روزاليوسف .. صوت الإبداع المتجدد

زين إبراهيم
عجيبة هى روزاليوسف التى تعد إحدى قلاع الصحافة الراسخة، فالمؤسسة العتيدة المتجددة بجناحيها (روزاليوسف وصباح الخير) لا تزال تكشف أسرارها وتواصل فكرة الانصهار بين البشر والكيان لتقدم لنا إبداعات تنتصر للجمال والحرية والتمرد.. فى حب روزاليوسف وبمرور 90 عاما على ميلادها و60 عاما على ميلاد صباح الخير تجمع المئات من الفنانين والرسامين فى قصر الفنون بدار الأوبرا ليدشنوا احتفالية «روزاليوسف 90 سنة إبداع» وشهدت الاحتفالية زخما متميزا أعاد الألفة والتألق لروزاليوسف التى تتحدى الزمن بإبداعها المتجدد دائما سواء لأبنائها أو محبيها الذين تألقت أعمالهم على صفحاتها.
أكثر من مائتى عمل فنى تتراوح بين الكاريكاتير والرسوم التوضيحية واللوحات التشكيلية ازدانت بها جدران وقاعات قصر الفنون لرواد وفنانى ومحبى روزاليوسف وصباح الخير من مختلف الأجيال.. وكانت أعمال الفنانين الكبار حسن فؤاد وجمال كامل ومأمون وأبوالعينين فى مقدمة الأعمال المعروضة مما أعطى المعرض ثقلا وقيمة تكررت وساندت بقية الأعمال لمجموعة كبيرة من أبناء ومحبى روزاليوسف صاروخان وعبدالسميع وحجازى وصلاح جاهين والليثى وتاد مرورا بجيل الوسط والجيل الحالى وتسجل الأعمال المدهشة فى معظمها تاريخ مصر السياسى والاجتماعى طوال 90 عاما لتبقى شاهدة على التغيرات التى تعرض لها المجتمع وكان لروزاليوسف دور بارز فى تسجيلها ورصدها بالكلمة والرسم.. والمعرض الذى يضم أعمال أكثر من 100 رسام ورسامة يعد توثيقا مهما لتاريخ يقترب من المائة عام وأعاد بعضا من مجد روزاليوسف التى لا تزال تواصل دورها الريادى الإبداعى برغم الظروف والتحديات الصعبة التى تواجهها فى الفترات الأخيرة.. ويلفت المعرض بشكل غير مباشر لأهمية الكنوز الإبداعية والفنية التى تملكها المؤسسة وهو ما يدعونا للمطالبة بتأسيس متحف فنى يضم إبداعات الرسم الصحفى لروزاليوسف وغيرها من المؤسسات الصحفية التى لعبت دورا فى هذا الاتجاه.
• تيار جديد
وهنا نلفت النظر لكلمة حلمى النمنم وزير الثقافة الذى حرص على افتتاح المعرض وبروح الباحث الذى يجيده قال النمنم إنه فى الوقت الذى تأسست فيه روزاليوسف فى العقد الثالث من القرن الماضى كانت فى مصر مدرستان صحفيتان رئيسيتان الأولى تمثلها الأهرام والثانية تعبر عنها دار الهلال وكل منهما كان يميل إلى الرصانة الشديدة التى تبلغ حد المحافظة فى حين جاءت روزاليوسف لتمثل تيارا جديدا فى الصحافة المصرية يمثل الجرأة ويميل إلى التمرد على القديم والسائد بحثا عن الجديد.
ويواصل النمنم قائلا: لأسباب عديدة اهتمت روزاليوسف بالكاريكاتير وخاضت معارك عديدة سياسية واجتماعية وثقافية بالكاريكاتير والرأى ثم كبرت وأصدرت «صباح الخير» فى منتصف الخمسينيات لتكون طلقة صحفية هزت الكثير من القواعد الثابتة بفنانيها المبدعين وكتابها المتألقين ليشيعوا فى المناخ المصرى العام حالة من الانفتاح واتساع الأفق، وفى احتفالنا اليوم بمرور 90 عاما من عمر روزاليوسف التى تواجه منافسة شرسة من الفضائيات والصحافة الإلكترونية تظل المؤسسة الكيان والبشر صوتا ومنبرا للحرية والإبداع فى هذا الوطن.
• انحياز للفن
ويؤكد المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس مجلس إدارة روزاليوسف نفس المعنى قائلا: إنه منذ صدور العدد الأول لمجلة روزاليوسف عام 1925 انحازت للفن وكان عددها الأول عبارة عن لوحة فنية تشكيلية سرعان ما اقتحمت المجلة ميدان الكاريكاتير الذى كان مقصورا على الرسامين الأجانب فى ذلك الوقت وهم «سانتيز، رفقى، صاروخان» الذين تناوبوا الرسم على صفحات المجلة بدأت مرحلة تمصير الكاريكاتير على يد جيل عظيم من الفنانين يأتى فى مقدمتهم الفنان رخا ثم عبدالسميع ومع ظهور مجلة صباح الخير جاء جيل يكمل المسيرة صلاح جاهين والليثى وجورج البهجورى، وبهجت وزهدى وحجازى وجمعة وتاد ودياب ورءوف عياد واللباد وناجى وحاكم ورمسيس ومحسن وعمرو سليم وآخرون.
ويضيف الشوربجى أنه بجانب الكاريكاتير كان هناك الرسم بجميع ألوانه وبرزت فيه أسماء كبيرة منها جمال كامل وحسن فؤاد ومأمون وعبدالعال وحجى ومودى الحكيم وهبة عنايت ومحمد الطرواى وسامى أمين وجمال هلال وصولا إلى أحدث الأجيال التى تواصل المسيرة.. و«معرض روزاليوسف 90 سنة إبداع» الذى يواكب مرور 60 سنة على إصدار مجلة صباح الخير للقارئ المحب للفن والجمال.
وبنفس الحماس قال الفنان محمد الطراوى المنسق العام للمعرض: إن روزاليوسف احتلت مكانتها فى قلب وعقل القارئ المصرى والعربى على مدار 90 عاما، حيث أدركت السيدة فاطمة اليوسف منذ الوهلة الأولى أهمية الرسوم التعبيرية «الاليستريش» والكاريكاتير على صدر صفحاتها إيمانا منها بقيمة الإبداع لما تملكه من درجة عالية من الخيال والفكر الإبداعى لهذا انطلقت مدرسة ذات توجهات تقدمية وطليعية غيرت وجه الحياة الصحفية على المستوى الثقافى والتنويرى.
وأضاف إنه بهذا التوجه والمنطق بدأت مسيرة الرسوم التعبيرية كلفتة أصيلة ضمن إصدارات روزاليوسف وتعانقت كلمة الكاتب مع ريشة الفنان وهو ما عكس مدى التفاعل فى الأداء المهنى وتألقت أعمال فنانين عظام كانت أعمالهم مسكونة بالطابع المصرى الذى يجسد الشخصية المصرية بكل تنوعاتها وكان هدفهم التجديد والتجريب بمهارة فائقة من خلال رصانة التكوينات وقوة التعبير كما لعب الكاريكاتير كفن دورا سياسيا واجتماعيا وأضفى لغة جديدة تتمثل فى فن الإيقاع الحيوى المليء بالحركة، مشيرا إلى أن روزاليوسف أسست تقليدا جديدا حين فتحت رافدا من خلال الاستعانة بفنانين لم يمتهنوا العمل الصحفى فشاركوا بأعمالهم الفنية على صفحات إصداراتها وهو ما جعل الجسور ممتدة بين روزاليوسف والفن التشكيلى.
وأوضح الطراوى إن كل ذلك يٌقدم فى «معرض روزاليوسف 90 سنة إبداع» لتتعانق أعمال رواد روزاليوسف مع مختلف أجيالها ومع محبيها من الفنانين والرسامين بعد أن طورنا الفكرة التى طرحها على الفنان سامى أمين ونأمل أن نكون قد أدينا دورنا فى إقامة هذا الحدث المهم الذى يؤكد فكرة التواصل واستمرار قنوات الحوار الإبداعى ويؤكد الدور التنويرى الذى تلعبه ولا تزال روزاليوسف فى المجتمع المصرى والعربى.
• القيمة والرسالة والتحدى
وأكد الناقد الفنان عز الدين نجيب أن روزاليوسف لم تؤسس مدرسة فى الصحافة فحسب بل كذلك فى الرسوم المصاحبة للنصوص المطبوعة ما جعلها تنفرد بشخصية استثنائية فى الصحافة المصرية سواء كانت هذه الرسوم توضيحية أو رسم كاريكاتير أو رسوما تعبيرية تشى بالجمال والدهشة.
ولا ينطفئ توهجها بمرور الزمن، وما يعطى زخما لمعرض روزاليوسف 90 سنة إبداع هو ما يمثله من توجه هذه الكوكبة الرائعة من الفنانين نحو النفاذ بالفن داخل المجتمع والارتقاء بالذوق الجمالى للجماهير بأساليب فنية قادرة على التواصل معهم والتأثير فيهم هى إذن روزاليوسف مدرسة الفن للجماهير وليس للصالونات وقاعات النخبة.. فن ينتقل إلى الناس ولا ينتظر أن ينتقلوا هم إليه فى الصالونات والقاعات.. فن يقوم على الرأى والنقد والفكر ولا يتعالى على المواطن البسيط لكنه ببساطة يأخذ بيده حتى تتكون لديه ذائقة جمالية ورؤية فكرية ونقدية عبر تكامل لا انفصال فيه بين الرسم والقصيدة والقصة والرواية والمقال والتحقيق.
وعلى نفس المنوال يقول الفنان رضا عبدالسلام إن روزاليوسف ومعها مؤسسات صحفية أخرى لعبت دورا تنويريا وتثقيفيا فى تغيير نمط الحياة السياسية والاجتماعية لا يمكن إغفاله، وعندما تهتم مؤسسة صحفية عريقة كروزاليوسف بأهمية ودور الرسم والفن فى الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية وتتيح له مجالا فسيحا أمام عدد كبير من الرسامين على اختلاف مواهبهم وأعمارهم فهذا يعنى توجها ملموسا غير مسبوق فى عالم الصحافة المصرية يعنى أيضا تأثيرا على فكر وعين القارئ العادى، ويبقى السؤال: هل يمكن لمؤسسة روزاليوسف أو غيرها من المؤسسات الصحفية الكبرى أن تعيد أمجاد التعبير بالرسم إلى جانب الكلمة المقروءة مرة أخري؟
سؤال صعب ننهى به هذا المقال لأنه يدعو للتفكير فى تحديات وصعاب كثيرة تعيدنا مرة أخرى إلى كيفية الاستفادة من الكنوز الإبداعية التى يضمها معرض روزاليوسف 90 سنة إبداع. •