الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الاكتفاء الذاتى من القمح وتصدير الفائض.. ممكن

الاكتفاء الذاتى من القمح وتصدير الفائض.. ممكن
الاكتفاء الذاتى من القمح وتصدير الفائض.. ممكن


تعانى مصر من فجوة كبيرة بين إنتاجها من القمح واحتياجات شعبها، وتضطر إلى استيراد ملايين الأطنان منه سنويا رغم توافر ملايين الأفدنة من الأرض التى تصلح لزراعته، وإمكانية تسخير البحوث العلمية الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتى بل وتصدير الفائض منه، رغم الشح المائي.. الدكتور سعيد سليمان، أستاذ الوراثة بكلية الزراعة، جامعة الزقازيق، أكد أنه استطاع استنباط سلالات من القمح يمكنها تحمل الملوحة والجفاف.. إلخ..
وأن تكون قليلة التكلفة وذات عمر أقصر من الأصناف التقليدية، ويمكن زراعتها فى الساحل الشمالى على الأمطار، بجانب مزروعات أخرى تتحمل نفس الظروف، لذلك كان حوار «صباح الخير» معه لمعرفة تفاصيل ذلك ومعوقات تحقيقه على أرض الواقع.
• من أين تأتى الفجوة بين إنتاج مصر من القمح واحتياجها؟
- للأسف الشديد أننا نستورد10 ملايين طن قمح، وقال وزير التموين الحالى إننا استوردنا هذا العام 8 ملايين طن فقط، والمشكلة كبيرة جدا، فنظام الدعم فاسد وكان يجب أن يستبدل بالنقود لدعم المواطنين كما أن بالفعل إنتاجنا من القمح لا يكفى الاستهلاك المحلي، لأننا لا نطبق العلم ونتجاهل أبحاث 22 كلية زراعة بها أساتذة تربية نبات وأساتذة تربية خضر.. إلخ،  كأن مصر لا يوجد بها بحث علمى زراعى إلا فى مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، فمثلا هناك أستاذ استنبط عشرات الأصناف من الخضر ويرفض  تسليمها للجنة خوفا من ضياعها عليه.
فالقضية أن إمكانياتنا تسمح لنا بأن نكتفى ذاتيا من القمح، بل على العكس يمكن أن نصدر ولا ننسى أن مصر كانت مخزن غلال العالم أيام سيدنا يوسف وحتى السبعينيات لم نكن نستورد القمح.     
وأنا قدمت استراتيجية للاكتفاء الذاتى من الذرة والقمح والشعير خلال 3 سنوات، وأتحدى أن يثبت أحد أن بها كلمة واحدة خطأ، فنحن لدينا أعلى إنتاجية للأرز فى العالم، ويمكن أن أزرع 2مليون أو 3 ملايين بأرز الجفاف الذى يستهلك نصف المياه وأصدره وأستورد قمحا.
• ما المشكلة فى زراعة ما يكفينا من القمح؟
- الآن نستلم القمح من الفلاح بـ420 جنيها، فيقول البعض إن استيراده من الخارج أرخص، دون أن يفهم، ففى الستينيات كانت أوروبا تستورد قمح، وفى السبعينيات اكتفت ذاتيا منه، بل بالعكس فرنسا تصدر لنا القمح، لأن أى دولة محترمة لابد أن تكتفى بغذائها الرئيسى رغم أن جوهم لا يسمح ولكنهم عملوا «الثورة الخضراء» باستخدام زراعة الخلايا وزراعة الأنسجة، فى السبعينيات واستنبطوا أصنافا مقاومة للجفاف والملوحة والبرودة والحرارة والأمراض وزرعوها فى المناطق الصحراوية وحول البحار واكتفوا ذاتيا من القمح.. وبالتالى نحن نأخذ كناسة الدول منه فأمريكا كانت تلقى بالقمح فى البحر، لأن ما يهمها أن تكتفى هى أولا دون تصديره، فلا تقول السوق العالمية للقمح بل السوق العالمية لبقايا القمح، وعار علينا كعلماء مصر أن نكون أكبر دولة مستوردة للقمح، فالحل موجود إذا فكرت فى إمكانياتك.
• الفلاح عندنا وعندهم
• هل ارتفاع سعر الأردب من القمح يقلل من زراعته؟
- إذا لم تأخذ القمح من الفلاح بـ 420 جنيها واعتمدت على السعر العالمى فلن يزرعه، والمشكلة فى اتفاقية الجات بين أمريكا وأوربا أن أمريكا تدعم الفلاح الأمريكى بضعف ما تدعم أوروبا وبالتالى يكون القمح عنده رخيصا بسبب ذلك أما عندنا نترك الفلاح يعانى من تكلفة الإنتاج من سماد ورى ومبيدات وخلافه.
وهناك حل بسيط جدا، فلدينا على الساحل الشمالى الغربى من إسكندرية إلى مرسى مطروح، من 3 إلى 5 ملايين فدان أراض قابلة للزراعة، ويتم زراعتها من قبل البدو ببعض الشعير وبعض التين البرشومى لأنه يتحمل العطش «زراعة مطرية«، إذن نزرع الشعير لأن عمره 120 يوما فالمطر يكون من نوفمبر إلى فبراير. ومشكلة القمح أن عمره 150 يوما  ويشح فى مارس فيحتاج رية تكميلية، إما من ترعة الحمام أو بعمل آبار. ولكن أليس من المكن أن أستنبط أصناف سلالات من القمح عمرها 120 يوما، وهذا ما وفقنى الله له. فكل العالم يستحدث طفرات باستخدام طفرات كيماوية ومن الاستخدام السلمى للنظائر المشعة ومن 2005 ظهر3 آلاف صنف وهجين فى العالم باستحداث الطفرات، وهى إحدى طرق التربية العادية والتهجين فاستنبطنا سلالات عمرها 125 يوما من أصناف أصلا مصرية مقاومة للجفاف، فستكون مبكرة ومقاومة للجفاف.
 بمعنى أنها ستزرع على الأمطار وإذا فرض أن المطر قليل فى سنة تتحمل الجفاف وتعطى 15 أردبا للفدان فى المتوسط أى أكثر من 2طن، والإنتاجية فى الأراضى العادية تأخذ 4 أو 5 ريات وتنتج 18 إلى 20 أردبا للفدان، ولكن هنا نستخدم المطر فقط وستقل التكلفة إلى أقصى مدى، فيمكن أن أبذر التقاوى بالطائرات وأحصد بالكمباين، والمعروف أن 50 إلى 60 ٪ من إنتاج القمح فى العالم على الأمطار. ولذلك سوريا تكتفى من القمح.
فأى إنتاج بالمطر هو أرخص شيء، فإذا زرعنا 3ملايبن فدان تنتج على الأقل 4 ملايين طن، لنكتفى ونصدر للخارج خلال عامين أو ثلاثة. 
• وما الذى يمنع ذلك من التنفيذ؟
- أنا قدمت لأكاديمية البحث العلمى مشروعا بذلك وتم رفضه نهائيا - بعد قبوله مبدئيا ــ بحجة أننى لم أعمل دراسات حديثة 2014، رغم أننى قدمت أبحاثا جديدة فرفضت مراجعتهم لأنى عرضت القيام بالإشراف على المشروع وأزرع حتى 3ملايين فدان، وعندى سلالات القمح وأبدأ خطوة خطوة. وكذلك الساحل الشمالى الشرقى من العريش إلى بورسعيد.. رغم أن إنتاج العالم من القمح بالتريليون وأكثر من 50 ٪ منه زراعته مطرية. فنحن لدينا الإمكانيات والمياه ولا نسمح باستثمارها.
• ما السبب وراء منع مثل هذه الطفرات؟
- لأن هناك تحجيم لأساتذة الجامعة المبدعين والمبتكرين ولاً نستفيد منهم رغم أنهم يريدون فقط خدمة الوطن.. السلالات عندى وكل حاجة عندى بل لدى سلالة تعطى 40 أردبا للفدان أى 6طن عمرها 135 يوما فقط، بدلا من 150 أو 155 يوما،  وصالحة للأرض السمراء وتأخذ ريتين فقط بخلاف رية المحاياةٍ، بدلا من 4 ريات بخلاف رية المحاياة، والسلالة التى ستزرع على المطر عمرها 125  يوما وخارجة من صنف مقاوم للجفاف.. وكل عملى على الأصناف المقاومة للجفاف لأن المستقبل يقول ذلك.
فالمياه العذبة تتقاسمها الزراعة مع الاستهلاك الآدمى والصناعة وكلما زاد الاستهلاك الآدمى بزيادة السكان يكون على حساب الزراعة، وبالتالى ستستخدم مياها غير تقليدية كمياه صرف زراعى ومياه جوفية ومياه المطر والمياه المحلاة من البحر، ففى عام  1990م كان 90٪ للزراعة و10٪ للاستهلاك الآدمى والصناعة وستصل فى 2025م إلى  60٪ للزراعة و40٪ للاستهلاك الآدمى والصناعة.. وفى ظل الشح المائى لابد أن نستنبط أصنافا مقاومة للجفاف وللملوحة والحرارة والبرودة.. وهذا ما نقوم به بالفعل.
• ولماذا لم تطبق تجارب حقلية على القمح كما فعلت مع الأرز؟
- تقدمت بالمشروع لأكاديمية البحث العلمى من أجل السماح لى بالتطبيق فى الساحل الشمالي، ولكنى بدأت فى القمح منذ 6 سنوات فقط، والسلالة تبدأ بـ50 جراما يتم إكثارها والانتخاب منها حتى يمكن خلال 3سنوات زراعة 10 آلاف فدان بتلك التقاوى التى يحدث لها إكثار.. وأنا لى أرض فى سيناء والصالحية الجديدة وأعيش المشكلة. والأرز فى سلطنة عمان يتم زراعته على المطر، فالفكر والعلم يستطيعان تقديم كل الحلول وليس فى الزراعة فقط.
• شيء محزن
• الأبحاث العلمية فى مصر للأسف الشديد مكانها الأدراج.. فما تعليقك على ذلك؟
- إنه شيء محزن، فلا يوجد فى العالم بحث علمى إلا بهدف ونتيجة لحل مشكلة أو تطوير منتج، وما يحدث عندنا تهريج، وتحولنا إلى أشباه باحثين نجرى أبحاثا  للحصول على الماجستير أو الدكتوراه للترقية.. رغم أنه لن ينقذ مصر إلا العلم والبحث العلمي، وإذا كنا نتكلم خطأ إعدمونا.
• وهل يمكن تعميم الزراعة المطرية فى مختلف أنحاء الجمهورية والاستفادة من هذه المناطق فى زراعات أخرى غير القمح؟
- طبعا سنزرع زراعة مطرية للقمح فى الشتاء ولكن المشكلة أنك ستقيمين مجتمعا فى هذه المناطق ولابد من زراعة محصول فى الصيف، والمطر يسقط ولديك مياه متجددة، وبعمل آبار تغذى فى الصيف وتزرع كل المحاصيل ومنها أرز يروى بالرش فى الصيف، والقمح يمكن أن نصل به إلى 100 يوم فقط. بل يمكن زراعة 3 محاصيل فى السنة (أرز- أرز - قمح) فالأرز عمره 110 أيام والثانى 110 أيام والقمح 125 ليكون المجموع 345 يوما. وهو ما يطلق عليه فى العالم كله بـ«التنمية المستدامة» أى أن الأرض لا تخلى من الغطاء الأخضر، وإذا جعلته يغطى الأرض كلها تكون كذلك تحمى البكتيريا المفيدة التى تحلل العناصر ليمتصها النبات، أما إذا تركت الأرض بور فى الصيف ستموت هذه البكتيريا وضرورى تعمل لها تجديدا بتكلفة أخرى.
ونحن خلال 4 أو 5 سنوات سنضاعف المساحة المحصولية (بدلا من 6.5 *2 2 = 13 مليون فدان تكون 6.5 *3 = 19.5 مليون فدان)، ونركز على القمح والأرز لأنها محاصيل استراتيجية، اسمها محاصيل الطاقة لا يمكن الاستغناء عنها، كما يمكن أن نزرع الفول فى الشتاء، ونقوم حاليا بتطوير أصناف فول مقاومة للهالوك والملوحة، وهو أصلا حساس للملوحة، فيمكن أن نزرع الفول البلدى وترمس وحلبة فى نفس المنطقة، وكل هذه المحاصيل لايوجد بها مشاكل لأن عمرها كله 120- 125 يوما، والفول أزيد بعض الشيء ولكن يمكن اختصار مدته.
• وماذا يمكن زراعته بهذه المناطق فى الصيف بخلاف الأرز؟
- يمكن أن تزرع الذرة الصفراء وتروى بالرش، لأن عمرها 120 يوما والذرة البيضاء فيها نفس العمر، ومحاصيل القلعيات والخضار ويكون مقاوما للجفاف أيضا، ويكون الرى بالتنقيط وبالرش، فنحن لدينا علماء من الداخل وليس الخارج يستطيعون جعل مصر جنة، وينتجون غذاء لا يصيب أبناءها بالسرطان أو الفشل الكلوى أو الفشل الكبدي.
• هل تقاوى القمح والأرز وغيرهما يمكن أن تكتسب صفات جديدة مع كثرة زراعتها لدورات متتالية فيقل عمره أو يزيد؟
- هناك ما يسمى «التقاوى المنتقاة» فتكون نواة عند المربى والتقاوى المسجلة والتقاوى المعتمدة التى يتم توزيعها على الفلاح وتمر بكل هذه المراحل فمن الضرورى عمل نقاوة للأصل وتفتيش حقلى  للحفاظ على الصنف، لكن ترك الفلاح «نتقى» من نفسه سيتدهور الصنف ولن تجده. فتوجد الإدارة العامة لفحص واعتماد التقاوى التى أعطتنا شهادات حماية الصنف النباتي.. فالصنف يكون تركيبه الوراثى ثابتا والجراثيم والأمراض والحشرات تظل تحاربه فمثلا صنف عرابى 2 فى الأرز مقاوم للفحة ووارد بعد عدة سنوات أن تنكسر مقاومته.
ونفس الوضع بالنسبة للقمح حيث يحدث تدهور فى الصنف، مثل  سخا 93 فى القمح الذى كان  صنفا رائعا جدا وأصبح يصاب بالتفحم والأصداء.. إلخ فتدهور. والمفروض فى الأصناف ذاتية الإخصاب مثل القمح الأرز الشعير يكون كل 5سنوات هناك موجة من الأصناف الجديدة، فقد قمت بعمل عرابى 5 ولم يمر سوى 3 سنوات على الموضوع، ولكن هذا برنامج تربية.. وأصناف الأرز لم تتكلف من الدولة ومنى سوى حوالى مليون جنيه.
• وهل تتوقع وجود أصناف أفضل؟
- بالطبع لأن هذه هى البداية، فيمكن مع المطر ننتج 20 أردبا للفدان بتحسين هذا الصنف. ولدى تقاوى حاليا تكفى مساحة صغيرة، وأنا مجرب هذه السلالة فى جامعة الزقازيق وعمرها 125 يوما، فماذا سيحدث عندما  نبدأ بالزراعة فى إسكندرية على المطر، هل ستعطى نفس الإنتاجية أو أكثر أو أقل وما مدى إمكانية التحسين فيها. وهذا مشروع بحثى يتكلف نصف مليون أو مليون جنيه.. وأصناف الأرز كلفتنى أنا والدولة مليون جنيه وإذا زرعت مليون فدان  يمكننى أن أزود الإنتاج بقيمة 2مليار جنيه، وهذه هى فائدة البحث العلمي، ويمكن أن نحقق الاكتفاء الذاتى بالعلم والابتكارات.. والأبحاث مستمرة ولابد أن يكون هناك جديد •