أشهر مهن الأقباط فى 21 قرن

يارا سامي
لآن مصر هى كنانة الله علىالأرض، فهى البقعة الطاهرة التى احتضنت الديانات السماوية الثلاث وحظيت بمكانة مقدسة عند أهل الكتاب ولاسيما أقباط مصر الذين آمنوا بفكرة «الأرض المقدسة» وفقا لمفهوم الكنيسة القبطية عن مصر ولعقيدتهم التليدة.. بأنهم جزء لا يتجزأ من تراب هذا البلد..
فعكفت الطبقة الأرستقراطية منهم على التواجد وبقوة فى كل مهنة لها رسالة سامية فى خدمة المجتمع، فعمل الكثير منهم بالصيدلة وقرر جزء آخر منهم التمسك بالعمل بالتجارة منذ بداية التاريخ حتى يومنا هذا.. بحيث رسخوا دورهم فى كل الصناعات الداعمة للاقتصاد المصرى، فنجد أن معظم رؤساء مصانع وشركات الأسمنت فى مصر أقباط ونجد أصحاب أكبر شركات المحمول فى مصر أقباطًا.
كذلك لن تتعجب كثيرا إذا دخلت إلى معظم محال المجوهرات فى ميدان الجامع بمصر الجديدة أو حتى فى منطقة «الصاغة» بالحسين أو إلى مكاتب الصرافة أو ربما إلى محال تجار الأقمشة بوكالة البلح أو فى أى منطقة أخري؛ إذا وجدت صاحب المحل أو حتى «صبيان» المحل أقباطا.. هذا على صعيد الطبقة المتوسطة، أما إذا تدرجنا إلى أسفل الهرم المجتمعى فسنجد أيضا أن معظم العاملين بحرف صناعة الفخار وفرز القمامة وتجارة البالة ومحلات العصير هم أيضا أقباط!
مهن وحرف ارتبطت بالأقباط وارتبطوا بها، لدرجة أنك قد تظن للوهلة الأولى أنها مكتوبة على أسمائهم أو أنها خلقت من أجلهم، ولكن فى حقيقة الأمر هى مهن أصر الأقباط على العمل بها منذ القدم فهى جزء أصيل من موروثهم الشعبى القديم وبرهان قوى على تمسكهم بحقهم فى الأرض والوطن الذى تعلموا كيف يقدسونه.
بالنظر فى التاريخ القبطى نجد أن التجارة مهنة قديمة وشهيرة عند الأقباط بدأت فى صورة تبادل بين سكان المناطق المختلفة. ثم تطور الأمر لاعتماد الفضة كعملة للتعامل فى التجارة بدل التبادل، وكان من أشهر التجار فى التاريخ القديم سكان صور، والكنعانيون. وكانت أشهر مواد التجارة هى المواد العطرية والنباتات الطبية، والأقمشة والملابس، والأحجار الكريمة والمجوهرات، ومشغولات المعادن. كما ارتبطت التجارة باستعمال السفن والجمال.
ومن أهم المهن التى اشتغل بها الأقباط هى مهنة «النحاس»، وهو الذى يعمل فى تشكيل النحاس، وذلك لإنتاج المشغولات النحاسية ومن أشهر من عملوا نحاسين اثنان: واحد عمل فى خيمة الاجتماع؛ وهو بصلئيل الذى كلم الرب موسى والآخر عمل فى الهيكل وهو حيرام من صور.
ومن أهم المصنوعات النحاسية كان تلك الحية النحاسية التى أمر الرب موسى أن يعملها، والتى كانت سبب خلاص كثيرين وصورة للرب يسوع على الصليب.. كذلك برزت مهنة «صانع الخيام» وكان أشهر من عمل بها الرسول بولس.
• موروث مصرى قديم
ويعقب الدكتور مختار الكسبانى - أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية والقبطية بكلية الآثار جامعة القاهرة: «الفكرة كلها تقوم على أن مهن الاقتصاد عموما ومهن صناعة الذهب وصناعة الفخار كلها من الحرف أو المهن المصرية القديمة التى تمسك بها المصريون جدا، ولأن الأقباط هم عنصر مصرى أصيل فى المجتمع وتربى على الثقافة الفرعونية القديمة ظلوا يتمسكون بهذه المهن تمسكا شديدا، ونلاحظ أيضا اشتغال الكثيرين بمهنة مثل «عمال النظافة» أو «فرز القمامة» من المهن التى يتمسك بها الأقباط ليس لضعف المستوى الاقتصادي، بل بالعكس فهم يعتبرونها مهنة تدخل فى نطاق مسئولية كل فرد منهم لأن مصر فى المفهوم القبطى، وفى مفهوم الكنيسة المصرية الوطنية هى أرض مقدسة، وهذا ما تؤكده المعانى التى ذكرت فيها مصر فى الكتب السماوية، لذلك أيضا سنجد أن أمهر صناع الفخار فى مصر هم أقباط لأن الفخار هنا يرتبط بقصة الخلق لأن الإله «بتاح» كان يصور على هيئة عامل الفخار الذى يقف على عجلة «الفخرانى» الذى يصنع البشر.. وهذه هى فكرة راقية جدا فى المفهوم العقائدي.. هذه المهن مبنية على تراكم ثقافى مصرى عبر العصور المختلفة، تمسك بها الأقباط المصريون وخاصة بعد ما حدث الخلاف المذهبى منذ البيزنطيين واعتبارهم مارقين عن المسيحية، فما كان من الأقباط إلا أن يردوا بأنهم الأصل فى معرفة المسيحية، وهم أول أرض أقيمت عليها كنيسة للتكريس بالإنجيل فيها باعتبار أن كنيسة الإسكندرية هى أول كنيسة أقيمت للتعبد بها بالديانة التى نزلت على السيد المسيح عليه السلام».
ويستطرد قائلا: لذلك نجد أنه حتى قبل الإسلام كانت هذه المهن يمارسها الذين يعتنقون المسيحية من المصريين «الأقباط»، باعتبار أنها ضبط الدولة: النظافة والاقتصاد والتجارة والصناعات الخزفية: الفخار والزجاج والخزف وهى من المهن التراثية التى ظلوا يتمسكون بها.. وبعد ثورة 1952 أصبحت الساحة مفتوحة أمامهم خاصة بعد خروج أعداد كبيرة من اليهود من مصر الذين كانوا يعملون بالمهن التى لها علاقة بالتجارة والاقتصاد. •