من ينقذها؟! قصور الثقافة من اكتشاف المواهب إلى أكشاك موظفين!
مى الوزير
خلال عملى الصحفى عند سؤالى بعض الفنانين عن البداية ومرحلة اكتشاف الموهبة كانت الإجابة تأتى «من خلال مشاركتى فى أنشطة قصر الثقافة فى محافظتى، أو عندما شاهدت المخرج الفلانى يوجه الفنانين فى بروفة عرض ما فى قصر الثقافة بجوار محل سكنى..» إلخ.
بالنظر إلى حال قصور الثقافة الآن وهل مازالت وظيفتها الأساسية توجيه المواهب والعمل على تنميتها أم أنها تضاءلت بشكل كبير وطالتها يد البيروقراطية وأصبحت مكانا روتينيا ومجرد دفاتر لحضور وانصراف الموظفين وطغت على الجانب الإبداعى.
تحدثت مع الكثيرين فى هذا الشأن ممن هم معنيون بالشأن الثقافى وخرجت بعدة نقاط لأنطلق منها فى تحقيقى هذا، تتلخص هذه النقاط فى الميزانيات وعجزها، والإدارات التى أصبح يتقلد معظمها موظفون أهلتهم درجاتهم الوظيفية لتولى منصب يتطلب أن يكون صاحبه فنانا وليس موظفا حكوميا, ثالثا تطوير المنشآت نفسها لتستوعب عروضا مسرحية، فمنذ سنوات استيقظنا على أسوأ كابوس فقدنا فيه مجموعة من أعظم فنانين ونقاد وشباب المسرحيين فى حريق قصر ثقافة بنى سويف، لن ننساهم أبدا كأصدقاء ولن ينسى المسرح المصرى تاريخهم، رحلوا بسبب إهمال وعدم توافر أدنى قدر من وسائل الأمان لمسرح التهمه الحريق وكل من فيه من حضور.
توجهت بسؤالى لمجموعة من المختصين الذين عملوا لسنوات فى الثقافة الجماهيرية وتفسيرهم لتراجع دور قصور الثقافة بشكل كبير ولماذا لم يعد تأثيرها قويا على المجتمع وعلى الساحة الفنية كما كان قبلا، وفى الأعداد القادمة سأوجه ما أثرناه من نقاط إلى السيد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة لعلنا نلقى الضوء على مشاكل واحد من أهم الأجهزة الثقافية فى مصر.
المخرج المسرحى عصام السيد: المشكلة تكمن فى أن هناك بعض المحافظات ليس بها أى مسرح كالإسكندرية مثلا على سبيل المثال ليس بها أى مسرح وكل مسارح الثقافة الجماهيرية فى الإسكندرية مغلقة، فبالتالى ليس هناك مكان لإقامة البروفات ولا أماكن للعرض، فهناك الفرقة القومية، وهناك فرق قصور وهناك فرق بيوت يعنى حوالى خمس فرق، فلك أن تتخيلى أن هذه الفرق بلا مسرح، فكيف يقومون بالنشاط، هذا جانب والجانب الآخر أن الميزانيات يتم إرسالها إلى الأقاليم، لتستمر العملية الإنتاجية فيقوم الإقليم باختصار جزء من الميزانية، فميزانية العرض كلها 25 ألف جنيه يخصمون منها أحيانا ما يصل إلى 2500 جنيه فيحدث عجز فى ميزانية العرض.
الجانب الثالث من المشكلة هو العروض التى تتم على الورق فتُعرض يوما واحدا فقط لتشاهدها اللجنة، ولا تعرض للجمهور الطبيعى بتاعها وهذا بسبب عدم وجود آلية للمتابعة وهل هذه العروض أدت مدة وأيام عرضها أم لا، كل هذه مشاكل وتراكمات منذ فترة طويلة فى الثقافة الجماهيرية.
• سألته وما الحل لهذه المشاكل سواء المادية أو التى تتطلب آليات متابعة ورقابة؟
فيقول: الحل أن يكون هناك توجه للثقافة الجماهيرية أولا بمعنى اننى أقدم عرضا لجمهور المحافظة وليس فقط من أجل مسابقة ما ويجب أن أفكر أين سأعرضه والاتجاه يكون إلى أماكن مبتكرة وليس المسرح لأن هناك بعض الأماكن ليس بها مسرح فابتكر بأن أقدم عرضا فى الشارع أو فى قهوة أو فى مكان مفتوح، ويجب على القيادات الموجودة فى المحافظات أن تُسهل هذا.
هذا بخلاف مشاكل أخرى تتعلق بالناحية الفنية والقدرة على الاختيار والتوظيف الجيد كأن يذهب أحد بعرض إلى الصعيد ويكون هذا العرض بالعربية الفصحى وموضوع لا يهم أهل الصعيد على الإطلاق، أو كأن يقام عرض فى الثقافة الجماهيرية وينجح فنجد العام التالى 4 عروض مشابهة أو مسروقة منه، كل هذه المشاكل بحاجة إلى حلول واقعية وليس مجرد قرارات إدارية وخصم مرتبات، نريد لهذا الكيان أن يستمر ونريد حلولا تضمن لهذا الجهاز المهم- الثقافة الجماهيرية- الاستمرارية.
• الأصل.. هواة
فرق الأقاليم فى الأساس للهواة الذين لديهم وظائفهم الأساسية ولكنهم يذهبون اليها لممارسة هوايتهم.
الأستاذ ضياء مكاوى مدير قصر ثقافة أسيوط رد على تساؤلاتى قائلا:
سأتكلم معك بشكل خاص عن قصر ثقافة أسيوط الذى شمله تطوير على مستوى البنية التحتية وقمنا بافتتاح القصر بعد التطوير فى عام 2013، وكان لزاما علينا ضمن هذا التطوير أن نُحدث تطويرا فى الإدارة وفى الأنشطة وأنا اتجهت لثقافة المشاركة وليس ثقافة التوجيه، ولفت انتباهى تغير الشباب بعد الثورة مع تغير المناخ بشكل عام، فأصبح الشباب لهم ثقافتهم وتوجههم الخاص الذى جزء منه إدارة النشاط نفسه فحاولت القيام بهذا فى أنشطة مثل السينما ونادى الكتاب ونادى الكاريكاتير ومجموعة كل الفنون، فهناك مجموعة من الشباب والفتيات يجتمعون فى القصر ليخططوا للنشاط ويصمموه وهم من يعملون عليه بأنفسهم، وأنشأوا نادى سينما فى قصر ثقافة أسيوط وصل أعضاؤه لحوالى 480 يُقام يوم السبت من كل أسبوع فى تمام السادسة مساءً ويحضر معنا بعض النقاد من القاهرة من قبل إدارة السينما فى الهيئة.
والتطوير أصبح فى صميم الأنشطة نفسها، كنشاط نادى العلوم الذى أصبح تخصصا وأصبح لدينا نادى الثقافة العلمية، ونادى الروبوت وهو مكون من 71 شابا وفتاة من كلية هندسة جامعة أسيوط، أنشأوا نادى «الروبوت» نحاول توفير الخامات لهم وتوفير القاعات، ولدينا نادى المخترع الصغير ويحضره الأطفال بإشراف على نشاطهم وكذلك الفنون التشكيلية ونادى الكاريكاتير الذى اشترك فى الملتقى الدولى للكاريكاتير.
بالتأكيد نواجه عراقيل خاصة بالناحية المادية للمساهمة ودعم كل هذه الأنشطة ولكن الشباب يعتمدون على أنفسهم وبجهودهم الذاتية للخروج بنشاطهم للنور وإقامة معارض أو عروض، فمنذ أسابيع أقام مجموعة «كل الفنون» نشاطا مكونا من موسيقى وشعر وفنون تشكيلية عرضا مسرحيا وكل هذا بالجهود الذاتية بدون جنيه واحد من الهيئة العامة لقصور الثقافة، الشباب يُعد لكل شيء ويقوم بدعوة الجمهور بأنفسهم ويعتمدون تماما على الجهود الذاتية.
المخرج المسرحى حسن الوزير، كان رأيه قاطعا عندما سألته هل مازالت قصور الثقافة تقوم بدورها أم أنه تضاءل مؤخرا فقال لى: دور قصور الثقافة لم يتضاءل.. بل انعدم وهذا نتيجة لسببين رئيسيين فدور قصور الثقافة الذى كانت تؤديه فى الستينيات فى قمة توهجه وتألقه يجب أن يتطور لأننا الآن لسنا فى الستينيات والعصر اختلف، فهذا الجهاز تم تأسيسه لتقديم الخدمة الثقافية فى القرى والريف وغيرها من الأماكن، الآن الميديا ووسائل التواصل غيرت كل مجريات أمور حياتنا، وبالتالى هذا الجهاز يجب أن يتطور ويتغير كفكر وإدارة بما يتناسب مع ما نعيشه، وهذا لم يحدث ومازال هذا الجهاز يعمل بأليات القرن الماضى.
السبب الثانى أن دور الموظفين طغى على دور الفنان والأديب فتحولت قصور الثقافة إلى مجموعة أكشاك للمصالح وللفساد، إلى دفتر للحضور والانصراف وليس إنتاجا فنيا وإبداعيا، وأركز على تفشى الفساد فعل سبيل المثال أن النشاط الأساسى والجوهرى وهو المسرح تحول المبلغ السنوى المخصص لميزانياته للسرقة من قبل كل من «هب ودب»، الحل يجب أن يكون من خلال وزارة الثقافة وأن تتبنى تطوير هذا الجهاز فهذا هو دورها ويكون من خلال الاستعانة بأفراد تؤهلهم قدراتهم وموهبتهم على الإدارة لكى يستطيعوا التعامل مع الفنانين ومع الفئات التى يتعاملون معها وليس أن تكون الإدارة لموظفين أهلتهم فقط درجاتهم الوظيفية والأقدمية لأن يكونوا مديرين فتتحكم البيروقراطية فى العملية الفنية، أما بالنسبة للمنشآت نفسها فأنا زرت كل مسارح مصر فى القاهرة والمحافظات والأقاليم وقدمت عروضى عليها، كل المشكلة أن معظم هذه المواقع خضعت لإعادة ترميم وكانت هذه فرصة للسرقة والاستعانة بأجهزة حماية وطفايات حريق معظمها مستهلك وغير صالح وهناك مسارح تم صرف الملايين عليها ولم يتم افتتاحها حتى الآن، وقصر مثل قصر ثقافة الجيزة وهو تحت التطوير منذ سنوات ولم يتم افتتاحه حتى الآن.
• تراجع واضح
المخرج سمير زاهر، مخرج مسرحى فى الهيئة العامة لقصور الثقافة وقدم عروضا مسرحية على مدار سنوات فى قصور الهيئة المنتشرة فى محافظات مصر يقول لى فى بداية حديثنا: «الإدارة والثقافة فى الثقافة الجماهيرية هى السيارة التى تعود إلى الخلف، ودور قصور الثقافة تراجع وتضاءل بشكل كبير ولعل السبب فى هذا أن هناك من يرى أن الثقافة لم تعد لها ضرورة ولا أهمية، وأصبحت كخدمة ثقافية على الدولة، بالإضافة إلى بيروقراطية الإدارة، زائد قلة الإمكانيات والميزانيات وعدم وجود القيادات التى تقوم بالإشراف على الإدارة، فهناك عجز فى الإدارات التى تولاها عبر سنوات قامات كبيرة من الفنانين فى عز مجدها، لم يعد هناك تبنٍ للمواهب ولا دورات تدريبية للفنانين بل أصبح هناك عدد خرافى من المهرجانات بلا مبرر، وصور على فيسبوك، مما جعلها بعيدة كل البعد عن رسالتها الثقافية، إدارات القصور تحولت من المبدعين إلى كتبة وموظفين بدون خبرة ولا منهج ولا استراتيجية، أصبحنا نسير وسط عشوائية فى التخطيط وعشوائية فى التنفيذ، نحتاج إلى ثورة ثقافية ونحتاج إلى هدف نسعى إليه وفى غياب الهدف تظل الأمور عشوائية وهمجية، أما بالنسبة للمنشآت نفسها فحدث ولا حرج، بعض المسارح ينقصها الصيانة وهى الأغلبية العظمى والمظلوم فى هذا هى المراكز والقرى.
الكاتب والمؤلف سعيد حجاج الذى قدم عدة عروض قُدمت على مسارح الهيئة والذى لمس بعض المشاكل المتعلقة بالروتين والبيروقراطية فى قطاع يجب أن يكون بعيدا كل البعد عن البيروقراطية يقول:
الدور لقصور الثقافة يتضاءل من فترة لأخرى ومن عام لآخر وهذا يرجع إلى أن بعض القيادات التى تمسك الانشطة الموجودة ليس لهم علاقة بالعمل الثقافى بقدر ما لهم علاقة بدرجتهم الوظيفية التى تؤهلهم لأن يكونوا قادة بصرف النظر عن أن مواهبهم تتفق مع مناصبهم أم لا، وهل تتسق مع العمل فى إدارات ثقافية، وهذا وضع سيء جدا وقواعد يجب أن يتم التعامل معها بشكل مختلف لحل الأزمة التى تعانى منها وزارة الثقافة بشكل عام وقصورها بشكل خاص .
فى الآونة الأخيرة وبعد حادثة قصر ثقافة بنى سويف تم إغلاق العديد من قصور الثقافة فى بعض المحافظات لانها غير صالحة حسب الدفاع المدنى لخوفهم من تكرار الكارثة التى ضاع فيها عدد كبير، فبالتالى تضاءلت الأماكن بحجة التجديد وبعضها مازال غير صالح وهذا بالفعل شكل أزمة للفنانين فى أماكن إقامة العروض، من الصعب إيجاد حل لمشاكل قصور الثقافة أو الثقافة الجماهيرية لأنه كما أن هناك مشاكل عند القادة الإداريين والقادة الثقافيين فى أماكن نجد فى المقابل بعض الفنانين والمبدعين يتنازلون عن حقوقهم ويرضون بالحد الأدنى من أجل «سبوبة» والكل هنا مُدان، لا يوجد أحد يناضل من أجل أن يعتدل الوضع والحال، ليس هناك من يرفض ويمتنع عن العمل من أجل أن ينضبط الوضع، بل أصبح البعض يقبل بأقل الإمكانيات ويبقى الوضع كما هو عليه.
المخرج المسرحى شاذلى فرح مدير إدارة نوادى المسرح:
هناك ثلاثة أشياء تضاءلت ففى الماضى كانت قصور الثقافة رافدًا كبيرًا من روافد الحركة الفنية فى مصر ليكتشف الشباب الموهوبون أنفسهم وهل موهبتهم حقيقية أم لا، وكان هذا متمثلا في: أولا فى المدارس، وثانيا فى مراكز الشباب والرياضة، وثالثا قصور الثقافة، وأيام طفولتى أنا شخصيا كان عندنا هناك مسارح فى عيد الطفولة وفى المناسبات وكانت فرصة للأطفال ليكتشفوا مواهبهم وهذا دور مهم للأنشطة المدرسية التى تضاءلت الآن بشكل كبير، فأنا بدأت التمثيل فى ابتدائى فى عرض تم تقديمه فى عيد الأم وأتذكر المشهد الذى قدمته ورد فعل الجمهور وقتها أخذنى المدرس من يدى وقال لى «أنا هوديك قصر الثقافة».
فقصور الثقافة كانت تقوم بشكل أساسى على روافد المدارس ومراكز الشباب والرياضة، ولعل أحد أسباب تضاؤل دور قصور الثقافة أن هناك قنوات كثيرة سحبت البساط من الثقافة الجماهيرية مثل وجود عدد كبير من المهرجانات المسرحية التى لا يمكن حصرها منها مهرجانات دورى الشركات، مهرجان أفاق، مهرجانات الصيف والشتاء فى جامعات مصر، إلخ.. بالإضافة إلى أنه كان نادرا أن نشاهد فى الماضى فرقا مستقلة، أما الآن فعدد الفرق المسرحية وصل إلى عدد لا حصر له!
ومن ثانى الأسباب التى أعطت الصك لتدهور حال قصور الثقافة وتراجع دورها المهم هو إعطاء الصكوك لإداريين وموظفين عبدوا الروتين، عبدوه وأكلوه وتم «تطفيش» من هو جيد وموهوب، مديرين لا علاقة لهم بالفن ولم يمارسوه ولم يدرسوه، وكذلك هناك مديرون منهم ينظرون للمسرح على أنه حرام وأنا أحدثك كمخرج لف مسارح فى كل محافظات مصر، وأرى أن بعض الإداريين والقيادات وكذلك الفنانين الباحثين عن مصالح قصيرة و«سبوبة» هم السبب فى خرق المركب المسرحى فى مصر.
أما السبب الثالث فهو يرجع للدولة التى يبدو أنها تُظهر تعنتا شديدا تجاه المسرح، فالحركة المسرحية «صداع فى رأس النظام».
سألته عن أحوال قصور الثقافة فى معظم المحافظات التى قام بزيارتها السنوات الأخيرة وهل المسارح بها مؤهلة لاستقبال الجمهور أم لا، كى لا تتكرر حادثة قصر ثقافة بنى سويف، فقال لي: الدولة الآن تلاعبنا بحجة الدفاع المدنى وعليه فإن كثيرا من المسارح مغلقة وهذا لا ينكر أن بعض القصور- وليس كلها- بحالة جيدة، ولكن بمنتهى الشفافية والأمانة الدكتور سيد خطاب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة فهو أحد أبناء نوادى المسرح وعمل مخرجا وناقدا ولف ربوع مصر وهو يعلم العلة أين تكون ويعمل على علاجها.•