الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

خدعوك فقالــــوا: الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية!

خدعوك فقالــــوا: الاختلاف فى الرأى  لا يفسد للود قضية!
خدعوك فقالــــوا: الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية!


 فى كل مرة أشاهد برامج التوك شو أسمع جملة تدهشنى كثيرا وهى أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، والغريب أن من يقول هذه الجملة فى الحلقة هو أول من لا يعمل بهذه المقولة أو يطبقها !! فنحن دائما ما نقول حكما بليغة وعبارات براقة رنانة جميلة ولكننا للأسف غالبا ما لا نؤمن بها ولا نطبقها أبدا فى حياتنا !وفى كل يوم يمر فى حياتنا سواء فى البيت أو العمل أو بين أصدقائنا نتظاهر دائما بأننا نرحب بالرأى الآخر ونقبله، ممكن نناقشه بهدوء ولكن فى ساعة الجد وما أن نبدأ فى طرح موضوع أو قضية ما نجد أن كل واحد يتشبث برأيه بضراوة  وعنف ويدافع عنه حتى آخر نفس له حتى ولو كان هذا الرأى خطأ .

 فكثير من برامج التوك شو يحدث فيها العجب كله، وأصبحت ساحة حرب شرسة والضيوف تتبارى فى شتيمة الآخر وتبويخ رأى الآخر ولم تعد ساحة لمناقشة وتحليل الآراء بشكل موضوعى بسيط .. تبدأ الحلقة بشكل عادى وتسير فى هدوء إلى أن يطرح المذيع موضوعاً للمناقشة سواء أن كان سياسيا .. رياضيا .. اقتصاديا ..
• الصوت العالى
 اجتماعيا أو فنيا حتى نرى العجب بين الضيوف ويبدأ الصراخ والصوت العالى عندما يتمسك كل واحد فيهم برأيه ويصر عليه ولا يقبل أبدا سماع الرأى الآخر، وكلما علا صوت ضيف كلما ازداد وارتفع صوت وصراخ الضيف الآخر .. وكثيرا ما يتطور الأمر ونرى  تطوراً مأساوياً قد يصل إلى التشابك بالأيدى أو الضرب أو السباب بأقذع الألفاظ، هكذا على الشاشة أمام الملايين وعلى الهواء مباشرة .. وكثيرا ما نرى أيضا أحد الضيوف يقذف الآخر بكوب الماء الموجود أمامه عندما يختلفا  فى الآراء ونرى أيضا الأمر يصل بالضرب  بالكراسي، وفى أحوال كثيرة ينسحب ضيف منهما غاضبا ويترك الاستوديو ويغادره وينقطع إرسال الحلقة ولا يتم استكمالها!!
 كل ده ليه ؟! لأن الضيوف لم يتحملوا أن يكون هناك اختلاف للرأى .. كل واحد يقول رأيه ويتمسك به باستماتة ويرفض حتى سماع الآخر .. ويحجر بذلك على حرية إبداء الرأي، ومؤخرا أيضا بدأنا نسمع مصطلحات جديدة عندما يختلف ضيفان فى آرائهما فيتهم أحدهم الآخر بأنه عميل .. وخائن وقابض  وطابور خامس .. ويتهمه أنه غير وطنى وأنه يريد هدم الوطن حتى لو كانوا يتناقشون أصلا فى موضوع هايف لا يمكن أن يصل فيه أحد أن يكون عميلاً أو جاسوساً يا ريت الناس تفهم أن كلمة جاسوس أو عميل أو خائن دى كلمات كبيرة جدا واتهام خطير جدا لا أدرى على أى أساس ممكن أن نتهم فيه أى شخص عادى بهذه التهم هكذا وبهذه السهولة.. فالعميل أو الخائن أو الجاسوس لو كان صحيحاً  فإنه هناك أجهزة فى الدولة قوية جدا، وتعد واحدة من أقوى الأجهزة فى العالم ثم تأتى أحكام القضاء التى هى عنوان الحقيقة .
أما أن يوجه أى شخص عادى مجرد ضيف فى برنامج أيا كان مركزه  هذا الاتهام لضيف معه فى نفس الحلقة هكذا أمام الملايين وعلى الهواء مباشرة فهذا لا يصح  وغير مقبول لأنه ليس من حقه توجيه مثل هذه الاتهامات الخطيرة جدا!!
وللأسف هذه التهم لا توجه فقط على شاشات التليفزيون فى البرامج إنما أيضا كثيرا ما تحدث فى الجلسات الخاصة بين العائلات والأصدقاء فما أن يتم طرح أو مناقشة موضوع ما خاصة السياسى وما أن يختلف الحاضرون فى الآراء أيا كانت حتى نرى الصراخ والصوت العالى والحدة فى الكلام والتفوه بألفاظ خارجة بين الحاضرين وبسرعة وسهولة نجد إلقاء وتوجيه التهم جاهزة لتوجه لشخص ما أو أشخاص ما فى الجلسة تصل إلى  حد التخوين واتهامهم بعدم الوطنية والعمالة ..
 وكثيرا ما نجد مشادات كبيرة فى هذه الجلسات تصل إلى حد الخصام والقطيعة بين الحاضرين إثر هذه المناقشات فقط لأنهم اختلفوا فى الرأى وكل واحد تمسك بشراسة برأيه ..
أما فى وسائل التواصل الاجتماعى على النت كالفيس بوك وتويتر فنجد أيضا عجب العجاب وأشياء تحدث لا يصدقها عقل !!
ولم يعد مجالا للتواصل الاجتماعى يعنى لم يعد اسما على مسمى بل أصبح مجالا للتواصل الحربى والسباب والشتائم بأقذع الألفاظ وتحول بذلك من تواصل اجتماعى إلى تخاصم اجتماعى!!
ترى  شخصا يكتب بوست ما على صفحته على الفيسبوك، وموضحا رأيه الشخصى فى موضوع معين ثم  نجد أشخاصا يدخلون ويعلقون عنده بآراء مختلفة عنه محاولين فرض رأيهم الشخصى على الرأى الآخر ثم نجد أشخاصا آخرين  يعلقون نجد منهم من يتخذ صف الرأى الأول والبقية  صف الرأى الآخر ثم تبدأ حلقات السباب والشتائم البشعة من الفريقين، وغالبا صاحب الصفحة يقول إنه عمل لأصحاب تلك الآراء المخالفة عن رأيه البلوك المتين، وأنه لا يشرفه وجودهم على صفحته ومن سيتطاول عليه فى أى بوست سيكتبه سيقوم  بطرده أيضا من على صفحته .. ويهلل أن باقى أصدقائه برافو كنت سايب الأشكال دى عندك ليه !!
• فرض رأى
كل ده ليه؟؟ لأن الأطراف المتصارعة كل واحد عايز يفرض رأيه على التانى ولا يحبون أحداً يحجر على رأيهم ولا يريدون النقاش أو سماع رأى الآخر وربما هذا الآخر له رأى منطقي، وممكن نناقشه فيه ولكن كل واحد بقى يختار الأسهل .. كل واحد عايز يريح دماغه فيقوم بكل بساطة بحذف هؤلاء من عنده ويا ويل اليوم اللى بيكون فيه ماتش كرة، وخاصة بين فريقى الأهلى والزمالك هنا أيضا نرى العجب كل مشجعى كل فريق ينهالون بالسب والقذف على مشجعى الفريق الآخر، ومن قبل ما تبدأ المباراة وما أن تنتهى المباراة بفوز فريق على الآخر حتى يقوم مشجعو الفريق الفائز باستفزاز مشجعى الفريق الخاسر ويوجهون  لهم كلمات خارجة مقززة كأنهم أجرموا عندما شجعوا هذا الفريق .. حتى فى لعبة الكرة والرياضة الناس مش قابلة بعض ومش قابلين الاختلاف مع أنها فى النهاية مجرد لعبة ودائما فى أى لعبة بيكون فيها الفائز والخاسر وهذا الطبيعى فمن المستحيل طبعا أن يفوز كلا الفريقين معا!!
وما أكثر الشائعات والأخبار الكاذبة على صفحات التواصل الاجتماعى فما أن تصدر شائعة ما أيا كانت نوعها نجد بسرعة الآلاف يعلقون ويعلقون وكل واحد يفتى براحته ولو كان خبراً سياسياً نجد أن الآلاف أصبحوا فجأة خبراء سياسيين ومحللين استراتيجيين يفتون بأغرب وأعجب الفتاوى، وهكذا على الأخبار الرياضية نجد  الكل تحول إلى ناقد رياضى محترف، والأخبار الفنية الكل يتحول لناقد سينما .. وفى النهاية نجد الخبر أصلا لا أساس له من الصحة وبيطلع خبر كاذب، وبالتالى كل تلك الآراء تصبح على فشوش !!
• لماذا تغيرت الناس؟!
 ولكن التساؤل هنا لماذا تغيرت الناس وتصرفاتها بهذه الطريقة مؤخرا ؟؟ الإجابة هى بدأنا نرى كل ذلك بعد ثورة 25 يناير 2011 كانت تجربة جديدة بالنسبة للمصريين وأدخلتهم فى السياسة رغما عنهم، فالكلام كله فى هذه الفترة كان سياسيا محضا وتوالت الانتخابات من مجلس  شعب ورئاسة عدة مرات، وشارك فيها الملايين من الناس بعد أن كانوا عاكفين عن المشاركة  طوال عمرهم السابق .. كانت تجربة ديمقراطية جديدة..
 هذا صحيح ولكن للأسف ناس كثيرة فهمت الحرية والديمقراطية بصورة خاطأ وأصبحوا يفرضون آراءهم على  غيرهم بعنف ولم يتمكنوا من الفهم الصحيح للحرية والديمقراطية وأن الحرية هى أن يقول كل واحد رأيه بحرية وأن يتيح للآخر نفس الشيء، فالآراء لازم تكون مختلفة ومتباينة لأن الاختلاف هو سنة الحياة .. فالحياة ليست نسخة واحدة هناك  رجل وهناك امرأة .. وهناك فصول أربعة .. وعلى رأى المثل صوابعك مش زى بعضها !!
وللأسف أيضا برامج التوك شو ساهمت فى إحداث الفرقة والانقسام بين الناس فقد تخلت كثير من هذه البرامج ومقدميها عن الحياد المهنى وأصبحوا هم أيضا بمثابة محللين وخبراء والبعض منهم حاول أن يصبح زعيما يوجه الناس كما يريد..
 ولا ننسى أن هناك عاملا نفسيا أيضا، ففى  كثير من الناس عانوا كثيرا فى السنوات الخمس الماضية نفسيا وماديا وأمنيا واقتصاديا وأصبحت أعصاب الناس تالفة وسهلة استثارتها  فأصبحوا عصبيين وهجوميين لا يتحملون الآخرين !!
وأخيرا أتمنى أن هذه الحالة السيئة تنتهى عاجلا ويعود الحب والتسامح بين الناس سائدا ونعود لتطبيق مقولة (الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية)!! •