الخميس 13 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لماذا عادت الأطباق الطائرة؟!

 قدر السماء أن تظل ميدان المواجهة بين الإنسان والمجهول، حيث يختلط الضوء بالظل، وتتراقص الحقيقة بين التأويل والخيال.



السماء دائمًا  تهتف بالغموض مرة بأضواء فوق واشنطن، ومرات  فوق البيت الأبيض والكابيتول، حيث ترقص أجسام مجهولة لا هى طائرات ولا هى مناطيد.

وتستمر القصص والروايات والتفاصيل التى تثير البعض وينكرها آخرون بينما يصدقها كثيرون.

 

 

 

فى صيف 1952، اهتزت سماء واشنطن العاصمة، كأن شيئًا غير مرئى يحاول أن يقرأ فهرس القلق البشرى. 

أضواء غامضة، تلمع فوق البيت الأبيض، وفوق مبنى الكابيتول، وفوق البنتاجون نفسه  أضواء لا تُشبه طائرة، ولا تُشبه منطادًا. 

رآها الناس من الأرض، ورصدتها شاشات الرادار فى مطار واشنطن الوطنى، وفى قاعدة بولينج الجوية على ضفاف نهر بوتوماك، وفى قاعدة أندروز القريبة.

ماذا كانت القصة؟

منذ عام 1947 وحتى 1951، سجّل تحقيق القوات الجوية الأمريكية نحو سبعمائة تقرير عن الأجسام الطائرة المجهولة، بمعدل يتعدى قليلًا مئة وخمسين تقريرًا سنويًا، ضمن مشروعات متعاقبة؛ من «ساين»، إلى «جرادج»، إلى « الكتاب الأزرق». كان العمل روتينيًا، جزءًا من نشاط الاستخبارات العسكرية اليومية، حتى جاء عام 1952، فخلخل الروتين، وأطلق موجةً من الدهشة والخوف معًا.

ابتدأ العام ببطء، أقل من مشاهدة واحدة لأجسام فى اليوم طوال الأشهر الثلاثة الأولى. لكن مع إبريل ومايو ارتفع المعدل إلى ثلاث مشاهدات يوميًا، ثم تضاعف فى يونيو. وفى نصف عام واحد، سُجِّل ما يقارب ثلاثمائة بلاغ، أى أربعة أضعاف المعدل السنوى المعتاد.

الدهشة الحقيقية تفجرت فى يوليو؛ إذ بلغ متوسط البلاغات ثمانية يوميًا خلال أسابيعه الثلاثة الأولى، ثم قفز الرقم فجأة،   إلى سبعة وعشرين بلاغًا فى اليوم الواحد. 

وبنهاية الشهر، كان مجموع التقارير قد بلغ أربعمائة، وهو رقم لم يعرفه ملف «مشروع  الكتاب الأزرق » من قبل.

فى «رايت فيلد»، دايتون، كان مكتب المشروع غارقًا فى زحمة لم يعهدها. 

الكابتن إدوارد جيه روبلت وفريقه يتلقون البلاغات عبر البريد والتلجراف والهاتف، بوتيرة أسرع من قدرتهم على التحليل.

بين الكم والكيف، برزت ليالٍ لا تُنسى؛ 19 و20 يوليو، 26 و27 يوليو، 2 و3 أغسطس. ثلاث موجات من نشاط مكثف فوق قلب السلطة الأمريكية، حيث البيت الأبيض والكابيتول والبنتاجون. 

أجسام تتحرك فى صمت، يراها طيارو الخطوط التجارية، ويلاحقها طيارو المقاتلات، وتلتقطها شاشات رادارات متعددة فى وقت واحد. 

وحين تتطابق الرؤية البصرية مع القراءة الإلكترونية، يزداد القلق، ويتضاعف الذهول.

فى برج المراقبة بمطار واشنطن الوطني، لمح «إد نوجنت» سبع ومضات بنفسجية باهتة على شاشة الرادار.

استدعى رئيسه، هارى بارنز، كبير مراقبى الحركة الجوية فى الخطوط الجوية الوطنية، ومازحه: «هذا أسطول من الأطباق الطائرة لك».

 

 

 

 وفى الطابق العلوي، شاهد المراقب جو زاكو وميضًا غريبًا على الشاشة، ثم أبصر من النافذة ضوءًا ساطعًا يحوم فى السماء.

تحقق زميله هوارد كوكلين من الرؤية، وقال فى ثقة مترددة: «إذا كنت تؤمن بالأطباق الطائرة، فهذه واحدة منها».

كانت ليلة السبت، 19 يوليو، واحدة من أشهر الليالى فى تاريخ الأجسام الطائرة المجهولة. قبل أن ينقضى الليل، سجّل طيار رؤية أجسام غامضة، ورصدتها شاشات الرادار فى قاعدتى أندروز وبولينج.

أقلعت مقاتلتان من طراز F-94 تبحثان عن الأجسام فوق سماء العاصمة، لتتسع الدائرة إلى أسابيع، وتتحول الظاهرة إلى حديث واشنطن بأسرها.

الأخبار انتشرت كالنار. 

الصحف أطلقت عناوين مثيرة: «الطائرات النفاثة تطارد أشباح العاصمة»، و«الصحن المقاتل يتفوق على النفاثة». 

حتى الرئيس ترومان طلب تقريرًا عمّا يحلق فوق منزله. 

عندها أدركت الحكومة الفيدرالية أن الظاهرة خرجت من حدود المراقبة العسكرية إلى الناس، فلم تطلق مدافعها ولا طائراتها فقط، بل أطلقت أقوى أسلحتها ؛ البيروقراطية والتعتيم الإعلامي.

بحلول منتصف يوليو، كان الكابتن روبلت يتلقى نحو أربعين تقريرًا يوميًا عن مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة. 

كثير منها زائف، لكن بعضها صادر عن طيارين ومواطنين محترمين.

على شاشات الرادار، ظهرت سبعة أهداف مجهولة على بعد حوالى خمسة عشر ميلاً جنوب شرق المدينة، تتحرك بسرعة متغيرة وغير متوقعة. انطلقت فرق الاعتراض بعد منتصف الليل، لكنها لم تعثر على شيء عند وصولها، لتختفى الأهداف ثم تعود لتظهر لاحقًا، كأن السماء تمارس خدعة غامضة.

فى البنتاجون، دعا اللواء جون سامفورد إلى مؤتمر صحفى هو الأوسع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، محاولًا تفسير أقاويل  الأطباق الفضائية المجهولة بـ«الانعكاسات الحرارية» الناجمة عن الانقلابات الجوية.

لكن المصطلحات العلمية المعقدة حولت تركيز الصحافة والجمهور إلى فكرة ساخرة:   ومع ذلك، بقى العديد من الشهود على يقين؛ ما رأوه لم يكن انعكاسًا، بل أجسامًا غير قابلة للتفسير.

بعدها، توافدت إشارات من وكالة المخابرات المركزية، تؤكد مشاهدات رادارية وبصرية متكررة، وتشير إلى تشكيل مجموعة دراسة خاصة لمراجعة الظاهرة.

 وبعد أيام قليلة، كتب إدوارد تاوس ملاحظة مضمونها أن سلسلة التقارير، طالما بقيت «غير قابلة للتفسير»، تتطلب استمرار الرقابة الاستخباراتية، وعدم استبعاد أى فرضية، بما فى ذلك الفرضية الفضائية.

وانعكس الاهتمام العلمى فى تشكيل لجنة فى يناير 1953، برئاسة عالم الفيزياء الفلكية د. هوارد بيرسى روبرتسون، وضمت علماء مثل لويس ألفاريز، وعُرفت بـ«لجنة روبرتسون».

 أوصت اللجنة بتخفيف الهالة الإعلامية حول الأجسام الطائرة المجهولة، بعد أن لم تسفر التحقيقات عن دليل قاطع يغير سياسة الأجهزة الفيدرالية.

هكذا، تحول صيف 1952 إلى صفحة غامضة فى تاريخ واشنطن: أضواء غامضة، أرقام وتقارير، مؤتمرات، ومذكرات استخباراتية، صارت الأضواء مرآة تعكس رعب زمن، زحفت مظلته فوق السماء فى وقت كانت فيه الأرض على حافة تاريخ جديد، تاركة خلفها أسئلة لم يجد البشر لها إجابات واضحة بعد.

نأتى إلى قصة ريندلشام الغامضة ريندلشام غابة غامضة، لا يشبهها مكان، ولن يشهد مثلها أحد، حتى من زارها بعد الجنود، ومن حاول تفسير ما حدث فيها.

 

 

 

وفى الساعات الأولى من عيد الميلاد عام 1980، أضاء شىء غريب سماء هذه الغابة الإنجليزية، محددًا فصلًا جديدًا من فصول الأجسام الطائرة المجهولة فى بريطانيا وفى العالم.

تقع ريندلشام، بين قاعدتين عسكريتين فى مقاطعة سوفولك، وها هى  تحولت فى لحظة إلى مسرح لغز خالد.

ولأن الحكاية فاقت حدود العابر والطارئ، أطلق عليها البعض اسم «روزويل بريطانيا»، فى إشارة إلى حادثة روزويل الشهيرة فى نيو مكسيكو، حيث تختلط الحقيقة بالأسطورة، والعلم بالخيال، وحيث يظل المجهول حاضرًا يحرس الصمت.

على مدار عدة ليالٍ، شهدت الغابة أضواءً غريبة وأجسامًا معدنية، وارتباكًا عسكريًا.

قصص شهود العيان، مثل الرقيب جيم بينيستون والطيار جون بوروز، بدأت تتناقل فى أوساط القوات الجوية البريطانية والأمريكية.

أكد الشهود رؤية جسم مثلث الشكل، طوله نحو تسعة أقدام وارتفاعه ستة أقدام ونصف قدم تقريبًا، سطحه أملس كالزجاج الأسود، عليه رموز محفورة تشبه الهيروغليفية المصرية، وأضواء تتنقل بين الأحمر والأزرق والأصفر، وكأنها تتحدى قوانين الطبيعة.

وفى صباح السادس والعشرين من ديسمبر، أبلغ الطيارون فى قاعدة وودبريدج الجوية الملكية عن أضواء تهبط فى الغابة، فدخل فريق صغير للتحقق، ليكتشفوا شيئًا أكثر غرابة من أى تفسير أرضى محتمل. لكن عندما عاد الرجال إلى القاعدة، كانت تقاريرهم اللاسلكية مرفوضة.

تصاعدت الأحداث ليلة الثامن والعشرين من ديسمبر، حين تولى المقدم تشارلز هالت، نائب قائد القاعدة، التحقيق بنفسه، مسلحًا بعداد جايجر وجهاز تسجيل صوتى وفريق من رجاله.

 وثّق هالت أضواء وامضة تتحرك بين الأشجار، تتفكك أحيانًا إلى أجسام متعددة، وتشع شعاعًا كأنه يمسح المكان أو يبحث فيه، مما زاد الغموض حول طبيعة هذه الظاهرة وجعل الغابة مشهدًا خالدًا فى سجل الأجسام الطائرة المجهولة.

أبلغ هالت لاحقًا أن الأجسام التى شاهدها عن قرب كانت تحت سيطرة ذكية، وأن أجهزة الأمن فى بريطانيا والولايات المتحدة حاولت تقليل أهمية ما حدث.

لكن  الأدلة المادية، ورغم التشكيك الرسمي، شملت علامات حروق ومنخفضات فى الأرض كأن شيئًا ثقيلًا سقط، وأشجارًا محروقة أو مكسورة، إضافة إلى تسجيل مستويات إشعاع أعلى من الخلفية الطبيعية. التقط الفريق صورًا وقراءات، لكن كثيرًا منها إما اختفى أو لم يُنشر رسميًا.

وهناك اكتشف المحققون ثلاثة منخفضات أرضية مرتبة على شكل مثلث، وظهرت على الأشجار المحيطة آثار حرق، فاعتبرها البعض دليلًا على هبوط مركبة فضائية، بينما رأى آخرون أنها نتاج تدخل بشرى أو عوامل طبيعية.

رغم كل الشهادات الموثقة، بقى النقاش مشتعلا؛ المؤيدون يرون التدريب العسكرى والوثائق الرسمية وتسجيل الصوت أثناء المواجهة والدليل المادى المحدود شاهدة على الحقيقة، بينما يشكك الآخرون بالمنارة والنجوم والطائرات وتراكم الذكريات البشرية. تظل الغابة صامتة، تحرس سرها كما لو أن الوقت نفسه لا يجرؤ على الاقتراب.

ظل الغموض يطوق الغابة، استمر الشهود مثل بينيستون وهالت فى الحديث علنًا عن تجاربهما، مؤكّدين أن ما شاهداه كان حقيقيًا، وأن المركبة أو الأضواء كانت أجسامًا طائرة.

لكن الحكومة البريطانية والقوات الجوية الأمريكية بقيتا صامتتين  مما زاد هالة الغموض حول الحادثة.

اليوم، أصبحت غابة ريندلشام مفتوحة للجمهور، مع مسار يوثق الحادثة، ليتمكن الزائر من السير على خطى الجنود، ورؤية الأشجار التى شهدت الظاهرة، واتخاذ قناعاته بنفسه.

ويبقى السؤال المحورى: هل كانت هذه الأجسام لنا أم لآخرين؟ وهل ما شهدته العيون البشرية حقيقة أم انعكاس للخيال الإنسانى؟

تبقى حادثتا واشنطن وريندلشام شاهدتين على أعماق الغموض الذى يحيط بالأجسام الطائرة المجهولة. بين شهادات العيان، القراءات الرادارية، والأدلة المحدودة، يظل السؤال قائمًا: هل ما شهدته العيون البشرية حقيقة أم مجرد انعكاس لتخيلاتنا؟ الغابة اليوم مفتوحة للزائرين، والتاريخ مسجل فى مذكرات وملاحظات رسمية، إلا أن الغموض لم يختفِ.

 وما شهد به الشهود فى واشنطن وريندلشام هو جزء فقط من أسرار أكبر، فقد تركت  وراءها أجزاء أخرى من الغموض لم تُحل بعد.