الجمعة 26 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الموبايل من الدردشة والنميمة إلى صناعة الخبر وبث التقارير

الموبايل من الدردشة والنميمة إلى صناعة الخبر وبث التقارير
الموبايل من الدردشة والنميمة إلى صناعة الخبر وبث التقارير


الموبايل أو المحمول كانت حالته بدائية للغاية منذ حوالى 20 عاما.. حجمه ضخم ثقيل الوزن لا يتعدى مدى إرساله 10 كم ولابد من وضعه على جهاز الشحن بصفة مستمرة، لأنه إذا فصل فعلى صاحبه أن يصبر على الأقل 8 ساعات حتى يفيق من غيبوبته!! وإذا تواجد فى منطقة فيها شبكات إرسال قوية توقف عن الإرسال لحين إشعار آخر.

أين هذا الجيل الحجرى مما هو بين أيدينا الآن؟؟.. وياليت استخدامه بقى عند حدود التخاطب وتبادل التواصل الاجتماعى، لكنه تحول مع مرور السنوات إلى أداة عصرية توفر كل شىء.. التواصل، نقل الصور المتحركة والثابتة، تبادل التعليقات على ما هو مشترك وغير مشترك، التفكه والتندر والسخرية مما يدور حول كل منا.. ثم أصبح وسيلة إعلامية لم يحلم بها حتى رواد الجيل الحالى من الإعلاميين..
• بداية الحكاية
الحكاية بدأت منذ نحو عشر سنوات عندما تنبأ أحد المتخصصين ضمن فعاليات ورشة عمل كانت تحمل عنوان «مستقبل الصحافة المكتوبة فى ظل تطور التكنولوجيا فائقة القدرات»، أننا سنشهد قريباً ما يعرف بـ«صحافة الموبايل» خاصة فى ضوء ما كانت شركات التكنولوجيا العملاقة- فى ذلك الوقت- تخطط لإنتاجه مستقبلاً من أجيال أكثر تطوراً من ناحية السرعة والسعة والتطبيقات.
هذا التوقع الصادم فى ذلك الحين، أيده البعض وأنكره آخرون، إلا أننا فى نهاية اليوم توافقنا على أن التطورات التقنية الآتية لن تبقى الخبر على حاله وستغير من شكل التقارير وكذا من الصيغ الحرفية السائدة اليوم.. وتحققت النبوءة..
مرت وسائل الإعلام بنقلة نوعية حين تحولت المواقع الإعلامية التى أقامتها أدوات التواصل المجتمعى- تويتر فيسبوك إنستجرام- إلى منصات توالى عرض الأخبار المصحوبة أحياناً بالصور توفر متعة غير مسبوقة للمتلقى، تجعله مطلعاً على الأحداث بعد وقوعها فى بعض الأحيان بوقت قصير.. ولما تزايد الإقبال على الخدمة دخلت شركات الهواتف الذكية فى سباق مع نفسها ومع الوقت لإنتاج برامج وتطبيقات توفر لمستخدمى هذه الهواتف اطلاعا أسرع على ما يدور حوله.
وكانت النتيجة أن نزلت إلى الأسواق برامج مثل ستيلر وستور هاوس وجامسناب وغيرها تتمتع بخاصية التعامل فقط مع التقارير والقصص الإخبارية، مما أتاح للعديد من الإعلاميين وغيرهم من المراسلين إمكانية استبدال الحزم الإخبارية التى كانوا ينتجونها باستخدام الكمبيوتر والمسجل الرقمى وكاميرا الفيديو وجهاز الترميز، أن يقوموا بكل هذه المراحل المعقدة عن طريق التطبيقات التى أصبح يوفرها لهم جهاز الـ«أى فون» أو الهاتف المحمول ذو الطراز الأحدث.
هذا التطور فتح الطريق لهواة العمل الإعلامى وللراغبين فى الشهرة للمشاركة فى مد المؤسسات الإعلامية بكل ما يمكن أن تلتقطته عدسات أدواتهم الذكية التى يزداد ذكاؤها يوماً بعد يوم، مصحوباً بتغطية إخبارية لحدث ما فور وقوعه.. مما جعل بعض المراكز البحثية تسعى للبحث عن تعريف لما صار يطلق عليه «المواطن الصحفى» القادر على تسجيل لحظة ليست فى متناول وسائل الإعلام أو وكالات الأنباء عبر وسائطها التقليدية، وكيف يمكن التعامل مع ما ينقله، لأن السبق الصحفى فى مثل هذه الأمور لا يقدر بثمن!! مع ضرورة التأكد من مصداقيته وما يتمتع به من حرفية وأهمية الزاوية التى يتناوله منها والسياق الذى يعرض من خلاله وجهة نظره وآراء من يستطيع أن يستطلع رد فعلهم أو المتخصصين الذين يمكنه التواصل معهم.
• التكنولوجيا العملاقة
للمقارنة وتوضيح الصورة نقول: درجت المعاهد الإعلامية على وصف التغطية الإخبارية للحرب التى وقعت بين العراق وإيران واستمرت لمدة 8 سنوات (1980- 1988) بأنها عادية، أما حرب تحرير الكويت (فبراير 1991) فهناك شبه إجماع على أن التقنيات الحديثة «جعلت المشاهد يعيش أحداثها على مدار الساعة» لأن المراسلين امتلكوا خلال السنوات الواقعة بين الحربين-على قصرها - تقنيات جعلتهم قادرين على نقل حتى التفجيرات من موقع الحدث بالصوت والصورة مرفقا بها التعليق إلى مركز استقبال الوكالة أو محطة البث الفضائى مباشرة.. هذه التقنيات التى تباهينا بها فى ذلك الوقت - منتصف تسعينيات القرن الماضى - تحتل اليوم قاعات المتاحف ويحتفظ بها بعض الإعلاميين والمراسلين كنوع من الواجهة.
فى الماضى.. كان عدم وجود مكتب إعلامى أو مراسل خاص لأى من الوكالات الإخبارية الصغيرة فى واحدة من العواصم الأوروبية، يعنى تخلفًا على جميع المستويات وتكلفة مالية باهظة إذا كنت تريد منافسة الآخرين فى التغطية الصحفية.. أما اليوم فليست هناك حاجة ماسة لهذه المكاتب، يكفى أن تتعاقد الوسيلة الإعلامية مع من هو على دراية كافية فى مجال استخدام التقنيات الذكية ويتمتع بحس إعلامى.
هذان المطلبان دفعا شركات التكنولوجيا العملاقة إلى التسابق فى مجال تطوير وسائل وبرامج بث الأخبار، خاصة بعد أن كشفت لها دراساتها التسويقية عن أمرين مهمين.
الأول.. أن المتعاملين مع الأجهزة الذكية بصفة عامة يقضون وقتا أطول معها على حساب ما يصرفونه من وقت أمام شاشات الفضائيات أو بين صفحات الجرائد اليومية.
الثانى.. أن توسيع قاعدة برامج صناعة الأخبار عن طريق استخدمات قدرات الهاتف الذكى يجذب عددا أكبر من المستهلكين/ القراء الذين سيتضاعف عددهم بعد أن تعودوا على الحصول عليها عبر هواتفهم الذكية.
بعد زمن قصير، وجدنا بين أيدينا تطبيقات «أبل نيوز» الذى نزل إلى السوق بشراكة بين آبل و50 مؤسسة إعلامية أمريكية كان فى مقدمتها «صحيفة نيويورك تايمز» بعدها طرحت فيس بوك برنامج «إنستنت أرتيكلز» بالشراكة مع عدد آخر من المؤسسات الصحفية الأمريكية والأوروبية، وأدلت شركة جوجل بدلوها مؤخراً حيث طرحت برنامجها الأحدث «اكسيليراتد موبيل بيدجز» الذى يتميز عن سابقيه بالسعة «المتضاعفة» التى يمكن أن تحمل مقاطع من الفيديو والصور العادية والتسجيلات الصوتية والنصوص المكتوبة والإعلانات، يمكن بثها بسرعات عالية تصل إلى أربعة أضعاف ما يوفره غيره من برامج.. وأهم ما يميز هذا البرامج أنه يساعد المتلقى على تخزين المقالات والقصص والتحليلات التى يتلقاها فى صورتها الأصلية ويوفر له تقنية الاطلاع عليها فى وقت لاحق!!.. مفهوم الشراكة هذا بجميع مشتملاته كان أحد المحاور التى تناولها مؤتمر دبلن الذى عقد فى نهاية شهر مارس الماضى لمناقشة «التطوير الأدائى للهواتف الذكية فى مجال العمل الصحفى.. إلى أين؟» بعد أن برهنت محموعة من الدراسات التى نشرت خلال عام 2014 أن تلك الوسيلة تحولت بالفعل إلى «أداة متكاملة لصناعة الأخبار» وقادرة فى وقت مناسب على إنتاج أعمال إعلامية متكاملة بما فى ذلك بث حوار كامل لا يحتاج من الفضائية التى تتلقاه لأن تقوم بعملية مونتاج- صوت وصورة - لجعلة صالحاً للبث.
أُزيلت تقريباً جميع الحواجز والمعوقات التقنية التى كانت تقف بين المراسل والمؤسسة الصحفية أو الفضائية التى يتراسل معها.. وأصبحت لديه وسائط تقنية غير مسبوقة ليست قادرة فقط على القيام بعمليات التسجيل والتصوير والتحرير والإرسال، بل فى استطاعتها أن تنقل الوقائع تليفزيونيا فى وقت قياسى- جلسات المحاكمات والمظاهرات والتحرشات وحوادث الطرق والفيضانات والزلازل- ولنا فيما نقله البعض حول الفارين من سواحل تركيا وليبيا عبر مياه البحر المتوسط إلى دول أوروبا أوضح مثال.. خاصة بعد أن وفر برنامج «بريتى كود برايفيسى» المُشفر الخصوصية شبه الكاملة (لم تخترق حتى اليوم) لمثل هذه المراسلات بحيث لا يتم الاستيلاء عليها أو تبديل محتوياتها.
لهذا السبب يقترح بعض أساتذة الإعلام بجامعة إكسفورد أن تتوزع القاعدة الكلاسيكية التى تحدد أركان الخبر بـ«ماذا؟ متى؟ وأين؟ وكيف؟» بين الصحافة التقليدية وصحافة الموبايل التى أصبح فى إمكانها أن توفر لمن يملك الأدوات الذكية آخر الأخبار من حول العالم فور وقوعها!! خاصة أن هذا المواطن أصبح لا يسعى إلى قراءة الصحيفة اليومية أو لمتابعة شاشات الفضائيات، لأنه سبق وطالعه قبل ساعات.
• توصيات
من هنا جاءت توصيتهم لدى المؤسسات الصحفية ومجالس إدارة الفضائيات أن تغير من أولويات توجهات تغطياتها الإخبارية فى ضوء أن الغالبية من القراء والمشاهدين سمعوا وتابعوا الأحداث والوقائع وعرفوا إجابة: ماذا حدث؟ ومتى؟ وأين؟ من قبل.. إذا أخذوا بهذه التوصية واقتنعوا بجدواها، فعليهم أن يوسعوا من الخدمة المعلوماتية التى تلى وقوع الحدث ويعمقوا من التقارير التى ترد على ما يطرح فى الأذهان من أسئلة تدور حول كيف جرى هذا الأمر بهذه الكيفية وليس على وجه آخر.. وبتفاصيل ما وراء الحدث التى أصبحت الميدان المتاح على سعته أمام صناعة الأخبار السياسية وغير السياسية، خاصة إذا تمكنوا من ربطها بالتوقعات التى ستترتب عليه، بشرط الابتعاد عن «التلفيق والقص واللصق من» بهدف تحقيق سرعة تقديم الخدمة، والاعتماد على «مصدر لديه بضاعة أكثر من غيره» والتمسك بالشفافية والنزاهة والمصداقية لكسب ثقة القارئ والمشاهد، ولتقديم تقرير إعلامى تنويرى يحمل فى طياته جميع العناصر المشوقة لطلب المعرفة.
وآخر توصياتهم تقول «على المؤسسات الإعلامية أن تأخذ فى اعتبارها أن عجلة التطوير التقنى فائقة الحداثة قد تفاجئنا غداً ببرامج تتيح لمن يريد إمكانية الحصول على ما يهمه من أخبار وتقارير عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية من جميع أركان العالم، بضغطة واحدة على مفايتح الهاتف المحمول أو الآى باد الذى بين يديه!!.•