الخميس 22 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أطفال فى خطر

أطفال  فى خطر
أطفال فى خطر


لظروف لاذنب لهم فيها، وحياة لم يختاروها.. يسمون «أطفال الشوارع» وهى التسمية المؤلمة التى تصف ظاهرة وجود أطفال بلا مأوى، الأطفال أنفسهم يتألمون إذ يشعرون بالدونية والغربة والخوف وعدم الأمان.

أحدث رسالة دكتوراه عن هؤلاء الأطفال تكشف عن تزايد أعدادهم وعن مشاكلهم وتطرح سبلا جديدة للتعامل معهم ومساعدتهم فى الحصول على طفولة آمنة.
فمتى يتحول الشارع إلى شراع، والبرد إلى دفء، والليل إلى أمن وسكينة لكل طفل وجد نفسه فى الشارع وبلامأوى؟!
• الإحساس بالحب والأمن
الرسالة بعنوان: «تصور مقترح لتفعيل الدور التربوى للمؤسسات الخاصة برعاية «أطفال الشوارع فى مصر»، وقامت به الباحثة سوسن عبد اللطيف الشريف وحصلت بها على درجة الدكتوراه فى فلسفة التربية من جامعة عين شمس.
قامت الباحثة بدراسة عينة من الأطفال المقيمين بإحدى المؤسسات الإيوائية الأهلية بمحافظة القاهرة، وهى جمعية الأمل وهى إحدى المؤسسات التى تتسم بريادتها فى هذا المجال حيث تعد من أولى التجارب على مستوى الوطن العربى فى التصدى لتلك لمشكلة، وتقدم الجمعية العديد من الخدمات التعليمية لهؤلاء الأطفال مثل خدمة محو الأمية من خلال مدرسة محو الأمية التابعة للجمعية بمنطقة المقطم، ومشروع المدارس الصديقة بالتعاون مع اليونسكو حيث يتواجد المشروع فى فرعين: فرع استقبال بحى السيدة زينب، والآخر فرع العاشر من رمضان للإقامة، بلغ حجم العينة من الأطفال والشباب 81 مبحوثا، 47 من الذكور، 34 من الإناث تراوحت أعمارهم ما بين 8 - 23عاما من المقيمين بجمعية قرية الأمل.
وأغلب المبحوثين ينتمون إلى مناطق عشوائية أو مناطق ذات مستوى اقتصادى ومعيشى منخفض.
وقد أثبتت الدراسة أن الأطفال يكونون أكثر استجابة للإثابة المعنوية أكثر من المادية، وهذا يؤكد على حاجة الأطفال الدائمة للحب والتقدير والإحساس بالثقة بالنفس، ومن الأساليب التى اتفق عليها كل من الأطفال والإخصائيين الاجتماعيين: التشجيع والمعاملة الحسنة.
وقد أكد نسبة 86.6 % من الأطفال  أن إقامتهم بالجمعية أفضل من أى مكان آخر، وأنهم يشعرون أن حياتهم تغيرت للأفضل، وذكرت نسبة 8. 26 % من الأطفال أن حياتهم فى الجمعية أفضل بسبب إحساسهم بالحب والأمن.
• الطفل والشارع
وتؤكد الباحثة أنه من الضرورى العمل على ألا يكون الشارع أحد الخيارات المتاحة أمام الطفل فإما أن يعود إلى أسرته أويودع فى أى من مؤسسات الرعاية الأهلية أو الحكومية، أما تقديم الخدمات فى أماكن تواجد الأطفال فى الشارع  من خلال مراكز الاستقبال يشجع الطفل على بقائه فى الشارع ويزيد من مميزاته ومن عوامل جذبه، وبالتالى لن يتجه إلى المؤسسات الإيوائية لأنه سيتلقى خدمات يفتقدها وبالتالى سيظل فى الشارع فى أكثر وقت يمتليء بالمخاطر وهو الليل وخاصة بالنسبة للفتيات، ومع ذلك يؤكد تقرير من المجلس العربى للطفولة والتنمية على أن مراكز الاستقبال هى وسيلة الاتصال الوحيدة بالطفل المقيم فى الشارع إذ أنه من الصعب انتزاع الطفل من حياة الشارع، ووضعه فى الإقامة فجأة لأن هذا سيزيد من عمليات الهروب وفشل أى برامج للتعامل معهم.
وترصد الباحثة التناقض بين الرفض الحكومى للاعتراف بزيادة أعداد أطفال الشوارع وبين رأى ممثلى المؤسسات والجهات غير الحكومية ومراكز حقوق الإنسان، ويبرر الرسميون رفضهم  لفكرة زيادة أعداد هؤلاء الأطفال بقولهم إن إلقاء الضوء على هذه الظاهرة والتركيز عليها من جانب الإعلام هو الذى أكسبها أهمية، وبالتالى اتجهت الأنظار إليها، وعدم وجود إحصائية دقيقة على المستويين المحلى والعالمى ترصد العدد الحقيقى لهؤلاء الأطفال، ويرجع البعض منهم الزيادة فى أعدادهم إلى زيادة عدد السكان بوجه عام، بينما تؤكد الجهات غير الحكومية الزيادة المضطردة لأعداد الأطفال الذين يقيمون فى الشارع ويشيرون إلى أن تزاوج الأطفال من بعضهم البعض قد أفرز جيلا ثالثا من الأطفال وأصبحت أسر بأكملها تعيش فى الشارع وتنتمى إليه.
ومن هذا الرصد يمكننا أن نقول إن الاعتراف بوجود المشكلة هو أول الطريق لحلها وتعد من أهم الأسئلة التى تثيرها هذه الدراسة:هل التوسع فى افتتاح أفرع استقبال هؤلاء الأطفال توسعا أفقيا يؤثر على نوعية الخدمات والبرامج المقدمة مما يزيد من احتمالات عودة الأطفال إلى الشارع أم من الأفضل التركيز على إنقاذ عدد محدد والعمل معهم بعمق وفعالية؟ - مع العلم بأن الأطفال بعد هروبهم لأكثر من مرة من المؤسسة يصعب وقد يستحيل إعادتهم إلى السلوك السوى مرة أخرى - وربما تكون فكرة التوسع فى إنشاء المؤسسات التى تقدم خدمة الإيواء لهؤلاء الأطفال هى الحل فى مواجهة هذه الظاهرة.
• تمكين لا إحسان
وترى الباحثة ضرورة تنمية التوجه القائم على بناء قدرات الأطفال وأسرهم من منظور «الحقوق الاجتماعية» ، وتمكين الفئات المستهدفة من الحصول على طفولة آمنة ونمو سليم وعلى جميع الفرص والحقوق الاقتصادية والاجتماعية المتاحة فى المجتمع بل القضاء على الفقر والتهميش الاجتماعى للفئات الفقيرة .
وكذلك ضرورة المشاركة الشعبية التى تسمح بوجود صوت لجميع الفئات عند وضع السياسات التنموية المؤثرة على حياتهم، حيث إن رؤية هؤلاء الأطفال لواقعهم وكيف يرون تغييره يمكن أن يكون وسيلة لتقديم بدائل وحلول يتقبلها الأطفال ويتعاونون فى تنفيذها .
ومن أهم ماطرحته هذه الرسالة العلمية فكرة منح الأطفال بطاقات تحقيق الشخصية بحيث تعطيهم شعورا إيجابيا نحو هويتهم، وتغيير نظرة المجتمع السلبية والرافضة لهم فهم ليسوا جانحين بطبيعتهم ولكنهم ضحايا ظروف ليسوا مسئولين عنها .
•المسئولية التربوية والربح
وإذ يعد الاهتمام بالتدريب والتأهيل المهنى للأطفال الذين دفعتهم ظروفهم إلى الشارع من أهم المداخل لإعادة تأهيلهم، ومن المصادر التى تعتمد عليها الجمعيات التى تقدم الرعاية لهؤلاء الأطفال فإنه من الضرورى الإشارة إلى أن الاهتمام بالربح والعائد المادى لاينبغى أن يطغى على البرامج الاجتماعية والتربوية، فالمبالغة فى الاهتمام بالورش والإنتاج والربح كما تقول الباحثة فى رسالتها قد أدى إلى أثر سلبى على الأطفال وبخاصة أنهم يعملون لساعات طويلة فى الورش، ويتقاضون راتبا ضعيفا عن المقرر لهم وتقريبا يعملون بدون أجر، ويشعرون بالتعب والإنهاك وخاصة فى شهور الإجازة بل يعمل البعض منهم أثناء الدراسة أيضا.
• الخوف والتعبير بحرية
وتؤكد الدراسة أن الأطفال الذين يقيمون فى الشارع ليسوا وحدهم الذين يخشون التعبير عن أنفسهم فى واقع يرفضهم وإنما يعانى الإخصائيون الاجتماعيون من التخوف إلى حد كبير من الإدلاء بآرائهم فى إدارة جمعيات رعاية هؤلاء الأطفال وبرامجها، لأن ذلك قد يؤدى إلى توقيع الجزاء على الأخصائى مما يجعل المتعاملين مع الأطفال من الأخصائيين الاجتماعيين يتأثرون بالمؤسسة التى يعملون فيها حيث يتأثرون بلوائحها ونمط إدارتها، ويؤثر ذلك على إنجازهم لعملهم , ولذا لابد من توفير نمط إدارى ديمقراطى يشجع على حرية التعبير فيما يخص مصلحة العمل بالنسبة للمتخصصين فى مساعدة الطفل، ومواجهة خوف الطفل وجذبه بعيدا عن حياة الشارع عن طريق إقناعه وتعريفه بالفرص المتاحة له.
• الأمومة والطفولة
ويتوقف نجاح عملية إعادة التأهيل على أسرة الطفل فكلما كانت علاقة الأسرة بالطفل طبيعية، وتشبع لديه الإحساس بالأمان والحب كلما كانت استجابته أفضل وأسرع لتعديل سلوكه، وعلى النقيض فإن إحساسه بالرفض والنبذ من الأسرة ينمى لديه المشاعر السلبية العدوانية تجاه ذاته، وتجاه أسرته والمجتمع ، ولذا لابد من دعم كيان الأسرة المادى والمعنوى حتى تتمكن من القيام بمسئوليتها فى الإشراف والتربية والتوجيه.•