الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

التماثيل المصرية «بتزغرد» فى روسيا

التماثيل المصرية «بتزغرد» فى روسيا
التماثيل المصرية «بتزغرد» فى روسيا


وقع د. أسامة السروى - أستاذ النحت بكلية التربية الفنية - فى غرام روسيا مبكرا عندما حصل على بعثة إلى الاتحاد السوفيتى فى أواخر الثمانينيات للحصول على الماجستير وبعدها الدكتوراه، وهناك احتك بالشعب الروسى وتعلم لغته وأتقنها، وبعد سنوات وبالتحديد عام 2011 عاد إلى روسيا مرة أخرى مستشارا ثقافيا للبعثة المصرية هناك واستمر لثلاثة أعوام أدى خلالها دورا ثقافيا خطيرا يوازى دور دولة، وليس شخصًا بمفرده، حكاية أسامة السروى الذى رفع اسم مصر فى روسيا ونجح فى تخليد أعلام الثقافة والفن فى مصر هناك من خلال عشرات التماثيل الموجودة فى ميادين عدة نتعرف عليها معه فى السطور المقبلة.
 
د. أسامة السرورى - 54 عاما- كتلة متوهجة من النشاط والفاعلية لديه تكوين ثقافى ومعرفى بقيمة مصر الحقيقية المتعددة الهوية والقادرة على هضم كل الثقافات لتخرج بشىء يميزها وحدها.
 فى أواخر الثمانينيات وبعد تخرجه فى كلية الفنون الجميلة التحق السروى بالعمل مدرسًا بكلية التربية  الفنية بعدها حصل على بعثة تعليمية للحصول على الماجستير والدكتوراه.
• غرام روسى مصرى
 فُتن السروى بالثقافة الروسية وتعرف عليها عن قرب، وخبر قيمة هذه الثقافة التى  قدمت للعالم قمما فى الأدب والموسيقى والفنون التشكيلية أيضا، نجاح السروى فى تعلم اللغة الروسية واتقانها هى الأسباب التى جعلته يتقدم فى مسابقة للعمل مستشارًا ثقافيًا فى روسيا عام 2011 حيث تم قبوله على الفور لتحقق الشروط وانطباقها عليه.
وكأن القدر يناديه للعب دور مهم وحيوى فى تأكيد العلاقات المصرية الروسية بشكل متميز، ذهب السروى إلى هناك وخلفه 70 عاما من إقامة العلاقات المصرية الروسية، كانت فترة ازدهارها فى الخمسينيات والستينيات ثم  هدأت تلك العلاقات بعد ذلك ليعيدها السروى على طريقته وليعزز تلك العلاقات عن طريق الثقافة والفنون.
 يحكى السروى لى : عندما نجحت فى وظيفة المستشار الثقافى المصرى بروسيا، كان معى سلاح اللغة، وهو سلاح مهم جدا فى يدى قمت باستغلاله على مستوى الوظيفة التى لها شقان، شق تعليمى حيث إن المنصب له مسمى محدد وهو مدير مكتب البعثة التعليمية والمستشار الثقافى حيث الاهتمام بالمنح التعليمية وتبادل البعثات وحل المشكلات المتعلقة بالدارسين المصريين هناك، أما الشق الثانى فى المنصب فيتعلق بالشق الثقافى من خلال الترويج والدعاية للثقافة المصرية فى روسيا والتعاون مع جميع الجهات والهيئات الثقافية فى ترسيخ الثقافة المصرية من خلال المهرجانات الموسيقية والسمبوزيوم وعروض للفرق الفنية والمشاركة فى جميع الفعاليات الثقافية والفنية.
ويضيف السروى: أول ما ذهبت إلى روسيا علمت بأن هناك مهرجانا  بعيد الفصح الروسى عبارة عن احتفالية موسيقية والمشاركة فى تنفيذ بيضة كبيرة الحجم، ولما علمت أن مصر غير مشاركة أصررت على أن تشارك فى المهرجان وعرضنا معروضات مصرية متميزة، وحرصت على رسم الأهرامات ومجموعة نخيل على بيضة الاحتفال كما أنه خلال العام الأول لتواجدى بروسيا عام 2011 كان قد مر على العلاقات المصرية الروسية 70 عاما، فاستغللت ذلك فى عقد مجموعة من المعارض الفنية وجئنا بفرق فنية وموسيقية خدمت الثقافة المصرية وكان ذلك طوال العام، ونجحت هذه الاحتفالية بشكل واسع حيث إن الروس شعب شرقى يحب التعرف على الآخر وثقافته.
• تماثيل مصرية
 يحق للفنان  الدكتور أسامة السروى أن يفخر بما قدمه على مستوى المعارض والاحتفالات التى أكدت الوجود المصرى فى روسيا ولكن إنجازه الأكبر طيلة السنوات الثلاث التى قضاها فى روسيا يتمثل فى نجاحه فى تنفيذ أكثر من 30 تمثالا لمجموعة  من أعلام الثقافة المصرية والعربية وعرضها فى أشهر المدن الروسية وميادينها المختلفة ولكن كيف تم ذلك؟
يقول السروى: إن فكرة التمثايل المصرية فى روسيا بدأت بالصدفة البحتة حيث كنت فى زيارة إلى مكتبة الآداب الأجنبية فى موسكو وهى أشبه بدار الكتب عندنا، ملحق بها حديقة عامة بها 26 تمثالا  لأعلام الثقافة فى  العالم من غاندى إلى ديكنز إلى بابا روما وليس من بينها أى مصرى أو عربى، فقلت لمجموعة من العرب المقيمين هناك وعلى رأسهم مترجم  عراقى معروف اسمه عبدالله حبة ( يرضى ربنا أن العرب معمرين هنا، ولا يوجد أى تمثال لشخصية عربية!).
ورحبوا بالفكرة واقترحت عليهم أن نتوافق على شخصية عربية كما اقترحت أن أقوم أنا بتنفيذها بالمجان طالما أننى نحات محترف، وبالفعل استقررنا على شخصية ابن خلدون العالم والباحث ومؤسس علم الاجتماع  فى القرون الوسطى وجمعنا ما يقرب من 300 ألف روبل - حوالى 7 آلاف دولار - وأقمنا التمثال وعرضناه فى موسكو فى حضور السفير المصرى بروسيا وسفراء عدة دول عربية من المغرب واليمن وتونس فى تجمع عربى خالص جمعته الثقافة وفرقته السياسة.
ومن هنا - والكلام للسروى - بدأت الحكاية ونفذت  تمثالا لسيد درويش بمناسبة مرور 120 عاما على ميلاده وقدمته هدية لمدينة  موسكو ثم نفذت منه ثلاث نسخ عرضت فى 3 مدن بهدف نشر أعلام المصريين بروسيا، وعندما نجحت الفكرة كررتها مع أعلام آخرين فى مناسبات معينة مثل طه حسين فى ذكرى وفاته الاربعين  وكذلك الأديب الكبير عباس العقاد لمرور 50 عاما على وفاته، وعلى هامش معرض روسيا للكتاب وفى حضور رؤساء اتحادات كتاب مصر وآسيا  قدمنا تمثالا للأديب  الكبير توفيق الحكيم وافتتحه الأستاذ محمد سلماوى الذى طلب منى وقتها تمثالا يعرض فى اتحاد كتاب مصر وكان تمثالاً لتولستوى عملاق الأدب الروسى بخلاف تماثيل أخرى كثيرة قدمتها لأعلام مصريين وروس منهم الشيخ الطنطاوى أول معلم للغة العربية فى روسيا وصاحب كتاب وصف روسيا المتوفى عام 1861 والمدفون بروسيا، وتمثال للعقيد بابوف أول روسى يسقط طائرة أمريكية فى حرب الاستنزاف وتمثال للأديب العظيم تشيخوف بمناسبة مرور 150 عاما على ميلاده ووصل عدد التماثيل التى قدمتها فى روسيا ما يقرب من 30  تمثالا فى 3 سنوات ليس لمصريين فقط بل لأدباء ومثقفين عرب أيضا حيث نفذت أكثر من تمثال لشاعر فلسطين الأشهر محمود دوريش وتمثالاً للأديب اللبنانى ميخائيل نعيمة ولم أتمكن من تنفيذ تمثال الأديب السودانى الطيب صالح الذى طلبه منى إخوة سودانيون.
ويقر أسامة السروى: هذه التماثيل عملت على تخليد أعلام مصر من الفنانين والمثقفين وأبقت على ذكر مصر حتى بعد انتهاء مدة عمله، والمفاجأة أن 90% من هذه التماثيل نفذها السروى على نفقته الخاصة ولم يتقاض مليما واحدا عنها بل إنه عندما علم بخطورة ما يقدمه للثقافة المصرية قرر أن يستقطع كل شهر مبلغ 500 دولار للصرف على تماثيله المصرية.
 ويستمر  السروى فى هوايته فى صنع تماثيل لمصريين وروس سواء عرضت فى روسيا أو فى القاهرة فقدم تمثالا للمترجم الروسى بارانوف   وهو مؤلف القاموس العربى الروسى ومعروض فى كلية الألسن بجامعة عين شمس، وهناك تمثال لتشخوف معروض فى المركز  الثقافى الروسى، وتمثال للموسيقى  الروسى الأشهر تشايكوفسكى معروض فى دار الأوبرا المصرية، وهناك أيضا تمثال للنحات العظيم محمود مختار معروض فى أوزبكستان قدمه  السروى عام 2007 فى زيارة لوفد أوزبيكى  رسمى.
وعلى هامش التماثيل التى قدمها السروى قدم واحدا من المعارض المهمة التى تجول بها فى عدة مدن روسية عن أعلام الثقافة فى مصر من فنانين ومبدعين وموسيقيين وشيوخ فقدم أم كلثوم، الشيخ محمد رفعت، نجيب محفوظ، زويل، فاتن حمامة، أحمد فؤاد نجم وآخرين وكل معرض كانت يوازيه ندوة للتعريف بهؤلاء الرموز والرواد مما يجعل الروس على علم حقيقى بالثقافة المصرية ورموزها، وقد قدم السروى هذا المعرض 8 مرات فى 8 مدن روسية، وكان يجد فى عيون الزوار من الروس الرغبة فى التعرف على الثقافة المصرية الأصيلة خاصة أنهم شعب  لديه اهتمام خاص بالتواصل مع الشعوب الأخرى وهو ما جعل السروى بعد عودته من  روسيا يحرص على التواصل مع فنانين وفنانات روس يأتون إلى القاهرة لرسم معالم مصر، وعرض ما رسموه فى بلدهم، وهو ما يعد دعاية ببلاش  عن مصر فى عيون الفنانين الروس، واللافت أن السروى يفعل ذلك بشكل فردى حيث يستضيف الفنانين الروس فى بيته دون أن يكلف الدولة مليما.
ونعود مرة أخرى إلى أسامة السروى الذى - كما قلت - وقع فى غرام روسيا فتجده يقدم موسوعة ضخمة عن الفن الروسى فى 4 أجزاء تتجاوز الألفى صفحة بدأها بالنحت ويواليها بالتصوير وقد استغل فى ذلك فترة إقامته بروسيا وتسجيل كل الأعمال الفنية الروسية ليقدمها لأول مرة للثقافة المصرية، وهى موسوعة مهمة لمحبى الفن الجميل وعشاق النحت والتشكيل فيها غزارة معلومات عن فن النحت ودوره الجمالى ورصد التماثيل المهمة والمبهرة لأعلام روس وعرب تزدان بهم الميادين والمتاحف.
وبجوار الموسوعة يستمر السروى أحد أبناء مصر المتميزين  فى النحت فى تقديم مجموعة من التماثيل - تحت الإنشاء - أبرزها لشاعر روسيا الأكبر بوشكين، وهناك تمثال آخر لكورساكوف  الموسيقى الروسى المعروف ومؤلف  أوبرا شهرزاد وسيتم افتتاحه فى شهر مارس المقبل وتماثيل أخرى للشاعر والأديب الكازاكى أباى كونتاى وآخر لشاعر مصر نجيب سرور بناء على طلب من أصدقاء روس يعرفون سرور، الذى أقام لسنوات عندهم فى فترة الخمسينيات.
• تكريم مستحق
 من أجل كل ما سبق ودوره فى توطيد العلاقات الثقافية بين مصر وروسيا حصل أسامة  السروى على تكريم كبير ومهم من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حيث منحه الأخير ميدالية  بوشكين وهى لا تمنح إلا بأمر رئيس روسيا، وقد حصل عليها السروى عن مجمل أعماله من تأليف إلى تماثيل إلى معارض فنية إلى مشاركات ثقافية وفنية ورعاية الأنشطة المختلفة التى عملت على تقوية العلاقات الروسية  المصرية.
•  قضية نحتية
قبل أن أنهى مع أسامة السروى الذى يعتبر نفسه قدم خدمة ثقافية متميزة لبلده ونجح فيما أوكل إليه من مهام فى رفع اسم مصر بالخارج عاليا، سألته عن المفارقة بين أن يقدم نحات مصرى كل هذه التماثيل المعروضة فى روسيا وبين فشلنا فى مصر فى وضع تماثيل مناسبة فى ميادين مصر ومدنها؟
فأجاب : أنه كمصرى حزين على حال التماثيل التى تعرض فى ميادين مصر والقبيحة فنيا وجماليا خاصة أننا علمنا الدنيا كلها فن النحت وكتبنا تاريخنا بالنحت وبأصلد الأحجار، مرجعا  تلك الأزمة إلى عدم وجود متخصصين فى المحليات ومطالبا بالرجوع لأولى الأمر (فما ينفعش أروح  لمقاول أقوله اعملى تمثال هنا وخلاص ولابد من التعاون بين المحليات والهيئات المختصة بالفن والنحت لتقديم تماثيل تليق بنا جماليا ونراعى علاقة التمثال بالفراغ الموجود حوله، ومعروف أن دولة مثل روسيا عندما يفكر مسئولوها فى وضع تمثال بميدان عام تعقد مسابقة متخصصة ويتم اختيار التمثال الأصلح للعرض وليس كما يحدث فى مصر للأسف.
• c.v
 أسامة  السروى مواليد محافظة الشرقية عام 1961حاصل على بكالوريوس فنون جميلة عام 1984 وماجستير النحت من أكاديمية الفنون الجميلة بالاتحاد السوفيتى  عام 1989ودكتوراه الفلسفة فى الفنون الجميلة عام 1992 من نفس الأكاديمية، وهو  أستاذ للنحت بكلية التربية الفنية بحلوان وله عدة مؤلفات مهمة منها اتجاهات النحت المصرى الحديث وجماليات النحت الصرحى فى وادى النيل، وله تحت الطبع الجزء الخامس من موسوعة الفن الروسى الحديث وترجمة رواية حرب الاستنزاف للكاتب الروسى دويشنكو. •