الأربعاء 18 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

50 سنة على إنقاذ أبوسمبل

50 سنة على إنقاذ أبوسمبل
50 سنة على إنقاذ أبوسمبل


منذ 50 عاماً وبالتحديد فى شهر أكتوبر 1965 بدأت عمليات إنقاذ معبدى أبوسمبل من الغرق بسبب تحويل مجرى النيل وبناء السد العالى  وانطلقت حملة من اليونسكو وساهم فيها المصريون والأجانب وبهذه المناسبة تقيم «حملة أبوسمبل» احتفالا باليوبيل الذهبى لإنقاذ معبد رمسيس الثانى ومعبد نفرتارى «معبدى أبوسمبل»

وتبدأ أولى الفعاليات الرئيسية بحدث عالمى استثنائى يبدأ من يوم 10 أكتوبر من هذا العام ويستمر حتى تعامد الشمس فى 22 أكتوبر، وهو محاكاة للمشهد الأسطورى لرفع الوجه الأول من تماثيل رمسيس التى أمام واجهة المعبد الكبير بأبوسمبل وهى أول وأهم قطعة ترفع من أجزاء المعبد، ففى مثل هذا اليوم من 50 عامًا ارتفع وجه رمسيس فى الهواء لينتقل من موقعه الأصلى إلى موقعه الجديد أعلى الجبل فى مشهد مهيب تابعه العالم أجمع.
ففى يوم الأحد الموافق 10 أكتوبر من عام 1965 كان موعدنا مع حدث أسطوري، فمع حركة الشمس على مدار ذلك اليوم، بدءا من شروق الشمس حتى اختفائها خلف الجبل، كان هناك عمال ومهندسون يعملون بكل دقة وجلد ويسابقون الزمن، ليبدأ وجه رمسيس رحلته إلى مكانه الجديد الآمن أعلى الجبل، تاركاً موقعه القديم الذى سيغرق فى قلب بحيرة ناصر.. فى هذا اليوم ارتفع وجه الملك عاليا فى الهواء فى مشهد مهيب أخذ يتابعه الجميع بترقب شديد، وقد كان هذا هو الوجه الأول من التماثيل الأربعة التى كانت تطل أمام واجهة المعبد الكبير.
فى ذلك اليوم انتقلت أهم وأول قطعة رئيسية من المعبد إيذاناً بالبدء الفعلى لعملية الإنقاذ.
فى ذلك اليوم استطاع آباؤنا أن يثبتوا للعالم أجمع أننا متمسكون بالحفاظ على التراث الإنسانى على الرغم من كل الظروف السياسية والاقتصادية التى كنا نمر بها، ففى الوقت الذى كانت الدولة تبحث فيه عن رفاهية مواطنيها، كانت الدولة حريصة أيضاً على حماية التراث الإنسانى.
وفى ذكرى هذا اليوم، علينا أن نتذكر جميعاً دكتور أحمد عثمان، الفنان المبدع النوبى الأصل وأول عميد لكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، وقد شغل هذا المنصب حتى تقاعده، نتذكره لنقدم له الشكر هو وزملاؤه على إسهاماتهم فى الفكرة العبقرية التى أدت إلى تقطيع المعبد إلى أجزاء حتى يتم نقله إلى مكان آمن ومن ثم إعادة تجميعه مرة أخرى.
 ففى هذا اليوم بدأت فكرة أحمد عثمان تحقق نجاحها بعد إلغاء فكرة المشروع الإيطالى الخاصة بنقل المعبد كتلة واحدة نظراً للمخاطر الشديدة التى كانت تهدد تنفيذ الفكرة..!!
لقد تمت عملية الإنقاذ على عدد من المراحل، كان أهمها أربع مراحل أساسية، فى المرحلة الأولى كان هناك صراع مع الزمن ومحاولة التغلب على فيضان النيل بسبب بناء السد العالى وبدء تكوين بحيرته، ولقد تم ذلك من خلال بناء سد مؤقت حول المعبدين ليكون حاجزاً مؤقتاً أمام مياه البحيرة، وبذلك كسبنا 13 شهراً إضافيا تم أثناءها دراسة البدائل المختلفة لعملية الإنقاذ.
بعد ذلك بدأت المرحلة الثانية، وكانت تشمل عملية التقطيع، سواء تقطيع الجبل أعلى المعبدين أو جسم المعبدين المنحوتين فى الجبل، ولقد تمت إزالة 300 ألف متر مكعب من أحجار الجبل، وتم نقل وتركيب ثلث مليون طن من أحجار الجبل علما بأن وزن المعبد يعادل ربع مليون طن، وعلماً بأن المعبد تم تقطيعه إلى 5 آلاف قطعة..!  
ثم تأتى المرحلة الثالثة، وتمثلت فى تجميع أجزاء المعابد، وقد تم التجميع بمهارة فائقة بعد نقل القطع إلى موقع يرتفع عن الموقع الأصلى بـ 65 مترا رأسياً لضمان عدم تأثره بارتفاع مياه البحيرة خلف السد، كما كان الموقع الجديد يبعد 200 متر فى تجاه الشمال أعلى الجبل.
ثم تبدأ المرحلة الرابعة والأخيرة، والتى تم فيها بناء القبة الخرسانية المشكلة للجبل الاصطناعى الذى يضم بداخله المعبدين لمحاكاة الهيئة الأصلية للمعبدين، والجدير بالذكر أن هذه القبة تعتبر أهم عمل هندسى فى العالم له علاقة بأثر.
بخلاف فعالية «رفع الرأس» فى أكتوبر القادم فإن الحملة تستهدف إقامة العديد من الفعاليات فى خلال السنوات الثلاث القادمة أهمها:
• شهر احتفالى بانتهاء فعاليات اليوبيل الذهبى من 22 سبتمبر حتى 22 أكتوبر 2018 ، وتنتهى بافتتاح المتحف التوثيقى داخل القبة المشكلة للجبل الاصطناعى الذى يحتوى على المعبد.
أتذكر فى تلك اللحظات الخبراء الألمان المتخصصين فى أعمال الترميم عندما كانوا يتابعون العمال المصريين بانبهار شديد حين حققوا إنجازًا تمثل فى عدم تخطى سمك التقطيع 4 مم فى حين أن العقد كان يسمح ب 6 مم حدا أقصى، فجاءت مقولتهم الشهيرة: «إن نفس هذه الأيدى العاملة النادرة التى بنت هذه المعابد ونحتت هذه التماثيل تعود اليوم مرة ثانية لتعيد ترميمها وصيانتها، نفس الوجوه السمراء، والأيدى تقطع الصخر». •