الجمعة 26 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكايات نعينع مع الشيخ ماهر.. ودروس أم السعد من وراء الستار

الشيخ الذى خلع له مصطفى إسماعيل العمامة

ريشة: هبة المعداوى
ريشة: هبة المعداوى

تعود شُهرة القارئ الطبيب أحمد نعينع فى عالم قُرَّاء القرآن الكريم إلى سببين رئيسين، الأول الرئيس السادات، أمَّا الثانى فهو اشتراكه فى مسابقة دولية بالهند عام 1985؛ إذ طلبت إدارة المسابقة حينها من وزارة الأوقاف أن ترسل لهم قارئًا مخضرمًا يكون فى لجنة التحكيم، فأرسلوا الشيخ محمود على البنا مُحكّمًا ومعه القارئ أحمد نعينع متسابقًا.



كان من شروط المسابقة أن يبدأ المتسابق القراءة مع إضاءة لمبة صفراء، وينتهى مع إضاءة لمبة حمراء.

لكن حين قرأ الطبيب أحمد نعينع لم تضئ اللمبة الحمراء، وطلب منه أحد المُحكمِين أن يقرأ سورة الرحمن وكان يقرأ من سورة النساء من قوله تعالى «والمحصنات من النساء»، ثم توالت الطلبات والنداءات تطالبه بقراءات بعينها، فأدرك أنهم يودون سماعه، ولم تضئ اللمبة الحمراء حتى أنهى القراءة بنفسه، وكان عدد جمهور المسابقة بالآلاف، وهمهمة الناس ترُجُّ الميدان الذى تبلغ مساحته عدة كيلومترات، وتقام فى وسطه المسابقة، وحصل «نعينع» على المركز الأول، بينما كان الثانى قارئًا من إيران.

علاقته بالسادات هى المحطة الأهم فى مسيرته

كان «نعينع» أنهى دراسته للطب وأصبح مجندًا بالقوات البحرية بالإسكندرية برتبة ملازم أول طبيب، فقرأ فى حفل للقوات البحرية بالإسكندرية على رصيف رقم 9، وكان السادات حاضرًا ورآه واستمع إلى قراءته، فأعجب بصوته وشد على يده مصافحًا وقال له «برافو ثلاث مرات دا صوت مصطفى إسماعيل»، إذ كان السادات من مُحِبِّى صوت الشيخ مصطفى إسماعيل، وكان ذلك عام 1967.

وتكرر اللقاء بالسادات، وفى المَرَّة الثالثة كان بصحبته الملك خالد بن عبدالعزيز عاهل السعودية، بينما كانت المَرَّة الرابعة فى نقابة الأطباء بالقاهرة فى 19 مارس عام 1979 فى عيد الطبيب.

وأخذ نعينع يفكر فى الآيات التى سيفتتح بها الحفل، حينها كان يوجد حدث مُهم، وهو اتفاقية كامب ديفيد، فقرأ الشيخ نعينع من الآية رقم 76 من سورة النمل من قوله سبحانه: «إن هذا القرآن يَقُصُّ على بنى إسرائيل أكثرَ الذى هم فيه يختلفون. وإنه لهدًى ورحمةٌ للمؤمنين. إن ربك يقضى بينهم بحُكمِهِ وهو العزيز العليم. فتوكلْ على الله إنك على الحق المبين. إنك لا تُسمع الموتى ولا تُسمع الصمَّ الدعاءَ إذا ولُّوْا مدبرين. وما أنت بهادى العُمْى عن ضلالتهم إن تُسْمِعُ إلا مَن يؤمنُ بآياتنا فهم مسلمون».

 

لقاء مع الرئيس السادات
لقاء مع الرئيس السادات

 

وبعد أن انتهى من التلاوة كان السادات معجبًا به وسلم عليه بحرارة واحتضنه وقال له: «أنا أول مَرَّة أستمع إلى هذه الآيات، ولم أسمعها من قبل.. كأنها نزلت الآن».

وأصدر قراره على الفور بتعيينه فى السكرتارية الخاصة به كطبيب خاص ضمن ثلاثة أطباء.

غير أن القارئ الطبيب كان صوته مميزًا، فأصدر السادات أوامره كى يقرأ الشيخ نعينع القرآن أينما وُجد الرئيس فى احتفال أو صلاة جمعة، بعد وفاة الشيخ مصطفى إسماعيل عام 1979.

ومنذ ذلك الوقت أطلق عليه «مقرئ الرئاسة»، فترك الطبيب نعينع عمله فى شركة المقاولون العرب بعد تعيينه فى الرئاسة.

بلغ شغف الرئيس السادات بصوت الشيخ نعينع أنه كان يصطحبه معه إلى وادى الراحة فى سيناء، حيث اعتاد الرئيس الاعتكاف فى العشر الأواخر من رمضان.

وكان الرئيس يجلس على حصيرة فوق الرمال بجوار جبال سيناء فى الخلاء، ويطلب من الشيخ أن يقرأ سورتىّ طه والقَصص.

تقليد الكبار

بدأت علاقة الشيخ نعينع بالقرآن الكريم مع سنوات نشأته الأولى فى مطوبس بمحافظة كفر الشيخ لأسرة متوسطة.

فالوالد تاجر أرز وقطن والوالدة ربة منزل.

عُرف عنه منذ صغره شغفه بتقليد الأصوات، سواء أصوات القراء أو أصوات الطبيعة التى نشأ فى أحضانها وكذلك تقليد أصوات بعض الحيوانات.

ومع هذه الموهبة امتاز نعينع بالقدرة على الحفظ السريع، وكعادة الآباء والأجداد فى الأرياف والأقاليم، ألحقه جَدُّه بكُتّاب القرية ليكون بداية طريق العِلم والمعرفة ويتعلم القراءة والكتابة، فتعلم على يد الشيخ أحمد الشوا الذى حفّظه القرآن الكريم فى سِن مبكرة.

وكان القارئ الشيخ أمين هلالى أشهر قراء بلدته الذى يقلده نعينع، حتى جاء الشيخ مصطفى إسماعيل لبلدة قريبة من مطوبس، فذهب نعينع ليستمع إليه وجهًا لوجه وأعجب به بشدة، وبدأ يقلده حتى تأثر به وأحبه حبّا شديدًا.

أخذ نعينع يتجه إلى سماع كبار القراء عبر الإذاعة مثل الشيخ محمد رفعت الذى كان يقلده أيضًا والشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ أبوالعينين شعيشع.

 

..ومع الملك الحسن الثانى
..ومع الملك الحسن الثانى

 

لكن ذلك لم يؤثر فى حبه الشديد لمصطفى إسماعيل، حتى علم أن هناك مقهى فى حارة اللبان بالإسكندرية يشتهر يوجود ركن للشيخ إسماعيل به «الجرامافون» حيث يذيع حفلاته، فكان يذهب يوميّا إليه لكى يستمع إلى تلاوته، حتى أخبره عم محجوب عامل «المقهى» بعد ذلك أن الشيخ مصطفى سيكون فى الإسكندرية فى احتفال المولد النبوى الشريف، فذهب إليه هو وعم محجوب، وبعد أن انتهى الاحتفال قال له عامل المقهى: الولد ده صوته يشبه صوتك تمامًا فى تلاوة القرآن، فطلب الشيخ مصطفى من نعينع أن يقرأ عليه ما تيسر من القرآن فقرأ وأعجب بصوته، وخلع عمامته مرتين إعجابًا وقال له: أنت صوتك جميل.

استمرت رحلة نعينع مع القرآن الكريم حتى أتم حفظه قبل أن يبلغ سن الثامنة، وجوّدَ القرآن الكريم بالأحكام على يد الشيخ على شهاب الدين الذى كان بارعًا ومتقنًا للقراءات المختلفة، وكان فى تلك الفترة يقرأ فى الاحتفالات المختلفة فى بلدته مع القراء، حيث كان بقريته «مغازة» وهو اسم تركى يعنى «المحل الكبير»، وكلما مَرّ بالسوق كان التجار يمسكون به ويرفعونه فوق منضدة ليقرأ عليهم القرآن وهو دون السادسة من عمره، بينما يتجمعون هم حوله للاستماع. 

 

 

 

كان أول ظهور له بمسجد سيدى عبدالوهاب، حيث كان يقرأ بين الأذان والإقامة، فكان يستأذن من قارئ المسجد فى قراءة سورة الجمعة، وكان المشايخ الكبار ومنهم الشيخ طه يوجهونه ويلفتون نظره إلى أشياء معينة، كما كان يقرأ فى احتفالات مولد النبى، وكان الشيخ أمين هلالى قارئا من كبار القراء الجهابذة ويضارع قُراء الإذاعة الكبار فتعلم على يديه، وفى مولد النبى كان كل شارع يقيم حفلة وكذلك فى موسم الحج، فكان كل حاج يُحضر الشيخ أمين هلالى لعمل الحفلة والقراءة وإحياء الليلة، وبعد قراءة الشيخ ينادونه «تفضل يا شيخ ماهر»، إذ كان هذا اسم الشهرة الخاص بنعينع، أيضًا فى المدرسة كان يفتتح الحفلات فى عيد الأم ورأس السنة الهجرية ومولد النبى، ويوميّا كان يفتتح الإذاعة المدرسية بالقرآن الكريم فى الثانوية، ومن المواقف الطريفة التى مَرّ بها فى المدرسة الثانوية برشيد، أن ناظر المدرسة جرجس موسى، كان حريصًا على أن يفتتح نعينع الإذاعة المدرسية يوميّا بالقرآن الكريم لمدة 5 دقائق، ويشجعه على ذلك، لدرجة أنه لو غاب يومًا.. يغضب منه ويضربه.

الشيخة أم السعد

وتمضى السنوات حتى أنهى نعينع المرحلة الثانوية فى رشيد بتفوق، ليلتحق بكلية طب الإسكندرية، ويبدأ مرحلة أخرى من مسيرته مع كِتاب الله، كان أول ما فعله بمجرد أن استقر فى الإسكندرية، هو البحث عن شخص يمكن أن يواصل على يديه تعلم القراءات العشر، وأخيرًا التقى بالشيخ عمر طرير نعمان، وزوجته الشيخة أم السعد، فتعرف عليهما، وأصبح يذهب إليهما بعد صلاة الفجر ليقرأ ويتعلم القراءات العشر على أيديهما، ثم يسرع بعد ذلك إلى الجامعة.

كانت الشيخة أم السعد تجلس خلف ستارة فى صالة البيت، ومن العجيب أن طرير وأم السعد كانا كفيفين وليس لهما أولاد، ومكث معهما لمدة 7 سنوات مع غيره من الطلاب والقراء.

وبعد تخرُّجه عمل نعينع فى المستشفى الجامعى بالإسكندرية ثم نائبًا لمدير مستشفى الأطفال الجامعى، فنائبًا لمدير المؤسسة العلاجية بالإسكندرية، كما عمل فى الإدارة الطبية بالمقاولون العرب ثم تولى إدارتها، وحصل على الماجستير ثم الدكتوراه فى طب الأطفال. وبعد تخرُّجه تقدَّم بطلب لكى يلتحق بالإذاعة، فى أوائل عام 1978 بناء على نصيحة زملائه، حتى تم اعتماده قارئا بها، بعد اجتيازه الاختبارات من أول مَرَّة فى عام 1979، وقال له الشيخ شعيشع نقيب القراء: أنت امتداد للمدرسة القديمة.

وسجَّلَ نعينع المصحف كاملا مجودًا فى 80 ساعة، ومرتلا فى31 ساعة وأهداه للإذاعة دون مقابل، وفى أوائل الثمانينيات عينته وزارة الأوقاف قارئا فى مسجد الإمام الحسين بعد وفاة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد. 

ولما ذاعت شهرة نعينع، بعد أن اعتمد فى الإذاعة وأصبح قارئ الرئاسة، بدأت مرحلة جديدة مع قراءة القرآن، ليصبح بمثابة سفير لمصر فى عالم قراءة القرآن طيلة ما يقرب من 40 عامًا، فقرأ القرآن أمام أشهر ملوك ورؤساء وزعماء العالم، وجاب الدول الإسلامية فسافر إلى ماليزيا وإندونيسيا وبروناى وباكستان والهند وأميركا وكندا وجميع دول أوروبا، خصوصا فى رمضان، فكان يؤم المصلين فى مسجد عمر بن الخطاب فى دبى، ويشارك فى الدروس المحمدية فى الجزائر.

 

نعينع والشيخ مصطفى اسماعيل
نعينع والشيخ مصطفى اسماعيل

 

صديق الملوك والمطربين

عُرف نعينع بصداقاته مع عدد كبير من الملوك والرؤساء، منهم الملك حسين ملك الأردن الراحل، وأخوه الأمير الحسن بن طلال، وحسن بلقية سلطان بروناى، والملك الحسن الثانى ملك المغرب الراحل، وقد كان مستمعًا جيدًا للقرآن الكريم، ففى عام 1997 كان نعينع يقرأ قرآن الفجر، واستمع إليه الملك الحسن عبر إحدى القنوات الفضائية، فطلب من وزير أوقافه الاتصال بنعينع ودعوته للمشاركة فى إحياء ليالى شهر رمضان بالمملكة، ومن وقتها وهو يشارك فى ليالى الدروس الحسينية، وبعدها فى عهد الملك الحالى محمد السادس.

وكان أيضًا يذهب إلى دولة تركيا كل عام، حتى تعرَّض لاعتداء من شاب من جماعة الإخوان الارهابية بزعم إنه قارئ الرؤساء.

كل ذلك أدى إلى أن لقَّبه الجمهور بـ«قارئ الملوك»، وهو لقب لا يرفضه، لكنه يؤكد أنه غير مقصور فى قراءته على الهيئات والمناسبات الرسمية، فهو لا يتردد فى تلبية الدعوات من الجمهور والأصدقاء، ولأن دائرة صداقاته واسعة، فإنه كان صديقًا للموسيقار محمد عبدالوهاب، ويحب أن يستمع إليه، وقد استدعاه عبدالوهاب بعد أن استمع له فى الإذاعة التى تنقل صلاة الفجر من المرسى أبوالعباس بالإسكندرية.. وكان تعليقه: (صوتك أكثر من جميل.. صوتك دمه خفيف)، وكان نعينع يجالسه دائمًا كل يوم خميس الساعة التاسعة مساء وذلك من عام 1981 إلى عام 1991 فى منزله بالزمالك، وقد سجَّل لشركته 30 ساعة مجودة، وكان أيضًا عمار الشريعى ومحمد الموجى وكمال الطويل ومحمد الكحلاوى وعبدالحليم حافظ يحبون سماعه، ويرتبط نعينع كذلك بصداقات مع عمرو دياب وهانى شاكر وعلى الحجار. 

والتقى نعينع الشيخ الشعراوى، وقرأ أمامه فى عام 1970، وأعجب الشعراوى بصوته فقال له: (لقد نقلتنا من طب القوالب إلى طب القلوب)، وصارت صداقة بينهما وكانا يلتقيان فى الحسين واستراحته بالسيدة نفيسة. 

وينصح نعينع قارئ القرآن بالماء، فلا بُدَّ أن يكون جسمه مليئًا بالماء، حتى لا يجف ريقه، والنوم المبكر، والطعام الذى لا يحدث تخمة، والتدريب المستمر على القراءة، وبالنسبة للقراء فإن حفلات القراءة ذاتها تدريب، ويعجب من الذين يتقدمون لامتحان قراء القرآن الكريم وقد تجاوزوا الأربعين فهو يعتقد أن القارئ الحقيقى هو الذى يبدأ مشواره مع القراءة منذ الصغر.