الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكاية روزا.. و.. رشاد

حكاية روزا.. و.. رشاد
حكاية روزا.. و.. رشاد


هى جريدة «روزاليوسف» اليومية القديمة التى صدرت قبل صدور الجريدة الحديثة بسبعين عامًا وهو.. الكاتب رشاد كامل الذى يحكى حكايتها.

• بداية جريدة قالت.. لا
وكاتب باحث يعشق تاريخ الصحافة المصرية عمومًا وتاريخ روزاليوسف خصوصًا، كتب أن هذه الدراسة لرواية مشوار تلك الجريدة اليومية التى لم يزد عمرها على عام ونصف العام قد لعبت دورًا مهمًا فى الحركة الوطنية المصرية وما قامت به السيدة العظيمة روزاليوسف ومشوارها الجاد فى عالم الصحافة المصرية.
صدرت جريدة روزاليوسف اليومية فى فبراير عام 1935 بعد عشر سنوات من إصدار روزاليوسف الأسبوعية، وقد عُرفت الجريدة بأنها «وفدية» على الرغم من شكوك «النحاس باشا» زعيم الأمة فى ذلك الزمن، وكانت أول جريدة يومية تحوى صفحات عن المرأة والطفل والفن والآداب بجانب التعليقات السياسية والاجتماعية وكذلك رسوم الكاريكاتير والصور.
ويشهد مؤرخو الصحافة المصرية أن هذه الجريدة سيطرت فى عدة أسابيع على سوق الصحف وتنافس جريدة الأهرام وصحافة الوفد.. لقد رصد الباحث رشاد كامل الحياة السياسية فى المجتمع وأسماء الوزراء والسياسيين فى ذلك الزمن.. وفى هذا البحث نقرأ تاريخ مصر سياسيًا واجتماعيًا وفنيًا.. نقرأ عن صراعات الساسة.. ووكسة دستور «صدقى باشا» الذى قاومه الشعب وكانت روزاليوسف اليومية تعبر عن تلك الأحداث والصراعات بالتعليقات الساخرة والجادة من الكتاب الكبار.
• حزب روزاليوسف.. الوفد سابقًا
هكذا أطلق خصوم حزب الوفد هذا الاسم عليه.. وبدأت خلافات بين «النحاس باشا» و«السيدة روزا» وجريدتها اليومية، فقد كان يريد أن تكون الجريدة تهتف بحياة الوفد ولا تعرضه للانتقادات.. وبدأت الجريدة تواجه مصاعب ومتاعب من حزب الوفد غير معلنة هذا الذى تنتمى إليه السيدة روزا.
وقد وقع أول خلاف علنى بعد فترة من تشكيل حكومة «نسيم باشا».. فقد استدعى النحاس باشا السيدة روزا لمقابلته.. وما كاد يراها حتى لوّح بالجريدة فى يده وصاح فى وجهها «إيه القرف اللى إنتو كاتبينه».. وقفت السيدة روزا مذهولة.. وصاح «النحاس» «أنت بتعارضى وزارة توفيق نسيم ليه؟» قالت «لأن وزارته من اختيار الإنجليز والسراى وهى التى تؤجل عودة دستور 1923 فلماذا لا نهاجمها»؟!
• لَسْنَا مع الوفد..
هكذا صرّح الكاتب المرموق «عباس العقاد» فى وجه النحاس باشا.. لقد كان «العقاد» من أهم كتاب الجريدة اليومية، وكان رئيسًا لتحريرها لفترة.. لكنه بدأ يعارض الوفد مع أنه كان من أعضائه المهمين.. ولم يخطر بباله أن يضيق من رئيس الوفد «النحاس باشا» بمقالاته فى جريدة روزاليوسف، وأن تكون تلك المقالات نهاية علاقته بالحزب.. وأيضًا لم يتصور النحاس باشا أن يكون العقاد خصم الوفد الأول وأن تتحول صداقة العقاد إلى هجوم عليه!! وعندما وصف النحاس جريدة «روزاليوسف» بأنها حذاء.. كتب العقاد مقالاً: «خرافة اسمها مصطفى النحاس».
• حزب الوفد يعلن الحرب على روزاليوسف
فى يوم وليلة وجدت روزاليوسف السيدة والجريدة أنها فى عداوة وخصام مع الجميع، حكومة «نسيم باشا» وحزب الوفد على رأسه النحاس باشا «ومكرم باشا» وطبعًا الإنجليز.. لم تهتز السيدة روزا فقد كان الرأى العام يقف بجانبها ويؤيدها فى تحد واضح للحكومة والوفد والإنجليز.. ويرسل حزب الوفد مظاهرة بأعداد كثيرة ضد السيدة وجريدتها.. يهتفون بسقوط السيدة روزا.. ويقذفون مكان الجريدة بالحجارة.. وبينما يختبئ كتّاب الجريدة وصحفيوها.. تنزل إليهم السيدة روزا بكل شجاعة لمواجهتهم.
عندما شاهدها المتظاهرون.. صمتوا.. وتحدثت مع زعيمهم شارحة سياستها الوطنية.. ثم قالت:
«إنى أقف وحدى بلا سلاح ولا حرّاس.. افتكوا بى إن أردتم.. ودعوا هذه الدار للعاملين فيها يحملون الشعلة ويسيرون فى طريقهم نحو الهدف الأسمى وهو الصالح العام لنا جميعًا».
وهنا انقلبت هتافات المتظاهرين من السخط على روزا وجريدتها إلى الهتاف بحياتها.. وابتعدت الجموع عن المكان.
• نهاية جريدة قالت.. لا
وبدأت حرب حقيقية فى العلن بين الوفد والسيدة روزا وجريدتها، لم يوجد حوار سياسى بين الجريدة وخصمها الوفدى، بل أصبح سيلا من الشتائم والبذاءات والهجاء الشخصى.. واتهم الوفد الجريدة بالتفريق بين الأقباط والمسلمين!.. وبدأ أعضاء الوفد يعتدون بالضرب على من يشترى الجريدة.. ويجمعونها من بائعى الجرائد ويحرقونها.. وبدأت الخسائر تزداد على الجريدة.. كأن حزب الوفد يخوض معركة حياة أو موت!! من جريدة قررت أن تقول.. لا.. لم تتحمل السيدة روزا الخسائر المادية حتى بدأت تبيع مصاغها.. وجاءت النهاية عندما نجح حزب الوفد فى الانتخابات وتولى «النحاس باشا» رئاسة الوزارة.. وأصدر قرارًا بإلغاء رخصة إصدار روزاليوسف اليومية.. ثم تحول هجومه وحكومته على مجلة روزاليوسف الأسبوعية، حتى إن المجلة كانت تصدر أسبوعًا وتصادر أسبوع!! لأنها كانت مثل الجريدة فى مهاجمتها لمعاهدة الإنجليز عام 1936 التى وقعها النحاس باشا.
• السيدة روزا فى السجن
اهتمت السيدة روزا بمجلتها واستمر حزب الوفد باستفزازها فكان يرسل وكيلاً من النيابة للتفتيش فى المكان.. وقد استفزها أحدهم فلم تملك نفسها من الاصطدام به، وكان بلاغه عنها أنها تعدت عليه أثناء تأدية وظيفته وهذه تهمة فى قانون العقوبات خطيرة.. فأمر أحد الجنود أن يحملها فى «اللورى» ويودعها النيابة.. فلتت أعصابها واصطدمت به مرة أخرى.. وأن من حقه أن يستدعيها للنيابة لكن ليس من حقه أن يتصرف هكذا.. وقد ذهبت فعلاً بمفردها إلى رئيس النيابة.
وقد دام التحقيق معها ساعات طويلة.. إلى أن قال لها: «يا ست فاطمة.. أنا متأسف إنى حاحبسك».
وتقضى السيدة روزا ساعات كئيبة فى سجن مصر.. وفى اليوم التالى يذهب إليها زائرون.. وطعام.. وابنها الصبى «إحسان» الذى أشادت بشجاعة عندما رآها.
كما شنت الصحف المصرية والأجنبية حملات عنيفة على الحكومة لسجن سيدة صحفية، ووجدت الحكومة تحت ضغط أدبى قوى يدعوها إلى الإفراج عنها.. وتنازل وكيل النيابة صاحب الشكوى عن شكواه.
••
حاولت باختصار شديد أن أصف جزءًا مهمًا من حياة سيدة استثنائية فى تاريخ الصحافة المصرية من بحث ممتاز للكاتب رشاد كامل وقد جمعه فى كتاب من ثلاثمائة صفحة.. رواية تقرؤها باستمتاع.. بدون ملل .. وتحية خاصة لمؤسسة روزاليوسف ورئيس مجلس إدارتها المهندس «عبدالصادق الشوربجى» الذى أصدر التاريخ المهم فى حياة مصر وليس فقط فى حياة المؤسسة العريقة.. روزاليوسف. •