السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

السيمفونية الخالدة

السيمفونية الخالدة
السيمفونية الخالدة


نورك ياست الكل نور حينا وسعدك اللى بان شرف قدرنا
أم كلثوم على الشاشة.. أبدعت بصوتها أكثر من تمثيلها.. ولذلك سرعان ما تركت أم كلثوم التمثيل لتتفرغ لعشقها الأول والأخير.. الغناء.
هذه الصفحات عن أم كلثوم ممثلة.. فى عدد قليل من الأفلام لكنه شكل تاريخاً فى السينما المصرية.

فى بداية العشرينيات من هذا القرن بدأت الآنسة أم كلثوم مشوارها الغنائى وتألقت مع كلمات  الشاعر أحمد رامى الذى كتب لها 80 % من الأغانى التى شدت بها منذ بدايتها، وكان يتقاسم تلحين هذه الأغانى مجموعةُمُتميزة منهم  محمد القصبجى وزكريا أحمد وداود حسني، وغيرهم.

وخلال اثنى عشر عاماً تقريباً  منذ بدايتها حققت أم كلثوم نجاحات لم تحققها أى مُطربة فى زمانها لُتصبح أهم وأشهر مُطربة فى الوطن العربى  يضبط جمهورها مواعيده على حفلاتها حتى لا تفوته أى منها، وكانت بذكائها تعلم أن مازال لديها الكثير والكثير لتقدمه كمُطربة. ليأتى السؤال لماذا فكرت فى خوض تجربة التمثيل والإنتاج، رغم عدم احتياجها للتجربة؟ أغلب الذين عاصروا فترة تفكيرها فى الإنتاج والتمثيل أكدوا أنها غارت فنيا من المطرب محمد عبدالوهاب عندما مثل أول أفلامه «الوردة البيضاء» عام 1933 لذلك قررت إنتاج أول فيلم تلعب بطولته ورشحت محمد كريم لإخراجه، وهو بالمُناسبة مخرج أول أفلام محمد عبدالوهاب، لكن عندما علمت بتصريحات محمد كريم ضدها بأنها لا تصلح للتمثيل تراجعت عن الفكرة رغم تأكدها أنه لم يصرح بذلك، وعندما علم طلعت حرب باشا بالأمر أقنع «أم كلثوم» بإعادة التفكير فى دخول عالم التمثيل على أن يتولى إنتاج الفيلم من خلال شركة مصر للتمثيل والسينما.
• «وداد»
وبمجرد حصوله على موافقة أم كلثوم  استدعى المُخرج الشاب أحمد بدرخان الذى درس السينما بفرنسا، وأخرج له من درج مكتبه ملخص فيلم «وداد». ورغم إحساس بدرخان بالرهبة والفرحة فى ذات الوقت فقد عكف على كتابة السيناريو أسابيع ليصبح كل شيء جاهزًا على التصوير، إلا أن المُعالجة السينمائية التى صاغها لم ترق  لأحمد سالم مُدير الاستوديو وقتها وطلب تعديلاً لم يوافق عليه المُخرج ولأن بدرخان كان شاعراً وناقدا فنياً قبل أن يتفرغ للسينما لذا اتسم طوال حياته بالرقة والهدوء، والمرة الوحيدة التى ثار فيها كانت عندما ضاعت فرصته الذهبية لإخراج أول أفلام أم كلثوم، لتذهب للمُخرج الألمانى فريتز لانج وهو أحد الذين ساهموا فى إعداد الاستوديو وعينوا له جمال مدكور مساعداً.
وإذا كان شاعر الشباب، ورفيق الدرب الكلثومى أحمد رامى هو الذى كتب قصة فيلم «وداد» والمخرج أحمد بدرخان هو صاحب السيناريو والحوار فإن صاحب الفكرة هى أم كلثوم نفسها فقد صرحت بذلك لإحدى المجلات العربية مؤكدة أنها عرضتها على أحمد رامى وطلبت منه كتابة القصة إيمانا منها بالتخصص. واستقبل الجمهور الذى أحب أم كلثوم  الفيلم بحفاوة بالغة رغم مستواه الفنى المتواضع وفى ذات الوقت بدأت أنظار المُنتجين تتجه للنجمة السينمائية الجديدة أم كلثوم.
• أدوار «الجواري»
إذا كانت الفرصة الأولى ضاعت من أحمد بدرخان فقد حرص فيما بعد ألا تضيع منه أى فرصة تجمعه بأم كلثوم سينمائياً.
فقد أسس عبد الله فكرى أباظة عام 1937شركة سينمائية أطلق عليها «أفلام الشرق» وقد بدأ نشاط الشركة بإنتاج فيلم «نشيد الأمل»  لأم كلثوم  والمخرج أحمد بدرخان  وكتب السيناريو والحوار أحمد رامي، ومع نفس المُنتج والمؤلف والمُخرج قدمت أم كلثوم فيلمها الثالث «دنانير» عام 1939 وفيه لعبت دور الجارية التى تعيش فى قصر هارون الرشيد الذى مثل دوره سليمان نجيب، فى حين قام عباس فارس بدور جعفر البرمكي. ولم يكن دور «الجارية» هو الوحيد لأم كلثوم فقد قدمته فى أول أفلامها «وداد»، وعندما سُألت بأحد حوارتها بمجلة الشبكة اللبنانية عن سبب تفضيلها لأدوار الجواري، أجابت ببساطة: لأنه كان من شيم الجوارى الإخلاص، ولأن الحشمة طابع بطلات التاريخ، وأنا أقدر الإخلاص وأميل إلى الحشمة.
• «عايدة»
النجاح الذى حققته أُم كلثوم مع المُخرج أحمد بدرخان حمسها لكى يقوم بإخراج فيلمها الرابع «عايدة» قصة وسيناريو وحوار عباس يونس وفتوح نشاطي، وقد شارك فى إنتاج الفيلم عماد حمدى مع شركة أفلام الشرق التى أنتجت لها فيلمين من قبل، والطريف أن بدرخان قدم بالفيلم وجهًا جديدًا ظهر للمرة الأولى والأخيرة  على الشاشة فى دور الدكتور عبد السلام ثُم اعتزل ليعمل فى السلك الدبلوماسى ولم يكن هذا الشاب سوى عبد الرحمن حمدى توأم وشبيه عماد حمدى الذى اشتهر فيما بعد، أما إبراهيم حمود فقد كان البطل أمامها ووقتها كان مُطربًا وسيمًا ذائع الصيت. وهو بالمناسبة المُطرب الوحيد الذى شارك أم كلثوم  الغناء من خلال ديالوج «إحنا إحنا وحدنا» بالفيلم، وشاركهم البطولة كلٌ من سليمان نجيب ومارى منيب، وتضمن الفيلم 6 أغان قصيرة وضع ألحانها أكثر من مُلحن منهم زكريا أحمد. رياض السنباطى ومحمد القصبجى والتوزيع الأوركسترالى لإبراهيم حجاج، رغم عدم نجاح فيلم «عايدة» عند عرضه جماهيرياً عام 1942 إلا أنه يُحسب لأم كلثوم وصُناعه محاولتهم الرائدة فى تقديم غناء أوبرالى من خلال أوبرا عايدة للموسيقار الإيطالى فيردى فى الوقت الذى كانت فيه هذه النوعية بعيدة عن الأذن المصرية والعربية المُعتادة على موسيقى مُعينة.
• «سلامة»
هذا هو خامس فيلم لأم كلثوم وبالتحديد عام 1945 وفيه استحوذ الشاعر بيرم التونسى على كتابة أغانى الفيلم والمُلحن زكريا أحمد نفس الشيء ولم يلحن لها رياض السنباطى سوى «قالوا أحب القس سلامة» التى كتبها على أحمد باكثير بنفس الفيلم، ومن أشهر أغانى الفيلم «قل ولا تخبيش يازين» التى غنت فيها أم كلثوم للقُبلة بمنتهى الجرأة كلمات بيرم التونسى «قولى ولا تخشاش ملام حلال القبلة ولا حرام -القبلة إن كانت للملهوف اللى على ورد الخد يطوف- ياخدها بدال الواحدة ألوف ولا يسمع للناس كلام». ورغم أن أم كلثوم غنت للقُبلة إلا أنها رفضت أن تؤديها.. سنأتى لتفاصيلها فى السطور القادمة. والملاحظ فى هذا الفيلم أن الشاعر الكبير بيرم التونسى استطاع مزج سخريته الشعرية بالمواقف الباسمة الموجودة بالفيلم وفى ذات الوقت استطاع زكريا أحمد ترجمة ما كتبه بيرم التونسى بألحان متوافقة تماما مع روح ما كتبه. وقد وضح ذلك فى أغنيات «غنيلى شوى شوي» و«سلام على الحاضرين» و«قولى ولا تخبيش يازين»، وتعتبر أغنيات هذا الفيلم مرحلة النضج بالنسبة للأغنية السينمائية عند أم كلثوم.
الطـريف أن تـوجـو مزراحـى مُنتــج  ومُـخــرج فـيلـم «سلامة» فى ذات الوقت استدعى المُخرج أحمد بدرخان لمكتبه واعتقد الأخير أنه سيتم عرض إخراج الفيلم عليه لكنه فوجئ بترشيحه لدور البطولة أمام أم كلثوم واعتذر بدرخان عن قبول العرض بالرغم من علمه أن أُم كلثوم هى التى رشحته للدور، فكان الدور من نصيب يحيى شاهين، - بعد اعتذار حسين صدقى وأحمد بدر خان-  الذى كانت بدايته من خلال دور ثانوى بفيلم «دنانير» عام 1939 لأم كلثوم وكان وقتها يحيى شاهين فى بداية مشواره الفنى وظل يلعب أدوارا ثانوية بالسينما حتى عام 1944 تقريباً على عكس المسرح فقد حقق به نجاحات أهلته لترشحه أُم كلثوم للقيام بدور البطولة أمامها  ولم يصدق يحيى شاهين أن تكون أولى بطولاته أمام الست أم كلثوم بل وأكثر من هذا حدث معه، عندما بدأ التصوير باستوديو مصر كانت أم كلثوم حريصة على أن يتناولا الغداء سوياً حتى تزيل من نفسه أى أثر للرهبة منها أمام الكاميرا وذات يوم سألته عن عدة مع مزراحى فأخبرها أنه حصل على 150 جنيها كأجر عن الفيلم وتوقفت عن الطعام من الصدمة وطلبت توجو مزراحى وسألته عن أجر يحيى شاهين فى فيلمها. فأجابها 150 جنيها، فقالت له وكم كان سيتقاضى حسين صدقى فأجابها 600 جنيه لأنه نجم بينما يحيى شاهين لايزال فى بداياته، فقالت له إذا تعطى يحيى شاهين 600جنيه، وألا لن أستكمل التصوير ولم يكن أمام توجو مزراحى إلا تنفيذ طلبات الست أم كلثوم.
• الأخير
أريد أن تتأمل معى ثقل وحجم الأسماء التى صنعت فيلم «فاطمة» أولاً القصة لمصطفى أمين والسيناريو لأحمد بدرخان ومخرج الفيلم  فى ذات الوقت والحوار لبديع خيرى والأبطال أمام أم كلثوم بالترتيب أنور وجدى وميمى شيكيب وعبد الفتاح القصرى وسليمان نجيب وحسن فايق وفردوس محمد،  إلا أن «ثومة» قررت أن يكون «فاطمة» هو فيلمها الأخير فى مشوارها السينمائي، رغم محاولات المُنتجين إثناءها عن قرارها.
أيضاً شهد هذا الفيلم آخر تعاون فنى بينها وبين محمد القصبجي، حيث لحن لها ثلاث أغانى «نورك ياست الكل» و«ياصباح الخير ياللى معانا»، والأغنيتان تأليف بيرم التونسى والأخيرة «ياللى اتحرمت من الحنان» تأليف أحمد رامي. أيضا التقت مع زكريا أحمد من خلال  3 أغان بهذا الفيلم «جمال الدنيا» و«نصرة قوية» و«لغة الزهور» ولم تتعاون معه فيما بعد إلا مرة واحدة عام 1960 فى أغنية «هوصحيح الهوى غلاب».
ومعروف أن بدرخان أخرج لها 4 أفلام من مجموع أفلامها الستة. قصة «فاطمة» بعيدة تماماً عن أدوار الجوارى التى جسدتها أم كلثوم فى أفلام «وداد» و«دنانير» و«سلامة». وفيه لعبت دور فتاة حسنة الخلق تتزوج من ابن أحد الباشوات عرفى إلا أنه يتخلى عنها وينكر بنوته لابنه، إلا أن فاطمة تصمد فى مواجهة ندالة والد طفلها.
رغم شدة التفاهم الفنى بينها وبين المخرج  أحمد بدرخان إلا أن فيلم «فاطمة» كان مُهدد  بعدم استكمال تصويره بسبب «قُبلة» أصر عليها المخرج بين أم كلثوم وأنور وجدى لكنها رفضت كل الحلول المطروحة ولم توافق إلا بتواجدها مع البطل فى قارب لتشدو أمامة بأغنية «جمال الدنيا يحلا لى وأنا وياك» وهو ينظر لها بكل هيام. نعم هى غنت للقبلة بمُنتهى الجرأة لكنها بإصرار رفضت تقبيل البطل لها. ويبدو أن هذه الأزمة هى التى دفعت أم كلثوم لاعتزال العمل السينمائى ليس من المنطقى أن تلعب أدوار الجوارى فى كل ما يعرض عليها من أفلام وليس من المنطقى أن تدخل معارك مع كل مخرج يطلب منها أداء مشاهد تتعارض مع قناعاتها لذلك اختارت البعد عن السينما تماما، والتفرغ لعالم الطرب.. ويذكر  أن عام 1966 تحمست مؤسسة السينما لإنتاج فيلم لأم كلثوم على أن تلعب دور الملكة التى تضحى بعرشها من أجل حبها «راعياً» وكان من المفترض إخراج أحمد بدرخان لهذا الفيلم، لكن المشروع توقف لعدم اقتناع أم كلثوم بالعودة للشاشة.
فيما بعد بدأ يوسف شاهين فى تصوير فيلم عن «أم كلثوم» وكان سعد الدين وهبة هو كاتب السيناريو عن قصة حياتها كما سمعها منها  بنفسه وصورت أجزاء من الفيلم فى باريس وأثناء حفلاتها الشهرية وتم تصوير أكثر من 15 علبة خام لكن الفيلم لم يكتمل.
لا ننكر أن أفلام أم كلثوم حققت مكاسب كبيرة لمُنتجى أفلامها لكن هل هذه المكاسب وراءها صوت أم كلثوم أم أداءها التمثيلي؟ المؤكد أن الأغانى التى شدت بها أُم كلثوم بأغانيها داخل الأفلام هى التى جعلت المُنتجين يلهثون خلفها ، هنا صوتها أظهر قوة شخصيتها  وغلب على أدائها التمثيلي، لكن فى ذات الوقت لم يكن أحد يستطيع أن يضعها فى مقارنة مع مُمثلات مُحترفات بهذه المرحلة  وهذا ليس عيبًا، التاريخ أثبت أن المُطربين والمُطربات لا يحققون عادةً نجاحات فى السينما مثل الغناء وإن كان هناك استثناءات فهى قليلة مثل  عبد الحليم حافظ. •