السبت 5 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لسعة حب فى عز البرد

لسعة حب فى عز البرد
لسعة حب فى عز البرد


تعود بى الأمنيات مجددا مع يناير- شهر ميلادي- بوجه كبياض الثلج      فى حاجة إلى بعض من الدفء الذى يعيد إليه نبض الحياة.
عشرون عاما إلى الوراء.. عندما كنت صغيرة وكنت أخشى الشتاء، لم أكن أعرف وقتها عنه أكثر من أنه وجه عبوس لشهر غير مرحب به، الجميع مريض، أتذكر أمى وهى تدفئنى جيدا، طبقات من الملابس، وغطاء فوق الآخر حتى لا أصاب بنزلة شعبية. ففى فصل الشتاء ترفع الطوارئ ولا تستطيع الخروج إلا للضرورة الملحة.
 
ولكنه مشهد الكورنيش.. الذى كان بداية رحلة الشك!! وانهيار هذا الحائط الجليدى بينى وبين الشتاء، فالناس لا يموتون فى الشتاء حزنا كما كنت أتخيل، ولكنهم يقفون بالساعات من الغزل الصامت فى هذا البرد مستمتعين- دون أن أدرك وقتها ما وجه هذا الاستمتاع- بالوقوف فى عز البرد على الكورنيش أو المشى وأكل درة وبطاطا، متسائلة فى غرابة «ماياكلوها فى بيتهم»!!
حقا.. كبرت وتغيرت المفاهيم، وتحولت رعشة البرد المكروهة إلى لحظات وذبذبات من السعادة.
أعترف أنها أفلام الزمن الجميل التى اقتربت منها بحكم فترة ما بين المراهقة والشباب كغيرى من أبناء جيلى، والتى رسمت لى بعضا من جماليات هذا الشهر، فجميع المحبين يلتقون فى ليل الشتاء الطويل تدفئهم حرارة الحب البريء، ويمتعهم سهره وسمره الطويل. ولطالما كان يعجبنى تحديدا المشهد الذى تنزل فيه البطلة من بيتها جريا لتلحق بحبيبها «وطبعا تحت المطر».
ومن أفلام الأبيض وأسود اتسعت دائرة مشاهداتى عن طريق الصدفة إلى المسلسل الكورى «أغانى الشتاء» الذى صنع لفصل الشتاء عندى هالة من الحب والرومانسية التى لا تنتهى حتى جاوزت المائة حلقة بزواج البطل «جون سانج» من البطلة «يوجينا» رغم تعرضه للعمى!!
واستمر ذوقى فى التدرج حتى كانت أليسا وماجدة الرومى وبالتأكيد فيروز بإحساسها وأغنياتها الرومانسية والتى كان للشتاء نصيب كبير منها. فهن أسهمن فى تشكيل جزء مهم من تلك الصورة الشتائية.
وتصالحنا أخيرا وأصبحت أحب الشتاء، رغبات مجنونة تفجرها قطرات المطر المندى بداخلى، حيث تدفعنى إلى الانطلاق للركض الطفولى تحتها، وهى تنقر فوق رأسى متسارعة مع دقات قلبى السعيدة، إنه الانطلاق بلا حدود، لأغلق عيونى وتتدافع الأمنيات إلى ذهنى، ولتتصدر تلك الأمنية المجنونة كعادتها، وهو التحليق كفراشة كانت فى بياتها الشتوى، وخرجت الآن إلى الحياة وهى تنفض عنها كل تلك البطاطين المزعجة دون أن تخشى إصابتها بالتهاب رئوى حاد «كما كانت تحذرنى أمي».
اكتفيت من مراقبة حالتى الصحية ومن متابعة وزنى ومن ارتفاع حرارتى وتولدت لدى رغبة فى كسر كل تلك التابوهات المزعجة عن فصول السنة.  
فالشتاء ليس عدوّا كما كنت أتصور، ولكنه حالة ذات طعم مختلف، حالة لها طعم تتذوقه مشاعرك لا وظائفك الحسية المعتادة، ومن براءة الطفولة يملؤك هذا الفصل المجنون، نعم.. إن جنون الشتاء ألذ من سكونه، حتى إن نسماته المنعشة ليست بالعادية ولكنها محملة بشحنات من الرسائل الغرامية الساكنة التى تكاد أن تذيب ثلج ديسمبر، هو مغامرة داخل نفسك قد تتحول إلى ثورة من الضحك فتجد نفسك تضحك بلا سبب، نعم بلا سبب.
وإذا كان الشتاء فصلا رماديا «وأنا أكره هذا اللون»، فلم أعد أراه الآن بهذا اللون الأحادى، ولكن الشتاء أرى فيه قوس قزح بعد سقوط المطر، وأرى فيه سماء صافية، وشمسا فضية، وأحلاما جديدة، تتجدد مع كل قطرة..
إن الشتاء حياة لا يفهمها إلا من يسعى نحو الأمل. فلترسم من سحاباته السائرة دائماً طريقا لا ينتهى، ومن سمائه الماطرة لحظة بكاء سعيدة كالتى تبكيها أمهاتنا فى لحظات سعادتهن ، ولتكن بعدها أبواب الدعاء المستجاب مفتوحة على مصراعيها فلتدخل منها آملا فى رحمته فليس بينك وبين الله حجاب.
ومن الدعاء إلى اللقاء مع من سأحب يوما تحت هذا المطر، وتتحق نبوءة الأفلام الرومانسية التى تمنيناها جميعا بأن يأتى هذا الفارس لينتظرنى بالساعات «تحت بيتى فى عز المطر» وعندما يقرر الذهاب غاضبا لعدم اهتمامى وتأخيرى، أسارع بالنزول إليه ولأشعر وقتها بالتأكيد كيف تكون لسعة الحب فى عز البرد.
لحظة.. كم أنا سعيدة بالسيناريو الأخير عن الفارس المنتظر، والذى هو داخل عقل كل بنت مصرية..
الحب، الفارس، المطر، مترادفات نتمناها جميعا مع كل لسعة برد شتائية. •