الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

العصر الذهبى للزراعة المصرية يعود بعودته

العصر الذهبى للزراعة  المصرية يعود بعودته
العصر الذهبى للزراعة المصرية يعود بعودته


كتب - إسماعيل حماد عبد العال
أظن وقد يظن معى كثيرون أن العصر الذهبى للزراعة فى مصر لن يعود قبل أن يعود جريان الطمى فى نيل مصر كما كان حاله قبل بناء السد العالى. فإن كان النيل ماؤه سقيا للزرع فطميه هو غذاؤه وسماده الطبيعى الذى لا بديل عنه وإن عوضته الدولة بملايين الأطنان من الأسمدة والمخصبات الكيماوية التى أدت إلى إرهاق ميزانية الدولة والفلاح، ثم فى النهاية إرهاق ميزانية الأسرة المصرية فى توفير احتياجاتها اليومية من الخضر والفاكهة، فالطمى هو خلاصة خليط النباتات والأسماك المتحللة وروث الحيوانات وتربة هضبة إثيوبيا الخصبة والغنية بكل ما يحتاجه النبات من معادن لينمو نموه الطبيعى والصحى.
 
• المعجزة الهندسية
وبالطبع لم يخف  ذلك عن جيل  الآباء المصممين والمنفذين للسد العالى تلك المعجزة الهندسية التى حمت مصر من موجات جفاف ضربت أفريقيا بلا هوادة فى ثمانينيات القرن الماضى، فكان التصميم الأساسى للسد العالى يقضى ببناء أكثر من سد على امتداد بحيرة ناصر وبتناوب عمليتى الفتح والغلق لبوابات هذه السدود سيدفع تيار المياه العابرة لها والخالية من الرواسب كميات الطمى المتراكم أمامها وتتجدد قدرة المياه على تحريك الطمى الساكن فى قاع البحيرة وحمله فى تيارها مرة أخرى وإكسابه دورة طبيعية جديدة، ويستمر الأمر هكذا من سد إلى آخر حتى تعبر المياه النفق الموجود أسفل جسم السد العالى المؤدى إلى محطة توليد الكهرباء ثم تستمر رحلة الطمى فى نيل مصر حتى المصب.
وأظن أنه ليس أمامنا الآن إلا محاولة الإبقاء على الوضع الحالى لبحيرة السد العالى المترسب بها 7 مليارات متر مكعب من الطمى دون زيادة، والبدء فى التعامل مع الوارد الجديد لطمى النيل والذى كان يقدر قبل بناء السد العالى بحوالى 125 مليون طن فى موسم الفيضان الذى يستمر لثلاثة أشهر وتبلغ ذروته عادة فى الأيام العشرة الأخيرة من شهر أغسطس.
فإن حالت تضاريس نهر النيل دون إنشاء هذه البوابات المتوالية التى تحقق هذا التيار المانع لترسب الطمى فى بحيرة ناصر، وإن كنا نبحث عن وسيلة اقتصادية وفورية تحقق نفس الهدف المتمثل فى منع ترسيب الطمى بها فسنجد غايتنا أيضا فى الموجات التصادمية المنبعثة من الطائرات الأسرع من الصوت.
فالمعروف عن الموجات التصادمية أن طاقتها تستهلك فى تقليب تربة الأرض تحتها بما يسمى ظاهرة تنفيض السجاد unrolling celebrity carpet, ولأن الموجات التصادمية هى فى الأساس موجات صوتية قادرة على السريان فى الغازات والسوائل والمواد الصلبة فهى تستطيع اختراق مياه بحيرة السد العالى والوصول إلى أعماق كبيرة وتقليب ما فى هذه المياه من طمى فتمنع بذلك ترسب الطمى الوارد مع الفيضان الجديد وتكسبه دورة حياة طبيعية جديدة داخل بحيرة السد باستلام هذا الطمى من تيار مياه النيل القوى فى منطقة ما قبل البحيرة وتسليمه إلى تيار مياه البحيرة الواصل فى النهاية إلى جسم السد العالى، ونتيجة لتناهى صغر حجم ووزن جزىء الطمى فسيظل عالقا فى مياه الفيضان لمسافات طويلة ليكمل رحلته داخل البحيرة حتى يصل فى النهاية إلى جسم السد العالى ويستمر فى إكمال دورته الطبيعية فى مجرى النيل حتى المصب.
ويوجد على شبكة الإنترنت العديد من الأبحاث التى نشرتها وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» والتى تبحث فى العلاقة بين الموجات التصادمية المنبعثة من الطائرات الأسرع من الصوت بسطح مياه المحيطات.
• نحت قاع النيل
فبالتركيز على تسليط هذه الموجات التصادمية على الأماكن التى تنخفض عندها سرعة مياه الفيضان مثل مدخل بحيرة السد العالى بسبب زيادة مساحة سطحها عن مساحة المجرى المائى قبلها، ومتوسط عرض البحيرة هناك 12 كم تستطيع الطائرة اجتيازها وهى على سرعة الصوت مع تقليب مياهها بالموجات الصدمية الصادرة عنها فى ثوانٍ معدودات، وذلك قبل أن تكتسب المياه عند هذه الأماكن خواص الركود التى ينتج عنها ترسيب ما تحمله المياه من طمى وما سيترتب على ذلك من زيادة قدرتها كمياه رائقة على نحت قاع النيل ونحر ضفته وجسوره وقناطره بعد تخلصها من حمولتها الثقيلة من الطمى التى كانت تبطئ إيقاع حركتها.. وكذلك بتسليطها على مياه بحيرة ناصر عند الأماكن السابق اقتراحها لبوابات السدود المتوالية وفى التوقيتات التى كانت ستفتح وتغلق فيها وذلك فى وقت الفيضان خاصة فى عشرة أيام ذروته لنستعيض عن طاقة حركة المياه التى كانت ستخزنها السدود المتوالية بطاقة حركة الفيضان التى لا تقل عنها قوة، ويكون ذلك بمثابة الإثارة والإنعاش للمياه أثناء اجتيازها لبحيرة ناصر حتى تصل إلى جسم السد. 
أما عن بؤر الطمى التى كادت أن تشكل جزرا فى بحيرة السد فبالطبع يجب ألا نتركها تكبر وتتصل ببعضها. فليس الغرض من بحيرة ناصر أن تصبح فى النهاية دلتا جديدة مع الوقت، ولكن قد ينجح معها، وفى وقت الفيضان أيضا أن نذيبها بحقن جوفها بهواء عالى الضغط يستطيع بضغطه المتراكم فى جوفها كالبركان نفث ما تحتويه هذه البؤر من طمى فى تيار مياه الفيضان مرة أخرى.
• إعادة الحياة لطمى النيل
ويمكن الحصول على نفس النتيجة بسحب هذه البؤر بطلمبات روبة أعماق وضخها مرة أخرى فى تيار مياه الفيضان.
لكن هذا الدفع المستمر للطمى فى اتجاه السد العالى ولعدم وجود إلا نفق رئيسى واحد موجود أسفل جسم السد تمر منه المياه إلى محطة توليد الكهرباء، فيجب الحذر من ترسب الطمى وتراكمه فى مجرى تيار هذا النفق وأمام جسم السد. ولمنع ذلك أقترح وجود آلية كالمنجنيق فى قاع البحيرة أمام جسم السد لدفع وحقن الطمى المترسب عليها أولا بأول إلى داخل تيار مياه النفق والموجود مدخله أيضا قريبا من مستوى قاع البحيرة  على أن تشيد هذه المجانيق فى أكثر الأماكن توقعا لهذه الترسبات الجديدة وتأخذ حركتها القاذفة للطمى بواسطة أوناش عائمة فوقها فيما يشبه ماكينة خلط الخرسانة وإصعادها إلى الأدوار العليا التى يستخدمها عمال البناء.
إن إعادة سريان الطمى فى مجرى نيل مصر يلزم له معركة لا تقل أهمية عن معركة بناء السد نفسه، فإن كان السد العالى قد حمى مصر من نوبات جفاف ضارية فإن الطمى هو الترياق لأرضنا الزراعية المحافظ على  شباب تربتها والمجدد الوحيد لخصوبتها التى تدهورت كثيرا الآن والمدافع المسئول عن إيقاف البحر الأبيض عند حده ومنعه من إغراق الدلتا بتعليتها 1مليمتر كل عام مع تدعيم رصيفها القارى أمام البحر، وتلك المعركة تستحق منا التوسع فى استخدام المدخلات العلمية والتكنولوجية والابتكارية وتشجيع الأبحاث الجديدة اللازمة لإعادة بث الحياة مرة أخرى للطمى فى نيل مصر وقبل أن تصبح طنطا عروس البحر الأبيض. •