الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أنا أم بديلة وأفتخر..

أنا أم بديلة وأفتخر..
أنا أم بديلة وأفتخر..


وسط سيل الإعلانات اليومية استوقفنى إعلان لتلك الجمعية الشهيرة التى دار حولها الكثير، تفخر فيه بحصولها على المركز الأول فى رعاية الأيتام من وزارة التضامن الاجتماعى.. لا أعرف لماذا ساورنى الشك فى مضمون الإعلان، رغم صورة وزيرة التضامن التى تسلم الجائزة لممثل الجمعية، فأخذت أبحث عن حقيقته، لأتبين بعد البحث أن الإعلان يحتوى على الكثير من التضليل الذى اعتبرته مقصودا.

لأسباب مهنية لن أذكر هنا اسم الجمعية صاحبة الإعلان المضلل، بعد أن اكتشفت أن المسابقة لم تنظمها وزارة التضامن الاجتماعى، بل جمعية أخرى، وأن فرعا واحدا فقط من بين فروع للجمعية الشهيرة وأنشطتها هو الذى فاز فى المسابقة، وأن هذا الفرع لم يفز بالجائزة الأولى، بل بفرع من فروع المسابقة فقط.
لكن كان هناك ما هو جدير بالاهتمام أكثر من الجمعية صاحبة الإعلان ومن الإعلان أيضا، هو المسابقة نفسها التى تقام لأول مرة بين دور الأيتام، حول المعايير الدولية فى رعاية الأطفال، التى اعتمدتها وزارة التضامن بالتعاون مع جمعية وطنية لرعاية وتطوير دور الأيتام.
بعد إذاعة الإعلان المضلل على العديد من قنوات التليفزيون، ومواقع التواصل الاجتماعى، أصدرت جمعية وطنية لرعاية وتطوير دور الأيتام التى نظمت مسابقة بيت الحلم لأفضل المؤسسات الإيوائية فى مصر، تنويها مهما لحرصها على دقة تناقل المعلومات حول الفائزين بالجائزة.
أكدت «وطنية» أن الجائزة تنظمها وطنية بالتعاون مع مجموعة إم بى سى ومؤسسة دروسوس، وليس لوزارة التضامن أى دور فى المسابقة أو تقييم المؤسسات، وأن وزيرة التضامن د. غادة والى سلمت الجوائز، كضيف شرف.
المسابقة تتألف من خمس فئات، اختيرت مؤسسة فقط لكل فئة، عدا فئة جودة مقدمى الرعاية، التى لم يتأهل إليها أحد، فلا يوجد مراكز فى جائزة بيت الحلم.
واختار القائمون على المسابقة نشاط «قد الحياة» للأطفال بلا مأوى فرع وادى حوف التابع لجمعية «...» فى فئة أفضل المؤسسات الإيوائية، وليست الجمعية مجملا، ليحصل على 20 ألف جنيه كما تؤكد عزة عبدالحميد مديرة وطنية.
وفازت دار بشائر الفجر فى فئة جودة رعاية وحماية الطفل، وبيت الحمد التابع لجمعية تبارك بفئة جودة نظام الإدارة، أما بيت آمنة ففاز بفئة البنية والتجهيزات، من بين 34 مؤسسة تقدمت للجائزة من 8 محافظات، وفازت كل من الدور الثلاثة بخمسة آلاف جنيه.
• قلب ماما مها
شقة 170 مترا بمنطقة شيراتون هليوبوليس، بها غرفتان للنوم وسفرة وأنتريه، حيث يعيش 8 فتيات تتراوح أعمارهن بين 8 و10 سنوات، كل أربعة فى غرفة، هذه هى دار بشائر الفجر، التى تديرها مها علام، التى تناديها الفتيات «ماما» دون باقى الأمهات البديلات اللاتى ينادينها بـ«مس».
مها التى أسست الدار مع مجموعة سيدات، معلمة لغة عربية فى الأصل، وتبلغ 56 سنة، وقررت أن تكون هى أم البنات الثمانى عندما بدأت فى تأسيس الدار فى 2006، هى من تتابعهن فى المدرسة، وقبلها فى الحضانات، لكى يعرف من يتعاملون مع الأطفال أن لهن أمًا، وليس مجرد إخصائية مهمتها متابعة أطفال.
تقول مها: أحرص على أن تتعلم بناتى فى مدارس تجريبية لكى يصبح لديهن سلاح اللغة والتعليم المتميز فى المستقبل، لأنه أهم من أن نترك لهن نقودا ومسكنا.
كان السؤال الذى يشغل بال مها منذ تحملت مسئولية الأطفال، هو متى أقول لهن أنا مش ماما وإن اسمك مش اسمك الحقيقى، فراحت تدرس فى علم النفس، وتسأل بعض المختصين، ونصحها البعض بأن الوقت المناسب فى سن السادسة، لكنها شعرت بقلب الأم أنه يجب أن يكون فى وقت مبكر.
حكت مها للفتيات خلال رحلة مصيف قصة طفل يتيم لثلاثة أيام متتالية، وفى اليوم الثالث قالت لهن إنها يتيمة، وأنهن أيضا كذلك، وانزعجت الفتيات وانهالت أسئلتهن.
تدرك مها الآن أنها كانت على صواب فى اختيار التوقيت، قبل أن تحتار الفتيات كيف يجبن عمن يسألهن فى المدرسة: «إزاى إنتم أخوات وأسماكم مش زى بعض»، وتأكدت مها من صواب ما فعلت عندما شاركت فى دراسة دبلومة مهنية لرعاية الأيتام فى جمعية وطنية.. «ده مش معناه إن البنات مش بيعانوا، لكن بشكل أقل من غيرهم، لكن طول الوقت بحاول أسبق الأحداث عشان أحميهم، يعنى دلوقت بجهز بناتى لسن البلوغ والمراهقة، وبرضه من خلال الدراسة وبطريقة علمية ومن خلال أنشطة وقصص».
تتمنى مها أن يتبادل العاملون فى مجال رعاية الأطفال الخبرات فى التفاصيل اليومية، لأن وزارة التضامن تقرر لوائح على دور الأيتام، لكن لا تحتوى على كيفية التطبيق، حتى فى تفاصيل النظافة الشخصية والحياة اليومية، والأنشطة التى يمكن تطبيقها ليتعلم الطفل ويدرك كل ما يحتاج أن يدركه فى كل مرحلة عمرية، حتى لا يترك الأطفال لاجتهاد كل مدير.
• بيت آمنة
«النوايا الحسنة مش شرط كافى للنجاح فى العمل» هكذا تؤمن فريدة مطر مؤسسة دار بيت آمنة، التى رأت أن تدرب الأمهات البديلات والعاملين فى الدار على التعامل مع الأطفال، لمدة عامين كاملين قبل أن تستقبل الدار 18 فتاة تتراوح أعمارهن بين 4 و11 سنة، فى الدار المكونة من 3 طوابق بـ6 أكتوبر، بالإضافة لمبنى إدارى، ليكون المكان مريحا للنفس.
فى كل طابق 3 أجنحة، والجناح غرفتان وحمام وأوفيس، بالإضافة إلى غرفة معيشة و3 حمامات وغرفتين للإدارة، ومطعم، بالإضافة لحديقة مثمرة.
عندما وصلت الفتيات للدار فى 2011 كان الجميع مستعداً، أمهات مستعدات للتعامل مع مشكلات الفتيات من خلال دورات تدريبية عشان كل البنات تتربى بنفس الطريقة، ملف متابعة لكل فتاة، به شهادة الميلاد والتاريخ الصحى والتطعيمات وغيرها من التحاليل الدورية كل 6  أشهر، بالإضافة للملف التعليمى، والمتابعة والملاحظة النفسية والاستعداد للموهبة لكل طفلة، وساعدتنا جمعية وطنية.
تقول فريدة: يمكن الكثير منا لا يقوم بمثل هذه الإجراءات حتى مع أطفاله، لكننا كنا مصرين على أن نوفرها للبنات، والأهم أن نجعلهن يندمجن فى المجتمع، نعزم زملاءهن فى المدرسة على أعياد ميلادهن فى الدار أو خارجها.
تكرر فريدة: الحقيقة بتريح، لازم البنات تعرف هويتهم وكمان المجتمع يعرفهم ويتقبلهم، البنات كانوا دايما يسألونا هتتخلوا عننا لما نكبر، ونسيب الدار، ودايما نطمنهم إننا مش هنسيبكم، عشان كده فى أماكن فاضية فى الدار عشان لما تكبروا، ولما تتزوجوا برضه هنكون معاكم.
الصعوبات اليومية لا تنتهى، فالأمهات البديلات عملة نادرة، «عشان كده اكتفينا بـ  18 بنتًا، فى حين الدار تتسع لـ30 بنتا، لأن كل أم مسئولة عن 3 فتيات، وعندما تترك واحدة العمل، نكون فى ورطة.
تتمنى فريدة ألا تعامل وزارة الكهرباء دور الأيتام على أنها أنشطة تجارية، كما تتمنى أن تيسر مدارس التربية والتعليم التحاق أطفال دور الأيتام بالمدارس التجريبية، «مش طالبين تخفيض مصروفات، لكن البنات اترفضوا فى السنة اللى فاتت عشان أقل من السن، والسنة دى اترفضوا عشان أكبر من السن، دور الأيتام مش هتقدر على مصاريف المدارس الخاصة».
بيت الحمد
تجربة بيت الحمد التابع لجمعية تبارك بالمقطم، كما يراها مديره حمزة زينهم، تتفرد بالعدد الكبير من الشباب والأطفال الذين يعيشون فى الدار منذ 1992 «65» ولدا وبنتا، منهم 40 فوق 18 سنة، والباقون أصغر، تخرج منهم 13 من التعليم العالى،  والباقون تعليم فوق متوسط.
يفخر حمزة بأن 8 من شباب الدار أدوا الخدمة العسكرية، وبـ 17 حفيدا، بعد زواج 18 بنتا من بنات الدار، سهل زواجهن تجهيز الجمعية لهن، وتستمر الجمعية فى رعايتهن «عشان زوجها يشعر إن ليها أهل، وعشان كده الكثير من العائلات بترحب بزواج شبابها من بناتنا، وإحنا بنسأل عن الشاب كويس قبل ما نديله بنتنا».
يرى حمزة أن فوز دار الحمد بالجائزة يعود إلى الميثاق الأخلاقى الذى يطبقه كل العاملين فى التعامل مع أطفال وشباب الدار، وقرب مجلس إدارة الدار من كل ما يحدث داخل الدار يوميا، بالإضافة إلى رعاية شباب وشابات الدار حتى بعد أن يتركوها.. «أقول دائما لأولادى فى الدار إنتم حظكم كويس، كل واحد فينا ممكن أبوه وأمه يربوه بطريقة غلط، لكن إنتم عندكم فرصة إن فى ناس بتحافظ عليكم».
أنا يتيم وأفتخر
«الطفل الذى يعانى من الإساءة يتفاعل مع إخوته فى الدار ومعنا ومع مقدمى الرعاية بشكل غير سوى» كانت هذه هى الملاحظة الأكثر أهمية التى ركز عليها فريق تقييم المسابقة فى التأكد من مدى تمسك مؤسسات الإيواء المشاركة فى تطبيق معايير جودة تربية ورعاية الأطفال، كما توضح د. هالة حماد، استشارى الطب النفسى للأطفال، وعضو لجنة التحكيم.
كيفية تحرك الطفل داخل الدار بحرية وكأنه فى بيته، ومعرفته بحقوقه، وافتخاره بأنه يتيم، لا تأتى إلا بمراعاة قواعد موحدة للتربية داخل الدار، تراعى آدمية الطفل، كما تشرح هالة، التى تستقبل فى عيادتها الكثير من المشكلات النفسية لأطفال فى دور الرعاية.
تقول د. هالة: الرد غير الحقيقى على السؤال الذى يسأله كل طفل فى الدور، «مين أهلى»؟ يكلف الطفل الكثير من المعاناة النفسية التى قد لا يستطيع التخلص منها طوال حياته، لأن من حق كل إنسان أن يعرف تاريخه، كيف جاء إلى الدار، فى أى مدينة وجدوه، فى أى مكان، ماذا كان يرتدى، كم كان عمره، هل توفى والداه فى حادث، وأسئلة كثيرة أخرى، يحتمل أن توصل إجاباتها الطفل فى يوم من الأيام إلى أهله، أو على الأقل إلى جذوره.
بعض هذه المعلومات أو أغلبها يكون موجودا فى محضر الشرطة الذى يسلم به الطفل لوزارة التضامن، وبالتالى لدار الأيتام، لكن لا أحد يهتم بأن يدونه فى ملف الطفل، الذى يدون فيه تاريخه الصحى والتعليمى، وهل هرب من الدار، حسب معايير الجودة الجديدة.
مش من حقك تضربنى
ركز فريق التقييم أيضا على مدى وجود أم بديلة متواجدة فى الدار منذ دخول الطفل للدار، وحتى الآن، فبعض الدور تتغير فيها الأمهات البديلات على نفس الأطفال كل ثلاثة أشهر، وهذا مؤلم جدا للطفل، كما أنه من غير الإيجابى أن تربى كل أم بديلة مجموعة الأطفال المسئولة عنهم بطريقة تختلف عن الأطفال الآخرين داخل الدار.
أحد معايير التقييم كانت فى مدى التزام الدار بتدريب الأمهات البديلات والإخصائيين الاجتماعيين، وكل المتعاملين مع الطفل على طريقة موحدة فى التربية.
العقاب بوضع الشطة فى فم الأطفال، أو ضرب الأطفال على اعتبار أنه نوع من التربية، وغيرها من الممارسات استبعدت الكثير من الدور من المسابقة «مش من حق صاحب الدار أو الأم البديلة ضرب الأطفال على أنه تربية كما يفعل مع أبنائه فى البيت، لأن هؤلاء الأطفال أولادنا جميعا، وليسوا أولاده ليفعل فيهم ما يشاء» كما تقول هالة.
ترى د. هالة أن المسابقة نجحت فى لفت نظر المجتمع لأهمية تطبيق معايير جودة الرعاية للأطفال الذين فقدوا الرعاية الأسرية، وأن هناك بالفعل بعض الدور التى تطبقها ويمكن تعميمها، وتبادل الخبرات حولها، كخطوة فى طريق نعى أنه لايزال طويلا، وأن أفضل مناخ يعيش فيه الطفل هو داخل أسرة تكفله. •