الخميس 26 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الإسلام.. والردة

الإسلام.. والردة
الإسلام.. والردة


لا شك أن قضية الردة من أشد القضايا سخونة فى هذا العصر، خاصة بعد الاتجاه العالمى الحاشد نحو التعايش السلمى فى ظاهرة تحضرية فارقة بين زمن كان يعتمد أهله الحرب حلاّ للخلافات الدولية والمحلية، وبين زمن يعلن أهله السلم طريقًا لحل الخلافات والنزاعات مهما بلغت، وتطور الأمر حتى أقرت الأسرة الإنسانية مبادئ حقوق الإنسان فى عام 1948م، وكان من بينها مبدأ «حرية العقيدة» الذى يراه البعض موافقًا للشريعة الإسلامية، ويراه البعض الآخر مقصودًا للمساس بمنظومة الحدود الشرعية؛ خاصة أن هذا المبدأ قد ورد ضمن المادة الثامنة عشرة من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، التى تنص على أن: «لكل شخص الحق فى حرية التفكير والضمير والدين. ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، وسواء أكان ذلك سرًا أم جهرًا، منفرداً أم مع جماعة».

وقد سلكت فى هذا البحث الحيدة فى الدراسة دون التأثر بالإرهاب العرفى أو بالإغراء الحكومى، فلا الأعراف أعبدها، ولا السلطات أنافقها، ولن يغنينى هؤلاء وهؤلاء عن الله شيئًا، فالحق أحق أن يتبع. وقد قسمت هذا البحث إلى: تمهيد، وفصلين، وخاتمة.. أما التمهيد فقد خصصته للتعريف بالردة وبيان الفرق بينها وبين ما يشبهها من مصطلحات.
وأما الفصل الأول فقد جعلته لبيان موقف الإسلام النصى من الردة.
وأما الفصل الثانى فقد عقدته لبيان موقف الإسلام الفقهى من الردة.
وأما الخاتمة فقد ضمنتها أهم نقاط البحث ونتائجه وتوصياته.
تمهيد فى التعريف بالردة والفرق بينها وبين ما يشبهها
أولاً: تعريف الردة:
درج الفقهاء على الابتداء فى دراسة المسائل الفقهية بذكر التعريف؛ لإمكان تصور المسألة، فالحكم على الشىء فرع عن تصوره. كما درجوا على إثبات التعريف اللغوى قبل التعريف الاصطلاحى؛ لتأصيل الحقيقة الشرعية، ولكون اللغة هى الذخيرة البيانية الأولى للمقصود فى حال طلب الشارع شيئًا دون تفصيل. وسوف نسلك هذا المنهج فى الردة؛ مراعاة للصبغة الفقهية، ومراجعة لقراءة حكم الردة عند الفقهاء أخذًا بأسباب التجديد الفقهى وامتثالا لصاحب الشريعة الآمر بالاجتهاد الدائم فى الأمة.
«1» تعريف الردة فى اللغة
الردة تطلق على الرجوع عن الشىء، أو التحول عنه. يقال: ارتد على أثره، وارتد إليه، وارتد عن طريقه. وتقول: ارتد الشىء، أى استرجعه. ومنه قولهم: ارتد هبته ونحوها، أى عادت إليه. وارتد إلى حاله، أى عاد لحاله الأولى. وتقول: تراد المتبايعان البيع، أى فسخاه فاسترد كل منهما ما أخذه من صاحبه. ومن ذلك قوله تعالى: «يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين» «المائدة:21».
«2» تعريف الردة فى اصطلاح الفقهاء
اختلفت عبارات الفقهاء فى تعريف الردة اصطلاحًا، ويرجع ذلك إلى اختلافهم فى تحديد ضوابطها وأنواعها، ونذكر فيما يلى أشهر تعريفاتهم للردة ومظاهرها فى المذاهب المختلفة.
«أ» المذهب الحنفى: قال الكاسانى: «ركن الردة: إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الإيمان؛ إذ الردة عبارة عن الرجوع عن الإيمان. فالرجوع عن الإيمان يسمى ردة فى عرف الشرع».
ومن مظاهر الردة عند الحنفية: إنكار ما علم من الدين بالضرورة كإنكار فريضة الصلاة أو الصيام أو الزكاة. قالوا: ولا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن، أو كان فى كفره خلاف، ولو كان ذلك رواية ضعيفة. فإذا كان فى المسألة وجوه توجب الكفر وواحد يمنعه فعلى المفتى الميل لما يمنع.
«ب» المذهب المالكى: قال ابن عرفة: «الردة: كفر بعد الإسلام تقرر بالنطق بالشهادتين مع التزام أحكامهما بصريح أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه».. ومن مظاهر الردة عند المالكية: سب أحد الأنبياء أو الملائكة ممن أجمع على نبوته أو ملكيته، أو عرض بواحد منهما أو لعنه أو عابه أو استخف بحقه. ومن مظاهر الردة أيضًا: شد الزنار- وهو حزام ذو خيوط ملونة يشد به الكتابى وسطه؛ ليتميز به عن المسلم- وكذلك لبس ثياب غير المسلم الخاص به إذا فعله حبًّا فيه وميلا لأهل ملته. وكذلك يكون مرتدًا من استحل حراماً كشرب الخمر، ومن جحد حلالا مجمعًا على إباحته.
«جـ» المذهب الشافعى: قال الغزالى: «الردة: قطع الإسلام من مكلف. ونفس الردة: النطق بكلمة الكفر استهزاءً أو عنادًا، أو فعل ما يتضمنه الكفر».. وقال النووى: «حقيقة الردة: قطع الإسلام. ويحصل ذلك تارة بالقول وتارة بالفعل.. قال الإمام- أى الرافعى- فى بعض التعاليق عن شيخى: إن الفعل بمجرده لا يكون كفرًا. قال: وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه».. ومن مظاهر الردة عند الشافعية: السجود للصنم أو الشمس، وإلقاء المصحف فى القاذورات، والسحر الذى فيه عبادة الشمس ونحوها. ومن مظاهر الردة أيضًا: إنكار نبوة نبى من الأنبياء أو تكذيبه، أو جحد آية من القرآن مجمعًا عليها، أو زاد فى القرآن كلمة واعتقد أنها منه، أو سب نبيًا أو استخف به أو استحل محرمًا بالإجماع كالخمر واللواط، أو حرم حلالا بالإجماع، أو نفى وجوب مجمع على وجوبه كركعة من الصلوات الخمس، أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع كصلاة سادسة وصوم شوال، فكل هذا كفر.
«د» المذهب الحنبلى: قال البهوتى: «المرتد شرعًا: الذى يكفر بعد إسلامه نطقًا أو اعتقادًا أو شكًّا أو فعلا طوعًا ولو هازلا».
وقال ابن قدامة: «المرتد هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر».
ومن مظاهر الردة عند الحنابلة: «جحد وجوب العبادات الخمس أو شىء منها. ومن مظاهر الردة أيضًا استحلال الزنى أو الخمر أو شىء من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها ممن لا يجهل ذلك. وأيضًا يكون مرتدًا من أنكر حل الحلال كاللحم والخبز ونحوه من الأحكام الظاهرة المجمع عليها ممن لا يجهلها. وأيضًا يكون مرتدًا: من سب الله تعالى أو سب رسوله، صلى الله عليه وسلم،  أو أنكر أحدًا من الرسل المجمع عليهم».
«هـ» المذهب الظاهرى: قال ابن حزم: «من قال من أهل الكفر مما سوى اليهود والنصارى أو المجوس: لا إله إلا الله. أو قال: محمد رسول الله: كان بذلك مسلمًا تلزمه شرائع الإسلام، فإن أبى الإسلام قتل. وأما من اليهود والنصارى والمجوس فلا يكون مسلماً بقول: لا إله إلا الله،  محمد رسول. إلا حتى يقول: وأنا مسلم، أو قد أسلمت، أو أنا برىء من كل دين حاشا الإسلام».. وقال فى موضع آخر: «المرتد: كل من صح عنه أنه كان مسلمًا متبرئًا من كل دين حاشا دين الإسلام ثم ثبت عنه أنه ارتد عن الإسلام وخرج إلى دين كتابى أو غير كتابى أو إلى غير دين».
ومن مظاهر الردة عند الظاهرية: إنكار ما بلغه النبى، صلى الله عليه وسلم، وصح عنه وأجمع عليه المؤمنون. ومن مظاهر الردة أيضًا: اللحوق بدار الكفر والحرب اختيارًا ومحاربة لمن يليه من المسلمين. وأما من فر إلى أرض الحرب؛ لظلم خافه ولم يحارب المسلمين ولا أعان غيرهم عليهم، ولم يجد فى المسلمين من يجيره - فلا شىء عليه؛ لأنه مضطر مكره، وكذلك من كان معذورًا فى إقامته عندهم لمرض أو انقطاع طريق».
«و» المذهب الزيدى: جاء فى شرح الأزهار: الردة عن الإسلام تكون بأحد أوجه أربعة:
«1» اعتقاد كفر، نحو أن يعتقد أن الله ثالث ثلاثة، أو أن المسيح أو عزير هو ابن الله، أو يعتقد كذب النبى، صلى الله عليه وسلم، فى بعض ما جاء به.
«2» فعل يدل على الكفر، نحو الاستخفاف بشريعة النبى، صلى الله عليه وسلم، أو بما أمر الله بتعظيمه.
«3» إظهار لفظ كفر، نحو أن يقول: هو يهودى أو نصرانى أو كافر بالله تعالى. وكذلك من يسب نبيًا أو القرآن أو الإسلام.
«4» السجود لغير الله تعالى؛ لقصد تعظيم المسجود له، لا على وجه الإكراه أو الاستهزاء.
«ز» المذهب الإمامى: جاء فى «الروضة البهية»: «الكفر يكون بنية، وبقول كفر، وفعل مكفر».
«1» نية الكفر: تكون بالعزم عليه، وتكون بالتردد فى الإيمان.
«2» قول كفر: مثل تكذيب رسول، وتحليل محرم بالإجماع.
«3» فعل مكفر: مثل الاستهزاء الصريح بالدين كإلقاء مصحف أو بعضه فى قاذورة قصدًا.
«ح» المذهب الإباضى: جاء فى كتاب «شرح النيل»: «يكون المسلم مرتدًا إذا أنكر معلومًا من الدين بالضرورة كالصلاة وصوم رمضان والزكاة والحج، وكذلك يكون مرتدًا إذا سب ملكًا أو نبيًّا متفقًا على نبوته. وكذلك إن أظهر الإسلام وأسر دينًا من أديان الشرك».
التعريف الفقهى المختار للردة:
يتضح مما سبق أن الفقهاء قد عرفوا الردة بحقيقتها فى نفس الأمر الموجبة للمؤاخذة الديانية،  وليس بوصفها التجريمى الموجب للمؤاخذة القضائية، وهذا ما ألبس على كثير من الناس الأمر، فأطلق الحقيقة الذاتية للردة على حقيقتها الإجرامية مما يستلزم القول بأن للردة إطلاقين: إطلاق ديانى، وإطلاق قضائى.
«1» أما الإطلاق الديانى للردة: فهو قطع الإسلام كله أو بعضه الذى لا ينفصل عنه، بعد صحته من مكلف مختار.
«2» وأما الإطلاق القضائى للردة: فهو الحكم بالخروج عن الإسلام بضوابط خاصة.
ثانياً: الفرق بين الردة وبين ما يشبهها:
تختلف الردة عن بعض المصطلحات التى قد تقترب من حقيقتها فى وجه، ومن أهم تلك المصطلحات: الكفر، والزندقة، والنفاق، والإلحاد، والحرابة. ونوجز الفرق بينها وبين الردة فيما يلى:
«1» الكفر والردة:
الكفر فى اللغة: الستر والإنكار، ومنه كفر النعمة. قال تعالى: «وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله» «النحل:112»، ويقال: كفر بكذا، أى تبرأ منه. 
والكفر فى اصطلاح الفقهاء: هو عدم الإيمان برسالة الإسلام الخاتمة. وإذا أطلق الكفر فإنما يراد به الكفر الأصلى، وهو ما يكون ممن ولد من أبوين غير مسلمين، ولم يسبق له اعتناق الإسلام.
أما الردة فهى الكفر الطارئ بعد إسلام صحيح. وبهذا تتفق الردة مع الكفر من وجه دون وجه. كما يتضح أن الكفر أعم من الردة.
(2) الزندقة والردة:
الزندقة فى اللغة: الضيق. قال ثعلب: ليس فى كلام العرب زنديق، وإنما تقول العرب: زندق وزندقى، إذا كان شديد البخل، فإذا أرادت العرب معنى ما تقول العامة- وهو عدم الإيمان بالآخرة ووحدانية الخالق- قالوا: ملحد ودهرى، بفتح الدال.. قال ابن حجز: «قال أبو حاتم السجستانى وغيره: الزنديق فارسى معرب. أصله: «زنده كرداى» يقول بدوام الدهر؛ لأن زنده: الحياة. وكرد: العمل. ويطلق على من يكون دقيق النظر فى الأمور. وقال الجوهرى: الزنديق من الثنوية. وفسره بعض الشراح بأنه الذى يدعى مع الله إلهًا آخر. وتُعُقب بأنه يلزم منه أن يطلق على كل مشرك.. ويرى مجمع اللغة العربية: أن الزندقة عقيدة تقوم على القول بأزلية العالم، وأطلق على الزردشتية والمانوية وغيرهم من الثنوية، ثم توسع فيه فأطلق على كل شاك أو ضال  أو ملحد.
والزندقة فى اصطلاح الفقهاء لها تعريفان:
التعريف الأول:
 الزندقة هى إظهار الإسلام وإبطان الكفر، فالزنديق هو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر. وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والحنابلة والمعتمد عند الشافعية. قال الشيخ الدسوقى المالكى: «فالزنديق هو المسمى فى الصدر الأول منافقًا، ويسميه الفقهاء زنديقًا».
التعريف الثانى: أن الزندقة هى عدم التدين بدين، أو هى القول ببقاء الدهر، واعتقاد أن الأموال والحرم مشتركة. وإلى هذا ذهب الحنفية وبعض الشافعية.. وقد جمع ابن تيمية بين التعريفين المذكورين، عند بيان أصل الكلمة، فقال: «الناس ينقسمون فى الحقيقة إلى مؤمن ومنافق وكافر. ولما كثرت الأعاجم فى المسلمين تكلموا بلفظ الزنديق وشاعت فى لسان الفقهاء، وهو المنافق الذى كان على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم،، وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره سواء أبطن دينًا من الأديان كدين اليهود والنصارى أو غيرهم، أو كان معطلا جاحدًا للصانع والمعاد والأعمال الصالحة. ومن الناس من يقول: الزنديق هو الجاحد المعطل، وهذا يسمى الزنديق فى اصطلاح كثير من أهل الكلام والعامة ونقلة مقالات الناس. ولكن الزنديق الذى تكلم الفقهاء فى حكمه هو الأول؛ لأن مقصودهم هو التمييز بين الكافر وغير الكافر والمرتد وغير المرتد، ومن أظهر ذلك أو أسرَّه. وهذا الحكم يشترك فيه جميع أنواع الكفار والمرتدين وإن تفاوتت درجاتهم فى الكفر والردة، فإن الله أخبر بزيادة الكفر كما أخبر بزيادة الإيمان بقوله سبحانه: «إنما النسىء زيادة فى الكفر» «التوبة:37».
وإذا كانت الردة هى الكفر الطارئ بعد إسلام صحيح، فإنها تتفق مع الزندقة فى وجه، فيجتمعان فى المرتد إذا أخفى كفره وأظهر الإسلام، وينفرد المرتد فى حال كون ردته علانية، كما ينفرد الزنديق فيمن لم يسبق له إسلام صحيح. ويرى كثير من الفقهاء أن الزندقة أعم من الردة، فالزندقة تكون بترك بعض فرائض الإسلام كالصلاة والصيام ولو كسلا عند البعض. يقول ابن حجر: «سبب تفسير الفقهاء الزنديق بما يفسرون المنافق قول الشافعى فى «المختصر»: «وأى كفر ارتد إليه مما يظهر أو يسر من الزندقة وغيرها ثم تاب سقط عنه القتل».
قال ابن حجر: وهذا لا يلزم منه اتحاد الزنديق والمنافق، بل كل زنديق منافق من غير عكس، وكان من أطلق عليه فى الكتاب والسنة المنافق يظهر الإسلام ويبطن عبادة الوثن أو اليهودية. وأما الثنوية فلا يحفظ أن أحدًا منهم أظهر الإسلام فى العهد النبوى».
«3» النفاق والردة:
النفاق فى اللغة: إظهار ما لا يبطن، وهو مصدر نافق. يقال: نافق اليربوع، إذا دخل فى نافقائه. وهو مأخوذ من نفق- بفتح النون والفاء- الشىء نفقًا- بفتح النون أو ضمها- ونفوقًا، أى نفد أو مات.
والنفاق فى اصطلاح الفقهاء: هو إظهار الإسلام لأهله، مع إضمار غير الإسلام والإتيان به مع أهله.
يقول ابن منظور: «النفاق اسم من الأسماء الشرعية التى وضعها الشرع لم تكن معروفة بمعناها الاصطلاحى هذا قبل الإسلام، وهو الذى يستر كفره ويظهر إسلامه».. وحيث إن الردة هى الكفر الطارئ بعد إسلام صحيح فإنها قد تجتمع مع النفاق إذا كانت الردة فى السر. أما إذا كانت علانية فإن صاحبها لا يتمتع بأحكام المسلمين الظاهرة بخلاف المنافق.
«4» الإلحاد والردة:
الإلحاد فى اللغة: الميل عن الطريق، والعدول عن الحق، وإدخال ما ليس منه فيه. تقول: ألحد فلان، أى عدل عن الحق وأدخل فيه ما ليس منه، ومنه قوله تعالى: «إن الذين يلحدون فى آياتنا لا يخفون علينا» «فصلت:40»، وتقول: التحد إليه، أى مال والتجأ، فهو ملتحد.
والإلحاد فى اصطلاح الفقهاء: هو الميل عن الشرع القويم إلى جهة من جهات الكفر.
ولا يشترط فى الملحد أن يكون مؤمنًا بوجود الخالق- جل وعلا- ولا معترفًا بنبوة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، ولا أن يكون مضمرًا الكفر، فالملحد أوسع فرق الكفر.
وإذا كانت الردة هى الكفر الطارئ بعد إسلام صحيح فإنها تتفق مع الإلحاد بعد حدوثها. وينفرد الإلحاد فى إمكان حدوثه قبل الردة وبعدها، فهو أعم.
«5» الحرابة والردة:
الحرابة فى اللغة: السلب. يقال: حرب فلانًا ماله، أى سلبه، فهو محروب وحريب.
والحرابة فى اصطلاح الفقهاء: هى البروز لأخذ مال أو لقتل نفس أو لإرعاب الآمنين على سبيل المجاهرة اعتمادًا على القوة مع البعد عن الغوث.
وزاد المالكية: محاولة الاعتداء على العرض مغالبة. وتسمى الحرابة عند جمهور الفقهاء: قطع الطريق.
وقال بعض الناس: إن الحرابة هى الردة؛ لأن آية الحرابة نزلت فى المرتدين من العرينيين، وهى قوله تعالى: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم» «المائدة:34»، كما أخرج النسائى والدارقطنى عن عائشة، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زان محصن يرجم، أو رجل قتل رجلاً متعمداً فيقتل، أو رجل يخرج من الإسلام يحارب الله عز وجل ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض».
يقول ابن كثير: «والصحيح أن هذه الآية عامة فى المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات». •