصل فصلا فى آخر «الطبقات الكبرى» ويقول ماذا «بيان الأوهام الواقعة فى البخارى»، ثم بدأ يمثل لأوهام واقعة فى الأسانيد وفى المتون، فالتاج السبكى أيضا.
إذن بعد هذا التَطْوَاف الذى أرجو ألا يكون مملا، لكن بالتحقيق العلمى هل يقال «كل ما فيهما صحيح بلا مثنوية.. وهل يقال أجمعت العلماء».. من أين؟ من أين؟ الحافظ ابن الصلاح أبو عمرو الشهرزورى صاحب المقدمة ـ رحمة الله عليه ـ لما قال «وانتقد عليهما مواضع يسيرة.. أحاديث يسيرة»، ردّ عليه الحافظ العراقى بقوله «ليست باليسيرة.. بل هى مواضع كثيرة أفردتها فى جزء». لا تقل لى يسيرة يقول هو، طبعا معروف ابن الصلاح لا يرتقى إلى رتبة الحافظ العراقى، لا يرتقى معروف، الحافظ أعلى كعبا وأرسخ قدما، يقول «لا تقل لى يسيرة» ليست يسيرة.. مواضع كثيرة منتقدة على الصحيحين، منتقدة على الصحيحين.
لكن بعد هذه المقدمة أيها الإخوة.. نريد أن نمثل ببعض أو بجملة من هذه المواضع التى انتُقدت على الصحيحين، أو أحدهما، حتى نرى وحتى تخف غلواؤنا أيها الإخوة فى الإنكار على من انتقد شيئا فى البخارى أو مسلم، خاصة من انتقد بعلم وبوعى، وبإرادة الخير لهذه الأمة فى دينها وفى مصادرها وفى مرجعياتها.
مثلا الحديث المخرّج فى الصحيحين.. وهذا الحديث يرويه همام بن المنبه أخو وهر بن المنبه، كلاهما كانا يهوديين وأسلما. همام بن المنبه يقول «هذا ما حدثنى أبو هريرة ـ رضى الله عنه وأرضاه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال «خلق الله آدم على صورته»، وهنا علامة استفهام كبيرة، ما المقصود؟ صورة الله أم صورة آدم، نحن نرجح على صورة آدم يعنى، يعنى آدم لم يترق ولم يتطور فى الخلقة، وإلا الشبهة قائمة، بما أن همام بن المنبه ـ وأصله يهودى أيها الإخوة وأسلم، الشبهة قائمة بما أنه قد يحتمل أن يُراد على صورة الرحمن لأن هذا مكتوب فى التوراة، «نخلق بشرا على صورتنا»، انتبهوا.. هذا حديث الصورة.. اسمه حديث الصورة، أو حديث أبى مسعود الأنصارى أيضاـ قال «لا تضربه فإن الله خلق آدم على صورته»، صرح فى بعض الطرق «على صورة الرحمن»، على صورة الرحمن، هذا من دسيس الإسرائيليات، «ليس كمثله شىء» نحن لسنا على شكل الله وليس هذا هو الشكل أعوذ بالله يا أخى. مثل حديث «وإن ربكم ليس بأعور»، هذا مما يرد ولو كان فى الصحاح،  أستغفر الله العظيم، شىء فظيع يا أخى هذا من إسرائيليات الإسرائيليين فى أحاديثنا فى عقائدنا، المهم «طوله ستون ذراعا».. طول آدم ستون ذراعا، ثم طبعا إيه.. أرسله إلى الملائكة لكى يحييهم فردّوا عليه وزادوه وبركاته، الحديث مشهور فى الصحيحين، ثم يختمه النبى عليه السلام بالقول «فكل من دخل الجنة على طول آدم»، أن يكون على طول ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص أى يتقاصرون إلى الآن إلى اليوم، هذ الحديث فى الصحيحين.
الحافظ بن حجر ـ وهذا من المرات المنذورة والمعدودة فى «فتح البارى».. استشكل شيئا بخصوص هذا الحديث، الحديث نفسه أشكل عليه، كيف؟؟ قال هذا الحديث بظاهره.. يخالف ما عُرف ورُئى من آثار الأقوام البائدة كمساكن ثمود. شوف.. حاجة عقلية علمية هنا، وأيامه لا فى علم جيولوجيا ولا فى هذه الأشياء، ولكن هكذا بعقل علمى ومنهج علمى، قال مساكن ثمود موجودة، وأبنية لهم.. وأبنية لهم فى الحِجر.. وغير كدا، طيب قال «واضح من مساكنهم ومن آثارهم أنهم لم يكونوا أعظم منا، ولا أطول منا.. مثلنا..»،  مثل ما نقول الآن المومياءات المصرية.. المومياءات المصرية فى طولنا وأحيانا أقصر قليلا منا، نفس الشىء.. نفس الطول البشرى هذا، مئة وستين مئة وسبعين مئة وخمسة وخمسين سم، عادى.. من آلاف السنين.. من ألوف السنين. لا.. ابن حجر يقول من ثمود حتى.. مساكن ثمود تؤكد أنهم كانوا فى مثل قاماتنا، على أن ـ يقول الحافظ بن حجر ـ  على أن المسافة بينهم وبين أبيهم آدم أدنى من المسافة التى بينهم وبيننا، شايفين كيف.. عقلية علمية.. ثم قال الحافظ بن حجر «ولم يقع لى إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال»، خلاص.. ومضى يقول الحديث فيه مشكلة، الحديث فى الصحيحين بس فيه مشكلة.
اسمعوا الآن كيف سأُشْكل على هذا الحديث من باب آخر، بطريقة علمية، هذا الحديث لو سمعه أى عالم متمرس فى علم الأحياء سيردّه مباشرة، ويقول أنتم قوم تهرفون بما لا تعرفون، أتعرفون لماذا؟ سأوضح هذا.. ربما ذكرته مرة والآن سأبسطه تماما:
قانون فى علم الأحياء أيها الإخوة، الزيادة فى وزن الجسم الحى.. المخلوق الحى المتعضل الأورجانيزم.. تتناسب طرديا مع مكعب.. وليس مربع.. مع مكعب الزيادة فى أبعاده الخطية»، طبعا الأبعاد الخطية يتحصل منها ماذا.. الحجم، معروف.. الحجم فى الفراغ، ما تحتله البنية فى الفراغ، ولكن الزيادة التى يكتسبها الجسم الهيكل بالذات العظمى، الهيكل العظمى، مقطع العظم، التى يكتسبها الهيكل العظمى لمقاومة الثقل والوزن.. تتناسب مع الزيادة أو مع مربع الزيادة.. مع مربع وليس مكعب، احفظوا هذا القانون.. قانون علمى صارم.. مع مربع الزيادة فى أبعاده الخطية، بمعنى.. خلينا نكون واضحين. 
الآن آدم خلقه الله وطوله ستون ذراعا، الذراع إما أن تكون ذراعا شرعية، وإما أن تكون ذراعا هاشمية، الذراع الشرعية أربعة وعشرون إصبعا، يعنى ثمانية وأربعين سم، تساوى تعادل ثمانية وأربعين سم، قولوا خمسين، والذراع الهاشمية (مع ملاحظة أن الخطيب عدنان إبراهيم أخطأ وقال «الشرعية» مرة أخرى) اثنان وثلاثون إصبعا تعادل أربعة وستين سم قولوا خمسة وستين هكذا فى المتوسط كان طول آدم كم؟ ثلاثين مترا، فى المتوسط بين الذراع الشرعية والذراع الهاشمية، طيب.. يعنى تقريبا أزيد منا بنحو عشرين مرة بجبر هذه الكسور.. عشرين مرة، فالآن آدم ضوعف حجمه أيها الإخوة عشرين ضعفا عنا.. بالأبعاد الخطية.. نتحدث عن الطول الآن كم سيتضاعف وزنه؟ التناسب هنا مع المكعب، فسنقول عشرين فى عشرين فى عشرين.. ثمانية آلاف مرة، ثمانية آلاف مرة.. هيكله العظمى كم سيتضاعف لكى يحتمل هذا الثقل الزائد مع المربع وليس مع المكعب، عشرين فى عشرين، أربعمئة مرة، أربعمئة مرة والوزن ثمانية آلاف مرة، حتما يقول لك أى عالم فى البيولوجى مستحيل أن يُخلق هذا الخلق على الكوكب الأرضى. لماذا؟ لأنه سينهار مباشرة تحت ثقله ووزنه.. بالقانون.
لذلك هذه الأفلام اللى بنحضرها هى تشوه حتى الفهم العلمى، الـ«كينج كونج» ها.. واللى أضعف من الغوريللا.. يعنى أعظم من الغوريللا مئة مرة، كيف هذا.. مستحيل، مئة مرة يعنى حجمه عن حجم الغوريللا.. فمئة فى مئة فى مئة.. وزنه يكون أضخم غوريلا مليون مرة.. لكن الهيكل العظمى اللى عنده مئة فى مئة.. عشرة آلاف مقابل مليون مستحيل، سينهار مباشرة، هذا خيال فانتازيا كلام فارغ.
فى علم البيولوجى.. احفظوا هذا القانون.. لسه فى مشكلة تطبيقية أخرى، يعرفها دارسو الطب ووظائف الأعضاء، فسيولوجى.. ما هى؟ القلب مشكلته إخوانى وأخواتى علميا.. مشكلته أن حجمه أصغر من أن يمد أنسجة الجسم كلها بالدماء حين يضخ، سبحان الله أصغر، ليس كالكبد هو.. أعظم الأعضاء، ولكنه صغير نسبيا وإلى حد بعيد، ولكن القلب.. وهذه حكمة الله فى تقدير الله.. يعوّض هذا النقص فى حجمه بماذا؟ بمطاطية ومرونة الشرايين.. ولذلك بهذا الحجم الصغير يمكن أن يمد هذا الجسم، بس انتبهوا.. الشىء الخطير.. كل كيلو جرام زائد فى الوزن يقتضى أن ينشئ الجسم عدة كيلو مترات من الشرايين الجديدة ومن هنا خطورة السمنة أيها الإخوة على صحة الإنسان، وعلى قلبه، الأخطر من هيك عاد.. ارجعوا لقانون التربيع وقانون التكعيب.. إذا آدم أعظم حجما منا بعشرين مرة.. إذن هو أثقل وزنا منا بكم مرة.. ثمانية آلاف مرة.. طبيا مستحيل أن يوجد هذا المخلوق على وجه كوكب الأرض، وأن قلبه وقد تضاعف أربعمئة مرة فقط، يستطيع أن يغذى وزنا تضاعف ثمانية آلاف مرة طبيا، الحديث يكون بالأصول العلمية.
طبعا بعض الناس لا يعنيهم لا علم ولا قانون ويقول لك لا.. النبى قال، ما هو يا أخى الكريم، يا أخى الحبيب من قال لك إن النبى قال هذا، النبى حاشاه أن يقول هذا، لأننا نؤمن بأنه نبى من عند الله.. لا يكذب على الله.. والله لو أوحى إليه.. لا يوحى إليه إلا بما هو حق، يعنى محال أن يوحى إليه بشىء ويكون إيه.. ويكون باطلا، واضح! 
على كل حال.. الكلام طويل فى هذا الحديث.. فنتركه.. حديث آخر، تتعارض معه الوقائع التاريخية، وقد أخرجه الشيخان، قال ـ عليه الصلاة وأفضل السلام: «إذا هلك كسرى، فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر.. فلا قيصر بعده.. والذى نفسى بيده لتنفقون كنوزهما فى سبيل الله».. والحديث مخرّج فى الصحيحين.
الجزء الأول من النبوءة صحيح بلا امتراء.. لأنه فى نهاوند.. وقعت بلاد فارس فى سلطة المسلمين، بعد نهاوند بقليل قتل «يزدجرد الثالث» وكان آخر كسرى، وصدق رسول الله ولم يأت كسرى بعده، انتهت أسرة آل ساسان.. سلالته.. آل ساسان انتهت إلى الأبد، ولكن قيصر! قيصر يا إخوانى موجود، وهناك آل قيصر المعاصر للنبى، وجاء قيصر.. أتعرفون كم قيصرًا جاء بعده؟ تسعة وستون قيصرًا، ثمانمئة سنة، إذن كيف عاد؟ إذن فى نوع من الغلط هنا على رسول الله، يبدو أن الحديث له أصل. أن له أصلا، يبدو أن للحديث أصلا، ولذلك وقع فى أحاديث أخرى أيها الإخوة.. النبى يقول «إذا هلك كسرى فلا كسرى.. ولكن الروم ذات القرون».. هذا صحيح.. كلما هلك قرن، أتى قرن، النبى يقول هذا، صح.. حتقول لى من أين الخطأ، الخطأ من الرواة.. الوهم.. الخطأ.. والاشتباه، لا نحب أن نتهم الرواة فى الصحيحين بالكذب على رسول الله أبدا، إنما فى خطأ فى أوهام، الصحابة وقعوا فيها، الصحابة كانوا يهمون ويوهلون ويغفُلُون ويغفِلون.. من باب أولى مَن بَعدُهم، تمام كالحديث الذى أخرجه صاحبا الصحيحين عن أنس أيضا، وذكرته فى خطبة الدجال أو ربما المسيح عيسى ابن مريم «عودة المسيح»، النبى يقول «من عُمّر هذا ـ يشير إلى غلام كان من أتراب أنس بن مالك.. يعنى ابن عشر سنوات ـ من عُمّر هذا، فلن يدركه الهرم، حتى تقوم الساعة»، طبعا بعض الناس يرد، ترد بماذا.. ترد بما لا نعرفه، فوالله الذى لا إله إلا هو.. من أكثر من ربع قرن أعرف هذا وقرأناه، أنا ليس هذا منهجى.. منهجى أن أقول لك هذا الحديث هكذا النبى لم يقله، فيه غلط فيه زيادة فيه نقصان.. نعم، للحديث أصل؟ للحديث أصل، قد يكون فعلا كما فى الصحيحين أيضا أن النبى قال «قامت عليكم قيامتكم ـ قامت ساعتكم.. يتحدث عن ساعة قوم معينين، عن هلاك جيل وأمة من الناس، معروف.. سهلا، لكن هذا «قامت الساعة»، أعلم أنه كذب.. النبى لم يقل هذه العبارة، انتبهوا، لم يقل هذه، وهذا هو الفرق بين كتاب الله وبين الأحاديث.
لدينا أيها الإخوة أيضا حديث خطير فى البخارى.. والبخارى  رحمة الله تعالى عليه ـ أتبعه وعقّبه بأحاديث يفهم منها أن هذا الحديث وقع فيه غلط، لكن للأمانة العلمية، يقول «أنا أرويه كما هو، والعهدة على من فهم»، لكن الحديث فيه غلط يا أخى، الحديث قطعا فيه كذب على الله ورسوله، حديث اقتصار الجنة والنار، وأن الجنة أوثرت بالضعفاء وأن النار ـ والعياذ بالله ـ بالمتكبرين الجبارين، وقال لها «أنتِ رحمتى.. وأنتِ عذابى واعذب بكِ من..» ثم فى آخره،».. الله لا يظلم أحدا... فأما الجنة... وأما النار..»، وهذا هو الظلم، هذا هو الظلم تماما، «.. وأما النار فينشئ لها خلقا.. فيدخلهم فى النار والعياذ بالله..»، ما ذنبهم يا أخى، خلق هكذا قال.. يكونوا ويدخلوا نار جهنم عشان تمتلئ لأنها تقول هل من مزيد.. هل من مزيد.. فلا تمتلئ حتى يضع قدمه فيها.. فتقول قَطْ.. قَطْ.. قط يعنى كفى، امتلأ كما يقال البئر وقال قطنِى.. قط.. قط.. قط.. بمعنى إيه.. اكتفيت، امتلأت. ظلم واضح صريح، عدد كبير من العلماء عبر العصور طعنوا فى هذه الجملة من هذا الحديث المخرّج فى الصحيحين، حاشا لله أن ينشئ خلقا لم يعملوا عملا ثم يدخلهم نار جهنم بلا جريرة، حاشا لله.. إنما الصحيح.. الصحيح أيها الإخوة.. أن الجنة لا تمتلئ فينشئ خلقا لم يعملوا عملا ويدخلهم الجنة.. هذا من رحمة الله، هذا الصحيح، لكن وقع، هذا خطأ يقع إيه فى الصحاح أيها الإخوة.
كنت أود إخوانى وأخواتى أن أمثل لكم أيضًا بمجموعة من الأمثلة، وما سقت إلا أقل القليل، لأن الأمثلة كثيرة طبعا كما سمعتم بالمئات، لكن كنت أود ان أمثل بأمثلة مستمدة من الأئمة الأربعة، من أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد، كل من هؤلاء الأئمة ردّ جملة من الأحاديث جرى بعد ذلك البخارى ومسلم أو أحدهما على الأقل على تصحيحها وتخريجها فى كتابه، على أنها أحاديث مردودة ردّها أبوحنيفة.. ردّها مالك.. ردّها الشافعى.. ردّها أحمد.. قبل أن يردها علماء أتوا بعد أصحاب الصِحاح أو الصحيحين، وهذا أيضا موجود وأمثلته حاضرة عتيدة وقد فعلت هذا مرة أعتقد أيضا قبل ربما زهاء سنتين.. هذا موجود ولا يزال هذا هو المنهج الذى ينهجه وينهج فيه العلماء والمَهْيَع الذى يسيرون فيه، لكن معقد الأمر أيها الإخوة أن يأتى من أهله وأن يأتى أيضا على منهاجه وأن يُجرى على منهاجه، وأن تحسُن فيه النية، ويعظم فيه قصد النصيحة لله ولرسوله ولعلماء المسلمين وعامة المسلمين وهذا والله إن شاء الله تبارك وتعالى الذى لا إله إلا هو.. هو الذى نبغيه، ونسأل الله أن يمحّض نيتنا وأن يخلص قصدنا له على الوجه الذى يرضى به عنا ويرضيه تبارك وتعالى، ليس القصد أن نشكك أنفسنا أو إخواننا وأحبابنا فى مرجعياتنا.. لا يفعل هذا عاقل، فضلا عن فاضل، فضلا عن رجل يرجو لله وقاره، ولكن نفعله كما قلت لكم غير مرة كخطة حكيمة وخطة ذكية لتحصين المرجعية.. لتحصين المرجعية، فنُنزِل كل شىء منزله، القرآن شىء والأحاديث شىء.. انتبهوا، ولا يمكن أن نعادل بينهما، والمعادلة بينهما خطيرة جدا، يعنى كما رأيتم قبل قليل القرآن ليس فيه أن طول آدم ثلاثون مترا.. لو فيه لأشكل علينا جدا.. فماذا نفعل، ضد العلم تماما، القرآن ليس فيه أن الشمس تدور أيها الإخوة وتأتى كل ليلة تبيت تحت العرش ساجدة، كلام غير صحيح، أبدًا، لكن هذا فى الحديث، هذا فى الحديث المخرّج فى الصحيحين، فلذلك لا بد أن نكون واضحين، هذه الأحاديث إن وقع لنا شىء منها ولا جواب صحيحا عنه رددناها، وكما قلت لكم احفظوا هذا «لا نردّ بردّها شيئا من أركان الدين، ولا عمد الإسلام، ولا أصول الأخلاق ومعاقدها.. أبدا، وإنما نرد أخبارا.. جملة أخبار واضح أنها لم تصح عن رسول الله ـ عليه الصلاة وأفضل السلام.
لقد أُحصى على الإمام أبى حنيفة ـ قدّس الله سرّه الكريم ـ مئتا حديث ردّها، يُقال رواها العُدول لأن طريقته ـ كما قال ابن عبد البر ـ فى الانتقاء، كان يعرض الأحاديث على ما اجتمع لديه من الحديث، يعنى أحاديث مستفيضة.. أحاديث مشهورة أو متواترة معنويا، ويأتى حديث آحاد يخالفها يردّه ويسميه شاذا، ويعرض الأحاديث على كتاب الله، فما عارض كتاب الله من غير احتمال لأى تأويل ردّه وسمّاه شاذا، ولذلك قال فى «العالِم والمتعلّم» الذى ينسب إليه، قال «ونحن لا نردّ على رسول خبره»، أعوذ بالله ما فى عالم يفعل هذا حتى يُتهم أبو حنيفة بهذا وقد اتُهم بهذا، «وإنما نرد الباطل» يقول أبو حنيفة «إنما نرد الباطل الذى نسب إليه»، قال هذا باطل وأنتم صدقتم أن النبى قاله، «أنا ـ يقول ـ أقطع أن النبى ما قاله وأنا أراه باطلا، ولذلك أردّه»، هم اتهموه أنه يرد على رسول الله، هذه مشاغبة ومضايقة وسبيل العلم مناصحة لا مشاغبة ولا مضايقة. •