الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هجرة الشباب غير الشرعية.. البحث عن الحياة فى كبد الموت!!

هجرة الشباب غير الشرعية.. البحث عن الحياة فى كبد الموت!!
هجرة الشباب غير الشرعية.. البحث عن الحياة فى كبد الموت!!


فى ظل ازدياد معدل النمو السكانى بشكل مضطرد مقابل تباطؤ معدل النمو الاقتصادى بشكل لافت، ناهيك عن سوق عمل مكدس بأيدى عاملة معطلة ومستهلكة ومجتمع يعانى حالة غير مرضية من الفقر والأمية والمرض، فمن الطبيعى أن تجد 30% من الشباب الجامعيين و17% من الأميين - وفق إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء - ليصبح الشباب هم القاعدة العريضة المرشحة للهجرة والاغتراب خارج الوطن بشكل شرعى أو التفكير فى الهجرة غير الشرعية ورغم خطورتها.

التقينا عددًا من الخبراء والمتخصصين وسألناهم: «ما الدوافع الحقيقية وراء تفكير الشباب فى الهجرة وخاصة غير الشرعية؟»، و«ما دور الوزارات المعنية فى مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة؟»، و«ما دور الإعلام والدراما فى توعية الشباب بمخاطرها؟» و«وما آليات مواجهتها؟»، و«هل نحن بحاجة إلى مشروع وطنى لمعالجتها؟».
• المحافظات الأكثر طردًا للشباب
فى ظل عدم وجود إحصائيات بشأن أعداد المهاجرين بطريقة غير شرعية إلى دول أوروبا، وقلة المعلومات المتاحة عن المحافظات الأكثر طردًا للشباب، لم يكن أمامنا سوى التوجه إلى رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية نائلة جبر، التى أوضحت أن اللجنة كلّفت المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بإجراء دراسات عن الهجرة غير الشرعية، فكشفت نتائجها عن ارتفاع معدلها فى محافظات الشرقية والدقهلية والغربية وكفر الشيخ بمحافظات الوجه البحرى، ومحافظات المنيا والفيوم وأسيوط والأقصر بمحافظات الوجه القبلى.
وعن أبرز المعوقات التى تواجه اللجنة فى حملتها لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، اعتبرت جبر أن الأمية والتوعية الغائبة والرؤية المحدودة تجاه هذه الظاهرة الخطيرة من المعوقات الرئيسية، مما يتطلب تغيير المنظومة الاجتماعية الفكرية.
وبشأن آليات مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، أفادت رئيسة اللجنة بأنه تم وضع خطة وطنية لمواجهتها من خلال عدة محاور، أولها المحور التشريعى الذى تم من خلاله للمرة الأولى وضع تعريف لتهريب البشر، وتغليظ العقوبة على المهربين، أما المحور الثانى فهو محور التوعية المستمر من خلال زيارة القرى ولقاء الشباب وتعريفهم بمخاطر الهجرة غير الشرعية.
وخلصت إلى القول: «القانون الجديد مهم لكنه غير كاف إذا لم يتم توفير بدائل وحلول للشباب بدلاً من الهجرة غير الشرعية، فليس من المعقول أن تقنع الشباب بأن الهجرة غير الشرعية سيئة دون توفير حلول وبدائل لهم».
• انسداد الأفق
وأفادت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتورة نورهان الشيخ، بأن الشباب بشكل عام يعانى من حالة إحباط شديدة للغاية، مما يدفعه إلى التفكير فى الهجرة غير الشرعية التى يمكن أن يدفع حياته ثمنًا لها، لافتة الانتباه إلى حالة الإحباط التى انتابت كثيراً من الطلبة الجامعيين الذين يسألونها دومًا: «هنتجرج من الجامعة نعمل إيه؟».
وأوضحت الشيخ أن السبب الأول فى الإحباط هو انسداد الأفق أمام الشباب سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا أما السبب الثانى فهو عدم تكافؤ الفرص فى المجتمع نتيجة الوساطة والمحسوبية مما يعظم حالة الإحباط لديهم.
وأضافت أنه من الممكن أن يتقبل الشباب مسألة قلة الفرص التى يمكن أن يحصل على أى منها بشرط وجود عدالة فى توزيعها، لكن إذا كانت هذه الفرصة تذهب لغير مستحقيها فإن الإحباط سيكون رفيقهم ثم يأتى السؤال الاستنكارى: «لماذا يعانى الشباب من الإحباط؟».
وأشارت إلى سوء توظيف الموارد البشرية فى مصر، داعية إلى ضرورة أن تحدد الدولة أولوياتها فيما يتعلق بالقطاعات التى تريد النهوض بها سواء الصناعة أو الزراعة أو الصحة أو التعليم أو غيرها، وبناء عليه يتم تأهيل الشباب لسوق العمل بدلاً من التحاق الشباب بشكل عشوائى بكليات بعينها وبعد التخرج يحجز مقعده الدائم على أحد المقاهى ليزيد من حجم البطالة التى تعانيها البلاد.
وقالت: «لن نخترع العجلة من جديد»، مستشهدة بتجربة الماليزى مهاتير محمد الذى نهض بالمنظومة التعليم عندما تولى منصب وزيرًا للتعليم ولما شغل منصب رئيسًا للوزراء قام بعمل خطة شاملة للنهوض بالدولة بعد نجاحه فى الارتقاء بمستوى التعليم فى بلاده.
وأعربت الشيخ عن أسفها تجاه سوء حال مراكز الشباب التى تعانى قلة الأنشطة والندوات والخدمات اللائقة التى أنشئت من أجلها، كاشفة النقاب عن اتجاه بعض مراكز الشباب بشكل شديد الغرابة إلى تأجير مساحات بهذه المراكز كقاعات أفراح ومناسبات بهدف تعظيم مواردها المالية بدلاً من إقامة الندوات وإدارة الحوارات بين المسئولين والشباب.
ولفتت الانتباه إلى أن هناك خللاً شديداً فى الرسالة الإعلامية والفنية الموجهة إلى الشباب سواء عبر برامج التوك شو أو بعض الأعمال السينمائية التى ترسخ صورة سلبية فى المجتمع بتقديمها رحلة شاب هاجر بطريقة غير شرعية إلى أوروبا ثم عاد إلى بلده بثروة مادية كبيرة أو بتحقيرها من المهن البسيطة مثل عامل النظافة رغم أهميته، مما يدفع الشباب إلى رفض هذه المهن مفضلًا ارتياد المقاهى والكافيهات لساعات طويلة «لا شغلة ولا مشغلة»  أو الهجرة غير الشرعية.
وطالبت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة بضرورة إصلاح المنظومة التعليمية وربط التعليم بسوق العمل، وضرورة إنشاء منظومة إنتاجية متكاملة تستوعب الشباب الذى يعانى البطالة مع الاهتمام بتسويق منتجاتهم بدلًا من إعطائهم قروضًا يفشلون فى تسديد قيمتها ليجدوا أنفسهم فى نهاية الأمر نزلاء فى السجون.
وشددت فى ختام حديثها بالتأكيد على ضرورة وجود سياسات تهدف على تنمية الشعور الوطنى لدى الشباب الذين لا يشعرون بأهميتهم بالنسبة لوطنهم ناهيك عن الرسائل الإعلامية التى لا تشعرهم بأنهم مورد بشرى وطاقة إنتاجية مهمة لمصر كما تصفهم بأنهم عبء على الدولة فى ظل ازدياد معدلات السكان ومعدلات البطالة.
•جزر منعزلة
ورأت أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية الدكتورة ثريا عبد الجواد، أن هناك العديد من الأسباب التى تدفع بالشباب إلى الهجرة الشرعية أو غير الشرعية خارج الوطن، منها البطالة، وانحصار فرص العمل، والظروف الاقتصادية الصعبة، وانسداد الأفق أمام تحقيق طموحاتهم وإشباع رغباتهم وحاجاتهم البيولوجية وعجزهم عن تحقيق رغباتهم فى حياة سياسية بها قدر من الحرية والديمقراطية بالإضافة إلى عدم وجود سياسات حقيقية لاستيعاب فكر الشباب وعدم وجود رؤية واضحة لمستقبلهم.
وأشارت إلى أن كل هذه الأسباب لا يختلف عليها اثنان بعدما أثبتتها الدراسات والواقع المعاش لهؤلاء الشباب الذين يضطرون إلى اتخاذ وسائل شرعية وغير شرعية لضمان مستقبلهم بالهجرة خارج الوطن.
وعدّت عبدالجواد تفشى ظاهرة الهجرة غير الشرعية، مؤشرًا خطيرًا على سوء الوضع وعمق الأزمة التى يعيشها الشباب لدرجة أن تستوى لديهم الحياة الصعبة فى وطنهم مع الموت على ظهر سفينة، فيحاولون مرة تلو الأخرى الهجرة غير الشرعية رغم خطورتها لكى ينقذوا أنفسهم وأسرهم «لأنهم كده كده ميتين»، على حد قولها.
ولفتت الانتباه إلى أنه كلما تعددت محاولات الهجرة غير الشرعية كلما كانت دليًلا على انسداد الأفق لدى الشباب إلى الحد الذى بلغ فيه إدراكهم أن الهجرة غير الشرعية وما يمكن أن يلاقوه من إنهاء لحياتهم فيها هو أفضل ألف مرة من البقاء فى وطن دون فرصة عمل لدرجة العجز عن مواجهة الفقر والعوز.
وأفادت أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية بأنه رغم ما يُنشر ويذاع عن مخاطر الهجرة غير الشرعية إلا أننا نجد بعض الشباب يعاودون محاولة الهجرة غير الشرعية أكثر من مرة، والأدهى من ذلك أن أسرهم يدفعون بهم إلى ذلك فيما يبدو الأمر أشبه بالذهاب إلى الموت إنقاذًا من موت آخر فى وطنهم.
وأوضحت عبد الجواد أن الوزارات المعنية بمواجهة تفشى ظاهرة الهجرة غير الشرعية مثل الشباب والرياضة، والتربية والتعليم، والتعليم العالى، والثقافة، والأوقاف، تعيش فى جزر منعزلة عن بعضها البعض، فكل وزارة لديها فهم سائد وخطأ بأنها يمكنها أن تقوم بدورها منفردة لمواجهة هذه الظاهرة، مما يعكس فردية الحلول وتجزئتها، وبالتالى لن تتوقف الهجرة غير الشرعية مهما حذرت وسائل الإعلام من مخاطرها، ومهما عقدت وزارة الشباب والرياضة من معسكرات وندوات توعية، ومهما وجهت وزارة الأوقاف من رسائل عبر خطبائها بالمساجد فى هذا الشأن.
وشددت عبد الجواد على أهمية أن تكون هناك سياسات عامة للدولة تنفذها كل الوزارات فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادى وتوفير فرص العمل والقضاء على الأمية، بالإضافة إلى أهمية وجود اتفاق فى الرؤى وتكاملية فى هذه السياسات التى تنفذها الوزارات المعنية بمكافحة تفشى ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
ودعت إلى ضرورة تغيير الواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذى يحياه الشباب بتبنى سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة تراعى أوضاع هؤلاء الشباب وأسرهم ذوى الدخل المنخفض.
وطالبت أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية بضرورة وجود مشروع قومى حضارى وتنموى له استراتيجية يمكن تنفيذها من خلال خطط معينة تتضمن تدريب وتفعيل مهارات الشباب واستغلال قدراتهم وإمكانياتهم بشرط تهيئة سوق العمل لاستيعابهم وتسويق منتجاتهم. •