الجمعة 23 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أستاذنا.. سيرة حب

أستاذنا.. سيرة حب
أستاذنا.. سيرة حب


الإنسان سيرة ومسيرة..
أما السيرة فهى خلاصة  الانطباعات والذكريات والمعاملات التى يتركها الإنسان بين الآخرين. 
وعلى الصعيدين السيرة والمسيرة  أبدع أستاذنا رؤوف توفيق، فمسيرته مليئة بالنجاحات والإنجازات الإبداعية ككاتب صحفى وكمبدع فى مجال السينما والدراما.. أما سيرته بين كل من تعامل معه وبين أصدقائه وتلاميذه، فهى سيرة حب واحترام.
 
(لما يجيبوا سيرتك يحلو الكلام.. أتنهد فى سرى وأهديك السلام).
الحقيقة هذا هو لسان حالى بمجرد ذكره تنطلق فى ذاكرتى مشاهد ومواقف وذكريات أجمل وأهم عشر سنين فى حياتى فى بلاط صاحبة الجلالة من 1994 إلى 2003 .. صحيح شرفت بنشر تحقيقين مع الأستاذ مفيد فوزى. فور التحاقى بالمجلة. فى أواخر 1993، بعدما تحمس لى أساتذتى محمد عبدالنور وناهد فريد ومحمد هيبة.. لكن 1 يناير 1994.. تاريخ تولى الأستاذ رؤوف توفيق رئاسة التحرير.. كانت بداية أخرى لى ولجيل كامل فى صباح الخير.
تتوه الكلمات وتتداخل المشاعر والأفكار عندما تشرع فى الكتابة عن أستاذك فى الحياة وليس فى المهنة فقط.
•  أستاذنا فى الحياة
فالأستاذية فى الحياة أهم وأشمل من أستاذية المهنة.. فما أجمل أن نتعلم من إنسان دستوره فى الحياة هو «لا يصح إلا الصحيح» فى كل شىء وفى كل مكان.. رجل مهم فى زمن كثر فيه أشباه الرجال.
رغم مرور أكثر من 13 سنة على تركه رئاسة تحرير مجلتنا فإننا مازلنا طوافين فى محرابه نسعى إليه ويسعى إلينا، مازال يتابعنا ويتابع خطواتنا حتى لو بمكالمة تليفون يبث فيها مشاعره الأبوية الحانية المشجعة على التقدم والاستمرار.
كان ومازال أطال الله عمره «وتد» الصدق فى زمن الكذب والزيف.. صاحب المبدأ فى زمن اللامبدأ.. الممسك على جمر قضيته فى زمن الفهلوة.. كان هدفه دائما الوطن والغلابة، لم نره يوماً متسلقا أو متشوقاً للقاء رئيس أو مسئول لم يكن ممن كانوا يدججون افتتاحيتهم للتسبيح بحمد السلطة ليل نهار، على العكس كانت مقالته الأسبوعية بمثابة مقال صحيفة معارضة وليس مجلة قومية.. على عكس هدوئه وحساسيته المفرطة فى مقالاته عن السينما تأتى مقالاته الأخرى أكثر عنفاً وتقريعاً للفسدة والمفسدين والمسئولين دون مواربة أو تلاعب بالألفاظ، من مقالاته التى لاتنسى مقاله عن حادث حريق قطار الصعيد الذى راح ضحيته أكثر من 300 بنى آدم فى العيد.. مقال كتبه بمداد الألم والدمع.. لو كنا فى ظروف عادية لكان هذا المقال مفجراً لثورة وقتها.. وتابع بحملة صحفية عن عمال السكك الحديد الغلابة وحال قطاراتنا وهى القضية الكارثية المستمرة حتى الآن.. فى الصحة والتعليم كان لديه إيمان راسخ بأنه لاتقدم ولاتطور لهذا البلد إلا بالنجاح فى هذين الرافدين لبناء الإنسان الصحيح عقلا وجسداً.
كان اهتمامه بقضية التعليم عظيماً لدرجة أنه فى سنة 94 مثلا اقترحت عليه فكرة تحقيق عن تغلغل وباء الدروس الخصوصية فى الجامعة مثل المدارس، من التجارة للطب وكانت مازالت فى السر ولم يتحدث عنها أحد فوافق على الفور (اشتغلى).. بعد أسبوعين جئت له بموضوع كبير من مختلف الجامعات وبأسعار الدروس وأماكنها وأهم المواد التى تكثر فيها الدروس وكذلك الأحرف الأولى لمن يعطونها فى بعض الكليات.. وانتظرت وأنا متوجسة خيفة، الموضوع كتبته كبير.. يا ترى مصيره إيه؟
وانتظرت ليوم الثلاثاء وإذا بالموضوع منشور على 7 صفحات فى صدر المجلة بعد افتتاحيته حلقة أولى مع غلاف ولم يحذف منه سطراً. فقد كان يتحمس دائما لدق ناقوس الخطر مبكرا بل أحيانا كان يلغى افتتاحيته أو يؤجلها لو تحمس لتحقيق يرى أنه الأهم لأى محررحتى لو كان تحت التمرين.
• مواقف لا تنسى
بحكم خبرته الصحفية كان يسكن المحرر فى المكان أو القضية التى يعطى فيها ويتميز.
فكنت قد تخصصت فى التعليم بشقيه الجامعى وما قبله لكن أحيانا من باب إثبات الذات فى القدرة على التنوع فى الكتابة.. كنت أطرح عليه أفكاراً اجتماعية عن الزواج والطلاق مثل زميلاتى.. فكان يوافقنى لأن الفكرة أعجبته لكن بعدما يذكرنى قائلا مش عايزك تسيبى التعليم أنت شغالة فيه كويس.. اعملى ده وارجعى لحتتك تانى..  لم يكن أستاذ رؤوف مسهباً أو مستهلكا لكلمات الإطراء والإعجاب لهذا لم تفقد الكلمات معناها وتأثيرها.. وإذا قالها كانت كفيلة بأن تجعلنا نحلق فى السماء حتى لو قالها فجأة وهو يمر فى طرقات المجلة.. ليعود بظهره بعدما لمحنى على مكتبى.. على فكرة تحقيقك (كوبرى يهدم مدينة كاملة) رائع وكأنه ضغط على زر الشحن مرة أخرى.
وفى مرة تأخرت فى تسليم تحقيق وافق لى عليه وهو قضية تزوير أساتذة الطب فى نتائج الامتحانات لصالح أبنائهم وانتظرنى فى مكتبه لما بعد الرابعة عصرا (موعد انصرافه اليومى) ليقرأ بنفسه التحقيق فأقف وكلى خجل لتأخيره وأيضا تعذيبه بخطى السيئ فأعتذر له فإذا به يخلع نظارته وهو مبتسم.. يشفع لك أن التحقيق حلو قوى كملى حملتك للنهاية.
• عذرا
معذرة لو أنى أكتب بنوع من الذاتية.. لكن الذاتية هنا لمجرد سرد مواقف كاشفة عن مكنون الشخصية وسماتها وسيرتها. ومازالت تتداعى المواقف والمشاهد للأب والفنان عندما يصبح رئيسا للتحرير ومنها مشهد لا أنساه فى 1998 كنت وقتها فى عرف المؤسسة مازلت تحت التمرين بسبب إغلاقها باب التعيين للصحفيين.. اقترحت عليه أن أدعو وزير التعليم العالى آنذاك إلى مجلتنا فى ندوة مفتوحة عن حال التعليم وكان (هو من هو د.مفيد شهاب) وكانت وقتها ندوات الوزراء أو المسئولين لا يدعو لها أو ينظمها سوى رئيس التحرير أو كبار الكتاب أصحاب المقالات فإذا به يقول لى انطلقى ادعى الوزير وحضرى للندوة وسأدعو كل الزملاء للحضور.
وفى قاعة إحسان عبدالقدوس يجلس الوزير وعن يمينه رئيس التحرير، أما أنا فأتوارى خجلا للكرسى الثالث أو الرابع، فإذا به يشير إلى بالجلوس بجوار ضيفى كى أدير الندوة وأمامى كوكبة «تخض» من كبار كتاب وصحفيى صباح الخير.. وبعد ترحيب قصير منه يشير لى بالبدء فأصول وأجول مع الوزير، أما هو فلا تتوه من بالى نظرة لمحتها فى عينيه كلها حنان وتشجيع تصحبها ابتسامة رضا تبث مزيداً من الثقة فى نفسى. وغيرها كثير من المواقف التى تنم عن أستاذية أبوية فى الحياة.
ومن مواقفه وكلماته التى لم ولن أنساها رغم مرور السنين عندما حان وقت التعيينات وطرح اسمى فإذا بزميل لى رحمه الله قال جيهان لازم يتأجل تعيينها عشان حامل وأمامها إجازة وضع 3 شهور فأصابنى إحباط واكتئاب، لاحظه الأستاذ فنادانى فى مكتبه كأنه بيكلم غادة ابنته، مش عايزك تزعلى أنت عارفة تقديرى ليكى ولشغلك وقال كلام كثير لطيف قومى بالسلامة ومكانك محفوظ على رأس القائمة بعد 3 شهور ومن فرط كلامه ونظرته الحانية لى قلت له شهادتك أهم عندى من التعيين .. هذا هو أستاذنا رؤوف توفيق الصحفى والمبدع.. لم يكن هكذا مع جيلنا فقط ولكن مع من سبقونا من الزملاء وهو ما جعلنا نلتف حوله فى حفل تكريمه.. مجموعة كبيرة من أبناء صباح الخير بمختلف أعمارها الكل جاء على سيرة الحب.•