الجنس الناعم: اشتقنا لأنوثتنا..

ياسمين خلف
«مش عارفين نكون جنس ناعم»!، استوقفتنى كثيرا هذه الجملة عندما سمعتها تتردد من فتيات، حكمت عليهن الظروف المجتمعية أن يتبرأن من أنوثتهن فى سبيل مواجهة الشارع الذى أصبح يتربص لهن بالمرصاد.. فقد حولتهن المعاكسات اللفظية والتحرش الجسدى من جنس ناعم إلى جنس خشن، يمارسن الرياضات العنيفة وحركات الدفاع عن النفس داخل كورسات الجيم المكثفة.. حتى أصبحن يتعاملن فى الشارع بمبدأ «العين بالعين والسن بالسن والبادى اظلم»!
ورغم ذلك لم يسلمن من الانتقادات.. فقد نسى المجتمع أنهن جنس ناعم ورقيق يجب أن يعاملن بلطف.. فقد أصبح مصطلح «البنت المسترجلة» هو عنوان قوتها وسلاحها الذى تظهره أمام من يحاول الاقتراب منها أو مضايقتها.. فقد اشتاقت كثيرًا لإظهار أنوثتها.. ولكن للأسف يحرمها المجتمع من ذلك!.. وبالتالى يكون رد فعلها صادمًا للكل.. عندما تقرر التمرد والاعتراض والخروج عن صمتها وإعلان رفضها بصوت عالٍ.
فقد تحدثنا مع بعض الفتيات اللاتى تعرضن لبعض المواقف التى جعلتهن يتعاملن بشكل رجولى فى الشارع.
• مجتمعنا سلب حريتنا..
«أمنية حياتى إنى أمشى فى الشارع براحتى ومحدش يضايقنى»!.. هذا ما تمنته بسنت عادل - 27 سنة - فى بداية حديثها معى لتكمل قائلة: بصراحة نفسى أحس إنى بنت وأنا ماشية فى الشارع مش«صول ماشى»!.. ونفسى يكون عندنا قانون يجرم المعاكسات حتى ولو صامتة مثل الدول الأوروبية - لكن هذا الحلم صعب تحقيقه- لأن للأسف مجتمعنا سلب حريتنا وحرمنا من أبسط حقوقنا، وهى أن البنت تشعر بأنها بنت دون أن تتنكر فى زى رجولى أو تتعامل بشكل «خشن» مع الناس لتتجنب مضايقتهم.. وإذا ضايقوها وتعاملت معهم بنفس معاملتهم، ينتقدونها ويلومونها على أسلوبها، ولكنهم لا يلومون من فعل بها هذا وجعلها تتغير من جنس رقيق وناعم إلى جنس خشن!!.. وهذا ما بدأت أتبعه أنا أيضا فى حياتى.. فقد قررت الخروج عن صمتى وخجلى وبدأت «أسترجل» فى معاملتى، بمعنى إذا ضايقنى أحد فى الشارع أقف بمنتهى الجرأة وأرد عليه بنفس الأسلوب والطريقة التى ضايقنى بها.. لكنى داخليًا لن أكون راضية على ما أفعله، لأننى لا أحب أن أكون «مسترجلة»، فأنا بنت وأنثى وأحب أن أشعر بأنوثتى، لكن للأسف المجتمع يدفعنى إلى عكس ذلك.
• المحترمة ليس لها مكان فى الشارع..
المجتمع فرض قيودًا على البنت من ضمنها إبادة نعومتها بطريقة غير مباشرة، هذا ما قالته يارا محسن -30 سنة - لتوضح قائلة: البنت الضعيفة ليس لها مكان فى مجتمعنا، لأنها «هتتاكل بسهولة» ويضيع حقها.. وهذا أول درس تعلمته بعد أن تشاجر معى سائق تاكسى على الأجرة.. فعندما اعترضت على ذلك بمنتهى الاحترام والهدوء، وجدته نزل من السيارة ويعلى صوته ويقترب منى.. فعندما طلبت منه أن يتحدث بأسلوب محترم ومهذب، تمادى أكثر فى أسلوبه المنحط.. فرميت فى وجهه الفلوس وتركته وذهبت.. لكننى فوجئت بأن الناس تلومنى بعد ذلك قائلين: «هو استضعفك عشان شافك محترمة وبنت ناس، فحب يستغلك ويضايقك»!.. وهنا كانت نقطة التحول.. لأن بعدها بدأت المضايقات تتوالى عليّ.. ومعها بدأت أنا أيضا أتغير.. فكنت من قبل أتجنب هذه المضايقات بالتجاهل، لكن عندما علمت بعد ذلك أن هذا التجاهل يعتبر نوعًا من أنواع الموافقة!.. فقررت أن يعلو صوتى أنا أيضا ويكون ردى قويًا وواضحًا وصريحًا.. فكيف نكون جنسًا ناعمًا فى مجتمع ملىء بالحيوانات المفترسة التى لا تقدر هذا الجنس وتحترم وجوده؟!
• اختفاء الأنوثة..
«راح زمن الأنوثة»!، هذا ما قالته بسمة أحمد-24سنة- لتخبرنا قائلة: البنات الآن أصبحن يتجهن لممارسة الرياضات العنيفة من أجل الدفاع عن أنفسهن.. فقد تحولت نظرتهن وأصبحن أكثر واقعية لمواجهة مضايقات الشارع.. فبدلا من أن تأخذ كورسات باليه أو جمباز ليكون جسمها أكثر انسيابية وأنوثة، أصبحت تأخذ كورسات تايكوندو وجودو وغيرها من كورسات الدفاع عن النفس التى أصبحت منتشرة الآن داخل الجيم.. وها أنا واحدة من هؤلاء البنات اللاتى يشاركن فى هذه الكورسات.. فقد ذهبت إلى الجيم من أجل ممارسة الرياضة، وهناك علمت أنهم يعطون دروسًا بحركات معينة للبنات من أجل الدفاع عن أنفسهن.. فقد اشتركت فى هذا الكورس دون تفكير.. واكتسبت بعض المهارات التى جعلتنى الآن أستطيع التعامل مع الناس فى الشارع وبالأخص مع سائقى الميكروباص والتوك توك، لأننى كنت أجد صعوبة فى التعامل معهم وخصوصًا أثناء قيادة السيارة.. فهم يستضعفون الفتيات اللاتى يقدن السيارات ويتعمدون مضايقتهن أثناء السير.. وبالتالى يجب على البنت أن تكون أكثر قوة وجرأة لمواجهة هذه المضايقات التى تعرقل سيرها فى الشارع . لأن البنت القوية يخاف منها الناس ويعملون لها ألف حساب!
• المجتمع قاسٍ على المرأة..
وقد أكدت لبنى محمد -23 سنة - قائلة: البنت الآن تعانى من كبت شديد، لأنها لم تجد حريتها فى الشارع.. فإذا قررت أن ترتدى فستانًا وتترك شعرها، لن تسلم من كلام الناس ونظرتهم لها.. فالمجتمع قاسٍ وقسوته فرضت نفسها على المرأة.. لذلك كيف تكون البنت جنسًا ناعمًا فى مجتمع شرس يجعلها تتخلى عن أهم سماتها، وهى مظهرها الأنثوى فى الشارع كى لا تتعرض للمضايقات والتحرش الجنسى؟!.. بالإضافة إلى السلوكيات العنيفة التى تمارس فى الشارع، وفى العمل وأيضًا فى البيت والتى تضغط على أعصابها وتجبرها على التخلى عن رقتها ومواجهة العنف بالعنف.. أيضًا الظروف الاقتصادية التى فرضت عليها أن تمتهن مهنًا تجعلها تتخلى عن طبيعتها الأنثوية كسائقة توك توك أو تاكسى، وجعلتها بطبيعة الحال تتحول إلى جنس خشن دون إرادتها.. وبعد كل هذا يطالبها المجتمع أن تكون ناعمة! •