الجمعة 23 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لجسد المرأة لغة خاصة.. فهل نجيد الاستماع لها؟

لجسد المرأة لغة خاصة.. فهل نجيد الاستماع لها؟
لجسد المرأة لغة خاصة.. فهل نجيد الاستماع لها؟


أرى فيما يرى المتيقظ تماما ما حدث فى يوم قديم، حين انتبهت لنفسى وأنا أسبح فى عيون حبيبتى لأجد فى آخر عينيها كوخا صغيرا يطل على بحيرة من شهد وعسل، وأرى صورتى وأنا أصطاد أسماك البهجة من مياه بحيرة عيون الحبيبة..  وسألتنى الحلوة التى خلقنى الله لأغنيها شوقا إليها أو شجنا على افتقادها «أين أنت؟ وفى ماذا تفكر»؟.. وأذكر إجابتى «فى كل دقيقتين منذ عام ميلادى، تصرف الكرة الأرضية على السلاح ما يكفى لإطعام ألفى طفل يعانون من سوء التغذية لمدة عامين، وأعترف لك أن رؤيتى لعيونك تكفينى غذاء وإيمانا لمدى العمر».
الكلمات السابقة أنقلها لكم من كراسات مذكراتى، وهى سلسلة لا نهاية من الكراسات، التى أدخلت قدرا كبيرا منها على جهاز الكمبيوتر لأخفف من ازدحام حجرتى بالورق. أقول ذلك وبعض من الفخر يملأ وجدانى لأنى أثق فى حقيقة واضحة، وهى أنى من أكثر أبناء جيلى إيمانا بما تعلمته من أساتذتى، وهو عدم الاستسلام للذاكرة وحدها كخزانة لمعلومات أراها مهمة أو أحداثا أراها أكثر قدرة على التأثير على شخصى أو على غيرى. ولابد من الاعتراف أنه قد حدث منذ سنوات عديدة أن دخلت حياتى طبيبة نفسية لبنانية الجذور أمريكية الجنسية، فصارت صداقتنا ذات أعماق بلا حدود. وأعترف أن تلك الصداقة بدأت كمناورة للتقارب بين رجل وامرأة، ولكن ما ادخرته فى وجدانى من تفاصيل ما منحته لى زوجتى من عطاء كان كفيلا باحترام علاقة الزواج، لذلك ما كنت أقترب من الخيانة حتى أبتعد، لا لصيانة عالم الحنان الشاسع والمسئول الذى تهبه لى الزوجة، ولكن هناك ما هو فوق ذلك، وهو ما أعلمه من حقائق أساسية تتركز فى خوفى على أبنائى، فأنا أعلم الكثير عن أبناء العلاقات المكسورة بالخيانة الزوجية، أعلم أن أمراض الربو على سبيل المثال تسكن فى صدر الطفل إن التقط راداره خيانة أبيه أو خيانة والدته، وأعلم يقينا أن أى اقتراب جسدى بين رجل وامراة بالاشتهاء وحده يورث كراهية مباشرة فيما بعد انقضاء العناق، فلقاء الرجل مع المرأة ليس مباراة لإثبات رجولة أو تأكيد أنوثة، اللهم إن كان التأكيد هو ابن لرغبة اثنين فى الاتحاد ما بقى من العمر.. لذلك أعترف أنى اقتربت بالرقى لا بالتوحش مع أكثر من امرأة وأترك لها اكتشاف أنى إنسان لا حيوان، وأكتشف فى أنوثتها إنسانيتها. ولابد أن أشكر من علمنى ذلك، وهما غاندى قائد الهند الذى أحببته كثيرا وتابعت حياته كرجل يجيد حكمة الاستغناء، وهو من اكتشف أن تقارب الروح والفكر أكثر أهمية من اندماج جسدين سيضج كل منهما بكراهية الآخر فيما يلى ممارسة الخيانة. ثم كان أستاذى الثانى فى تلك الحكاية هو صديقى القريب إلى قلبى رغم رحيله عن عالمنا وهو السياسى المقتدر «منصور حسن» فحين كان يلحظ توهج عاطفتى يذكرنى بأن توهج العاطفة يدخل بالرجل إلى غرفة مظلمة فيها فيل ضخم، ويفقد الرجل قدرته على الرؤية والتركيز، ثم يسمع صوتا يأتيه من أكثر من كل ناحية سائلا إياه أن يصف ماذا يجد فى الغرفة؟ فيقول المحبوس فى الظلام «هذا حيوان خشن الملمس لكنى لا أكتشف آفاقه، ولابد أن يتحرك الفيل ليضع قدمه على جسد المحبوس فيصيبه بعاهة لا شفاء منها». ولذلك تدربت على التعامل إنسانيا مع عديد من النساء، وارتقت العلاقة من منطقة الرغبة الذكورية إلى منطقة التواصل الإنسانى..وها أنا ذا أعود إلى صفحات مذكراتى، وأنا جالس فى حجرتى التى تطل على حديقة صغيرة بمصيف مارينا، وأبتعد عن الضجيج الزاعق فى بعض شوارعها، وأتنفس هدوء المنطقة التى أقيم فيها.. أفتح كراسات مذكراتى لأجد بضع تذكرات عن إحساس المرأة الذى يفوق أى رادار توصل إليه البشر.. وحين أفتح تلك الصفحات من كتاب عمرى لا إدعاء لرفعة، أو ممارسة لتواضع كاذب، ولكن لأن فى بعض من كلماتى مشاعر وآراء أحب أن تصل إليك عزيزى القارئ.
قلت فى البداية أنى كنت أسبح فى عيون حبيبتى لأجد فى آخر عينيها كوخا صغيرا يطل على بحيرة من شهد وعسل، فأرى صورتى وأنا أصطاد أسماك البهجة من بحيرة العسل. وكان سؤالها لى فى لحظة سرحان تنتاب الكاتب أحيانا، قالت «أين أنت؟ أذكر إجابتى» فى كل دقيقتين منذ عام ميلادى، تصرف الكرة الأرضية على السلاح ما يكفى لإطعام ألفى طفل يعانون من سوء التغذية لمدة عامين، وأعترف لك أن رؤيتى لعيونك تكفينى غذاء وإيمانا لمدى العمر». أذكر أن حبيبتى ظلت تذكرنى باعترافى هذا كلما مر على خيالها طيف خيانتى لها. ولم أكن أخونها فى الواقع، ولكن ماذا أفعل ولى خيال لا يكتفى بالحبيبة بل تمر بى لحظات تتعلق مشاعرى بالتفكير فى غيرها من النساء، وما أن تمر على خيالى امرأة غيرها حتى أجدها متوترة غاضبة، فأيقنت أنها تمتلك حساسية غريبة تلتقط بها حتى ما يدور فى الخيال؛ فما بالى لو أقدمت على الخيانة بالفعل؟.. آمنت أن رادار إحساس المرأة يفوق قدرة كل أدوات التنصت على وجه الأرض ..وفوجئت بأن العلم قد توصل إلى حقيقة علمية تؤكد ذلك، فأى امرأة  تملك شفافية فائقة القدرة على الإحساس بأى خطر شخصى قبل أن يقع، خصوصا إن كان الخطر يلمس أنوثتها التى تتأكد بفعل واحد هو إخلاص من تحبه لها.. وبطبيعة الحال علينا أن نعرف أن المرأة تخلص لمن تحب بطبيعتها اللهم إلا فى بعض الحالات القليلة التى تعانى من البرود العاطفى والجسدى، فلا توجد خائنة واحدة ليست مصابة بهذا البرود.. هذا ما كنت أفكر فيه وأنا أستقبل الربيع النيويوركى، متجها لحضور حلقة نقاش تطرح سؤالا واضحا هو  «هل العلم وحده قادر على كل شىء فى تحقيق الصحة المكتملة للمرأة أم أن للإحساس دخلاً فى هذا الأمر؟».
كنت أرى رجالا ونساء عملوا بالطب النفسى ما لا يقل عن ربع قرن من الزمان، ومنهم من درس العلاقات الوجدانية عن الرجل والمرأة لسنوات. وأنظر إلى الوجوه التى تحمل خبرة طويلة فى مجال علوم المرأة، وكان الوجه الأقرب إلى قلبى هو وجه د.ونفريد كالتر التى درست مشاعر المرأة وأسست علما جديدا من علوم المرأة هو «علم التقارب العاطفى» وهو ما يطلق عليه بالإنجليزية     LOVE CYCLE  - THE SCENCE OF INTIMACYوهى من درست عبر هذا العلم الجديد دورة الهرمونات التى تشرق فى جسد المرأة لتهديها الحساسية الفائقة التى تفوق حساسية الرجل بمراحل كثيرة، فالثابت أن وزن مخ المرأة وإن كان يقل بحوالى مائة جرام عن مخ الرجل، إلا أنها تستخدم الكثير من قدرات هذا المخ البشرى بشقيه المنطقى والحدسى، وهناك تأكيدات من بعض العلماء أن  أن المرأة تستخدم غالبا سبعة بالمائة من قدرات المخ، بينما الثابت أن الرجل يستخدم ما بين ثلاثة بالمائة إلى سبعة بالمائة من قدرات المخ، وغالبا ما يركز الرجل على نصف المخ الحسابى، لا يركن إلى الجزء الحدسى والفنى من المخ إلا عند الفنانين والموهوبين. وقليل جدا من البشر - نساء ورجالا - هم من يستخدمون فصى المخ بشكل متوازن وفعال.
وقد أكد لى الصديق الكبير أستاذ الطب النفسى د.محمد شعلان أن  قدماء المصريين هم من أكثر البشر فى التاريخ من استخدموا الحدس وحولوه إلى علم دقيق، والمثل الواضح على ذلك هو الأهرامات والمسلات، فهذه الدقة البالغة فى تحديد اتجاهات الهرم لم تكن تخضع لما نسميه نحن فى العصر الحديث  «الحسابات العلمية» ولكن كل ذلك الإبداع هو ابن للحدس، ويرى شعلان - وأنا معه -  أن هذا الأمر كان نابعا من احترامهم للمرأة بشكل كبير..وكل الأطباء يعلمون أن دورة الهرمونات فى جسد المرأة تختلف عن دورة الهرمونات عند الرجل، فدورة الهرمونات عند المرأة تتعلق بخروج بويضة من أحد المبيضين الساكنين فوق الرحم فى الأيام التى تعقب اليوم الخامس من نهاية الدورة الشهرية، وتستمر  لأيام، فإن لم يتم تخصيبها من اللقاء الزوجى، فهى تنصرف، ليغسل الرحم نفسه بدورة شهرية جديدة، ليستعد مبيض المرأة الثانى الذى عليه الدور فى صرف بويضة ثانية بعد حيض جديد. .ويتأثر مزاج المرأة بالهرمونات بشكل كبير، وتزيد هذه الهرمونات من حساسية المرأة بشكل كبير، مما يجعل حدسها قادرا على استكشاف ما أمامها وما حولها بشكل أكثر دقة من عشرات الرجال، وإن كان هذا لا يمنع من تمتع بعض من الرجال بمثل هذه الحساسية للحدس..هذا ما كنت قد قرأته كموجز لبحث د.ويفرد كاتلر الذى يمهد لهذا العلم الجديد، وهدفها من هذا العلم أن تأخذ المرأة فى اعتبارها دائما قدرة التحكم فى إيقاعها الهرمونى بحيث لا تجد نفسها حاملا فى وقت لا تريد فيه الحمل، كما أن المزاج الهرمونى يتيح للمرأة قدرة من الجاذبية غير العادية التى يمكن أن تقترب بها من زوجها.
وتتقدم سيدة أعمال فى الأربعين قائلة: لقد حضرت اليوم لأعرض تجربتى؛ فقد ساعدتنى الطبيبة الكبيرة نورثروب فى فهم الأسباب الكامنة وراء كثرة النزف التى أعانى منها شهريا. لقد ذهبت إليها وأنا فى ثورة عارمة على الأطباء فهم لا يستخدمون سوى كميات هائلة من الأدوية، ويتحدثون من بعد ذلك عن الجراحة، ولا أحد فيهم يحاول أن يتفهم الدفاعات اللاشعورية التى تقيمها كل امرأة من عمق تجربتها فى الحياة. فالمرأة مجبرة بحكم التربية فى كل بلدان العالم على أن تخفى الكثير مما أصابها، فهى مولودة كعبء على الأب أو الأسرة، وهى التى تتعرض - فى بعض الأحيان - للتحرش من قبل أى كبير مثلما تعرضت أنا، ولم أجرؤ على أن أقول ذلك لأحد، لأن من تحرش بى هو جارنا المهندس وكان عمرى أربعة أعوام، وحذرنى من أن أقول ما حدث بيننا لأى أحد. وعشت أكتم تلك الحقيقة. وما أن وصلت إلى سن البلوغ حتى بدأ النزف بشدة، ولم أوفق فى الزواج، وانفصلت عن زوجى بسبب كراهيتى للقاء الزوجى، وكثيرا ما ذهبت إلى الأطباء، ولم أجد منهم من يستمع لى اللهم إلا الطبيبة الكبيرة التى أشرفت على علاجى. لقد أوضحت لى العديد من الحقائق عن المرأة هنا فى الولايات المتحدة وفى كثير من بلدان العالم، المرأة فى أمريكا تعانى من الكثير، فهى مضغوطة بالحياة المعاصرة التى تطاردها بضرورة التفوق المهنى، والتفوق الأسرى، والكل يحاول أن يستفيد من المرأة. وحين تعانى فالكل يبحث عن سبب خارجى؛ ويحاول أن يختزل العلاج فى أقراص أو جراحة، على الرغم من أن المطلوب أولا هو الأذن التى تسمع والعقل الذى يساعد على أن تتعرف المرأة على أسباب ما تعانى منه فى داخلها وفى ظروف الحياة . فأنا مثلا حين اعترفت - مجرد الاعتراف - للطبيبة أنى تعرضت لمحاولة تحرش من جارنا أثناء طفولتى؛ عانيت من هذا الاعتراف كثيرا وأحسست لوهلة أولى أنها قد تحتقرنى، وقد ترانى من أسرة مفككة، وأن أهلى لم يحسنوا تربيتى، ولم يكن الأمر كذلك أبدا. ومن بعد عدة جلسات من التفريغ الانفعالى، بدأت ألاحظ أن النزف الشهرى أصبح طبيعيا.
هنا همست لد. مارلى التى تجلس بجانبى «وماذا يفعل الطبيب حين تأتى له مريضة وتتكلم بهلاوس وضلالات لم تحدث؟ أتذكر فتاة من حى يزدحم بالأسر المتوسطة  بالقاهرة، كانت تكثر من اتهام الشباب فى الحى بأنهم يتحرشون بها، وكادت أن توقع أحدهم فى قضية كبيرة على الرغم من أنها هى التى مدت الجسور بينه وبينها. وأثبت الشاب هذا الأمر بصعوبة حين استطاع المحامى الخاص به أن يحضر شهادات دخول الفتاة إلى المستشفيات النفسية أكثر من مرة؟.قالت مارلى: إن الطبيب الذى يتعامل مع المرأة، يمكنه أن يكتشف الهلاوس من الحقائق بعد جلسة أو اثنتين. ولا أظن أن طبيبا يمكنه أن يعالج امرأة دون أن يقلب أعماقها أمامه وكأنه يقلب صندوقا ممتلئا بالأشياء الثمينة والأشياء التى لا لزوم لها، ويسمح لمريضته أن تعيد ترتيب الأشياء الثمينة وأن تلقى بالأشياء التى لا لزوم لها خارج حياتها. وأنت تعلم أن د.كريستين لا تهدف إلى إدانة الرجل بأسلوب علاجها للمرأة، ولكنها تهدف إلى أن تعدل الميزان المقلوب فى إنسانية البشر الذين يستسلمون لأساطير تاريخية تقول أن المرأة هى الكائن الأقل. وأنت من الشرق الأوسط وقد تندهش حين ترى فى الولايات المتحدة سيدة تشكو من أنها تلقت من أسرتها فى الطفولة معاملة وكأنها «الخادم الآلى» الذى أنجبه الأب فيصب فيه التعليمات القاسية، ويعاملها الزوج من بعد ذلك بنفس الطريقة. وحين ينفجر جسد المرأة برفض هذا الأسلوب لا تجد من العلاج إلا المزيد من الأقراص، وإن لم تسترح المرأة مع تلك الأقراص، فهناك الجراحة. ولكن القليل من الأطباء هم من يملكون البصيرة العلمية التى تزيح غبار المعارك الصامتة المتراكم على مشاعر المرأة، ويساعدونها على أن تقوم بتعريف دقيق لما تعانى منه، فالتعريف قد يكون هو نصف الطريق إلى الشفاء..ورأيت ملامح د.كريستين وهى تقول بصوت عال موجهة كلامها لى وللطبيبة مارلى فى ماذا تتكلمان؟ تذكرا أننا فى حلقة نقاش، ومن المفترض أن نكون كلنا معا لا أن ينفرد كل اثنين بالكلام.
قلت بصوت عال «كنت أريد أن أحكى لك عن أستاذ مصرى اعتزل حاليا عملية توليد النساء، ولكنه يحتفظ بمكانته كمستشار للحالات الصعبة فى دنيا أمراض المرأة، وهو من اختارته جامعة «نورث كارولينا» منذ عدة أعوام كواحد من أبرز أطباء علوم المرأة، وهو الأستاذ الدكتور محمد نبيل يونس فهو من ابتدع فى الشرق الأوسط فكرة دراسة الطب النفسى لأى طبيب يتقدم لدرجة الدكتوراة فى طب أمراض النساء، وهو أول من قال لى عام 4891 إن المرأة تحتاج إلى ثلاث غرف فى كل عيادة أمراض نساء، الغرفة الأولى هى غرفة الانتظار، والغرفة الثانية وهى الغرفة التى تلتقى فيها مع الطبيب؛ ومعها أحد من أهلها كالزوج أو الأم أو الحماة أو الأخت أو الجارة، وغرفة ثالثة وهى التى يمكن أن تتكلم فيها مع الطبيب على راحتها، شرط أن يملك الطبيب أذنا وتواضعا، ولا يسرع بحكم على المريضة، فهى تحمل له كل سمات المجتمع الذى تنتمى إليه من عيوب أو مميزات، والمميزات تحتاج الفخر بها وتأكيدها، والعيوب لا تحتاج للمعايرة بها، بل أن تجد لها وسيلة لإلغائها من حياة المريضة..تقول لى الطبيبة الكبيرة: لم أكن أعلم أن الطب فى مصر متقدم بحيث يمكن أن يتواصل مع كل ما يحدث فى العالم.
أضحك قائلا: ولماذا لا تتذكرين أننا نحن الذين قدمنا فكرة الطب والعلاج إلى العالم؟ وأن المصرى القديم هو من عالج بالأعشاب والرقى الروحى، وجعل من العناية بالروح هى المدخل الأساسى لصحة الرجل والمرأة معا؟.قالت: نفس الكلمات أسمعها من أى طبيب صينى أو هندى، فكل قادم من حضارة قديمة إلى الولايات المتحدة يحاول أن يربط العصر الذى نعيشه بحضارته التى ينتمى إليها..أقول: ولكن إلى هذه اللحظة نحن نتكلم عن جسد المرأة وكأنه جسد غريب؛ يختلف عن جسد الرجل، على الرغم من أنهما يشتركان معا فى وجود القلب والمخ والكلى والجهاز التنفسى والجهاز البولى، وهناك اختلافات وظيفية بين الجسدين، لكنها لا تستدعى أن نتعامل مع المرأة وكأنها كائن من كوكب آخر.
قالت الطبيبة: عندك حق،  فالجسد البشرى يشترك عند الرجل والمرأة فى أن جسد الرجل وجسد المرأة هما وعاء الحياة والتعبير عن الوجود، ويختلفان فى بعض من الوظائف. وأنا معك فى قولك هذا لأن حضارة الاستهلاك التى نعيشها تستخدم جسد المرأة كوسيلة للترويج، فكل امرأة ترغب فى رؤية نفسها جميلة كفتاة الإعلان عن السلعة، وكل رجل يحلم أن تكون امرأته جميلة مثل فتاة الإعلان، وكل من الرجل والمرأة يقعان ضحية شراء البضائع التى قد لا يحتاجها أحد منهما.. وإن كنت تسأل عن موضوع الحلقة النقاشية عن علاقة إحساس المرأة بالعلم وأن إحساسها يفوق فى كثير من الأحيان أى رادار، فدعنى أوجز لك الأمر ببساطة شديدة، إن جسد المرأة هو الذى تعرض عبر التاريخ إلى تلك الرقصة المجنونة التى تتراوح بين تقديس الرجل لها لحظة الاشتهاء، ثم إهانتها فى إغراقها بين عواصف المسئـوليات، وهى من تعرضت للضغوط لكى تظل حبيسة المنزل؛ وكان تقسيم العمل بينها وبين الرجل يقضى بأن تعتمد عليه فى الحصول على النقود وأن تتولى هى بقية الأعمال المنزلية وتربية الأبناء.. وكل ذلك جعل المرأة فى حالة انتظار وترقب، كما أنها أكثر كائن فى الحياة تعرض للموت عبر قرون طويلة أثناء الولادة، قبل أن تتحول الولادة إلى علم محكم يقوم به فريق طبى متميز.. وإذا جعلت كائنا بشريا لمدة آلاف السنين عرضة للتفكير والتأمل والقيام بعمل رتيب، ثم يتهدده الموت أثناء الوضع، فماذا تنظر سوى أن يتدرب هذا الكائن على الحساسية الفائقة التى تتوقع الخطر وتترقبه، وتكتشف بمشاعرها حقيقة الواقع المحيط به؟.
لكل ذلك صارت المرأة أكثر حساسية من أى رادار.
أقول للطبيبة الكبيرة: إن كان الخطر هو السبب فى تمتع المرأة بحساسية فائقة تفوق الرادار، فماذا عن بعض من الرجال الذين يتمتعون بنفس تلك الحساسية الفائقة ويدرسون الظروف المحيطة ويكتشفون فيها عنصر الخطر.
تقول الطبيبة الكبيرة: أنا أومن أن العلم يقوم على الملاحظة والتجربة والنتيجة وإعادة التجربة على ضوء الملاحظة وصولا إلى النتيجة. والعلم الحقيقى لا يتعارض مع الإحساس الحقيقى. كنت أضحك مع الطبيبة الكبيرة وأقول لها «كلماتك عن الملاحظة والتجربة والنتيجة وإعادة التجربة على ضوء الملاحظة هى التى جعلت صديقى الطبيب النفسى الكبير د.محمد شعلان يبذل جهدا فى تعليم تلاميذه ضرورة الكشف بتؤدة على المريض، لأنه يرى أن لكل مرض حكمة ورسالة يبعث بها الإنسان، فإن تلقى من حوله الرسالة وفهموها فقد يتيحون له - كما يتيح المريض لنفسه - فرصة النجاة  فى الوقت المناسب حتى ولو كان هذا المرض هو الإنفلونزا أو حتى السرطان.
تقول الطبيبة: نعم لعل الأستاذ الدكتور محمد شعلان يتحدث عن الإنفلونزا كفيروس يصيب الإنسان لحظة هبوط المناعة عنده، ولو كان سليم المزاج فلن تتمكن منه الإنفلونزا، أما عن المرض الخطر، فليست هناك وسيلة لمقاومته سوى الإرادة البشرية، وقد هزمته الإرادة البشرية كثيرا، كما هزم هذا المرض الكثير من ذوى الإرادة الضعيفة أو ممن فقدوا الرغبة فى الحياة. أنا أومن أن المرض هو احتجاج من الجسد، فمن يتلقى الاحتجاج ولا يستمع له هو من فقد الأمل، ومن يستطع أن يقوى إرادة الأمل فيه يمكنه أن يعيش عددا من سنوات العمر تفوق السنوات التى يسرقها منه الكمد والغيظ والتوتر والإنكار والإحباط.