الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

البائع معلوم.. والمشترى مجهول!

البائع معلوم..  والمشترى مجهول!
البائع معلوم.. والمشترى مجهول!


أثار بيع تمثال «سخم - كا» غضب كثير من المصريين، مما جعل وزير الآثار الدكتور ممدوح الدماطى يعقد أكثر من مؤتمر صحفى يشرح فيه ملابسات وتطورات الموقف فى عملية البيع للتمثال المصرى الموجود فى أحد متاحف بريطانيا ويصف ما يحدث  بأنه «جريمة أخلاقية ضد الإنسان المصرى وتراثه».

• البداية من سقارة
تمثال سخم - كا هو أحد أعمال فن النحت الفرعونى الرائعة ويرجع تاريخه إلى عصر الأسرة الخامسة من الدولة القديمة، وقد تعدى عمره أربعة آلاف وخمسمائة سنة، وقد أهدى التمثال إلى نورث هاملتون فى القرن19، والتمثال من الحجر الجيرى الملون ويمثل الموظف الكبير سخم-كا (أى قوى الروح) وهو جالس على مقعد من دون مسند للظهر وإلى جوار ساقه اليمنى تجلس إحدى بناته وعلى قاعدة التمثال سجلت أسماء وألقاب سخم- كا.. يبلغ ارتفاع التمثال 75سم وخرج  من منطقة أبوصير أو سقارة (منف) ولم يتم العثور حتى الآن على مقبرة تحمل اسم «سخم كا».
• بيع التمثال
عندما وصل الماركيز الثانى لمدينة نورثمبتون أثناء زيارته لمصر 1850، وتم إهداؤه إلى متحف المدينة من قبل الماركيز الثالث عام 1866، ولا توجد سندات تفيد عن كيفية خروج هذا التمثال من مصر فى تلك الفترة، حيث لم تكن هناك كيانات معنية بالحفاظ على الآثار وكانت تجارة الآثار وتصديرها خارج البلاد مشروعة وكانت هواية للأثرياء ولقناصل الدول الأجنبية لإثراء مجموعتهم الخاصة التى أصبحت فيما بعد نواة للمتاحف العالمية واستشرت تلك الظاهرة بصفة خاصة بعد تمكن جون فرانسوا شمبليون من فك رموز الكتابة الهيروغليفية فى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وفى تلك الفترة ما بين 1849-1850 لم تكن هناك اتفاقيات دولية تحظر الاتجار فى الآثار، كما أنها كانت تجارة مشروعة فى مصر، وكان هناك مرسوم تم صدوره فترة حكم محمد على باشا عام 1835 يحظر التصدير غير المصرح به للآثار ولكنه لا يمنع الاتجار فيها، كما كانت بعثات التنقيب عن الآثار التى  كانت تعمل قديما بمصر تحصل على نصف الآثار التى تعثر عليها من الحكومة المصرية، قبل أن يُجرم القانون 117 لعام  1983 تلك الممارسات.. أما عن اتفاقية اليونسكو الخاصة بحظر استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة فقد صدر عام 1970 وهى لا تطبق بأثر رجعى ولا يمكن استخدامها لتسوية نزاعات سابقة عليها، فهى تسرى بعد العمل بها فى الدولتين المعنيتين.. ورغم ذلك قامت وزارة الآثار بالتنسيق مع وزارة الخارجية ومع المجلس الدولى للمتاحف للعمل على إيقاف البيع.. لكن مجلس بلدية نورثمبتون قد باع تمثال «سخم- كا» لأحد المشترين الأجانب فى يوليو/ تموز 2014، لكن الحكومة البريطانية فرضت حظرا مؤقتا على خروج التمثال من البلاد.. إنها أول عملية بيع معروفة لأثر مصرى من جانب متحف، وعلقت مصر تعاملاتها مع المتحف احتجاجا على بيع التمثال.
وقال مجلس الفنون فى إنجلترا: «من الممكن العثور على مشتر جديد فى بريطانيا وأضاف أن الحظر المؤقت لم يكن له أدنى تأثير على بيع التمثال، وقد بيع فى مزاد لتمويل أعمال توسعة المتحف وصالة الفنون.. لم يعلن بعد عن هوية ومكان المالك الحالى للتمثال».
 وأكد د.ممدوح الدماطى فى مؤتمر صحفى أن وزارة الآثار كانت قد قامت بمحاولات عديدة لإيقاف بيع التمثال منذ عام 2012، حيث تمت مخاطبة المتحف عن طريق سفارتنا المصرية بلندن لموافاتنا بما يفيد شرعية حصولهم على التمثال، وجاء رد المتحف بأنه قد تم إهداؤه إليه من قبل «لورد هاينتون» الذى زار مصر عام 1850، واستطاع فى هذا التوقيت الحصول على التمثال الذى قام بنقله إلى بريطانيا حيث وافق على عرضه أو بيعه للمتحف حتى اتفق الورثة مع إدارة المتحف على بيعه وتقسيم المقابل المادى مناصفة لتطوير المتحف.
هذا ويرى الخبراء فى بريطانيا صعوبة جمع المبلغ المطلوب لشراء التمثال لسداده للمشترى  حيث يعد هذا بمثابة مكافأة لمجلس إدارة المتحف الذى ارتكب مخالفة كبيرة بعرض هذا الأثر للبيع وتعرض لعقوبات شديدة، وأوضح البعض أن المنظمات مثل منظمة الفنون تقوم بشراء القطع الفنية من أفراد لتصبح ملكا للعامة وهو ما يتعارض مع شراء تمثال «سخم- كا» الذى كان متاحا للعامة، وكانت مجموعة من المتاحف البريطانية قد أصدرت بيانا مشتركا يؤكد أنهم لن يتعاونوا مع المتاحف التى تبيع القطع المعروضة لديهم.
وجاء تصريح «بيتر كلايتون» عالم المصريات البريطانى ليؤكد أن هناك ما يكفى من تماثيل الأسرة القديمة فى متاحف بريطانيا وأنه من الأفضل استخدام هذه الأموال فى تطوير المتاحف. فهل ينجح المصريون فى بريطانيا وعشاق الحضارة المصرية فى الإبقاء على تمثال «سخم كا» فى بريطانيا عن طريق عرض جاد بإمكانية جمع المبلغ المطلوب؟. وقد أصدرت السلطات البريطانية بيانا رسمياً بأنه فى حالة وجود عرض جاد لشراء التمثال ستمد المهلة حتى 29 مارس 2016.
ويبقى السؤال ما مصير تمثال سخم- كا، وهل سيلقى تماثيل وقطع أثرية أخرى مصرية هذا المصير؟ تباع بالملايين لصالح دول ومتاحف أجنبية ونحن أصحاب الملكية الحقيقية نقف مكتوفى الأيدى.•