الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«قانا».. عناقيد غضب بطرس غالى!

«قانا».. عناقيد  غضب بطرس غالى!
«قانا».. عناقيد غضب بطرس غالى!


 قفزت إلى ذهنى - بمجرد سماعى نبأ رحيل الدبلوماسى الكبير بطرس غالى - أغنية المطربة الرائعة اللبنانية ماجدة الرومى التى شدت بها فى أعقاب مذبحة (قانا) بالجنوب اللبنانى عام 1996 التى تقول أبيات منها:
أين ستهربون من ردة الغضب..  فى صدر شعب كامل يحترف الغضب
بحقنا الأثير.. أين ستهربون؟ .. من لعنة الضمير.. أين ستهربون؟ هى لعبة المصير.. لا  لا.. لن يجدى الهرب
يا من بنيتم أمنكم بدماء أجساد الصغار
 
لا لا.. لن تستطيعوا غسل هذا العار
لبنان لن يمنحكم سلام الانكسار.. وما لكم  فى أرضه إلا انتحار
نحن شعب لم يعد يخيفه الدمار.. فالموت فى حياتنا فصل من النهار وبطبيعة الحال، ربما يتساءل القارئ العزيز، لماذا هذه الأغنية تحديدًا وما علاقتها بالدكتور الراحل بطرس غالي؟
هذه الأغنية تعبر عن بشاعة الحدث الذى دفع (غالي) بسببه ثمنًا فادحًا لموقفه الشجاع النابع من الضمير الإنسانى بالخروج من منصبه بالأمم المتحدة بعد دورة واحدة فقط، حيث لم يتم التجديد له فى واحدة من الحالات الشاذة فى تاريخ المنظمة الدولية!
ويعد رفض أمريكا بشدة تجديد ولاية بطرس غالى على رأس المنظمة الدولية الكبري، من أهم المحطات السياسية الكبرى فى مسيرة الرجل، فحتى الآن مازالت فترة توليه منصبه فى الأمم المتحدة - كأول عربى - مثيرة للجدل، فالبعض يرى أنه الوحيد الذى سعى لتأسيس استقلالية للأمم المتحدة عن القوة العظمى أو الولايات المتحدة الأمريكية .
وطوال فترة ولايته، كان بطرس غالى  يأخذ- عادة  - مواقف لفظية تغضب إدارة الرئيس الأمريكى بيل كلينتون، وكان منها انتقاده الشديد لإسرائيل بعد قصفها معسكرا للأمم المتحدة فى لبنان عام 1996 التى سميت بـ «مجرزة قانا»..ويؤرخ لهذه المجزرة فى 18 إبريل 1996، التى تمت فى مركز قيادة (فيجي) التابع لـ (يونيفل) أو قوات طوارئ الأمم المتحدة فى قرية (قانا) جنوب لبنان، حيث قامت المدفعية الإسرائيلية بقصف المقر بعد لجوء المدنيين إليه هربا من عملية (عناقيد الغضب) التى شنتها إسرائيل على لبنان فى ذلك الوقت.
 وهنا انفجرت أيضاً (عناقيد غضب) الدبلوماسى المخضرم صاحب الضمير الحى ، ليجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين إسرائيل صراحة بقصف المدنيين ، ولكن الولايات المتحدة أجهضت القرار باستخدام حق النقض (الفيتو) فى الثامن عشر من أبريل، وبعد الثانية ظهراً بقليل أطلقت المدفعية الإسرائيلية نيرانها على مقر الكتيبة (الفيجية) التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة فى لبنان - التى لجأ إليها ما يزيد على 800 مدنى لبنانى طلباً للمأوى والحماية - فتناثرت أشلاء ما يقرب من 250 قتيلاً وجريحاً، حمل 18 منهم لقب مجهول يوم دفنه.
وفيما بعد،  ساقت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت، مبررات الولايات المتحدة بعدم التجديد لبطرس غالى ، منها أنه كثير السفر، عنيد وصعب المراس ولديه آراء محددة لا تتماشى مع سياسة أمريكا، كما أن بلادها لا تقبل هذا النوع من الأشخاص..ووفقًا للدكتور نبيل العربي- الأمين العام الحالى لجامعة الدول العربية - فى كتابه (صراع الدبلوماسية)، فإن تقرير (قانا) الذى أعده الدكتور بطرس غالى وفضح به جرائم الاحتلال الإسرائيلى فى مجزرة قانا جنوب لبنان، أحرج إسرائيل أمام الرأى العام وأزعج الولايات المتحدة، وبالتالى اعترضت الولايات المتحدة على التجديد للدكتور بطرس غالي، وبعدها بأيام جرى اقتراع غير رسمى وفقا للعرف داخل المجلس، وحصل كوفى أنان على 12 صوتا مؤيدًا، ورفضت مصر المضى قدما فى خطوات ترشيح غالى لولاية ثانية، حتى لا تخسر كوفى أنان الذى أجمعت القوى الدولية عليه».
وفى خطاب وداعه للأمم المتحدة، أوضح بطرس غالى أنه ظن أنه عندما يتولى المنصب، فسيكون الوقت ملائمًا للأمم المتحدة للعب دور فعال فى عالم لم يعد منقسما إلى معسكرات متناحرة فى الحرب الباردة، مضيفًا « لكن السنوات الوسطى فى نصف هذا العقد- التسعينيات-  كانت مضطربة بشدة، لتكون خيبة الأمل»(!)
هذا هو بطرس غالي، الذى وقف كـ (اللقمة فى الزور) للدول الكبري، لم يخدعه بريق المنصب الأممى الكبير ، ولم يكتف بالإعراب عن (قلقه وانزعاجه) طيلة فترة توليه المنصب، ولكنه وضع نصب عينيه أن الأشخاص زائلون ولن يبقى فى الذاكرة إلا الأفعال والمواقف الخالدة•