رجـــالـــة آخـر زمـن: الفاتـورة عنـد المـدام
نهي العليمي
سى السيد الذى له شنة ورنة والكلمة كانت كلمته والشورة شورته، لم يكن هذا الاستقواء آتيا من فراغ فقد كانت اليد العليا له لأنه ببساطة هو اللى «أنىَ الست» ومستتها وقائم بجميع الاحتياجات المادية وله القيادة الاقتصادية فهى ست مكسورة الجناح لا عارفة تروح ولا تيجى بالعيال فى رقبتها حتى لو معاها فلوس وأملاك من ميراث فزوجها هو من يتحكم فى كل شىء فلا شهادة ولا وظيفة ومجتمعها كله منحصر فى جارتها التى تشرب معها القهوة على السبرتاية كل يوم الصبح.. وتطور الأمر ونزلت المرأة للعمل من منطلق الحق فى المساواة مع الرجل ومع قيام أمهاتنا بدورى الأم والزوجة بمشاكله والتزاماته من ناحية والمرأة العاملة الناجحة بضغوط العمل وبهدلته من جهة أخرى إلى أن الرجل الشرقى فى زمن آبائنا ظل محتفظا بمكانته وبمعتقداته لفترة طويلة معتبرا عمل المرأة شيئاً خاصاً بها وعيب تصرف مليماً فى البيت يكفى تقوم بطلباتها من ماكياج أو ملابس على استحياء والبيت هو اللى فاتحه ومكفى طلباته ولو الحكاية مقصرة حبتين ودفعت الزوجة بعض الاحتياجات يتجاهلها الرجل هروبا من الإحراج لأنها تمس رجولته.
وكأنه يعتبر «جوز الهانم» مرضاً اجتماعياً يصيب بعض الرجال عندما تكون المرأة أعلى شأنا أو مالا ويقبل ذلك الحال الرجل على كرامته.. واستكمالا للأسابيع الماضية من عرضنا لظواهر اجتماعية مستجدة وتؤثر مباشرة على العلاقة الزوجية وقد تكون سببا فى ازدياد حالات الطلاق التى وصلت إلى 24٪ فى الزيجات الحديثة فقد ظهر على السطح شعارا جديد يحمله بعض الرجال وهو «الفاتورة عند المدام».
تتحدث ليلىطبيبة التجميل التى تملك عيادة وتصرف على البيت مع زوجها المحامى ولكنها غير راضية عن ذلك وتقول «أستغرب كثيرا عندما يطلب منى زوجى أن أدفع مصاريف الأولاد فى المدارس أو فاتورة الكهرباء أو اشتراك النت لأن الحالة «مقصرة» معاه شويتين فهو ليس فقيرا ولكن أشعر دائما منذ بداية زواجنا أنه مستغل وطمعان فى عملى ولكنى لم أتنبه لذلك قبل الزواج فقد كنت أراه عريسا مناسبا لى من جميع الوجوه ولم تطل فترة الخطوبة عن ثلاثة أشهر لأننا كنا جاهزين وكنت تعديت الثلاثين وهو فى الخامسة والثلاثين ولم أجد مبررا لتطويل فترة الخطوبة وبعد اكتشافى لجرأته فى طلب المال لم أرد أن أعكر حياتى فأصبحت اتحجج مرات و«أطنش» مرات أخرى.. وأدفع بعض الأوقات.. وكثير من الزوجات العاملات يواجهن نفس الموقف.
∎ أشعر أنى راجل البيت
سمية مهندسة ديكور متزوجة منذ 3 سنوات انفصلت عن زوجها لفترةبسبب المشاكل المادية ثم عادت لأجل ابنها تحكى سمية فتقول: «تعرفت على زوجى لعملنا فى شركة واحدة وكنت أراه مهذبا ومحترما ووافقت عندما طلبنى للزواج فورا بدأت ألاحظ فترة الخطوبة أنه لا يحرج من طلب أشياء بعينها غالية الثمن أثناء تجهيز الشقة واختيار الغرفتين اللتين اتفقنا على أن أشتريهماويقول «دا عليكى لازم تشتريه» رغم أنى كنت خجولة جدا فى هذه المسائل ولم أتدخل فى شراء الغرفتين اللتين اشتراهما أو الأجهزة الكهربائية حتى لا أحرجه ولكن صديقاتى وأمى أخبرننى بأنه شىء طبيعى وأنه من باب رفع الكلفة بيننا وأننى أنا «اللى مكبراها» وبعد الزواج سألنى عن راتبى وطالبنى بأن أعطيه له كاملا ليصرف على البيت «فهو لا يقبل أن أحاسب أنا فى وجوده» ولو تبقى شىء نقسمه بيننا لطلباتنا الشخصية قبلت ذلك ثم فوجئت به يصرف على أشياء تافهة كالسجائر والشيشة فى الكافيهات التى يجلس عليها مع أصدقائه وأنا لا أجد ما أشترى به أشياء هامة لى وقامت بيننا خناقة كبيرة وذهبت لبيت أهلى ولكنه جاء وصالحنى ورجعت لأنى كنت حاملا فى ابنى بشرط احتفاظى بنصف مرتبى ولكن شرخ كبير أصبح بيننا لأنى أشعر دائما بأنه يطمع فى مرتبى والمشاكل بخصوص هذا تكرهنى فيه وفى الحياة معه فهو لا يخجل حتى أمام الناس بأننى أصرف أكثر منه فى البيت».
رندة مهندسة كمبيوتر تشعر بأنها راجل البيت على حد قولها وتشرح ذلك قائلة: أنا من أسرة أغنى من أسرة زوجى وكنا أنا وهو زملاء منذ أيام الجامعة لذا تغاضيت عن هذه الفروق الشكلية لأننا نحب بعضنا ومتفاهمين جدا أكثر ما يضايقنى ليس أننى ادفع فى البيت أكثر من زوجى لأن مرتبى أكبر منه بل أسلوبه فى طلب ذلك كأنه حق مكتسب فى كثير من الأحيان كان يقول: «ادفعى أنت مصاريف المصيف أنت مرتبك أكبر» وكثيرا ما يحرجنى أمام أصدقائى وعائلتى عندما يطالبنى بدفع فاتورة أو يحكى أنى أعلى منه فى المرتب أو أغنى منه فأنا اشترى الطلبات والمصاريف بدون كل هذه الضجة ولا أعرف لماذا يقلل من شأنه أمام الناس مع أنه يعلم أن هذا الشىء يضايقنى ولا أعرف كيف لا يضايقه هو؟
∎ هى و ذوقها
تعرضنا لرأى الجنس الخشن لنعرف رأيه فيما يتهمه به الجنس الناعم وهل سماح الرجل للمرأة بالمساهمة فى تلبية طلبات الأسرة قلة نخوة أم ظروف اجتماعية صعبة؟ وهل من الطبيعى تقبل ذلكبل والوصول للتباهى بذلك فى بعض الأحيان؟ أحمد الشامى 23 سنة متزوج منذ 4 شهور ويقول: «لا أغصب زوجتى على شراء شىء خاص بى وهو شىء صعب هذه الأيام وجهزت هى شقتها ودفعت تكاليف الفرح وحتى شهر العسل كان هدية من والديهاوالمبلغ الذى كنت أدخره أحضرت لها به شبكة حتى أنها زودت بعض آلاف فوقهلتكون شبكة ألماظ قيمة ولا أجد فى ذلك إحراجا فأنا كنت صريحا ولم أكذب عليها كما أنى أحبها جدا وأبذل جهدى فى التقدم فى عملى وأصدقاؤنا يعلمون أنها أغنى منى ومرتبها أعلى وسيارتها أشيك وبصراحة أجد ذلك ميزة وليس عيبا.
زياد يعمل محاسبا بأحد البنوك الحكومية يبلغ 03 عاما متزوج منذ عامان ويرى أنه متزوج «جوازة لقطة»على حد قوله ويتباهى بذلك قائلا: الزواج الآن صعب وكنت أنوى أن أؤخر الزواج لعدة أعوام مقبلة ثم ظهرت عروسة لا تفوت صديقة لأختى من نفس عمرى وتعمل فى شركة أجنبية عندها سيارة وشقة ووالدها يعمل فى دبى وهى وحيدته أعجبنا ببعض ولكنى كنت صريحا فأنا شقتى صغيرة فى مكان بعيد جدا عن عملنا وسيارتى قسط وليس معى المبلغ الذى يكفى الفرح والشبكة وتجهيز الشقة ومرتبى ليس كبيرا وصارحتنى بأنها توافق على ظروفى لأنى كما قالت: ابن ناس.
«يقطع» المساواة عللى عايزينها:
أما أطرف ما سمعته فهو من إحدى صديقاتى فى جلسة ضمت بعض الصديقات وأزواجهن حين قالت «الله يسامح من طالبوا بالمساواة وجعلونا كالرجال ولم يعد أزواجنا ينظرن لنا ككائنات رقيقة تحتاج للكلمة الحلوة ولوردة جميلة أو هدية ظريفة أو للفتة لطيفة كفتح باب السيارة لنا فنحن مطالبون بنفس الأفعال لأن مثلنا مثلهم»، وهنا قام الأزواج بثورة عليهن قائلين: مش أنتم اللى عايزين مساواة ولا المساواة فقط فى الحقوق؟ ومش عايزين مساواة فى الواجبات؟ هو أنتم عايزين كل حاجة؟ وهنا بادرتهم صديقتى قائلة «يقطع المساواة على اللى عايزينها هو مابقاش فيه نخوة».
∎ هل فعلا الستات عايزة كل حاجة؟
تجيب عن هذا السؤال الدكتورة إيمان عبدالرحيم دكتوراة علم النفس ومستشارة علاقات زوجية فتقول: نعم المرأة تريد كل شىء لأنها ببساطة رغم كفاحها للوصول للمجد أو لشق طريقها فى الحياة العملية إلى أنه من المؤكد أن أعظم لحظات متعتها وسعادتها عندما تشعر بأنها أنثى ومحبوبة من حبيبها وهى لا تشعر بهذا الإحساس إلا لو كان قادرا على احتوائها نفسيا وماديا وفسيولوجيا وأى عجز لدى الرجل فى إحدى هذه النواحى يؤثر على نظرتها له مما يتبعه تاثير على إشباعها من هذه العلاقة وبالتالى نظرتها لنفسها فالمرأة التى تقوم بدور الرجل الذى لم تخلق لتقوم به من قيادة مادية ونفسية داخل الأسرة يشعر المرأة بأنها الأقوى ويتولد عندها إحساس بأنه هو من يحتاجها وتتبدل الأدوار وهو ما يخالف الطبيعة الأنثوية فتتصرف على هذا الأساس وتفتقد بين الوقت والآخر إحساس الأنثى الطبيعى بالأمان الذى تحتاجه هذا على نطاق الأسرة إما خارجها فالمرأة تصبح إنسانا آخر لا يفرقها شىء عن الرجل فى طموحه وبراعته فى العمل أو القيادة لأنها تتصرف كإنسأن ومواطن له حقوق وواجبات ولا يقلل ذلك من نظرتها لنفسها بل على العكس تحاول فى مجتمعنا الشرقى أن تثبت نفسها لأنها فى مجتمع ذكورى وتثبت قدرتها على النجاح كالرجل وهى فى سبيل ذلك تتعرض لضغوط والتزامات تفوق الرجل لتثبت نفسها فى دوريها كأنثى فى البيت أما وزوجة وامرأة عاملة ناجحة كالرجل خارج البيت مما يثقل ضغوطها بل ويجعلها تحتاج أكثر لرجل يوازنها نفسيا على المستوى العاطفى فليس كما هو متعارف عليه أن المرأة ودورها الخارجى كقيادية فى عملها يجعلها تنسى أنوثتها واحتياجها للتوازن العاطفى ولا شك أن ممارسة ضغوط إضافية نفسية على المرأة من جانب شريكها ومحاولة تكرار نفس دورها فى العمل فى البيت من ناحية القيادة وتحمل المسؤوليه خاصة عندما تكون قد تربت فى أسرة تعطى للمرأة حقها وأكثر من أب متفاهم وقائم بشئون أمها ثم تفاجأ بإنسأن غير متحمل للمسؤولية فتنفجر ويؤدى ذلك للطلاق.
∎ مسلسل استغلال المرأة
أما عن الرجل فترى الدكتورة ثريا عبدالجواد أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية إن موضوع إنفاق المرأة فى البيت غير مقتصر على الطبقة الوسطى بل هو أشد ما يكون وعلى نطاق أوسع فى الأسر الدنيا وهو ما أظهر على السطح ظاهرة المرأة المعيلة التى تعول أسرتها وزوجها ليس متوفيا بل وأحيانا يرفض العمل أو إنسان «أرزقى» فتكون هى المسئول الأول عن الأسرة وتضيف الدكتورة ثريا: وهذا ضمن مسلسل استغلال الرجل للمراة والذى قد يظهر هذا الاستغلالفى صورة اقتصادية أو جنسية وعلى كل المستويات فيرى من حقه التحكم فى الذمة الماليه للأسرة وتملك كل ما تملكه المرأة كجزء من حالة التمييز بين الرجل والمرأة وحالة الأفضلية التى تصل أحيانا أنها إذا لم تتركه يتحكم بها فقد عصت الله ورسوله.. وهذا نجده مهما علت الزوجة وزاد دخلها وزادت مكانتها المجتمعية.
∎ هروبا من العنوسة
وترى الدكتورة ثريا أن ازدياد تلك الظاهرة الآن فى المستويات الأكثر رقيا قد يكون لارتفاع نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج عند الفتيات فتلجأ البنات إلى شعار «ضل راجل ولا ضل حيطة» وتعتبر أن مرتبها أو المنزل الذى تملكها ميزة للترويج لنفسها كعروسة جاهزة وميزة فى ميزانها وهو أيضا كما تقول الدكتورة ثريا: أن وجوب أن تعيش المرأة فى كنف رجل على حساب أى شىء هو جزءمن ثقافة تمييزية على حساب المرأة وهى ثقافة أن المرأة بدون زوج وبيت وأولاد لا تساوى شيئا.
∎ ضريبة المساواة.. والنتيجة طلاق
كذلك تضيف الدكتورة ثريا عبدالجواد أستاذ علم الاجتماع: المساواة أيضا بين الرجل والمرأة هى التى فرضت مظاهر جديدة كمشاركة المرأة فى المصاريف والإنفاق فيكون ذلك وجه من أوجه المساواة أى أنه شىء جيد وطبيعى.. ولكن لا شك أن مسالة الريادة والقيادة المالية للمراة فى الأسرة ووجودها فى موقع «من يفتح البيت» ويلبى كل الطلبات سيحدث نوع من الخلل فى العلاقة الطبيعية بين الرجل وزوجته واختفاء صفة القوامة والقيادة عند الرجل وإذا زاد الموضوع وظهر عجز الزوج فى مواجهة ميزأنية أسرتههنا يحدث الخلل فى العلاقة وخلل فى الصورة السوية للأب أمام أولاده ويختفى دوره الطبيعى مما يتسبب فى اضطراب الاولاد من ناحية ومن ناحية أخرى يكون بلا شك من أسباب الطلاق بين الزيجات الحديثة.