الثلاثاء 3 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المأذونة الشرعية

المأذونة الشرعية
المأذونة الشرعية


أمل سليمان عفيفى، تلك الفتاة التى عُرفت بين أقرانها بالهمة والنشاط، فكانت تستيقظ مبكرا لتقوم بأعباء منزلها الصغير، ثم تخرج إلى عملها بمكتب المحاماة الذى كانت تعمل به، وكانت تستشيط غضبا بمجرد سماعها عن ارتفاع أجور المأذونين فى المنطقة، وأن ما يطلبه السيد المأذون مجاب حتى لو كانت أسرتا العروسين بسيطتين، فهذا لا يهم، لكن المهم أن تجاب طلبات «البيه المأذون».

كانت تستمع لأقوال البسطاء وشكواهم الدائمة من ارتفاع أجور المأذونين من الرجال، ولكن ماذا يمكنها أن تفعل؟ ومع الشكاوى المتكررة التى كانت تسمعها من أصدقائها وجيرانها بشكل دائم، راودتها الأمانى فى أن تصبح مأذونة لتساهم فى تخفيف أعباء الناس، ولكن «أنى لها ذلك»؟! والمجتمع الذى نعيش فيه، وبعض رجال الدين ينتقدون عمل المرأة فى المطلق، بحجة أنه مخالف للإسلام، فما بالنا بعملها فى المأذونية، ذلك العمل الذكورى البحت، فى حين أن القوانين الوضعية، وأحكام الشريعة الإسلامية لا يوجد فيهما ما يمنع المرأة من تولى أى عمل مادامت تمتعت بشروطه، ومن ثم لا يوجد فى الشريعة والقانون ما يمنع المرأة من العمل «مأذونة شرعية».
الأيام تمضى والفكرة تختمر بعقلها، أيام تمر والحلم يراودها فى نومها وصحوها، ولكن لا يوجد معين، ولا حجة لتفرضها على المحيطين بها ليقبلوا بعملها الذى تحلم به، كيف تتحدث مع زوجها خاصة أن عمه هو المأذون الشرعى لتلك القرية التى تقطنها وما حولها من قرى، كانت تدابير القدر أسرع، فتوفى المأذون الشرعى عم زوجها، وقبل أن تبادر أمل بالحديث مع زوجها، يأتى هو إليها بما يكنه تجاهها من مشاعر خالصة، وإذا به يطلب منها، بل يحاول إقناعها بأن تقدم على العمل كمأذونة شرعية، مقدما لها الدعم والعون، والوقوف إلى جانبها فى وجه كل رافض لها، فخاض معها حربا نفسية حاول خلالها الحاقدون السخرية منه، والنيل من رجولته، ولكنه ترك كل شىء جانبا، ووقف إلى جوار زوجته وأم أبنائه فاستطاعت بمعاونة زوجها ومساندة أهلها أن تحصل على لقب أول مأذونة شرعية خاصة أن شروط التعيين فى المأذونية ليست بالسهولة التى يتوقعها البعض، فعلى المأذون أن يحصل أولا على موافقة عشرين شخصا ذوى سمعة حسنة يدعمونها، وقد كان.
أمل سليمان عفيفى، تلك الفتاة التى نشأت فى أسرة بسيطة وتزوجت بعد حصولها على ليسانس الحقوق، وأنجبت بنتين وولدا هم: أمينة، إسراء وعبدالرحمن، وفى ذات الوقت حصلت على ماجستير فى القانون، كما أنها لم تقصر فى واجباتها الأسرية كزوجة وأم، تقول إن زوجها ابن مدينة القنايات مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، كان وراء قرار ترشحها لمقعد المأذونية، وبالفعل استطاعت أمل سليمان بعلمها وثقافتها الحصول على مقعد المأذونية، بل انتزاعه من عشرة رجال تنافسوا معها على هذا المقعد، بعد أن تقدمت بأوراقها إلى محكمة الأسرة للحصول على إذن رسمى يسمح لها بالقيام بمهام المأذون، وبعد حرب شرسة خاضتها مع المنافسين، ولكونها الأحق والأجدر بالمنصب، جاءت كلمة المستشار ممدوح مرعى وزير العدل وقتها حاسمة وقاطعة، لتعيد جزءا من حق المرأة المسلوب، فأصدرت محكمة الأسرة فى فبراير 2008 قرارا بالموافقة على منح أمل سليمان عفيفى ترخيصا بمزاولة مهنة المأذونة، وجاء فى تبرير المحكمة أنه تم اختيارها لكفاءتها القانونية المميزة، فكانت أول مأذونة شرعية يتم تعيينها ليس فى مصر فقط، ولكن فى العالمين العربى والإسلامى.
وفى أكتوبر 2008 تقوم بعقد أول عقد زواج بين زوجين فى مدينة الزقازيق، وبعد أن تم التعيين، وقبل أن تحصل على دفتر المأذونية جاءها أهالى القنايات بترحاب وحب شديدين، حتى إنها فوجئت بثلاث حالات ترغب فى عقد قرانها.
وتقول أمل سليمان: إن المرأة قادرة على تقلد أى منصب، والقيام بأى عمل مادامت تسلحت بالعلم والإيمان بالله، وتقول أيضا: إنه لا يوجد مانع من دخولها المسجد لعقد قران أى زوجين حتى لو كانت حائضا واستدلت على ذلك بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - للسيدة فاطمة: «حيضتك ليست بيدك»، استطاعت بما تملكه من شخصية قوية ومحبوبة وحسن السمعة التى تمتعت بها، إلى جانب العلم الذى تحلت به، أن تستحوذ على عقول الرجال فى ذلك المجتمع الريفى البسيط. •