اخلع القناع و.. اكشف ذاتك لذاتك!

أمل فوزي وريشة نرمين بهاء
إذا كنت قد وصلت إلى منتصف العمر.. أو لم تصل إليه بعد.. لا تفوت على نفسك فرصة أن تسأل نفسك بصدق: ما أكثر الأعباء التى تحملها معك طوال الحياة التى عشتها؟!
إن الإجابة المفاجئة أنه رغم توقعاتك أو شعورك بأن أثقل أعبائك هو: الضغوط المالية، أو أعباء الحياة الاجتماعية أو حتى الهموم العاطفية.. فإنك لم تصل بعد إلى مستوى اكتشاف جزء من ذاتك والتعرف عليها.، كلنا وقعنا بدرجة ما - ومازلنا نقع - فى أخطر وأثقل أعباء الحياة.. وهو «عبء الأقنعة التى نرتديها».
السؤال المهم: هل واجهت نفسك بأنك مستعد أو قادر على خلع ولو بعض من تلك الأقنعة المركبة التى ترتديها؟!
العلاقة وطيدة بين قدرتنا على أن نعبر عن مشاعرنا بصدق وبين التكتم الذى تفرضه علينا قوانين الحياة من تربية وتقاليد مجتمع وأحيانا عقد المجتمع.. التى تجبرنا على ألا نكون أنفسنا وأن نكون من يرضى عنه المجتمع وجموع الناس، ومن هنا نتوه مع أنفسنا ونفقد بوصلة اتجاهاتنا ورغباتنا واختياراتنا.. وهذه هى الدروس الأولى التى نتعلمها منذ الصغر كيف نلبس الأقنعة، التى تكسبنا رضا المجتمع ونكبر عبر السنوات وتتطلب الحياة مع ازدياد الدوائر أن نزيد عدد الأقنعة التى نرتديها لإرضاء العائلة ومحيط العمل والشارع والأصدقاء والغرباء ويزداد العبء وتزداد المسافة بيننا وبين أنفسنا، ومنعا للصدام مع ذواتنا، نفضل أن نظل فى إطار الوعى بالمستوى الأولى لذاتنا وعدم التورط فى الانسحاب إلى الأعماق لأن الغوص فى العمق يستوجب خلع الأقنعة وهذا ما لم نتدرب عليه طوال حياتنا.
هذا العنوان «عبء الأقنعة التى نرتديها» كان من أهم فصول الكتاب الذى اعتبره مرجعا مهما لكل شخص يمر بمنتصف العمر سواء كان واعياً ومدركاً لها أم لا.. كتاب «أزمة منتصف العمر الرائعة» للكاتبة إيدا لوشان وترجمة سهير صبرى.
تطرح إيدا لوشان عنصراً شديد الأهمية كثيراً ما يقع فيه الكبار وهو «أننا تربينا بالطريقة التى نربيها لأولادنا».. وهى أننا ننكر عليهم حقهم فى أن يشعروا الشعور الطبيعى معتقدين أننا نحميهم وهى بالفعل حماية زائدة مدمرة أحياناً وتحكى الكاتبة أن بعض الأصدقاء لديها كانوا يمرون بمشكلات زوجية وكانت آراؤهم هى أن يصارحوا أولادهم فى سن الثامنة أو أقل بتوضيح أن هناك مشكلة ولهذا تجد الأب أو الأم فى حالة حزن أحياناً ولكن لا علاقة لها بالطفل أو الطفلة، وتقول: لماذا نحاول إخفاء الشعور الحقيقى أو بمعنى أدق.. نحن نعتقد أن ادعاء السعادة طوال الوقت هو أمر ينتمى للأدب والتضحية فى حين أنه يؤذى «حقيقة الشعور».
وتقول: جزء من رفع عبء أقنعتنا هو أن نواجه أنفسنا بحقيقة أساسية وهى أن نعتقد أنه يمكننا تجاوز كل ما يعنى أننا بشر وأن من يستطيعون فعل ذلك فقط هم من ماتوا من داخلهم حتى إنهم لايشعرون سواء بالألم أو السرور.. وللأسف فهمنا أن قمع المشاعر والسيطرة عليها هو من دواعى الحكمة أو وسيلة دفاعية لتجنب الألم أوالانتقاد.
للأسف - ما تقوله إيدا لوشان - يؤكد أننا فى مجتمعات تعانى ازدواجية ورغم أنها تتحدث عن البشر عموماً - أيا كانت ثقافاتهم - ولكننى على يقين بأننا فى مجتمعات احترفت الكذب واختراع الأقنعة التى تناسب كل الأزمان والظروف.
قالت لى سيدة لم تكمل الخمسين من عمرها: «لقد تعلمت مؤخراً الفرق بين الخصوصية وبين حقى الكامل فى التعبير عن مشاعرى والتواصل مع الآخرين».
تحكى قائلة: «كنت منغلقة على نفسى ولا أستطيع أن أحكى للآخرين مهما كانت درجة قربى لهم وتغنى بهم، فكنت أعتبر أن الخصوصية أحد أهم سمات قوة الشخصية وأصبحت الخصوصية مرضاً فيما بعد، حتى أصبح من الصعب علىّ أن أتواصل مع صديقات مقربات، هن يحكين بعمق ويتمكن من التقاط مواقف حياتية تنسج قصصاً وآراء ومناقشات، أما أنا فاكتفيت بالتعليق النظرى مما جعلنى خارج دوائرهم شيئا فشيئا وهذا الخروج كان بقرار منى لأننى اكتشفت أننى أدور حول محور ذاتى فحسب، ولم أعد أفرق بين ما يحكى ولابد أن يحكى وبين ما هو يندرج تحت إطار الخصوصية، وكان هذا الأمر يشعرنى بالتفاهة وعدم النضج، رغم تجاوزى الخامسة والأربعين إلى أن حدث لى تحول عندما جلست بجوار سيدة فى الستين من عمرها فى إحدى رحلات الطيران وكانت تلك السيدة متدفقة فى حديثها معى، وحيث قالت لى جملة لن أنساها أبداً ربما تكون هى التى نبهتنى لحجم الثقل الذى أحمله على عاتقى وحدى.
قالت السيدة وهى تحكى عن أولادها وجزء عن طفولتها وعن واقعة التحرش التى تعرضت لها فى الأربعين من عمرها، وكيف كان رد فعل زوجها عندما حكت له وكيف أنه ألمها وأوجعها ذكرت قائلة: «أنا ماشية بإحساسى لما باطمئن لإنسان، باحكى له جزء من حياتى، باخفف الحمل عنى، علشان أعرف أحس مشاعر جديدة فى الحياة، لازم أفضى شنطة المشاعر القديمة اللى على ظهرى».
ابتسمت السيدة وقالت: منذ أن أخذت هذا القرار فى حياتى وأنا أشعر أننى أصغر فى العمر ولا يتقدم العمر بى، فما يزيد العمر ليس حسبة السنين، إنما وزن «الشيلة».
تذكرت قصة صديقتى هذه عندما قرأت هذا الفصل فى كتاب «أزمة منتصف العمر الرائعة» فما قالته السيدة فى الطائرة يكاد أن يتطابق مع ما تقوله إيدا لوشان فى نصيحتها.
احذر من أن ترتدى أقنعتك طوال الوقت، فكلما كانت أقنعتك محكمة وكلما أحكمنا إقامة السدود حول أنفسنا فلا نحيا مع حقيقة ذاتنا لهذا.. «جد سبيلك» فى التواصل مع ذاتك، أيا كان هذا السبيل، سواء عن طريق التأمل أو عن طريق الحكى أو العلاج الجماعى من خلال عملك اليومى كشاعر أو معلم أو ممثل تتمكن أثناء تطوير مهنتك أنك تصل إلى لحظات اكتشاف الحقيقة الداخلية.. تلك الحقيقة التى تؤدى إلى تدفق كبير فى النمو.
قد يسأل البعض.. وما علاقة إسقاط الأقنعة بأزمة منتصف العمر؟
هو سؤال جيد وله وجاهته.. وربما أجد الإجابة فى نفسى.. قبل أن أجدها فى كتاب إيدا لوشان.. بما أننى من المنتمين لهذه الشريحة - أشعر أن الأزمة الحقيقية هى البحث عن الهوية بعد خبرات وسنوات وحياة، ومحاولة لاكتشاف أسرار إنسانية وربما روحية خاصة فى نفسى - هذا ما أشعر به - ولكننى دوما أقول: أن هناك حتة ناقصة.. أو بمعنى أكثر دقة هناك شىء معطل لتدفق رحلة البحث بشكل كامل.. هذا الشعور التلقائى وجدته بين سطور كتاب «أزمة منتصف العمر الرائعة» حيث وصفته إيدا لوشان باسم «التنمية الكاملة» أو نهضة منتصف العمر.. حيث إن إزاحة العبء الإنسانى الذى نحمله فوق أكتافنا وعلى صدورنا سواء عن طريق مشاركة الأفكار والحياة مع الآخرين أو عن طريق النمو من خلال العمل وعلاقات الحب أو عن طريق البحث عن العون من خلال أى شكل من أشكال العلاج أو الدعم.. وربما عن طريق القراءة والدراسة.. المهم ألا نسمح لعبء الأقنعة التى نرتديها أن تشعرنا باليأس أو العجز عن أن تكون لنا السيادة على أنفسنا وعلى حياتنا فننسحب إلى عزلة داخلية عقيمة.. المهم أن نرفع الأقنعة ونكون «حقيقيين».
وهذه هى النصيحة الأولى التى ذكرتها إيدا لوشان.
ثانيا: وهو الأمر المهم والخطير: أن نعترف ونواجه أنفسنا بأننا لسنا معصومين من الخطأ.. لأن إنكار هذه الحقيقة هو مدمر للعقل والقلب، نعم - نحن نخطئ ونمر بآلام الحيرة والخوف والغضب والقلق.
ثالثا: لاتنشغل بإرضاء الآخرين ولايهمك انطباعهم عنك ولا تنشغل بأن تكون محبوبا دائما أو تنال الاستحسان فقط ركز جهودك على أن تكون أمينا مع نفسك.. فليس هناك مشاهدون فلنكف عن أن نكون ممثلين.
رابعاً: انظر إلى داخلك.. ستكتشف أن الألم والسعادة وجهان لنفس التجربة وأن شِدة جانب هى بداية شِدة الجانب الآخر.
خامساً: كُن على ثقة بأن العبء يصبح فوق الطاقة عندما لا يمكنك أن تكشف ذاتك لذاتك.
«آن أوان أن تزيح القناع»!! •