السبت 7 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

د.عالية: وفاته بالقلب غيرت مسار حياتى

د.عالية: وفاته بالقلب غيرت مسار حياتى
د.عالية: وفاته بالقلب غيرت مسار حياتى


هو فى القلب
مهما مر الزمان
لأنه معنا .. وسيظل معنا
لن نستطيع أن نكرهه .. وسهل جداً
أن نحبه .. ولذلك فإن التاريخ يسجل له وللأبد
أنه حبيب الملايين
أمس واليوم وغداً !
عبدالناصر حبيب الملايين.. كلمة دائما ما ترددت فى منزلنا.. فأنا من بيت ناصرى من الألف إلى الياء.. أمى سورية مصرية ناصرية  وأبى مصرى من أصل مغربى ناصرى.. اجتمعا على حب عبدالناصر رغم اختلافاتهما الكثيرة.. لكن دائما ما جمعهما الحديث عن ناصر والاتحاد الاشتراكى وأخطاء الانفتاح الذى قام به السادات.. كانا يتفاخران بأنهما كانا ممن نزلوا للشارع يطالبون بعودة عبدالناصر بعد خطاب التنحى.. وعندما تأتى ذكرى وفاته كانت أمى تروى لى كيف نزلوا جميعا للجنازة وتعالى فجأة دون اتفاق أو تجهيز صوت الناس.. «الوداع يا جمال يا حبيب الملايين» وكانت تدمع عيناها حتى سنة 1999 سنة وفاتها..
 لم أحضر ولا يوم من أيام ناصر، لكنى ترعرعت على حب عبدالناصر.. تربيت فى دولة الإمارات العربية.. وكنت فخورة أننى مصرية لأنهما دائما ما كانا يقولان لم ولن تشهد الأمة العربية زعيما إلا عبدالناصر.. هنا كنت أعشقه كل يوم أكثر، وأعشق مصريتى أكثر وأكثر.. احتفظت بكل صوره التى كانت أمى تحتفظ بها فى محفظتها.. وفى علبة صورنا العائلية وكأنه فرد من العائلة.. لكنى فى الحقيقة لطالما سألت نفسى.. ما سر هذا الرجل؟ ولماذا لم نحظ بمثله منذ وفاته.. أليست مصر ولادة للزعماء والعباقرة؟ لماذا رفعت صوره فى ثورة 25 يناير 2011؟ و30 يونيو 2013؟! ولماذا ندافع عنه حتى الآن رغم وجود الكثير من الأخطاء فى عهده نعانى منها حتى اليوم؟ من هذا الرجل وما سره؟ ترد على هذا السؤال واحدة من عشاقه.. ذهبت للدكتورة عالية عبدالفتاح أستاذ طب الحالات الحرجة فى عيادتها لمعرفتى أنها من عشاق ناصر.. وجدت صورة لعبدالناصر فى كل غرفة من غرف العيادة وكل صورة لها قصة.. أما قصتها هى شخصيا معه.. فترد على جزء من سؤال.. ما سر هذا الرجل؟..  تقول الدكتورة عالية.. بدأت علاقتى بعبدالناصر بعد النكسة عندما كنت فى الثانية عشرة من عمرى.. فقد هدنى هذا الحدث وكسرنا جميعا..
كانت بداية علاقتى به خطاب التنحى.. شعرت وكأن أبى سيتركنى ويرحل.. جعلنى هذا.. أريد أن أعرف الحقيقة.. وبدأت أقرأ وذهبت للمركز الثقافى المصرى وقابلت رجلا عظيما.. اسمه الأستاذ على.. وقلت له.. أريد أن أعرف ماذا حدث.. ولماذا؟ ومن المخطئ؟ فقال لى.. «إذن يجب أن تبدئى بالتاريخ..» وكنت أذهب يوميا أقرأ الكتاب وأرجع للبيت فيزيد حبى له يوما بعد يوم وكتابا بعد كتاب.. وفى هذه الفترة كنت أسمع خطاباته وأذكر كل كلمة منها.. أذكر مثلا يوم 2 نوفمبر سنة 67 عندما قال «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وسنعبر فوق بحر من الدماء تحت أفق مشتعل بالنار..» أذكر حتى الآن نبرة صوته وأسلوبه.. الإحساس الذى وصل لكل مصرى بأننا لن نستسلم.. وأعطانا الحافز وجعل كل مصرى يعى أنه يجب أن يعمل وينتج كل فى مكانه.. جعلنى أنا شخصيا أدرس وأكون الأولى فقط لأننى مصرية ويجب أن يكون هذا مكانى.. قابلته بعد ذلك بسنتين.. وبكيت.. فقط من نظرة عينيه.. أحسست أنه مدرك ما أشعر به.. وأنه يفهمنى.. هو كان بالنسبة لى رمزا توفى بعد ذلك.. وكنت فى الخامسة عشرة.. وقلت لنفسى هو مات ونحن ماذا سنفعل بعد الحزن.. كنت فى ذاك الوقت أريد أن أدخل  كلية سياسة واقتصاد.. لكننى بعد وفاته اختلف تفكيرى 180 درجة وقررت أن أدخل كلية الطب وليس هذا فقط بل قررت أن أتخصص فى أمراض القلب المستعصية.. وأعالج الأزمات القلبية لربما أستطيع أن أفعل شيئا لم أستطع أن أفعله له.. أريد أن أقول لك.. إن عبدالناصر رمز اعتزازنا بمصريتنا وكبريائنا وعروبتنا هو السبب بتغيير مسار حياتى.. لم يؤثر فى يوما كلام البعض عن أنه سبب انهيار مصر لأننى قرأت كثيرا وعرفت عن يقين أهمية هذا الرجل.. كلنا بنا سلبيات وإيجابيات لكن المهم هو المحصل النهائى.. مصر كانت وقته من أعظم البلاد اجتماعيا واقتصاديا  لذا ضربونا ليوقفوا صعودنا لأن معدل التطور أخافهم.. عندما أذهب للضريح فى ذكراه أقابل شبابا يعشقونه.. ويعرفون قيمته.. هذا هو سره أنه كان قادرا على أن يجعل المصرى يخرج أجمل ما فيه ويفجر طاقاته.. لنعرف أننا عمالقة.. أما عن قصة صورة عبدالناصر فى عيادتى فهذه كانت ملكا لسيدة سورية تعيش فى سوريا وكانت تعلم مدى حبى لناصر.. كان لديها ابنة واحدة لا تحبه وتنتقده كثيرا.. وهذه السيدة وهى على فراش الموت.. أوصت ابنتها أن تعطينى هذه الصورة خوفا من تمزقها.. فهى تعلم أننى سأحافظ عليها.. نعم هذا هو عبدالناصر.. حبيب  الملايين.. ليست الملايين المصرية فقط بل العالم العربى كله.. لأن هذا الرجل كان حقيقيا.. نعم حقيقيا فى كل شيء كلماته.. مشاعره.. حبه لهذا البلد وأهله.. كان حقيقيا حينما يغضب وحقيقيا عندما يرضى.. حقيقيا فى عشقه للوطن العربى وحلمه بالعروبة.. حقيقيا حتى عندما يخطئ.. الوداع يا جمال يا حبيب الملايين. •