الخميس 6 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

د.ريهام عرام تجيب عن السؤال: لـماذا «المتحف الكبير»؟!

أدوات زينة
أدوات زينة

يُعد المتحف المصرى الكبير (GEM - Grand Egyptian Museum) أحد أهم المشاريع الثقافية والأثرية فى القرن الحادى والعشرين، ليس فقط فى مصر بل على مستوى العالم. لكن لماذا يُوصف بأنه «كبير»؟ هل يكفى حجمه الضخم ليكون الأكبر فى العالم؟ أم أن عظمته تكمن فى تصميمه ومحتواه المصرى الصميم الذى يعد شاهدًا على تفوق الإبداع البشرى؟ أم فى قيمته التاريخية وتأثيره الحضارى؟ 



إذا ما بدأنا بالحجم والمساحة؛ فإننا أمام تحفة معمارية ضخمة؛ حيث يقع المتحف على مساحة تبلغ نحو 500 ألف متر مربع بالقرب من أهرامات الجيزة، ما يجعله أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة فى العالم. فهو ليس الأضخم فحسب؛ ولكنه تفرّد بعرض محتويات الحضارة المصرية القديمة فقط وليس كباقى المتاحف التى اكتسبت شهرتها العالمية من جمع القطع بمختلف الطرق من مختلف بلاد العالم، فيتسع لعرض أكثر من 50 ألف قطعة أثرية، منها نحو 20 ألف قطعة تُعرض لأول مرة، ما يجعله كنزًا لا مثيل له. 

أمّا إذا تحدثنا عما يحتويه من القطع النادرة؛ فلا بُدّ أن نبدأ بكنوز توت عنخ آمون، فهو العرض الأكمل فى التاريخ لكنوز الملك منذ اكتشاف المقبرة فى 1922، فمن أبرز أسباب الإبهار فى المتحف أنه سيضم المجموعة الكاملة لآثار توت عنخ آمون التى تبلغ أكثر من 5 آلاف قطعة إما من الذهب الخالص، أو مكسوة بالذهب بما فى ذلك الأثاث الجنائزى للملك الشاب الذى لم يُعرض كاملاً من قبل. 

 

صلاية «منشية عزت» بالمتحف الكبير من عصر ما قبل الأسرات
صلاية «منشية عزت» بالمتحف الكبير من عصر ما قبل الأسرات

 

هذا يجعل المتحف وجهة لا غنى عنها لعشاق الحضارة المصرية القديمة، فمقبرة توت عنخ آمون تكمن أهميتها فى ما احتوته من كنوز لم يستطع اللصوص نهبها كما حدث فى المقابر الملكية الأخرى، فوصلت لنا فى حالة أشبه بالكمال جعلت العالم يذهل من عظمة الفن وثراء المقبرة الصغيرة للملك الصغير، وجعلت علماء الآثار وعشاق الحضارة المصرية القديمة يتساءلون: لو كان الملك الشاب الذى حكم مصر شهورًا قليلة يمتلك كل هذه الثروات، فيا ترى ماذا كان شكل الأثاث الجنائزى للملوك العظام، أمثال رمسيس الثانى أو تحتمس الثالث، الذين جابوا الأرض شرقا وغربا وفرضوا سطوتهم على ممالك الشرق آنذاك؟ 

أمّا الموقع، فهو عامل جذب متفرد وبديع: عند سفح الأهرامات، فلا يقتصر الأمر على ضخامة المبنى؛ بل موقعه الاستراتيجى بجوار أهرامات الجيزة يضيف بُعدًا سياحيًا وتاريخيًا استثنائيًا. فالمتحف ليس مجرد مكان لعرض الآثار؛ بل هو بوابة للزوار لفهم شموخ الحضارة المصرية القديمة فى إطارها الجغرافى الأصلى. 

المتحف المصرى أيضًا كبير بالتكنولوجيا المتطورة له، فهو متحف من القرن الحادى والعشرين؛ حيث يتميز المتحف بدمج التكنولوجيا الحديثة مع التاريخ، فيضم شاشات تفاعلية وتطبيقات الواقع الافتراضى لشرح التاريخ المصرى والديانة والتقاليد والقطع الأثرية بأسلوب شيق وجذاب يتماشى مع متطلبات العصر، كما يضم قاعات عرض متحفية ذكية تحافظ على الآثار فى بيئة مثالية ويعرض القطع فى ظل منظومة إضاءة متطورة تُبرز جمال القطع الأثرية وإبداع الفنان المصرى. 

المتحف المصرى كبير لأنه يحمل معنى الشمولية الحقيقية؛ ففيه سيستطيع ذوو الهمم التحرك بكل سلاسة ودون تعب من خلال مطالع ومنازل مجهزة خصيصًا وفقا لاحتياجاتهم، كما سيتمكن ذوو الإعاقة البصرية من قراءة اللوحات بطريقة برايل على لوحات الشرح أو الاستماع للشرح التاريخى من خلال السماعات، أما الأطفال فسيكون بإمكانهم القيام بالأنشطة الترفيهية الثقافية فى المتحف فى بيئة آمنة ومجهزة تكنولوجيًا بما يروى شغفهم وفضولهم لتعلم التاريخ أو الكتابة الهيروغليفية وتلقى العلم الذى يثرى وينير عقولهم بأسلوب شيق مستخدمًا الذكاء الصناعى وتقنيات التكنولوجيا الحديثة ليتناسب مع روح العصر ومتطلبات الأجيال الجديدة. المتحف مناسب لكل أفراد الأسرة وبه أيضًا المطاعم الشرقية المصرية، كما أنه مجهز بكل وسائل الراحة من مقاعد وأماكن استراحة ومصلى بحيث يقضى الزائر يومه فى أمان وراحة لا يشغله سوى متعة مشاهدة التاريخ المصرى.

المتحف المصرى الكبير رمز للهوية المصرية فى رؤيته التى تجمع بين الأصالة والحداثة، وفى رسالته كحارس للتاريخ المصرى العريق. إنه ليس متحفًا عاديًا؛ بل إرثٌ تتعلم منه الإنسانية بأكملها، يستحق أن يكون إحدى عجائب العالم المتحفية الحديثة. علاوة على دوره كعامل جذب رئيسى ومحركًا للتنمية السياحية فلا يهدف المتحف إلى الحفاظ على التراث فحسب؛ بل أيضًا إلى تعزيز مكانة مصر كوجهة ثقافية عالمية. ومن المتوقع أن يستقبل الملايين من الزوار سنويًا، ما يجعله محركًا اقتصاديًا مُهمًا لمصر. 

وبافتتاحه الرسمى، يكتب المتحف فصلًا جديدًا فى سجل الحضارة المصرية؛ ليظل شاهدًا على أن العظمة لا تُقاس بالحجم فقط؛ بل بما تحمله من قصصٍ تخلد عبر الزمن.