الجيش المصرى حامى الحضارة المصرية

رضا رفعت
الجيش المصرى فى معظم فترات التاريخ هو أقوى وأعرق جيش فى جنوب البحر المتوسط.
ومن بدايات الحضارة المصرية لعب دوراً كبيراً فى الدفاع عنها ضد الغزاة. وعلى مر العصور قدم الفكر العسكرى المصرى أرقى مفاهيم وتقاليد الجندية وخاض الجيش معارك كبيرة ضد جيوش ضخمة هاجمت مصر أو جهزت لمهاجمتها، ومنها معركة قادش فى عهد الملك رمسيس الثانى ضد الحيثيين ومعركة مجدو فى عهد تحتمس الثالث.
وقد تميزت مصر عبر العصور ليس فقط بتفوقها الثقافى والحضارى عن المنطقة المحيطة لكن أيضاً بتفوقها فى عدد السكان. مما أعطاها قدرة على تكوين جيوش ضخمة.
• أول جيش فى التاريخ
منذ أن دخلت مصر فى معارك الوحدة الوطنية لتوحيد المقاطعات المصرية المختلفة ظهرت الحاجة إلى تنظيم الجيوش لكل مقاطعة وأصبحت مدينة (منف) مقراً لجيوش مقاطعات الدلتا ومدينة (طيبة) مقراً لجيوش مقاطعات الصعيد، وكان كل جيش يتكون من فرق، وتمثل كل فرقة مقاطعة من المقاطعات.. ومن بدايات العصر الفرعونى حرص ملوك مصر على تسجيل المعارك التى خاضوها للدفاع عن مصر، ونقشوا وصوروا على معابدهم ومسلاتهم معاركهم وانتصاراتهم.
وأقدم نقش عسكرى عثر عليه هو نقش لوحة توحيد مصر فى عهد الملك مينا مؤسس الأسرة الفرعونية الأولى (لوحة نارمر). فمصر كانت أول دولة فى تاريخ البشرية تتوحد بالشكل السياسى الحضارى الذى تم فى عهد مينا، ولعب الجيش وقتها دورًا محوريًا فى تحقيق الوحدة التى أدت لظهور الدولة المركزية المصرية. وتكوين الجيش المصرى سنة 3200 ق.م كان إعلان تكوين أول جيش وطنى لدولة فى التاريخ.
فى الفترة ما بين 3200 و2690 ق.م، كان تجنيد العساكر المصرية فى الأقاليم التى كانت مصر مقسمة إليها وكان حاكم الإقليم يقود عساكره فى المعارك الحربية ضد هجمات البدو من الشرق والغرب. وكان استقرار مصر وتقدمها الحضارى مصدر حقد للمحيطين فكانوا يطمعون فى خيرها وثرواتها وهو ما واجهته مصر عبر القرون.
فى الدولة القديمة مابين 2690 و2180 ق. م، كان الجيش المصرى يتكون من عدة فيالق يقود كل منها أمير العسكر. الملك زوسر أول ملوك الأسرة الثالثة قسم حدود مصر لمناطق وسماها أبواب المملكة. كل منطقة كان فيها حصن يحميها على شكل مستطيل، كما كون زوسر جيشًا ثابتًا محترفًا تحت قيادته وقسمه إلى فيالق، كل فيلق على رأسه أمير مصرى. الفيالق كانت مقسمة إلى فرق، وكل فرقة مقسمة إلى سرايا، كل منها تتكون من 200 عسكرى يقودهم حامل العلم.
وشهد تنظيم الجيش وتسليحه تطورات عديدة فى الدولتين القديمة والوسطى، وحدث التطور الكبير فى تنظيم الجيش المصرى فى عهد الدولة الحديثة (1552- 1085 ق.م) .
وكونت مصر أسطولاً ضخمًا من بدايات العصر الفرعونى. فى هذا الوقت المبكر كانت هناك سفن حربية فى مصر يصل طولها 50 متراً وكانت الشوانى الضخمة تسمى (دبت عات) يعنى السفينة العظيمة. أيام الملك زوسر كان عدد السفن التى تذهب لإحضار خشب الأرز حوالى 40 سفينة فى كل رحلة.
• طرد الهكسوس
فى عصر الدولة الوسطى تكالبت على مصر الهجرات العنصرية.. خاصة من الجماعات الآسيوية التى عرفت بالهكسوس الذين أمكنهم الاستيلاء على السلطة لأول مرة فى تاريخ مصر.. وظل هؤلاء الغزاة يحكمون مصر قرابة 150 عاماً.. وقد وقع عبء تحرير مصر على عاتق الأسرة 17، وتجلت فى هذه الحروب آيات البطولة والشجاعة من الحكام والمقاتلين، وشاركت بعض الملكات المصريات فى تلك الحروب مثل الملكة (أياح حتب) التى ساندت زوجها (سقنن رع الابن) فى كفاحه ضد الهكسوس حتى سقط كأول شهيد فى سبيل مصر. ثم استكمل ولده (كاموس) الحرب، وهاجم الجيش المصرى أواريس ومعاقل الهكسوس فى الدلتا وبعد أن استشهد كاموس الذى أضعف الهكسوس بضرباته، قاد أخوه أحمس أول ملوك الأسرة الـ18 جيش مصر، واستخدم بعض الأسلحة الحديثة مثل العجلات الحربية، وطاردهم فى سيناء حتى اختفوا من مصر وحدودها وكذلك من التاريخ.
وبعدها حقق الجيش المصرى انتصارات كثيرة فى الجنوب وفى آسيا فى عهود أمينحتب الأول ابن أحمس وتحتمس الأول الذى وصل الجيش فى عهده حتى نهر الفرات، وتحتمس الثانى الذى طارد البدو الذين كانوا يقطعون الطرق ويهددون تجارة مصر البرية.
• معركة مجدو
يعد تحتمس الثالث أعظم حكام مصر وأحد أقوى الأباطرة فى التاريخ، حيث أسس أول إمبراطورية مصرية فى ذلك الوقت. ظلت حتى نحو عام 1070 ق. م حتى عهد رمسيس الحادى عشر، فحكم مصر 32 عاماً قاد خلالها 16 حملة عسكرية لتوطيد سلطان مصر ونفوذها فى كل أنحاء المعمورة المعروفة آنذاك .. ولم يعرف جيش مصر خلال حكمه طعم الهزيمة، فلم يمر على توليه مقاليد الحكم سوى 75 يوماً حتى انتفض للقضاء على أعدائه فى مجدو - تل المسلم حالياً شمال شرق جبل الكرمة شمال فلسطين، وكان ذلك فى 15 أبريل عام 1468ق.م.
وقد استخدم تحتمس تكتيكات عسكرية ومناورات لم تكن معروفة من قبل. وقرر أن يمر الجيش من ممر ضيق يصل مباشرة إلى مجدو لمفاجأة الأعداء، فى مغامرة قلبت موازين المعركة فيما بعد وحسمها جيش مصر فى ساعات. وتعتبر من أخطر مغامرات الجيوش فى العالم القديم. وحمل الجنود عتادهم الحربى وكانوا يفكون العربات الحربية ليسهل حملها وتسللوا فى مجموعات صغيرة.
وبذلك دمر تحالف «فلسطينى - سورى» ضخمًا كان ينوى مهاجمة مصر، فى معركة من أهم معارك التاريخ كان من نتائجها المهمة تكوين إمبراطورية مصرية فى آسيا. فى عهد تحتمس الثالث أيضاً، وسع الجيش حدود مصر الجنوبية حتى الشلال الرابع فى وسط السودان الحالى.
بنى تحتمس الثالث القلاع والحصون، وقام بتدريب الجنود على أفضل التدريبات وأمدهم بأسلحة مبتكرة قوية مثل النبال المستحدثة وتوسع فى استخدام العربات فى القتال. وتميز الجيش فى عهده بالتنظيم العسكرى الرائع والتسليح والتدريب إلى أن أصبح أقوى جيوش العالم فى عصره فأنشأ أسطولاً حربياً حديثاً وأصبحت مصر سيدة بحار العالم بفضل هذا الأسطول.
وامتد النفوذ المصرى حتى بلدة (لى) على نهر الفرات شمال العراق وفلسطين ولبنان وسوريا، وجنوباً إلى السودان، وغرباً ليبيا ووصلت السفن المصرية حتى عدن باليمن، وكانت طيبة (الأقصر) هى عاصمة أعظم إمبراطورية فى العالم القديم.
كما استولى على قادش ونهر العاصى بسوريا، وكتب اسمه وانتصاراته على لوحة تخلد مصر بالضفة الشرقية لنهر الفرات. وغنم الجيش المصرى غنائم كثيرة من هذه المعركة منها تماثيل للأمراء من الأبنوس المحلى بالذهب، وحجر اللازورد والمحفات والأسرة المطعمة، وأعداد كبيرة من الماشية منها 20 ألف ضأن وألفان ماعز علاوة على عتاد وأسلحة الحرب.
% معركة قادش
رمسيس الثانى أحد الحكام والقادة العسكريين البارزين ومن أعظم ملوك العالم القديم، ومؤسس الإمبراطورية المصرية الثانية فى تاريخ مصر وتولى الحكم وعمره 22 عاماً حتى توفى وعمره 67 عاماً فى عام 1224 ق. م.
وكانت معركة قادش ضد الحيثيين عام 1285 ق.م من أعظم معارك رمسيس الثانى التى وضحت من خلالها رؤية مصر الاستراتيجية للمعارك الحربية، ففى بداية المعركة هاجم العدو فى سرعة مباغتة كادت أن تقضى على الجيش المصرى إلا أن شجاعة رمسيس الثانى وكفاءته العسكرية جعلته يتحكم فى سير المعركة واستطاع بذكائه تحويل الهزيمة المنتظرة إلى نصر ساحق. وكانت ملحمة بطولة وشجاعة وصمود للجيش المصرى بكل المعايير الحربية والمقاييس العسكرية .
وبعد هذا النصر سارع الملوك الخاتيون بتقديم فروض الولاء والطاعة لملك مصر الشجاع الذى وافق على عرض السلام والصداقة، وتم توقيع أول معاهدة سلام فى التاريخ فى عام 1270 ق.م بين ملك مصر المنتصر وبين ملوك الخاتيين، وانتهى تهديد الحيثيين لمصر. •