هيكـــــل المظلوم فى السينمـــا والتليفزيون!

محمد عبد الرحمن
ظهر الكاتب والصحفى الراحل محمد حسنين هيكل عدة مرات على شاشات السينما والتليفزيون لكن دون أن يمنح هذا الظهور محبيه القدر الكافى من تفاصيل مشواره الصحفى والسياسى على الشاشة، وحتى ناقديه لم يجدوا فى الصورة التى ظهر عليها ما يستحق التوقف والنقد والتحليل.
أسباب عديدة تقف وراء الظلم الذى تعرض له هيكل فى الدراما والسينما، لكن الأسباب فى معظم الأحوال لم تكن متعمدة كما سنوضح بعد قليل، وبعد رحيله عن عمر ناهز 93 عاما، يطرح السؤال الأهم نفسه من جديد، هل يمكن أن يتصدى منتج أو مجموعة منتجين لمسلسل يروى السيرة الذاتية عن هيكل أم الأفضل تقديمه من خلال شريط وثائقى لأن الدراما بطبيعتها يجب أن تنحاز والانحياز سيكلف المسلسل تعقيدات وحملات لا قبل لصناعه بها على الأقل فى المرحلة الحالية..
كيف ظهر هيكل فى الأفلام والمسلسلات التى تناولت جمال عبدالناصر وأنور السادات، أو بمعنى أدق مصر منذ ثورة يوليو 1952 وحتى نهاية السبعينيات.
• ناصر 56
نبدأ بالأفلام وهو فيلم «ناصر 56» إنتاج عام 1996 وهو أول عمل فنى تظهر من خلاله شخصية الرئيس جمال عبدالناصر والمعروف طبعا أن الفيلم بطولة أحمد زكى وإخراج محمد فاضل وتأليف محفوظ عبدالرحمن الذى نفى مؤخرا أن تكون شخصية الصحفى «طلعت» المقرب من باشوات العهد الملكى تشير لمحمد حسنين هيكل، وهو ما ظنه البعض لأن الباشا وجسده الفنان الراحل عبدالله فرغلى كان يقول له عن ناصر «صاحبك» والمعروف أن هيكل كان الصحفى الوحيد الذى حصل على ثقة عبدالناصر، غير أن محفوظ عبدالرحمن يؤكد أن هيكل ظهر فى الفيلم فى مشهد واحد وكان الرئيس يناديه بـ «محمد» وليس هيكل، ما جعل البعض يظن أن هيكل لم يظهر فى الفيلم، وبرر ظهوره فى مشهد وحيد بأن استعراض نقاشات ناصر مع كل الشخصيات المحيطة كان يعنى وصول زمن الفيلم لخمس ساعات، أى أن هيكل تعرض للظلم فى هذا الفيلم ولم يظهر دوره لأسباب فنية، وإن كان البعض قال وقتها أن التليفزيون المصرى منتج «ناصر56» لم يكن ليعطى مساحة واضحة لهيكل الذى كان يكتب ويصرح بآراء معارضة لنظام مبارك فى تلك الحقبة.
• أيام السادات
بعد ذلك بخمس سنوات خرج للنور فيلم «أيام السادات» للمخرج محمد خان والبطولة أيضا لأحمد زكى، وفى هذا الفيلم ظهر هيكل فى مشهدين بوضوح قبل حرب أكتوبر وجسده الممثل الراحل مخلص البحيرى الذى عرف الجمهور سريعا بأنه هيكل بسبب السيجار، وفى أحد هذه المشاهد قال السادات لهيكل إنه اتخذ قرار الحرب، لكن رغم أن الفيلم استمر بعد انتصار أكتوبر وحتى اغتيال السادات، فلم يتطرق أيضا لطول الفترة الزمنية ولأنه كان منحازًا بالطبع لشخصية السادات، لم يتطرق لتفاصيل مواقفه عموما مع الصحفيين والمعارضين فلم يستعرض قرار السادات عزل هيكل من رئاسة تحرير الأهرام ثم رفضه العمل كمستشار له فى قصر عابدين، وأخيرا اعتقاله ضمن المئات الذين اعتقلهم السادات فى قرارات 5 سبتمبر الشهيرة والتى سبقت واقعة اغتياله بثلاثين يوما فقط.
• مسلسل ناصر
فى عام 2008 كتب المخرج يسرى الجندى وأخرج باسل الخطيب مسلسل «ناصر» بطولة مجدى كامل الذى جسد شخصية جمال عبدالناصر للمرة الثانية بعدما جسدها فى مسلسل «العندليب»، هذه المرة المسلسل كله كان عن عبدالناصر ومشواره قبل الثورة وحتى الوفاة، وجسد شخصية هيكل فى هذا العمل الممثل «شريف حلمي» ورغم أن حلمى حصل على مساحة كبيرة بل اتهم أحد النقاد المسلسل بأنه تعمد تقديم هيكل باعتباره شريكا فى الحكم، لكن عدم نجاح العمل جماهيريا وإحساس الجمهور بأنه يفتقد للسخونة الكافية وإظهار إيجابيات ناصر فقط أدى إلى اعتبار شخصية هيكل وكأنها لم تظهر أيضا، وبدون قسوة على ممثل يمتلك موهبة بالتأكيد هو شريف حلمى لكن قدراته فى النهاية لم تساعده على الرسوخ فى الذاكرة ولم يستفد هو من تقديم هيكل بعد ذلك، حيث لم يحصل على أدوار بنفس المساحة والأهمية.
• صديق العمر
آخر الأعمال التى ظهرت فيها شخصية «هيكل» هو نفسه العمل الذى نجح فيه الممثل صبرى فواز من الاقتراب من هيكل روحا وشكلا وأداءً، حدث هذا فى مسلسل «صديق العمر» إنتاج عام 2014، لكن سوء الحظ لازم هيكل أيضا هذه المرة، حيث نالت المسلسل انتقادات حادة بسبب عدم اتقان الفنان السورى جمال عبدالناصر للهجة المصرية وهو يجسد شخصية الزعيم المصرى الكبير، فالتفت الجمهور إلى اللهجة ولم يركزوا فى الأحداث والتفاصيل رغم وجود شخصيات عدة أخرى مثيرة للجدل تاريخيا مثل المشير عبدالحكيم عامر جسده باسم سمرة، والفنانة برلنتى عبدالحميد وجسدتها الممثلة التونسية درة.
• الجورنالجى
اللافت فى كل ما سبق أن هيكل لم يعلق على ظهوره السينمائى أو الدرامى ولم يسمع منه إعجاب أو عدم إعجاب بالممثلين الذين جسدوه على الشاشة، فيما لا زال الكاتب والإعلامى المعروف يسرى الفخرانى يحلم بتحويل مشروع مسلسل «الجورنالجي» إلى أمر واقع ويجد منتجين متحمسين لخوض التجربة التى سيحكى من خلالها تاريخ مصر فى خمسين سنة وليس فقط سيرة هيكل، لكن السؤال الصعب هو هل سيتقبل المشاهدون والنقاد خصوصا السياسيين منهم مسلسلاً منحاز لهيكل، وهل يمكن أن نرى دراما عن شخصية شهيرة غير منحازة وهو سبب فشل معظم مسلسلات السيرة الذاتية وحتى التى نجحت كان ذلك بسبب إتقان الصنعة لا الحياد فى تقديم الشخصية مثل مسلسل «أم كلثوم» الأمر الذى يجعل فرضية تقديم سيرة هيكل فى حلقات وثائقية تتحمل الرأى والرأى الآخر عكس الدراما هى الأقرب للمنطق، لكن فى كل الأحوال لا زال الوقت مبكرا على هذه الخطوة التى بشأنها تعوض هيكل عن ظلم كبير تعرضت له شخصيته فى السينما والتليفزيون وهو على قيد الحياة. •