سلاف فواخرجى: رغم الحزن الساكن فينا.. أتمسك بثقافة الحياة
مى الوزير
جميلة الوجه والروح وكأن النور والتألق يطل من عينيها، تملك كل مقومات معادلة نجاح النجمة المثقفة الموهوبة، اتفقت أم اختلفت معها فى آرائها ولكن فلننح الخلافات والتصنيفات جانبا الآن فالأولوية لوطن كامل وهوية وليس لأفراد، جلست مع سلاف فواخرجى بهدف التحدث عن نشاطها السينمائى الأخير وخوضها تجربة الإخراج للمرة الأولى من خلال «رسائل الكرز» الحاصل على جائزة فى مهرجان الإسكندرية السينمائى.
وألقى الحديث بظلاله على الوضع الراهن فى سوريا وفى الوطن العربى، بكت سُلاف أثناء حديثها معى، بكت حينما ذكرت الشام وكيف كان الوضع منذ سنوات وما هو قائم الآن وقالت: «لا يهم من بصف من الآن، يجب أن نكون كلنا بصف الوطن، الوطن الذى يُسرق ويُحرق وتُسرق حضارته، سوريا هى الأهم الآن» رسائل الكرز ومريم والأم وعن مشروعها القادم «مدد» حدثتنى سُلاف وعن الشام وأهلها الذين يتحدون الموت بثقافة الحياة التى تتعزز بداخلهم يوما بعد الآخر، عن كل هذا حدثتنا «الكرزة» سلاف فواخرجى.
• تعيشين الثلاث سنوات الأخيرة نشاطاً سينمائيا مكثفا بما فيها فيلم من إخراجك، ما السر وراء هذا وهل هى الظروف السياسية التى أدت الى قلة النشاط الدرامى السوري؟
- أنا محظوظة لأنى قدمت الفترة الأخيرة أعمالا سينمائية متعددة خاصة أن فى سوريا الإنتاج السينمائى منخفض وهذا كان قبل الحرب وليس بعدها فقط، ورغم أنه تم تقديم محاولات جيدة ومستواها الفنى جيد إلا أن عددها قليل جداً مقارنة بالأعمال الدرامية، وأنا أعتبر نفسى سعيدة الحظ من بداياتى لعملى بالسينما، وأنا دائماً أسعى للعمل فيها فالسينما بالنسبة لى عالم خاص وجمالية خاصة، وفى الفترة الأخيرة قدمت مريم، الأم، انتظار الخريف وقمت بإخراج «رسائل الكرز»، أشعر دائماً أن وجودى بالسينما مختلف وكذلك أدائى السينمائى.
• رسائل الكرز والتجربة الإخراجية الأولى، كيف جاء اختيارك للنص، هل كان فى ذهنك إطار ما أو قصة معينة؟
- كان قرار الإخرج نفسه بالنسبة لى بالصدفة البحتة، فأنا كنت فى جلسة مع الصديق نضال قوشحة ووائل زوجى، وحكى لنا نضال هذه القصة الواقعية، تعلقت جداً بالفكرة وأعجبت بها، وظللت لمدة شهر أفكر فيها وللحظة قررت أن أقوم بتجربة إخراجها ولدىَّ الكثير من الأشياء التى أريد أن أقولها وأقدمها من خلال تلك القصة التى سُردت لى عن حبيبة وحبيب.
• وما تقييمك لتجربة الإخراج؟
- كانت صعبة للغاية وممتعة للغاية، وبقدر حبى وعشقى للتمثيل أصبحت متعلقة بهذه الحالة التى عشتها فى الإخراج وأحببت نفسى فيها وأتمنى أن أعيدها.
• وما الذى غيرته فيك هذه التجربة؟
- غيرت فىَّ الكثير وزادت خبرتى أنا أعتمدت فيها على خبرتى بالتمثيل، فأنا كممثلة أهتم كثيرا بالأشياء التقنية وأنتبه لها وأحب أن أتعلمها وعندى فضول دائم لاكتشاف الكاميرا والإضاءة وكل مكونات المشهد السينمائى أو التليفزيونى، وحتى على صعيد السيناريو، فأنا لست الممثلة التى تذهب إلى اللوكيشن لتقول حوارها وترحل بل يجب أن أكون شريكة فى كل هذا، وكل هذا أفادنى كثيرا فى الإخراج، وأثناء عملية الإخراج نفسها تعلمت يوماً بعد يوم واكتشفت زوايا وعوالم جديدة لم أكن أعرفها واكتشفت منظوراً مختلفاً فى التعامل مع الفنيين وتعلمت وعشت التجربة بحذافيرها وبمتعتها وصعوبتها، وأصبح عندى هوس لمدة عام بالشخصيات والموسيقى وكل ما هو متعلق بالفيلم.
• كلمينى عن (مدد)؟
- هو فيلمى القادم، أحضر له وهو فيلم سيكون ضخماً جداً، يتحدث عن فكرة النشوء وكيف نشأت الأزمة إذا أسميناها أزمة أو حرب فى بداياتها ونركز فيها على الإنسان من خلال الشخوص واختلافاتهم وتنوعهم، وبنفس الوقت نكتشف أننا نعيش طوال عمرنا فى محرمات (الدين والجنس والسياسة)، لنكتشف فى لحظة أن كل هذه المحرمات لا شىء مقابل حُرمة الوطن فهو الشئ الوحيد المُحرم «مدد» هو عن قصة الكاتب الصحفى «سامر محمد إسماعيل» وأنا متفائلة به كثيراً.
• أصبح من الجلى أنك معنية أكثر بقضايا سياسية ووطنية ويظهر هذا بوضوح حتى من خلال اختياراتك السينمائية، وهل هذا مرتبط بالوضع الراهن فى سوريا؟
معظم الأعمال السينمائية الآن تتجه للحرب التى تعيشها سوريا ومريم باختلاف تواريخه فهو يعبر عن النفس المتكررة عبر سنوات بسوريا والمرأة السورية من مريم للأم وانتظار الخريف الذى يتناول الحرب السورية ولكن بطريقة إلى حد ما كوميدية سوداء، والمضحك المبكى والتجسيد لمقولة «شر البلية ما يضحك» ورسائل الكرز الذى لا يحكى عن الحرب بشكل مباشر، ولكن ينوه لها ويتكلم عن احتلال الجولان القطعة المقتطعة من سوريا والمحتلة من قبل العدو الإسرائيلى والوطن المفقود من خلال قصة حب رومانسية ومن منظور يصل بنا لنتيجة أن الحب والوطن مفهوم واحد صعب ينفصلان عن بعضهما البعض.
لعلنا قبل الحرب كنا نحكى عن الوطن دون أن نشعُر أو حتى كعنصر مكان ولكن بعد الحرب أصبح الموضوع واضحاً أكثر، إذا تحدثنا عن الشام مثلا ونشعر بمذاق مختلف عما كنا نشعر به من قبل، أصبح مؤلماً أكثر، وبالتأكيد الوضع الحالى أثر علينا كثيراً، فنحن فى سوريا نعيش فى دراما وكوابيس فظيعة ومن وحى الواقع نقدم أفلاماً، وتلك الحالة تخلق لدينا حالة من التحدى والإصرار لكى لا نخضع لفئة تريد إبادتنا كسوريين وتدمير حضارتنا فنحن نواجههم بالفن ويظل الإنسان السورى الذى قدم الأبجدية الأولى ينتج ويقدم فنا وثقافة فنحن نشبه ثقافة الحياة وليس ثقافة الموت.
• وهل الناس تريد متابعة هذه الحالة التى تعيشها على الشاشة أيضاً، أم يريدون الأنفصال عن الواقع؟
- هذه المسألة نسبية، فهناك من يقولون لا أستطيع الانفصال عن عالمى وهذا العمل يجسد واقعنا، وآخرون يقولون تعبنا ونريد مشاهدة شئ كوميدى سخيف أحياناً، فهى أذواق مختلفة.
• وكيف تنفصلين عن هذا الواقع المؤلم؟
- لا أستطيع أن أنفصل إطلاقا، لعله أحيانا أثناء وقوقفى أمام الكاميرا أضطر لأن هذا عملى ولكن من داخلنا الحزن ساكن فينا، ولعل هذا يكون دافعاً لكى نعمل أكثر.
• بعد هذا النشاط السينمائى ماذا عن الدراما المصرية ولماذا هذا الغياب عنها؟
- بعد مسلسل كليوباترا واسمهان أصبحت حاملاً ثم حدثت ثورة يناير فى مصر وتوترت الأوضاع لفترة ومن ثم الحرب فى سوريا، وقبل الأحداث فى سوريا كنت وقعت لمسلسل شجرة الدر فى مصر فى يناير 2011 وعدت لسوريا قبل إغلاق المطار بساعات، ونظرا لتوتر الأجواء ولأن العمل ضخم جداً ويحتاج إلى ميزانية كبير مع هذه الأجواء تعثر من عام لآخر وأجله التليفزيون المصرى، ولكن مازال المشروع قائماً حتى الأن، بالإضافة إلى اعتذارى عن تقديم أكثر من عمل ولكنى أرفض الإفصاح عنها.
• فى هذه المرحلة المهنية الهامة فى حياتك، ما هى مقاييسك فى الاختيار؟
- مقاييسى واحدة فى كل المراحل فأنا دقيقة وحريصة، ولا يهمنى الظهور لمجرد الظهور أو من باب التواجد والانتشار وكنت كذلك فى بداياتى ولطالما كان عندى هدف بناء اسم وكيان بعيدا عن الجانب المادى والشهرة وأخاف على اسمى لذلك لا أعمل إلا بمقاييس دقيقة وصعبة إلى حد ما.
• قلت فى إحدى ندوات مهرجان الإسكندرية أن الشعب المصرى «يتعاطى الفن مثل الخبز»؟
- الشعب المصرى والسينما المصرية ليست موجودة سوى فى مصر والمائة وعشرون سنة سينما موجودة فى مصر، لم يكن هناك سينما سوى فى مصر منذ أيام السينما غير الناطقة، تفاصيل العراقة والزمن الجميل والأبيض والأسود، كل هذا لم يأت من فراغ لذلك وقع السينما المصرية مختلف والجمهور المصرى مختلف عن أى جمهور عربى، حتى لو تغير المستوى من آن الى آخر إلا أن هناك قاعدة كبيرة لها فى المجتمع العربى.
• كمواطنة سورية لديك صوت مسموع اليس لديك رسالة ما تريدين توجيهها لجهة ما؟
- أوجه رسالتى لكل الدنيا أرجو أن يكون لديكم ضمير، نحن استقبلنا كل العرب بدون فيزا، عمرنا ما أذينا أحد، عمرنا ما أقمنا خيمة للاجئ عربى، لكن ماحدث للمُهجرين السوريين شىء مؤلم جدا، أقول للناس ارحموا هؤلاء الأطفال الذين يموتون قصفا وغرقا، ارحموا البنات الصغار اللاتى يتم تزويجهن وهن صغار وأعادونا لعهد الجوارى والسبايا، أتمنى أن يكون هناك ضمير لجامعة الدول العربية التى تجتمع بشكل سريع لإدانة سوريا، ولكنها لا تجتمع فى أحيان أخرى يجب أن تجتمع فيها، فالمعايير مزدوجة والمفاهيم مختلطة، نشاهد مسرحية كوميدية سيئة جداً ولكن لا يوجد خاسر سوى الشعب السورى نحن تحت رحمة وحوش بشرية تقتل وتذبح وتحرق باسم الله أكبر والله منهم براء، الله معنا وراح بنصر المظلوم والسوريون ظُلموا كثيرا. •