انتحار طالب جامعة

خضر حسن هبة محمد
انتحار طالب بهندسة القاهرة خبر تداولته الصحف والمواقع الإلكترونية الأسبوع الماضى تبعه أخبار عن محاولة انتحار أخرى فى نفس الكلية وثورة للطلبة بداخلهم لإصرارهم على تحقيق مطالب وجدوا أن عدم تحقيقها هو سبب النهاية المؤلمة لحسن، وسواء كنت من المشفقين على وفاة الشاب بهذه الطريقة المؤلمة، أو كنت من الذين يتهمونه بالكفر وقلة الإيمان، أدعوك لقراءة السطور القادمة لتعرف هل انتحر »حسن« نتيجة ضغوط نفسية ألمت به أم نتيجة فساد منظومة تعليمية كاملة.
محمد الباشا طالب بالسنة الثانية قسم كهرباء، يقول: لم أكن أعرف حسن، ولا أعرف الدافع الحقيقى الذى يجعله يفعل هذا، لكنى أعتقد أنه عندما يرى أربعة زملاء له يتم قتلهم غدرا سواء فى أستاد بورسعيد، أو فى المظاهرات المختلفة، ويرى زملاء له يتم حبسهم بدون وجه حق، كل هذه الأسباب تشكل ضغطا كبير على أى إنسان، كما أن الجو العام فى الكلية يدعو للإكتئاب، فنحن نأخذ ٢١ مادة على الأقل فى العام، ولا يوجد فى الكلية نظام »الدور الثانى« الذى يكفل لنا إذا تعثرنا فى بعض المواد أن نمتحنها فى الصيف، لذا فإذا أخفق أى طالب فى مادتين »تضيع عليه السنة، كما أن الكلية بلا معامل تقريبا، فعلى الرغم من أنى فى السنة الثانية، فلم أدخل أى معمل إلى الآن، ناهيك عن المعاملة القاسية من بعض الأساتذة، فقد حكى لى أحد الزملاء أن هناك مادة ظل الدكتور »يسقطه« فيها ثلاث سنوات متتالية لأنه لم يعتذر له، وتصل أحيانا الإهانة لدرجة أن الدكتور قد »يشتم« طالب لديه، إما عند الذهاب لإدارة الكلية فلا يتمكن الطالب من مقابلة الوكيل إلا بشق الأنفس، وفى النهاية يتحدث معه بكل عجرفة, لذلك أنا أرى أن التعليم الجامعى فى مصر يحتاج إلى بوعزيزى، الشاب التونسى الذى ضحى بنفسه وكان شرارة ثورات الربيع العربى بأسره، وفى رأيى حسن هو بوعزيزى هندسة.
* بعضنا يتاجر بدمه
أما أحمد شعبان - طالب بقسم تعدين - وهو القسم الذى كان ينتمى له حسن فيقول: حزنت كثيرا على وفاته، ليس فقط لعلمى بقوة إيمان حسن، لكن لأنى أعرف أننا جميعا نتعرض يوما لضغط نفسى قد يجعل أحدنا مكانه فى أى لحظة، لذا أرفض بشدة أن أطلق على حسن لفظ المنتحر كما يتردد فى الإعلام، فهو الآن بين يدى الله، وهو الأدرى بحاله وأرحم عليه من أى مخلوق، وعن المطالب التى قدمها اتحاد الطلبة لإدارة الكلية يقول: اجتمعنا على عدة مطالب كان من أبرزها إقامة دور ثان لمن تعثر فى إحدى المواد بدلا من تنقل معه المادة إلى العام الجديد، وجود جهة رقابية على أعضاء هيئة التدريس، وتفعيل نظام تقييم الطالب للأساتذة والمعيدين، وتحويل من لا يجيد توصيل المعلومة للطالب لأى وظيفة إدارية، بالإضافة إلى إمكانية تحويل الطالب لمساره من قسم إلى آخر بما يتوافق مع رغباته وميوله، وأخيرا تفعيل دور الإخصائيين الاجتماعيين للعمل على حل مشكلة الاكتئاب التى يعانى منها معظم الطلبة، لكن للأسف فى لقاء الطلبة مع العميد حدث تشتت فى عرض المطالب مما أضعف من موقفنا، فتحدث من يريد إنشاء منطقه للمدخنين وآخر يريد تقوية شبكة الإنترنت داخل الكلية مما أشعرنى بأننا نتاجر بدم حسن و»بندوس عليه« لذا أعلنت انسحابى من اللقاء فللأسف دراستنا العملية حولتنا إلى الآت.
* لم ينتحر
أحمد نبيل طالب بالسنة الثالثة بالكلية قسم كهرباء، وهو شاهد عيان على حادثة انتحار حسن يقول: دخل حسن كلية الهندسة عام ٧٠٠٢ ورسب فى إعدادى هندسة مرتين، قبل أن ينجح وينتقل لسنة أولى، ولكنه رسب أيضا ثلاث مرات متتالية بسبب ثلاث مواد تكرر رسوبه بها، لذا جاء هو ووالده قبل موسم الامتحانات متوجها لأساتذة هذه المواد ليساعدوه على اجتيازها، وعندما شعر حسن بعدم جدوى الزيارة صعد إلى مبنى عمارة تاركا والده فى المسجد بعد صلاة الظهر وقفز من الدور الخامس، ورغم أن جميع الصحف تقول أن حسن انتحر، لكنى أشعر أنه لايجرؤ على القيام بهذه الخطوة، فقد يكون تراجع فى اللحظة الأخيرة فمن الممكن أن يكون ميل حافة النافذة التى وقف عليها قد تسبب فى تهاوى قدمه ولم يستطع اللحاق بنفسه، ويضيف أحمد: ما أحزننا كطلبة أننا لم نشعر من الكلية بأى احترام لجلال الموقف بشكل عام، ثم جاءت حفلة اليوم التالى لتكن بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير، لذا اعتصمنا أمام الإدارة معترضين على الطريقة التى تم التعامل بها مع وفاة حسن، ومطالبين بتحقيق مطالبنا التى اتفقنا عليها مع اتحاد الطلبة، وطلبنا من دكتور عمرو عدلى وكيل الكلية لشئون الطلاب الخروج لنا ومناقشتنا، لكن طال انتظارنا حتى الثامنة مساء، لم يقطع هذا الانتظار إلا مشهد أحد الطلاب و هو يعتلى إحدى نوافذ الدور الخامس لمبنى قسم الهندسة المعمارية بالكلية وينوى الإلقاء بنفسه، فصعد على الفور بعض الطلاب حاولوا إثناءه عن القيام بذلك، وقام بعض الطلاب الآخرين بمحاولات لتأمين السقوط بأغطية السيارات والـ »ملايات« من العيادة الطبية، وآخرون توجهوا للإداره ليطلبوا من العميد أو الوكلاء مقابلة الطالب خشية أن يلقى بنفسه بالفعل، تجمع الطلاب جميعا على هتاف واحد قادته إحدى الطالبات هو: (لا إله إلا الله) والأيادى مرفوعة بالدعاء، وبعد مرور حوالى نصف ساعه استجاب العميد والوكلاء أخيرا وتوجهوا للحديث مع الطالب، وتم إقناعه بالفعل بالعدول عن موقفه.
* أحداث أثرت عليه
ماجد أحمد من أقرب أصدقاء حسن فى الكلية، حيث كان معه فى السنة الإعدادية، ثم دخل قسم ميكانيكا لكنه ظل محتفظا بصداقته حتى يوم الوفاة، يقول: كنت أنا وحسن أكثر من الإخوه، وكنت دائم الزيارات له فى بيته، كما كان يأتى إلى منزلى من آن لآخر، وقد كان يعانى من صعوبة الكلية ويرسب دائما فى عدد من المواد مما كان يحزنه كثيرا، أذكر أنه قال لى يوما أنه حزين لأن جميع أصدقائه سوف يتخرجون من الكلية بينما سيظل هو فيها، كما أن حسن قد تعرض لعدة أحداث أثرت كثيرا على نفسيته، فقد نزل إلى شارع محمد محمود وقت الأحداث وشاهد مظاهر القتل بعينيه، كما تعرض لهجوم بلطجية عليه فى ميدان الجيزة قاموا بضربه على مرأى ومسمع من المارة وبدون أدنى تدخل منهم، كل تلك الأحداث بدلت شخصيته تماما، وهذا ما يفسر قدوم والده لوقف قيده مؤقتا نظرا لأن نفسيته كانت متعبة، فلم أشاهده طوال الفصل الدراسى الأول، فقد سافر عمان مع أسرته، بينما فى الفصل الدراسى الثانى جاء ثلاث مرات مع والده وعندما كنت أتحدث معه كان يكتفى بالابتسامة دون إجابة، وقد سألته لما دائما هاتفك مغلق، ففاجئنى بقوله »أنا مش معايا موبايل«، وعن يوم الحادث يقول شاهدت حسن مع والده يقفان أمام شئون الطلبة، وكنت مشغولاً فى كتابة تقرير مطلوب منى تسليمه، لذلك قررت أن أنهى ما أقوم به أولا قبل أن أتحدث معه لكن القدر لم يمهلنى، وما يحزننى الآن هو ما يكتبه بعض الناس فى المواقع الإلكترونية الإخبارية تعليقا على وفاة حسن، فجميع التعليقات تسيئ لحسن وتتهمه بالكفر، لكننى من خلال معرفتنى بحسن أقول لهم أنه كان إنسانا خلوقا ومصليا، والابتسامة لم تكن تفارق وجهه، ولايمكن أن يقدم على تلك الخطوة بإرادته.
* إيقاف قيد
على الجانب الآخر كان لابد من الاستماع لرأى عميد الكلية د.وائل الدجوى، فقال: إن حسن كان متعثرا فى الدراسة، وكانت هذه السنة هى الفرصة الأخيرة له فى الكلية، حيث إنه خريج ثانوية عمانية، وهى فى الحقيقة أقل بكثير من الثانوية العامة المصرية، لذلك لم تكن المنافسة فى مصلحته، وقد حضر والده إلى الكلية فى بداية هذا العام الدراسى طالبا إيقاف قيده مؤقتا نظرا لأن حالته الصحية لا تسمح له باستكمال هذا العام، وقد أرفق قرارا طبيا يفيد بذلك، ويوم الوفاة جاء والده »ليفعل« طلب وقف القيد للفصل الدراسى الثانى، وبعد إنهاء الإجراءات ذهب والده للصلاة ليخرج من المسجد ويجد ما حدث، أما بخصوص اليوم التالى وهو اليوم الذى كان مقررا فيه إقامة الحفلة السنوية لتكريم دفعة ١٦٩١ والحاصلين على جوائز الدولة، بالإضافة إلى تخريج دفعة١١٠٢ فقد قد تم حجز القاعة الرئيسية لجامعة القاهره، كما دُعى للحفل رئيس الجامعة وأولياء أمور الخريجين، والذين حضر بعضهم من سفر ليشهدوا لحظة تخرج أبنائهم، لذا كان من المستحيل إلغاء حفلة حدث لها كل هذا التنظيم، واحتراما لجلال الموقف لم نجعل المارش العسكرى يعزف داخل حرم الكلية، كما أرسلت الكلية اثنين من الوكلاء لتقديم واجب العزاء يومها لوالد حسن، أما فيما يتعلق بمطالب الطلبة، فيوجد الكثير منها قابل للتنفيذ مثل تفعيل الريادة الاجتماعية، وتفعيل دور الاخصائيين الاجتماعيين لمساعدة الطلبة على تجاوز مشكلاتهم النفسية، أما بخصوص عمل دور ثانى للطلبة الراسبين فى مادتين أو ثلاثة، فهذا يحتاج لكثير من الترتيبات من حيث إعداد ممتحنين ولجان امتحان، ومع ذلك فإن تنفيذ هذا الطلب ليس من سلطاتى، فلو اقتنع كل رؤساء الأقسام داخل الكلية بإقامة دور ثانى، فسوف نرفع مذكرة للجامعة والتى بدورها ترفعها للمجلس الأعلى للجامعات ومن ثم للوزير، وهذا هو التدرج الطبيعى لاتخاذ أى قرار، وفيما يتعلق بمطلب تغيير المسار فمن الصعب جدا تحقيقه، فلابد من وجود تنسيق داخلى يوزع الطلبة على التخصصات وفقا لمجموعهم فى السنة الإعدادية خاصة أن هناك إقبالاً على أقسام بعينها فى الكلية.
وأخير بالنسبة لمطلب تقييم من الطالب للأساتذة فهو مفعل حاليا، فالطلبة يؤخذ آراؤهم فى استبيان يتم عمله دوريا حول المعيد والدكتور والمادة العلمية والكتاب ومكان المحاضرة وانتظام العملية التعليمية، وعند تكرار الشكوى من أستاذ بعينه تقوم الكلية بإنهاء انتدابه إذا كان منتدبا من كلية آخرى، أما إذا كان معينا داخل كلية هندسة، فهنا تكمن المشكلة لأنه كعضو هيئة تدريس فى جامعة حكومية لا يمكننى إقالته، ومع ذلك فإننى أخاطب رئيس القسم ليستبدله بآخر إذا توافر فى نفس التخصص، وإن لم يكن فإننا نقوم بعمل إعلانات فى الصحف عن أساتذة فى نفس التخصص.
وأريد أن أوجه كلمة لطلابى أن مكتبى مفتوح لأى شكاوى أو اقتراحات كما عليهم أن يعلموا أن الأساتذة داخل الكلية هم أباء فى الأساس، ورغم الأسلوب غير المناسب الذى عرضوا به مطالبهم إلا اننا لن نتأثر بذلك، فنحن نقدر نفسية الطلبة أثناء الامتحانات، وسندرس كل تلك المطالب حرصا على مستقبلهم، لكن الثقة لابد أن تكون متوافرة بين الأب وابنه.
* الطلبه على حق
د.شاكيناز طه - والتى تلقب بأم الطلبة حيث ساهمت فى نقل الجثمان إلى مستشفى الطلبة وظلت من وقت وقوع الحادث ظهرا حتى التاسعة مساء فى محاولة لإصدار تصريح الدفن، كما قدمت معهم للعزاء فى اليوم التالى فى الوقت الذى كان يحتفل معظم الأساتذة بحفلة تخرج دفعة ١١٠٢.
تقول إن الظروف التى يعيشها الطلبة هذه الأيام هى ظروف قاسية للغاية فبخلاف وضع البلد السيئ ومرورهم بموسم الامتحانات فإن لكل طالب مشكلة ويحتاج لمن »يطبطب عليه« ويشعره أنه مهتم لحلها، ومن خلال تعاملى معهم وجدت لديهم النضج والوعى والاحترام، كما إن مطالبهم جميعا مشروعه وهى حق لهم وسوف يحصلون عليه طالما كان أسلوب العرض مغلفا بالإحترام والود.
* قيد وفاة
وفى حى الكيت كات الشعبى حيث كان يعيش حسن لا يقل حزن جيرانه على رحيله عن حزن أصدقائه، لكننى لم أجد أسرة حسن، فحسن ووالده قدما من سلطنة عمان بمفردهما تاركين باقى أفراد الأسرة هناك، على أن يعودا سويا بعد إنهاء إجراءات وقف قيده من الكلية، لكن يعود الأب لعمان حاملا قيد وفاة حسن بدلا منه.