أنتيجون.. بين الجرأة والمغامرة

ايمان القصاص
«هنا أنتيجون»، كلنا نعرف هذا العمل العالمى بكل شخصياته وتفاصيله، والكثير منا قرأ ترجمة طه حسين للنص الأصلى للكاتب الإنجليزى سوفوكليس، الكل تبادر إلى ذهنه عندما أعلن مسرح الطليعة تقديم هذا العمل الكل تساءل: كيف سيقدم هذا العمل بإمكانيات ضعيفة وهو معروف عنه أنه عمل غنائى استعراضى يتطلب إمكانيات كبيرة.
كانت المفاجأة تقديم عمل أكثر من رائع مبهر استعراضى غنائى لم نشاهده من سنوات عدة، مخرج شاب استطاع تحمل مسئولية عمل بهذا الحجم وجازف لتقديم عمل جيد، إلى جانب وجود الفنان المسرحى المخضرم علاء قوقة بجانبه وساعده فى ترشيح أبطال للعمل من الشباب الجديد الذين أبهروا كل من شاهد العرض من شدة موهبتهم وإتقانهم للأدوار التى أسندت لهم.
حصد العمل عدة جوائز فى ختام مهرجان المسرح القومى منها أفضل إخراج لتامر كرم وأحسن ممثل للمخضرم علاء قوقة وأحسن ممثلة للموهبة الاستثنائية هند عبدالحليم، أنتيجون عمل يحترم عقل المشاهد، يستحق المشاهدة والاحتفاء به.
«صباح الخير» دعت فريق العمل لندوة خاصة للتحدث عنه وعن تفاصيله والجوائز التى حصلوا عليها، وقد حضر المخرج تامر كرم والفنان علاء قوقة وهند عبدالحليم ومحمد ناصر.
• تامر كرم
مخرج شاب متميز، متمكن من أدواته، له رؤيته الإخراجية المختلفة، قدم العديد من الأعمال المسرحية وحصد من خلالها جوائز منها أحسن مخرج صاعد عام 2014 فى مصر عن «الليلة ماكبث»، وشاركت أيضا فى مهرجان طنجة الدولى.
الآن يقدم عملا عالميا وهو «هنا أنتيجون» هذا العمل الكبير الذى يحتاج إلى مغامرة وجرأة، لأنه عمل الكل يعرفه ويحتاج إلى مجهود كبير ورؤية مختلفة إلى جانب أنه عمل مسرحى غنائى استعراضى، وهذا النوع من الأعمال لم يقدم على خشبة المسرح منذ سنوات طويلة، وقد توج هذا المجهود الكبير بحصوله على أفضل مخرج عن أنتيجون فى ختام مهرجان القومى للمسرح.
• كيف جاءت فكرة تقديم «هنا أنتيجون» هذا العمل العالمى على مسرح الطليعة؟
- مسرح الطليعة كان بصدد المشاركة فى مهرجان للدراما اليونانية القديمة فى قبرص، واقترح مدير مسرح الطليعة تقديم مسرح يونانى قديم وأسند لى هذه المهمة، وتم اختيار نص «أنتيجون» لأننى من الأشخاص المعجبين بها، بالإضافة إلى أننى درستها فى معهد الفنون المسرحية، وهى من الأعمال المفضلة لى فى المسرح اليونانى، وبالفعل تم الاتفاق على تقديمها.
• وعلى أى أساس تم اختيار الأبطال خصوصا أنهم يقفون على المسرح لأول مره باستثناء الدكتور علاء قوقة؟
- فى البداية وقع اختيارى على أستاذى فى معهد الفنون المسرحية دكتور علاء قوقة وهو من أنسب وأفضل الممثلين الذين يقدمون شخصية «الملك كريون»، وفى البداية تحدثت معه أننى لا أريد إسناد الأدوار الباقية لنجوم، لأن لهم تفاصيل دائما ما تضعف العمل وتعوقه، وبالتأكيد سيختلفون عن شباب لديهم بكارة المهنة والطموح الجارف وتقديم أفضل ما لديهم لكى يثبتوا وجودهم، وقد رشح لى دكتور علاء «هند عبدالحليم» التى تقوم بدور «أنتيجون»، وكانت المفاجأة أننى رفضتها فى البداية وشعرت أن هذا الدور يحتاج إلى ممثلة لديها خبرة، وبالفعل اخترت ممثلة أخرى كانت من دفعتى فى المعهد واعتذرت فجأة ووضعتنى فى مأزق، وشاهدت بعدها 4 ممثلات ولم أقتنع بهن، ورجعت أفكر مرة أخرى فى هند عبدالحليم وكأن الدور يناديها، وبالفعل جاءت مرة أخرى وبدأنا بروفات بشكل يومى بدون إجازات لمدة ثلاثة أشهر متتالية، والحقيقة أنها كانت تفاجئنى بأدائها كل مرة وتقمصت الدور سريعا، أما بالنسبة للبطل الذى أمامها «محمد ناصر» الذى قام بدور «هيمون» فهو من ترشيح دكتور علاء أيضا.
• ما الذى تريد أن تركز عليه فى أنتيجون وتقدمه للجمهور؟
- العمل يطرح فكرة رئيسية مختلفة وهو كيف يعارض الملك «كريون» قوانين السماء، ويبرز العمل الصراع بين ما هو مدنى وما هو دينى، فالملك يريد أن يضع قوانين مدنية خاصة به، بعد أن أصبح حاكما للبلاد بالمصادفة، وأنتيجون متمسكة جيدا بالقوانين الإلهية، ورسالة العمل تتلخص فى أن الدماء لن تجلب لنا إلا الدماء، فعلينا أن نعيش معا ولا ننفصل عن الآخر، لأننى لو انفصلت عنه سيتحول إلى قنبلة موقوتة ستنفجر فينا فى أى وقت من الأوقات.
• هل الظروف التى يمر بها مجتمعنا حاليا كانت دافعا لكم لتقديم هذا العمل؟
- بالتأكيد، وأنا فى رأيى الشخصى أن الفن لا ينفصل عن الواقع، فيوجه له النقد أحيانا والثناء أيضا وتقديم القضايا التى يمر بها، لكن ليس من دوره تقديم حلول لما يعانى منه، فقط إلقاء الضوء عليها.
• فى العمل الأصلى لـ «أنتيجون» كانت توجد شخصية العراف «ترسياس» لماذا قمت بحذفها فى النص الذى تقدمه الآن؟
- لأننى كنت أريد تقديم العمل بعيدا عن إدخاله فى مجال الميتافيزيقا، وبالفعل يرى النقاد أن شخصية ترسياس هذا الأعمى الذى يرى ما لا يراه البصير ويحذر الملك «كريون» دائما من أفعاله، ووجهة نظرى أن هذا انتهى بانتهاء العصر اليونانى والدراما الأغريقية، إلى جانب أننى كنت أريد تقديم نص بسيط يصل لجميع الناس والشرائح.
• علاء قوقة
لا يشترك فى عمل مسرحى إلا ويأخذ جوائز عن دوره، خبرته فى مجال المسرح تؤهله أن يختار الأعمال الجيدة التى تحترم عقل المشاهد، استطاع أن يقدم شخصية الملك «كريون» بشكل أكثر من رائع ومختلف، واشتراكه فى هذا العمل يعد مجازفة كبيرة لأننا نعلم ظروف المسرح فى مصر وأنه غير مؤهل لتقديم مثل هذه الأنواع من الأعمال.
• حدثنا عن «أنتيجون»؟
- العمل ينتمى إلى المسرح الغنائى من جهة، وإلى مذاهب مسرحية من جهة أخرى، فالمسرح الغنائى عادة ما يؤلفه شاعر، لكن فى »أنتيجون« نص مترجم من اللغة النثرية من سمير سرحان وإدوارد خراج ونص آخر من ترجمة طه حسين، فهذا الكلام النثرى يتم تلحينه بهذه الصيغة الغنائية هذا سبق لنا، لم يقدمه أحد من قبل، فنحن جامعون بين المسرح الاستعراضى والغنائى ومسرح ما بعد الحداثة أيضا، فهذا مسرح كلاسيكى بمفهوم عصرى متطور وفى الوقت نفسه إطاره غنائى استعراضى.
• لكن هذه النوعية من الأعمال تحتاج إلى مغامرين وشخصيات لديهم الكثير من المجازفة والجرأة؟
- بالتأكيد، وهذا ما حمّسنا لهذا العمل، وهو كان مجازفة كبيرة بالنسبة لى فى المسرح خصوصا أن المسرح ليس بحالة جيدة، ونقدّم عملا بعيدا كل البعد عن الشارع وقضايا المواطن العادى، إلى جانب صعوبة النص، وأن المخرج يفكر دائما كيف سيكون الشكل العام للعمل؟ وكيف سيكون شكل التمثيل مع الغناء؟ وهل ستكون النتيجة مرضية له أم لا؟ كل هذه أسئلة ومخاوف كان يفكر فيها.
• مع كل تلك المخاوف ما الذى شجعك للمشاركة فى هذا العمل؟
- حبى الشديد للمسرح العالمى، وثقتى الكبيرة فى مخرج العمل تامر كرم فهو أحد المخرجين المتميزين وهو الذى شجعنى لتقديم هذا العمل فى مسرح الطليعة الذى لا يحظى بجماهيرية كبيرة مثل المسرح القومى أو الكوميدى لأن أعماله خاصة جدا ولفئة معينة إلى جانب أن قاعاته صغيرة، وبعد عرض هذا العمل على المسرح هو ومسرحية «روح» كانت المفاجأة أنهم حولوا مسرح الطليعة إلى مسرح جماهيرى يتوافد عليه الجمهور بشكل يومى، مع العلم أن هذه الأعمال حققت نجاحًا وشهرة كبيرة وحصلت على جوائز بدون دعاية.
• ما الرسالة التى كنت تريد أن تعرضها من خلال أنتيجون؟
- أقدم شخصية الملك «كريون» التى نعرفها جميعا، وفى وجهة نظرى أن الحاكم الطاغية لا يجد أبدا ما يسعده طالما أنه ابتعد عن القوانين السماوية والأعراف الاجتماعية، ورسالة العمل بشكل عام هى أن العناد هو أساس سقوط الطاغية.
• من خلال مسيرتك الفنية تدقق فى اختياراتك فى الأعمال المسرحية عن الأعمال التى تشترك فيها الأخرى مثل الدراما؟
- لأن المسرح علاقة مباشرة مع الجمهور، لذلك يجب أن تكون الاختيارات فيها عمق الفن، والممثل يحضر يوميا وتستطيع الحكم على العمل، لكن فى الدراما الوضع مختلف تماما فالممثل مجرد خط من الخطوط داخل العمل، ولا يكون مسئولا إلا عن دوره فقط، ولا يحضر كل أيام التصوير لكى يحكم على العمل.
• هند عبد الحليم
هى مفاجأة بكل المقاييس، عندما تشاهدها على المسرح لا تصدق أنها المره الأولى التى تقف فيها على خشبة المسرح، وأول عمل تؤديه، لكن تشعر أنك أمام نجمة بكل معانى الكلمة، كاريزما وأداء وتقمص للشخصية وصوت قوى وخبرة وجرأة.
• هند عرفينا بنفسك ؟
- أنا هند أحمد عبد الحليم درست الإعلام فى جامعة Msa وبعد انتهائى منها قدمت فى معهد الفنون المسرحية لدراسة التمثيل لأن هذا المجال الذى أريد التخصص فيه، لذلك قررت دراسته لكى أعمل بشكل جيد وبناء على دراسة إلى جانب الموهبة.
• هناك نجوم كثيرة تخشى الوقوف على خشبة المسرح كيف جاءت لك الجرأة أن أول عمل تقدمينه يكون على المسرح ومواجهة مع الجمهور؟
- فى البداية كنت خايفة جدا، والتوتر كان يسيطر عليّ، وفى أوقات أخرى كان يحدث لى احتباس صوتى من شدة الخوف، ولكن تغلبت على كل ذلك لأن لديّ إصرارًا على النجاح وتحديت نفسى وقاومت بشدة هذه الأحاسيس، وتدربت كثيرا على النص وعلى الغناء والتمثيل وخضعت لعدة بروفات، وطوال الوقت كنت أنمى موهبتى.
• عمل بحجم أنتيجون يحتاج إلى استعدادات كبيرة، كيف كان استعدادك له؟ ومن الذى شجعك للمشاركة فيه؟
- بالفعل عمل ضخم وكبير، الذى زاد من خوفى أن العمل باللغة العربية الفصحى وأنا دراستى كانت كلها باللغة الإنجليزية، وأنا من الشخصيات الخجولة جدا، ولديّ مشكلة كبيرة فى مواجهة الجمهور، فكان بالنسبة لى «أنتيجون» عملا فى منتهى الصعوبة، لكن كان لدى إصرار كبير على استثمار موهبتى واقتحام هذا المجال، وتدربت فعلا عليها والحمد لله أتحدث الآن لغة عربية جيدة كأننى أمارسها طوال حياتى، والذى شجعنى أستاذى فى المعهد دكتور علاء قوقة هو الذى رشحنى للعمل كما ذكر مخرج العمل تامر كرم، والحمد لله العمل نجح نجاحًا كبيرًا وحصلت على جائزة أحسن ممثلة فى مهرجان المسرح القومى.
• محمد ناصر
هو أول عمله له فى مجال التمثيل، قدمه بشكل جيد ومختلف، نال دوره استحسان كل من شاهد العرض
• عرفنا بنفسك؟
- أنا طالب بمعهد الفنون المسرحية، ولديّ موهبة التمثل من صغرى لذلك قررت الدراسة فى البداية، وبعد ذلك أبحث عن أعمال تعرف الجمهور بى وجاءت الفرصة من خلال أنتيجون.
• كيف جاء اشتراكك فى أنتيجون؟
- جاء بطريقة كوميدية من أستاذى دكتور علاء قوقة، قابلنى فى يوم فى المعهد وقال لى اذهب إلى مسرح الطليعة وابحث عن المخرج تامر كرم وعرفه بنفسك على أنك «هيمون»، وأنا تفاجأت وفهمت فى وقتها أنه يرشحنى لدور جديد، وبالفعل فعلت ما طلب منى، ووقتها قام المخرج باختبارى فى الغناء والتمثيل، وبدأت بروفات من ثانى يوم مباشرة.
• بصراحة شديدة ألم تقلق أنك تقف لأول مرة على خشبة المسرح وتقدم نصًا عالميًا الجميع يعرفه؟
- يجيب ضاحكا: فى البداية أنا لم أعرف أى شىء عن هذا العمل ولم أسمع عنه إطلاقا، وبعد أن اتفقت على الدور بحثت عن النص الأصلى لـ «أنتيجون»، وقرأته وللأسف لم أفهم أى شىء ولجأت وقتها لدكتور علاء لكى يفك معى طلاسم الموضوع وقال لى: اترك العمل الأصلى وركز الآن فى دورك واحفظه جيدا حتى لا تشتت نفسك، وبالفعل عملت ذلك، ومع الوقت فهمت كل شىء يتعلق بهذا العمل العالمى.
• هل كنت متوقعًا أن يحقق العمل كل هذا النجاح؟
- جاء لى شعور فى البداية أن هذا العمل سيحقق نجاحًا كبيرًا، وكنت خائفًا أن أقف أمام أستاذى علاء قوقة، وألا أكون على قدر المسئولية التى أسندت لى، ولكن الحمد لله أثبت وجودى وتحملت مسئولية العمل وبذلت كل جهودى لكى أقدم الدور بشكل مختلف. •