السبت 26 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

موائد رحمن الكنيسة المصرية

موائد رحمن الكنيسة المصرية
موائد رحمن الكنيسة المصرية


لجنة تحكيم موسوعة (جينيس) للأرقام القياسية قررت دخول مصر الموسوعة بأطول مائدة طعام فى العالم أقامتها محافظة الإسكندرية على ساحل البحر المتوسط ، فى واحد من أيام شهر رمضان هذا العام.
المائدة بلغ طولها أربعة كيلو مترات وتجاوزت بذلك الرقم الذى دخلت به إيطاليا الموسوعة  بمائدة طعام أيضا.. وكانت قد أقيمت مائدة  الإفطار بطول الشاطئ من منطقة المحروسة وحتى سيدى جابر بشرق الإسكندرية.. وكان محافظ الإسكندرية هانى المسيرى وعدد من رجال الأعمال والمنظمات الخيرية قاموا بتنظيم هذا الحدث ومساهمة الأفراد من المهتمين بالعمل المدنى.
وقد شارك بالحضور 120 ألف شخص من الإسكندرية وبتطوع 800 شخص من الشباب والفتيات. 
ويرجع تاريخ الموائد الرمضانية إلى القرون الأولى للإسلام.
 واصبحت فى مصر  عادة ومناسبة شخصية بل ورسمية ايضا.. وفى عهد مبارك.. كانت الموائد الرمضانية تقام ليس للتقرب إلى الله فحسب.. ولكن مارسها البعض كنوع من الاحتفال الرسمى أو الخاص. وأيضا للتباهى.
وخلال سنوات الثورة كانت موائد رمضان أكثر بساطة وأكثر حميمية أيضا.. حيث كان الإفطار الجماعى فى الميدان إحدى سمات ثورتى يناير ويونيو ، ولأول مرة ، تشارك الكنيسة فى موائد إفطار جماعية لعامة الشعب (حيث قامت كنيسة قصر الدوبارة - كنيسة الثورة ومسجد عمر مكرم) بالمشاركة بتقديم إفطار  رمضان للصائمين فى الميدان وكانوا مسلمين ومسيحيين على مدى عامين متواليين - وهو ما لم تفعله الكنيسة من قبل- بل إن مائدة إفطار (الوحدة الوطنية) التى كانت معتادة كل عام تقام للمسئولين وشيخ الأزهر والشخصيات العامة. وكانت بعض الطوائف الأخرى تقيم المائدة نفسها.
وكانت تقام تلك الموائد تحت رعاية البابا شنودة، ورؤساء الطوائف المسيحية وبحضور شيخ الأزهر الشريف.
الجديد فى الأمر هذا العام أن البابا تواضروس. بابا الإسكندرية أعلن إلغاء موائد الإفطار التى تقيمها الكنيسة وقرر التبرع بميزانيتها وهى مليون جنيه مصرى إلى صندوق (تحيا مصر) مساهمة من الكنيسة المصرية لبناء الوطن.
 وكانت  المفاجأة ظاهرة جديدة.. حيث امتدت موائد الوحدة الوطنية الحقيقية فى شوارع المحروسة برعاية من الكنائس  والمساجد ، فانتشرت دعوة داخل الكنائس للمشاركة فى موائد إفطار عامة  وكانت للمرة الأولى تقام الموائد الرمضانية بالمشاركة من الكنيسة فى شبرا الخيمة ، والخصوص.. والجديد أن بعض المساجد فى عين شمس تقيم موائد الإفطار بالاستعانة باللحوم (إنتاج الأديرة).
وأشهر تلك الموائد الرمضانية وأقدمها  (المائدة الوطنية بميدان التحرير)، التى تقام تحت رعاية كنيسة (قصر الدوبارة) وبمباركة الشيخ (مظهر شاهين) شيخ مسجد عمر مكرم.
قبل موعد الإفطار بساعتين التقينا بالاستاذ : فوزى وهيب مسئول الإشراف على خدمة الإفطار الرمضانية ومعه فريق عمل مكون من حوالى 20 شابا وفتاة من شباب الكنيسة.
• وكان سؤالى الأول له: لماذا تقيمون مائدة رمضان هذا العام؟!
- قال لى من منطق المحبة.. التى نتعلمها ونعلمها لأولادنا طوال الوقت داخل الكنيسة.. ونحن نثق أن علاج مشاكلنا ومشاكل مجتمعنا ليس بالكلام ولكن بأفعال تعلن المحبة.
• وأين كانت تلك المحبة قبلا؟!
- الثورة فجرت فى كل المصريين البركان الجميل وكسرت حاجز الخوف، ومن بداخل الكنيسة هم مصريون مثل كل المصريين الذين قاموا بالثورة لأنهم يريدون مستقبلا أفضل.
وفى يوم 28 كان لى الشرف فى مقدمة 60 شابا وفتاة خرجوا من تلقاء أنفسهم دون توجيه من أحد إلى الميدان ويوم 30 يناير بدأنا أول عمل منظم بالاشتراك مع إخواننا المسلحين، فكان مستشفى ميدانى بالميدان.
وفى أيام الجمعة لم يكن لدينا خيار إلا فتح أبواب الكنيسة للمسلمين للوضوء، لأن مسجد عمر مكرم لم يستوعب كل من فى الميدان.
وفى أول يوم «يوم أحد» بعد نجاح الثورة.. احتفلنا داخل الكنيسة بعد 11 فبراير، وكان احتفالا يضم كل أطياف الشعب.
• وماذا عن مائدة رمضان؟
- الكنيسة منذ سنوات بجميع طوائفها تنظم مائدة رسمية للإفطار ولكن منذ سنوات الثورة ووجودنا فى الميدان شاركنا خلال السنوات الثلاث الماضية بتقديم وجبات رمضانية للصائمين فى الميدان وخاصة وقت خروج المصريين فى الموجة الثانية من الثورة وفى 30 يونيو، وكان هذا بالاشتراك مع مسجد عمر مكرم، حيث يتشارك المسجد والكنيسة فى المناسبات الوطنية وخدمة المجتمع، وهناك خدمات أخرى نقوم بها مع بنك الطعام المصرى طوال العام.
وفى البداية كان الأمر يتم بشكل فردى، أنا وبعض الأصدقاء نقوم بتجميع عشرات الجنيهات ونقوم بشراء سندوتشات فول وطعمية سواء أيام الجمع فى الميدان أو أيام رمضان ثم تطور الأمر وبدأنا نطلب من السيدات أعضاء الكنيسة أن يقومون بإعداد وجبات ساخنة وبشكل أكثر تنظيما، واليوم استطعنا أن نطلب ممن يريدون المساهمة فى هذا العمل التبرع ونقوم بإعداد الوجبات فى مطعم متخصص بالدقى، وتمتد موائد الإفطار، لا نعرف من يجلس عليها سواء كان مسلما أو مسيحيا، ولكن ما نقوم به هو جسر للتواصل ورسالة محبة للمجتمع نتقرب بها إلى الله ونشر روح الإخاء والسلام.
وعلى مائدة الإفطار كان الحديث أكثر حميمية لنكتشف أن المترددين على المائدة ليسوا فقط مسلمين بل مسيحيين أيضا ولا يقتصرون على أفراد «يجرون على قوت يومهم» ولكن اختلفت المستويات الاجتماعية للجالسين بجوار بعضهم البعض.. كل يبدأ باسم الله ويتناول أول لقمة.
كانت هناك ياسمين وفاتن سيدتان فى منتصف العمر إحداهما مسلمة والأخرى مسيحية، لا نعرف من استقدمت الأخرى للمائدة ولكن ما عرفته أنهما صديقتان، وواحدة ممرضة والأخرى بائعة متجولة، وبدأت الفضفضة.. البائعة تبحث عن رخصة من الحكومة لمزاولة عملها بعد أن قامت الحكومة بإخلاء الميدان من الباعة الجائلين، قالت لى ياسمين: طوال عمرى أعمل فى الميدان منذ 35 عاما لا أعرف أين أذهب، ولم أستطع الحصول على مكان فى الترجمان، خاصة أن لا أحد يذهب إلى هناك.. أتمنى فقط أن أحصل على ترخيص للبيع أو كشك والحكومة تحصل فى ضرائب أو إيجار شهرى.
أما فاتن فقالت: زوجى مصاب فى الثورة، ولا أجد أى عمل وذهبت للكنيسة حتى أحصل على مساعدة فلم يجبنى أحد، وأنا أطلب من السيسى المساعدة.
التقينا أيضا بالدكتورة ناهد زيتون وبعض الشباب الذين يساعدونها فى تطوير مدارس العشوائيات، قالت لى الشباب حكوا لى على المائدة الوطنية بميدان التحرير فحضرت للمشاركة.
أما شباب المتطوعين فقد حكى كل منهم على تجربته فى التحاقه بما أطلقوا عليه اسم «خدمة» سواء مع بنك الطعام أو موائد الرحمن ولكنهم جميعا اتفقوا على شيء واحد.. أن هذا العمل يجلب لهم السعادة والسلام. •