الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أستاذية النبلاء

أستاذية النبلاء
أستاذية النبلاء


عندما أتحدث عن الأستاذ والمُعلم والمبدع الأستاذ رءوف توفيق، لابد أن أكمل هذه الكلمات ببعض مما يستحقه، فهو الأستاذ النبيل النزيه والمعلم النموذج والمبدع الراقى.. ومن قبل ومن بعد فهو إنسان استثنائى فى هذا وذاك الزمان.
 
والكتابة عن الأستاذ رءوف لا تجوز إلا بعد الاعتراف بالجميل.. أننى كنت محظوظة بأستاذيته لى وبمعرفته الإنسانية وبتأثيره على وعلى الكثيرين من أبناء جيلى.
دخلت مجلة «صباح الخير» كمتدربة أتيحت لى فرصة نشر موضوعاتى منذ أن كنت فى السنة الأولى بكلية الإعلام- قسم الصحافة- وارتبطت بالمكان وبالناس- حتى أصبحت صباح الخير هى بيتى الثانى.. وقتها كان الأستاذ مفيد فوزى هو رئيس تحرير «صباح الخير» ورغم أننى لم ألتقه بشكل مباشر إلا فى طرقات المجلة فى ذلك الوقت، إلا أنه كان ينشر موضوعاتى الصحفية كمتدربة، مادم الموضوع صالحًا للنشر صحفيًا، وهو أمر يستوجب الشكر والتقدير له ما حييت.
وعندما تولى الأستاذ رءوف توفيق رئاسة «صباح الخير» عام 1994، كنت مشغولة وقتها بأداء امتحانات البكالوريوس  وكانت الهدية الأولى التى أهداها لى الأستاذ رءوف هو ما ذكره فى الاجتماع الأول مع أسرة صباح الخير فور توليه رئاسة التحرير، حيث نقل لى زملائى وأساتذتى أنه أشاد بعملى أثناء الاجتماع وقال لهم: «لما تخلص امتحانات تيجى تقابلنى ومعها أفكار»!!
شهادة ثقة
كان هذا الموقف- شهادة ثقة- لها ثقلها وتأثيرها لدى طوال تلك السنوات، ليست لأنها صادرة من رئيس تحرير مجلة عشقت العمل بها، ولكنها من أستاذ رءوف توفيق المبدع الذى أتحف مصر وتاريخ السينما كلها بأروع الأفلام التى ترسخت فى وجدانى وذاكرتى منذ أن كنت مراهقة.. فمن أبدع وكتب «زوجة رجل مهم» مع شريكه العبقرى الأستاذ محمد خان، يشيد بكتابتى، هذا أمر رائع لن أنساه أبدًا.
وهذه هى ألف باء «أستاذية» وتعليم وتأثير وقيادة.. أن يكون لمن يقود القدرة على التقاط من لديهم طاقة ما تتحسس طريق بداياتها، فيمنحهم الثقة والمسئولية وربما- لا يتذكر الأستاذ رءوف نفسه- تلك الواقعة- وهذا أمر بديهي- لم أعتد- أن يأخذ ويمسك بأيدى الشباب دون انتظار منهم لا لشكر ولا مجاملة ولا رياء ولا أى رد فعل، هكذا يفعل المعلمون النبلاء، يؤثرون فى الآخرين بمنتهى الهدوء والقوة فى آن واحد.
الحكيم
لم يكن أستاذى رءوف توفيق كثير الكلام، ولكنه كان حكيمًا فى استماع، بل كانت قلة حديثه- منتهى العزة والتقدير للكلمة- وهذا ما أدركته عبر السنين، حتى وإن لم تتح لى الفرصة لأقول له ذلك وجهًا لوجه.. فكان الأستاذ رءوف يدير بطريقة «القيادة عبر النموذج».. وكان هذا النموذج لم يكن يعطينا نحن الشباب دروسًا فى النزاهة والأخلاق المهنية بشكل مباشر، ولم يكن يتحدث عن نفسه أو عن إنجازاته، لكننا شهدناه وعايشناه رجلاً مهنيًا نزيهًا من الطراز الفريد، لا يعرف معنى التوازنات، ولم نشهده محسوبًا على تيار بعينه وربما كنا نشفق عليه- أن المبدع والفنان مثله وبحساسيته ونزاهته المفرطة- صعب أن يكون إداريًا بما تتطلبه الإدارة من مواءمة وحسابات خاصة.. ربما لم يكن الأستاذ رءوف توفيق صحفيًا مقاتلاً أو مشاغبًا، ولكن من قال إن الصحافة هى معركة طوال الوقت، فالصحافة هى قدسية كلمة والتزام موقف، وإبداع فكرة ورقى مشاعر وتواصل حقيقى مع المجتمع وناسه، صحافة «اللحم والدم»، الكتابة عن «البنى آدمين» والتعبير عنهم بالكلمة والرسم والخط هذه هى الصحافة التى ترسخت فى وجداننا مع الأستاذ رءوف.
تأثير الأستاذ رءوف توفيق- كان إنسانيًا- بالدرجة الأولى عليَّ، وأعتقد أن هذا النوع من الأثر هو ما يبقى لأنه الأصدق والأكثر عمقًا.
الأروع فى شخصية أستاذى رءوف توفيق، أن الحب والتقدير والاحترام والاعتزاز له وبه، قد تسلل إلى وإلى الكثير ممن تعاملوا معه وتعلموا منه، دون قصد أو إجبار، والأكثر دهشة، أنه رغم الخلافات والاختلافات المهنية، التى كانت تحدث بين حين وآخر كأمر طبيعى فى العمل، إلا أن ما يبقى فى الذاكرة هو الأصدق.
كنت محظوظة
والباقى فى ذاكرتى يا أستاذ رءوف، أننى كنت محظوظة بالتعلم منك، مهنيًا وإنسانيًا، الباقى فى ذاكرتى دومًا لك أنك كنت المعادلة الصعبة:
الأب بلا سلطة، وبمنتهى الحنو، والأستاذ النبيل، والمعلم المؤثر والمبدع الرائع، الرئيس بكل تواضع، الأستاذ بدون فرض نظريات أو كليشيهات، الناقد الأمين والكاتب الواقعى بمنتهى الرومانسية والدفء، صاحب الكلمة الملتزمة الواعية والموقف النزيه الجاد والموضوعية المهنية الصارمة.. الباقى دومًا فى ذاكرتى للأستاذ رءوف توفيق لم يكن حظى السعيد فحسب بأننى عرفته وكنت واحدة من تلاميذه، لكن يبقى أيضًا شرف مهنة الصحافة الذى كان وسيظل الأستاذ رءوف توفيق أحد وأهم أعمدتها.
لك منى كل الاحترام والتقدير والعرفان بالجميل يا أستاذى العزيز.•