قدورة العجنى: لا يمكن تجاهل الشعر البدوى كجزء من الثقافة المصرية

محمد حمدي القوصي
رغم أن الشعر البدوى ينتشر بقوة فى أنحاء مصر، وخاصة فى المحافظات الحدودية، والدلتا، والصعيد، إلا أنه لا يلقى الاهتمام الكافى من الدولة، وتحديدًا وزارة الثقافة التى أدرجته مؤخرًا فى جدول اهتماماتها باعتباره جزءاً من الثقافة المصرية.
التقينا الشاعر البدوى قدورة العجنى - عضو اتحاد كتاب مصر ومؤسس أندية الأدب البدوى فى مصر ورئيس النادى الأدبى بقصر ثقافة مطروح - الذى تحدث لـ«شمس البوادى» عن الشعر البدوى، ومفرداته، ورموزه، والقوالب والبحور الأشهر التى تستخدم فى كتابته، والتطورات التى طرأت عليه، وتأثير الحداثة عليه، وأخيرًا أهمية ترسيخ الشعر البدوى فى وجدان الناس للحفاظ عليه من الاندثار.
مطروح.. عاصمة الثقافة البدوية
فى البداية، قال الشاعر البدوى قدورة العجنى - عضو اتحاد كتاب مصر ومؤسس أندية الأدب البدوى فى مصر ورئيس النادى الأدبى بقصر ثقافة مطروح -: «إن الشعر البدوى يأتى من صميم اللغة العربية، وله أوزان وبحور الشعر العربى بشكل عام، وقد تكون بعض ألفاظه غريبة على الأذن لكنها مستمدة من اللهجة القيسية التى تعد إحدى لهجات شبه الجزيرة العربية».
وأضاف أن الشعر البدوى موجود فى مصر، فى أكثر من محافظة، ولا يقتصر تواجده على المحافظات الحدودية فقط «شمال وجنوب سيناء»، لكنه موجود فى الإسكندرية، والبحيرة، وفى محافظات الصعيد مثل الفيوم، والمنيا، والجيزة، والشرقية، فيما يوجد على استحياء فى بعض المحافظات الأخرى.
وتابع قائلاً: «إن الشعر البدوى موجود بقوة فى مدينة مطروح باعتبارها عاصمة الثقافة البدوية، التى مازالت محتفظة بالسمات والخصائص البدوية، مدللاً على قوله بوجود ثلاثة أندية أدبية بمطروح.
وأوضح العجنى أن الشعر البدوى فى الماضى مثله مثل الشعر العربى القديم، كان يقوم بأدوار كثيرة أهمها تأريخ الأحداث، وإعلام الناس، والترويح عنهم فى أوقات الفرح ومواساتهم فى أوقات الحزن، وبالتالى كان الشعر هو حلقة الوصل بين الناس والأحداث التى يعيشونها.
وعن رموز الشعر البدوى، أفاد الشاعر البدوى بأنه طرح على المجلس الأعلى للثقافة منذ فترة قريبة، فكرة رصد وجمع أهم شعراء البادية لإصدار كتاب يؤرخ مشوارهم فى هذا المجال، إلا أن هذه الفكرة لم يتم تنفيذها حتى الآن، مشيرًا إلى أنه من أبرز هؤلاء الشعراء، عبد الرحمن مغيب، ويعقوب عبد الغنى الشيرمى، ومصادف ضيف الله المحفوظى، وحميد حنيش، وغير المغوارى، وعنيز أبو سالم، ومحمود العياط.
التنافس بين شعراء البادية
وحول التطورات التى طرأت على الشعر البدوى، قال العجنى: «إن الشاعر البدوى كان يهتم فى الماضى بالحديث عن نفسه، ووصف المجتمع الذى يعيش فيه، والتفاخر بالقبيلة التى ينتمى إليها، لذلك كان شعره أكثر خصوصية، لكن مع تطور الأمر أصبح يتحدث عن القضايا الاجتماعية والدينية والأخلاقية فى المجتمع المصرى بشكل عام أى أن الشعر البدوى أصبح أكثر عمومية بعدما كان أكثر خصوصية فى الماضى.
ومضى يقول: «إن الشاعر البدوى كان يبدأ قصيدته فى الماضى بوصف ناقته أو جواده أو وصف معركة ما يفخر بها إلى غير ذلك، ولما ظهرت محاولات لإدخال بعض الأساليب الحديثة على الشعر البدوى بدعوى التطوير، لاقت هذه المحاولات استهجانًا من أصحاب الأساليب الكلاسيكية القديمة فى الشعر البدوى».
وبشأن التنافس بين شعراء البادية مثلما كان يحدث فى شبه الجزيرة العربية، بيّن الشاعر البدوى أن شعراء البادية كانوا ومازالوا يتبارون فيما بينهم، وخاصة فى حفلات السامر التى يصطف فيها الرجال إلى صفين، يتقدم كل صف منهما شاعر بدوى، فيما يتوسط الصفين السيدة «الحجالة»، التى يمثل اتجاهها إلى الصف الأول دون الثانى أو العكس، استحسانًا لقصائد الشاعر الذى يتقدم هذا الصف، وإعلانًا صريحًا بفوزه على منافسه.
وفيما يخص مفردات الشعر البدوى، أشار العجنى إلى أن هناك العديد من المفردات التى يصعب التخلى عنها فى الشعر البدوى، والتى مازالت موجودة ومحفوظة من الماضى وحتى الآن، لدرجة أن البدو لا يعتبرون أن فلانًا شاعرًا بدويًا أصيلاً إلا إذا تناول فى أشعاره مفردات الإبل، والأجواد، والفروسية، والكرم، وغيرها.
ترسيخ الشعر البدوي
وفيما يتعلق بالقوالب الشعرية والبحور الأشهر التى تستخدم فى كتابة الشعر البدوى، أوضح الشاعر البدوى أن القالب العمودى والتفعيلة يغلب على جميع الأشعار البدوية، لافتًا الانتباه إلى أن شعراء البادية اعتادوا كتابة أشعارهم على بحور «المجتث، والمتدارك، والرجس».
وأشار إلى أن شعراء البادية يستخدمون كثيرًا بحر «المتدارك» فى كتابة «المجرودة» كما يستخدمه شاعر الشعب «بيرم التونسى» ذو الأصول القبلية التونسية، فى كتابة أغلب أشعاره وأغانيه، ومنها الأغنية البدوية «قوللى ولا تخبيش يا زين» التى غنتها سيدة الغناء العربى «أم كلثوم» فى فيلم سلامة عام 1945م.
وحول تأثير الحداثة على شعر البادية، أكد العجنى أن الحداثة لم تضف شيئًا للشعر البدوى.
وعن أهمية ترسيخ الشعر البدوى فى وجدان الناس للحفاظ عليه من الاندثار، نوه الشاعر البدوى إلى أن الشعر البدوى كان مهملاً فى الماضى، لأن الدولة لم تكن توليه أى اهتمام، ولم يكن مدرجًا على جدول أعمالها رغم تغير الحكومات، مرجعًا ذلك إلى أن الثقافة الشعبية فى مصر لم تكن تلقى الاهتمام الكافى من مؤسسات الدولة، ولا عزاء للمواطن المصرى الذى لا يتعدى نصيبه من الكتاب والأنشطة الثقافية نحو 23 قرشًا وفق احصائيات وزارة الثقافة نفسها.
وأشاد العجنى بالباحثين الذين اهتموا فى أبحاثهم بالشعر واللهجة البدوية دون تكليف من الدولة، أمثال الدكتور صلاح الراوى الذى أصدر كتابًا عن الشعر البدوى وخصائصه، والدكتور عبد العزيز مطر الذى أصدر كتابًا عن اللهجة البدوية وخصوصيتها، والدكتور هانى السيسى الذى تناول جزءاً من هذه المسألة.
وشدد على أنه لا يمكن تجاهل الشعر البدوى كجزء من الثقافة المصرية، مشيرًا إلى أن اهتمام وزارة الثقافة به بدأ يتغير فى اتجاه الأحسن، مما يؤكد أن الدولة بدأت تستعيد ذاكرة الشعر البدوى، ورغم أنها خطوة متأخرة لكنها على الطريق الصحيح.
وأوضح الشاعر البدوى أنه شارك فى مسابقة عن محور قناة السويس، بقصيدة تحت عنوان «قناة السويس الجديدة»، فى الإذاعة المصرية، وحصل على المركز الأول فيها، معربًا عن سعادته بهذه المشاركة البناءة. •